توعدت السلطات الروسية، الثلاثاء، المعارضة بالتعامل "بقسوة" مع التظاهرات غير المرخصة، وذلك بعد اعتقال مئات المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بتنظيم انتخابات حرة.
وقال نائب المدعي العام الروسي، ألكسندر بوكسمان، إن القضاء "يجب أن يمنع بقسوة أي عمل للمنظمين والمشاركين في أعمال عامة غير مشروعة او غير مرخص لها".
وتصريحات بوكسمان الذي نقلتها عنه وكالة الانباء ريا نوفوستي، تأتي بعد ثلاثة أيام على قمع عنيف لتظاهرة غير مرخص لها في موسكو، أدت إلى توقيف حوالى 1400 شخص.
والسبت، شارك نحو 3500 شخص في التظاهرة، وفق الأرقام الرسمية، التي جاءت تنديداً بمنع السلطات لمرشحين بارزين من المعارضة من الترشح للانتخابات المحلية في موسكو.
واستخدمت الشرطة الهراوات ضد المتظاهرين فيما كانوا يحاولون التجمع خارج مقر البلدية السبت، بحسب مراسلين لوكالة فرانس برس في المكان شاهدوا متظاهرين مصابين بجروح.
وجاءت التظاهرات الجديدة مع تصاعد الغضب العام من انحدار مستوى المعيشة الذي أضرّ بنسب تأييد الرئيس فلاديمير بوتين.
كما جاءت بعد أسبوع من مشاركة 22 ألف شخص في تظاهرة دعوا فيها السلطات إلى العدول عن قرارها قبل الانتخابات.
بعد تظاهرة الأسبوع الماضي، دهم محققون بيوت ومقار عدد من المرشحين الذين منعت ترشيحاتهم. ودين المعارض للكرملين، أليكسي نافالني، بالسجن ثلاثين يوماً بسبب دعوته لتظاهرات جديدة.
وأعلنت أولغا ميخاييلوفا محاميةنافالني، الاثنين، أنه تعرّض "للتسميم" بمادة "كيمياوية غير معروفة" خلال وجوده في السجن.
كما اعتقل بعض المرشحين المستبعدين قبل وخلال التجمع السبت. ومن بينهم إيليا ياشين الذي دعا لتظاهرة أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبلة.
من الحرب إلى البحر.. قصص عن "عشوائية النزوح" في لبنان
أسرار شبارو - بيروت
08 أكتوبر 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
Share on WhatsApp
على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، تجلس "أم محمد" على كرسي بلاستيكي أمام خيمتها، تحدق في الأفق بعيون يملؤها الحزن، تبدو كأنها تغرق في أمواج الحياة المتلاطمة. بصوت خافت تقول "من بيتي المتواضع إلى هذه الخيمة... هكذا تبدّلت حياتنا بين ليلة وضحاها. البحر الذي كان رمزاً للأمل، أصبح الآن مرآة تعكس مأساتنا".
لم تكن "أم محمد" على الشاطئ للاستجمام كما هو معتاد، بل دفعها النزاع بين حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، وإسرائيل إلى النزوح من منزلها في الضاحية الجنوبية، فمع تصاعد القصف على معقل الحزب في حارة حريك، اضطرت للفرار مع عائلتها سيراً على الأقدام، تاركة خلفها أغراضها وذكريات.
وتقول المرأة الهادئة التي رسم الزمن تجاعيده على وجهها، حيث تختبئ خلف كل خط حكاية من الصبر والتحمل، "نزحنا يوم القصف المرعب حين جرى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، قضينا ليلتنا الأولى في العراء على الشاطئ، وفي الصباح ذهبنا إلى طرابلس بحثاً عن منزل للإيجار، لكن الأسعار كانت خيالية، ولم نجد مأوى في مراكز الإيواء المكتظة، فعدنا إلى بيروت ونصبنا خيمتنا هنا".
تروي "أم محمد"، لموقع "الحرة"، كيف تحولت الخيمة التي نصبها أبناؤها بأدوات بسيطة من بطانيات وأقمشة إلى ملاذ هش في مواجهة معاناة أكبر، وتقول "الحرارة خانقة، فالأقمشة التي نستخدمها لا تقينا حرارة الشمس. وفي إحدى الليالي الماطرة، غمرت المياه الخيمة، ما اضطررنا للوقوف ساعات بانتظار أن يحل الصباح وتجف المياه، ويبقى القلق الأكبر مما سيحمله لنا الشتاء".
وتضيف "الرمال تغطي كل شيء، الفرش والملابس والأواني، لا كهرباء ولا مياه عذبة، فيما اضطر لمشاركة الحمام مع نساء أخريات، بينما يلجأ ولداي للاستحمام في البحر".
تعاني "أم محمد" كغيرها العديد من العائلات اللبنانية والسورية التي وجدت نفسها في ظل التصعيد العسكري الأخير بلا مأوى، وسط أزمة سكنية غير مسبوقة. وبينما تمكّن بعض النازحين من اللجوء إلى منازل أقاربهم أو استئجار مساكن مؤقتة، تبقى عائلات كثيرة مجبرة على النوم في العراء أو داخل خيام مؤقتة على الأرصفة والشواطئ
وتستمر حركة النزوح من المناطق التي تتعرض للقصف، إذ وصل العدد الإجمالي للنازحين إلى 179,500 نازح، موزعين على 37,000 عائلة في مراكز الإيواء. وقد سجلت النسبة الأعلى من النازحين في منطقتي جبل لبنان وبيروت، وذلك وفقاً لتقرير لجنة الطوارئ الحكومية.
كما قال التقرير إنه تم فتح 973 مركزاً لاستقبال النازحين حتى يوم الاثنين، وقد وصل 773 مركزاً منها إلى الحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية.
عالمان مختلفان
تنظر "أم محمد" بأسى إلى الأبنية الفاخرة التي تحيط بالشاطئ، وتقول "نعيش تحت نفس السماء مع قاطني هذه الأبنية، لكننا في عالمين مختلفين تماماً، كل يوم أشعر وكأني أغرق في بحر من اليأس".
كانت العائلة تعيش حياة كريمة في حلب قبل أن تدمر الحرب منزلها، وبعدما نزحت إلى بيروت اعتقدت أنها نهاية المعاناة، لتتفاجأ أن المعاناة مستمرة فيما باتت العودة إلى سوريا مستحيلة، كون ولديها مطلوبان للخدمة العسكرية الإلزامية، وتقول "نعيش في مواجهة يومية مع صعوبات الحياة والمستقبل المجهول، حيث يمثل كل يوم معركة جديدة للبقاء".
وكما "أم محمد"، تتقاسم ريما وأسرتها مساحة ضيقة في شبه خيمة على كورنيش عين المريسة في بيروت، بعد فشلهم في العثور على مأوى في مراكز الإيواء المكتظة.
كانت ريما تعيش في تحويطة الغدير بالضاحية الجنوبية، حين أجبرت وأهالي الحي على إخلاء منازلهم بعد تلقيهم تحذيرات من الجيش الإسرائيلي. لم يكن أمامها سوى بضع لحظات لجمع أفراد أسرتها والهروب، وسط أمل ضئيل في النجاة.
وتقول "نعيش الآن في الشارع. لدي سبعة أطفال، أحدهم يعاني من التوحد. نحاول التأقلم لكن الوضع صعب جداً. ليس لدينا أي شيء، لا فرش ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة، نرتجف من البرد طوال الليل ونخشى الاستمرار على هذا الحال".
أصوات الأمواج التي تضرب الشاطئ ليلاً تزيد من معاناة ريما وعائلتها، وتقول "كأنها تذكرنا بكل ما فقدناه، وأبسط مثال على ذلك، أنه حين نضطر لاستخدام مرحاض نقصد مطعم قريب أما الاستحمام ففي البحر"، وتشير إلى أنها فقدت منزلها في الضاحية بعدما دمّر منزلها في بلدتها عين قانا الجنوبية.
ويشهد لبنان التصعيد الأكبر في النزاع بين حزب الله وإسرائيل منذ عام 2006، كما أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان، موضحة أن أكثر من 70% من مراكز الإيواء في لبنان قد امتلأت، وفقاً للسلطات المحلية.
وأضافت المنظمة أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث "نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم".
وفي هذا السياق، قالت المنسقة الطبية للمنظمة في لبنان، الدكتورة لونا حمّاد، "تجلى العائلات من منازلها بحثاً عن الأمان. والكثير منها يبحث عن مأوى في ملاجئ غير مهيأة ومكتظة. النازحون هم من الفئات الأشد حاجة، هم أطفال ونساء ومسنّون وأشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية الخاصة، ويعيشون في ظروف مزرية بما في ذلك محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والاحتياجات مهولة".
وأكدت حمّاد أن "الكثير من النازحين هم أطفال يعانون من الصدمة بسبب العنف، والخوف من القصف، وفقدان منازلهم".
يذكر أن لبنان يمر في ظل أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
كارثة تجتاح لبنان
جلست رتيبة مع أولادها وأقاربها على كورنيش عين المريسة، على قطعة من السجاد، مستذكرة اللحظات المرعبة التي عاشوها أثناء قصف منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، الذي وقع على بعد 50 متراً منهم.
وتشرح رتيبة، لموقع "الحرة"، "بدأ أطفالي بالصراخ. هربنا سيراً على الأقدام، ليقوم بعدها شبان بنقلنا إلى منطقة قصقص في بيروت عبر دراجات نارية. قيل لنا إن النازحين يتوجهون إلى عين المريسة، فتوجهنا إلى هناك، لنمضي ليلتنا ونحن نرتجف من البرد والخوف، وفي الصباح خاطرنا وذهبنا إلى المنزل لجلب بعض الأغراض".
رغم محاولاتها المتكررة للعثور على مأوى في مراكز الإيواء، تواجه رتيبة صعوبة كبيرة، حيث جميع المراكز ممتلئة. وتوضح قائلة "نحن خمس عائلات لا نرغب بالابتعاد عن بعضنا البعض، كما أن لدينا عدداً كبيراً من الأطفال، مما يجعل من الصعب قبولنا في مراكز الإيواء."
ما يزيد من وجع رتيبة ملاحظتها "وجود تمييز في توزيع المساعدات، سواء كانت فرشاً أو بطانيات أو مواد غذائية"، وتشدد "الأولوية دائمًا للبنانيين، لم نحصل حتى على خيام، فلا زلنا ننام في العراء على الحصيرة".
وتقول "نحن من حلب، هربنا من هناك في العام 2015، على أمل أن نعثر على الأمن والأمان لكننا اليوم نعجز عن تأمين سقف يحمينا وحليب لأطفالنا".
يذكر أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت، في بيان، عن دعوة المفوض السامي، فيليبو غراندي، لتوفير المزيد من الدعم الدولي لوضع حدّ للكارثة الإنسانية التي تجتاح لبنان.
وقال غراندي "مع نزوح أعداد كبيرة من الأشخاص داخل البلاد خلال أسبوعين فقط، باتت المآوي التي تديرها الحكومة مثقلة للغاية. تعمل المفوضية مع الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية على إيجاد مأوى آمن وبشكل عاجل لكل من هو دون مكان يأوي إليه".
وعبّر غراندي عن تقديره للكرم الذي يبديه لبنان في استضافة العديد من اللاجئين على مر السنين "بمن فيهم أولئك الذين أُجبروا على الفرار من سوريا، على الرغم من التحديات الجمة التي تواجه البلاد"، والآن، يضطر هؤلاء اللاجئون كما قال "للفرار مرة أخرى، في ظل نقص حاد في الموارد، وغياب أماكن آمنة يمكنهم التوجه إليها".