شاندرايان -2، مسبار قمري هندي رخيص
شاندرايان -2، مسبار قمري هندي رخيص

ألغت الهند إطلاق مسبارها الرخيص الذي خططت إرساله إلى القمر، الإثنين، قبل 56 دقيقة من الموعد المحدّد.

الإلغاء أتى لأسباب "تقنية" خلال مهمتها الثانية إلى القمر، مؤجلة إلى أجل غير مسمى طموحها أن تصبح رابع دولة في العالم تحطّ مركبة من صنعها على سطح القمر.

وأعلنت الهند سابقا مهمة منخفضة الكلفة إلى القمر، في خطوة مهمة لبرنامجها الفضائي الطموح.

وخططت وكالة الفضاء الهندية مهمتها "شاندرايان -2" من قاعدة سري هاري كوتا (جنوب شرقي الهند)، بعد تحضير طويل استمر 10 سنوات، قبل خمسة أيام فقط من الذكرى الخمسين لأول هبوط للإنسان على سطح القمر.

هدف المهمة يقتضي أيضا التركيز على مدى التقدم الذي أحرز في مجال السفر إلى الفضاء منذ القفزة "العملاقة" التي حققها نيل أرمسترونغ للبشرية من خلال مهمة أبولو 11 التي أصبح على إثرها أول إنسان يسير على سطح القمر.

وقد أنفقت الهند حوالى 140 مليون دولار لإعداد مسبار "شاندرايان -2" ليسافر مسافة 384 ألفا و400 كيلومتر من مركز ساتيش دوان الفضائي ويصل في 6 سبتمبر إلى القطب الجنوبي للقمر.

وللمقارنة، أنفقت الولايات المتحدة حوالى 25 مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 100 مليار دولار حاليا، في 15 مهمة ضمن برنامج أبولو الفضائي بما فيها المهمات الست التي أفضت إلى وضع أرمسترونغ وغيره من الرواد على سطح القمر.

أما الصين، فقد أرسلت مركبة "تشانغي 4" إلى القمر في يناير، وأنفقت 8,4 مليار دولار على برنامجها الفضائي بكامله في 2017، وفقا لأرقام المنظمة الدولية للتعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

وروسيا، البلد الأول الذي أرسل صاروخا غير مأهول إلى القمر في العام 1966، أنفقت أكثر مما يعادل اليوم 20 مليار دولار على المهمات إلى القمر في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.

إشعال السباق الفضائي

​​

 

 

وقد صممت كل أجزاء المسبار "شاندرايان -2" وصنعت في الهند. ومن المفترض استخدام الهند أقوى صواريخها "جي إس إل في إم كيه 3" لعملية إطلاق المسبار الذي يبلغ وزنه 2,4 طن والذي من المقرر أن تستمر مهمته حوالى سنة.

كما أعلنت الوكالة سابقا أن المسبار سيحمل مركبة الهبوط "فيكرام" التي يبلغ وزنها 1,4 طن والتي ستأخذ بدورها مركبة "براغيان" البالغ وزنها 27 كيلوغراما إلى سهل مرتفع بين حفرتين على القطب الجنوبي للقمر.

وقال رئيس المنظمة الهندية للأبحاث ك. سيفان إن هبوط "فيكرام" النهائي الذي يستغرق 15 دقيقة "سيكون أكثر اللحظات إثارة للرعب لأننا لم نقم بهذه المهمة المعقدة من قبل".

ويمكن لهذه المركبة التي تعمل بالطاقة الشمسية السفر لمسافة تصل إلى 500 متر ومن المتوقع أن تعمل لمدة يوم قمري واحد، أي ما يعادل 14 يوما على الأرض. وأوضح سيفان أن المسبار سيبحث عن إشارات لوجود المياه و"سجل أحفوري للنظام الشمسي المبكر".

ورغم ميزانيتها الصغيرة نسبيا، تثير هذه المهمة أسئلة حول طريقة تخصيص الأموال في بلاد ما زالت تكافح الجوع والفقر.

لكن الكبرياء الوطني على المحك، فقد تعهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بإرسال رحلة مأهولة إلى المدار بحلول العام 2022.

وقال ك. كاستوريرانغان وهو رئيس سابق للمنظمة الهندية "السؤال الأساسي هو ليس ما إذا كان يتوجب على الهند القيام بمثل هذه المشاريع الفضائية الطموحة، لكن ما إذا كان يمكن الهند تجاهلها".

وأوضح راجيسواري بيلاي راجاغوبالان رئيس السياسة الفضائية في مؤسسة "أوبزرفر" للأبحاث في نيودلهي، أن مهمة "شاندرايان -2" ستعزز سمعة الهند "في الوقت الذي تصبح فيه برامج الفضاء العالمية خصوصا الآسيوية تنافسية على نحو متزايد".

وقال أميتابها غوش وهو عالم من مهمة "روفر" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إلى المريخ، إن مكتسبات "شاندريان -2" ضخمة مقارنة بكلفتها.

وأضاف "إن مهمة فضائية معقدة مثل شاندرايان -2 تنقل رسالة مفادها أن الهند قادرة على تقديم مساعي تطوير التكنولوجيا الصعبة".

ومن جهة أخرى، قارن سكوت هوبار كبير الباحثين السابقين في وكالة "ناسا" والآن في جامعة ستانفورد فعالية المسبار الهندي "مانغاليان" بمهمة المركبة الفضائية الأميركية "مافن" من حيث الكلفة.

ورغم أن كليهما أطلقا في العام 2013، فقد كلفت "مايفن" 10 مرات أكثر، لكن "مانغاليان" الهندية صممت لتستمر لمدة سنة واحدة، بينما الأميركية صممت لتعمل لمدة عامين.

 وقال هوبارد "هذا فرق كبير في الكلفة. كما أن حمولة مانغاليان كانت 15 كيلوغراما فيما كانت مايفن قادر على أن تحمل 65 كيلوغراما بأدوات أكثر تطورا". وختم هوبارد "إذا أنت تحصل على مقابل ما تدفعه".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟