سكان في العاصمة الإندونيسية جكارتا يقفون خارج منازلهم إثر اهتزاز المباني من قوة زلزال ضرب جنوب غربي البلاد
سكان في العاصمة الإندونيسية جكارتا يقفون خارج منازلهم إثر اهتزاز المباني من قوة زلزال ضرب جنوب غربي البلاد

تعرضت جزيرة جاوة الإندونيسية لزلزال قوي، الجمعة، بقوة 7.4 درجات وسط تحذيرات من التسونامي. 

وضرب الزلزال في عمق ضحل بلغ عشرة كيلومترات بالقرب من سواحل الجزيرة، وعلى مسافة تبلغ 147 كيلومترا من سومور جنوب غربي العاصمة جاكرتا. 

وأدى الزلزال إلى اهتزاز المباني في العاصمة الإندونيسية.

جزر كوك
جزر كوك

دولة بحجم مدينة، وتتألف من جزر متناثرة وسط المحيط الهادئ على مساحة مليوني كيلومتر مربع.

بينها وبين نيوزيلاندا ـ جارتها الكبيرة التي توفر لها الحماية ـ أزمة دبلوماسية.

والسبب هو الصين.

يبدو أن بكين قررت أن خوض مغامرة جديدة لبسط نفوذها في منطقة الهادئ؛ وهذه المرة من بوابة جزر كوك، الصغيرة المحيطة بدولتين كبيرتين هما أستراليا ونيوزيلاندا.

تتألف "جزر كوك" من حوالي 15جزيرة. وفي المجموع، تقول الموسوعة البريطانية، تعادل مساحة مدينة متوسطة الحجم، بمساحة غرينلاند تقريبا.

رئيس الدولة الرسمي هو ملك بريطانيا، ويمثله مندوب معين في الجزر، إلى جانب ممثل عن حكومة نيوزيلندا بلقب "المفوض الأعلى".

ورأس السلطة التنفيذية رئيس الوزراء الذي يعينه برلمان الجزر.

"جزر كوك تقع تحت سيطرة نيوزيلندا، على الأقل من ناحية السياسة الخارجية والدفاعية،" يقول ريتشارد وايتز، المحلل السياسي العسكري الأميركي في معهد هدسون، لموقع "الحرة".

ويرى أن رغبة الصين في كسب النفوذ هناك "يثير قلق" نيوزيلاندا، وغيرها من دول المنطقة والعالم.

أصل الأزمة؟

تقول ونيوزيلاندا إن الجزر لم تتشاور معها بشأن خططها لزيادة التعاون مع الصين، وتحديدا ما يتعلق بسفر رئيس وزراء الجزر، مارك براون، إلى الصين لتوقيع "شراكة استراتيجية شاملة" تشمل العديد من المجالات، من التجارة والسياحة إلى الطاقة المتجددة.

لم تؤكد الصين زيارة براون، لكن وزارة الخارجية الصينية وصفت جزر كوك بأنها شريك مهم في جنوب المحيط الهادئ.

"تعتقد الصين أن نيوزيلندا وجزر كوك شريكان مهمان للصين"، قال متحدث باسم الوزارة. وأضاف أن علاقات الصين مع الدولة الواقعة في المحيط الهادئ لا تستهدف أي طرف ثالث.

التقارب بين بكين وجزر كوك أزعج نيوزيلندا بسبب، لأسباب منها نفوذ الصين المتعاظم في المنطقة.

كانت جزر كوك مستعمرة تابعة لنيوزيلندا منذ عام 1901 إلى أن اتفقا عام 1965على تمتع الجزر بالحكم الذاتي و"الارتباط الحر"، على تتولى نيوزيلندا مسؤولية الدفاع والأمن والشؤون الخارجية لـ"كوك".

ويحمل مواطنوها البالغ عددهم حوالي 17 ألف شخص الجنسية النيوزيلندية.

وتقول نيوزيلندا إنها قدمت المساعدات لجارتها لتحسين البنية الأساسية وتنمية الاقتصاد.

وأدى تغيير الوضع في عام 1965 إلى شعور الجزر بالاستقلال، وبالفعل شقت طريقها في تطوير العلاقات مع بلدان المنطقة، ودخلت في معاهدات، وانضمت إلى منظمات دولية، مثل اليونسكو والبنك الآسيوي للتنمية.

في 6 فبراير، أعلن رئيس وزراء الجزر مارك براون عن "خطة تحرك مشتركة" من أجل "شراكة استراتيجية شاملة" مع الصين، وقال إنه يسعى لتوسيع الفرص الاقتصادية "مع ضمان بقاء سيادتنا ومصالحنا الوطنية في المقدمة".

واللافت أن الاتفاق المتوقع مع الصين يأتي بعد خلافات في الأسابيع القليلة الماضية مع نيوزيلاندا بشأن مقترح لاستصدار جواز سفر خاص بجزر كوك، التي يستخدم سكانها حاليا جوازات سفر نيوزيلندية.

اعترضت نيوزييلندا. وقالت إنها لن تدعم هذه الخطة إلا إذا صوتت جزر كوك لصالح الاستقلال الكامل وتخلى مواطنوها عن جوازات سفرهم النيوزيلندية.

ومع تصاعد الموقف، أعلن رئيس الوزراء النيوزلندي، كريستوفر لوكسون، الاثنين، أن بلاده تتوقع الشفافية والتشاور مع جزر كوك. وقال: "بموجب ترتيباتنا الدستورية، نتوقع، مناقشة مسائل الدفاع والأمن بشفافية بين الشركاء. هذا كل ما نطلبه هنا".

واتهم متحدث باسم الخارجية النيوزيلندية براون بإخفاء الأمر عن الحكومة النيوزيلندية.

وقال المتحدث إن الاطلاع على الاتفاق المقترح من شأنه أن يسمح لنيوزيلندا "التحقق" من أنه "لا يمثل خطرا على مصلحتنا الوطنية الأساسية".

ورد براون: "ليست هناك حاجة لنيوزيلندا لتكون في الغرفة".  وقال إن الاتفاقية مع الصين لا تتعلق بالأمن أو الشرطة وبالتالي لا تتطلب أن تحصل الجزر على توقيع من جارتها القريبة.

مخاوف من نفوذ صيني في المنطقة

ويأتي هذا المنعطف الدبلوماسي وسط مخاوف في نيوزيلندا وأستراليا والولايات المتحدة من نفوذ الصين في منطقة المحيط الهادئ، بما تحمله المنطقة أهمية استراتيجية لأمن دول المنطقة.

وتعمل بكين منذ سنوات على إبرام شراكات في منطقة الهادئ، بتجاهل واضح للروابط التاريخية بين دول المنطقة.

لمواجهة هذا النفوذ، أبرمت أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة اتفاقيات مع دول، بما في ذلك توفالو وناورو وبابوا غينيا الجديدة.

تقع جزر كوك بالقرب من أستراليا ونيوزيلندا

وتهدف الاتفاقيات بين هذه الدول إلى تعزيز مكانتها كشركاء أمنيين رئيسيين في المنطقة.

ومع ذلك، فقد خلخلت الأزمة الأخيرة مع جزر كوك الثقة في هذه الجهود، بعدما بدا أن نيوزيلندا تفقد نفوذها على الجزر المجاورة.

يقول وايتز لموقع الحرة إن ما يبعث على القلق أن الصين بعيدة نسبيا عن جزر كوك، وتعتبر أقرب كثيرا إلى حلفائها الغربيين.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيه مثل هذا الأمر، ففي السنوات القليلة الماضية، لجأت العديد من جزر جنوب المحيط الهادئ إلى الصين لشعورها أنها لم تحصل على ما يكفي من أستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا والولايات المتحدة.

تاريخ ومستقبل

وفي سياق المنافسة الإقليمية، جاءت تحركات جزر كوك ويبدو أنها أجبرت حكومة نيوزيلندا على مدها بمزيد من المساعدة.

كانت نيوزيلندا قد دخلت أيضا في صدام مع جريرة أخرى في المحيط الهادي، هي جمهورية كيريباتي، بعدما أعلنت الحكومة النيوزيلاندية عن مراجعة مساعداتها للجزيرة بسبب رفض مسؤول كبير هاك لقاء وزير الخارجية النيوزيلاندي.

ووفقا لمعهد لوي الأسترالي، وهو معهد بحثي يتابع العلاقات الاستراتيجية لأستراليا ومنطقة الهاديء، شكلت المساعدات الخارجية 18 في المئة من الدخل القومي لكيريباتي في عام 2022 وكانت نيوزيلندا من بين أكبر مانحيها.

على الرغم من كونها من بين أقل البلدان سكانا، فإن كيريباتي لديها واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في العالم.

وقربها النسبي من هاواي والقواعد العسكرية للولايات المتحدة في غوام، يمنحها أهمية استراتيجية ويدفع القوى الكبرى إلى المنافسة بشأنها.

وفي عام 2019، أشرف الرئيس ماماو، المؤيد لبكين، على تحول كيريباتي من تأييد تايوان إلى الصين، وأشرف على توقيع نحو 10 اتفاقيات معها في عام 2022.

وأعرب مسؤلون أمنيون في منطقة المحيط الهادئ، من أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، عن قلقهم إزاء وجود ضباط صينيين يرتدون الزي الرسمي في كيريباتي وجزر سليمان.

وعزز موقف حكومة جزر كوك المخاوف بشأن نفوذ بكين في المنطقة.

وتفاصيل الاتفاق بين جزر كوك والصين غير واضحة.

واكتفى براون بالقول إن الاتفاق من شأنه أن يعزز التعاون في التجارة والسياحة والطاقة المتجددة والزراعة والبنية الأساسية والتطوير البحري والمحيطي، بما في ذلك الشحن والتعدين في أعماق البحار.

ومن اللافت أن الصين دفعت بهذه الخطوة بعد أن أغلق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باب المساعدات الخارجية الأميركية. وكانت الولايات المتحدة ضمن الممولين للمشاريع الصحية والاجتماعية في المنطقة.

تقول "سي.أن.أن" إن واشنطن زادت في عهد الرئيس السابق، جو بايدن، المساعدات الدفاعية والأمنية لمنطقة المحيط الهادئ لمواجهة النفوذ الإقليمي الصيني.

ووقعت واشنطن اتفاقيات أمنية مع بابوا غينيا الجديدة وفيجي، وجددت اتفاقيات الارتباط الحر مع بالاو، وجزر ميكرونيسيا وجزر مارشال، وافتتحت سفارة في جزر سليمان.

لكن المساعدات الأميركية لمنطقة المحيط الهادئ لم تمثل سوى 7 في المئة من التمويل الخارجي للمنطقة في عام 2022، وفقا لخريطة المساعدات للمحيط الهادئ لمعهد لوي.

ومع عودة ترامب إلى السلطة، تزداد المخاوف هناك من أن تعليق عمل الوكالة الدولية للتنمية الدولية وانسحاب واشنطن الوشيك من منظمة الصحة سيكون له تأثير على المساعدات الاقتصادية والصحية المقدمة لدول المحيط الهادئ.

طرف آخر مهم

وبالتزامن مع ذلك يبدو أن الصين تزيد مساعداتها لدول في المنطقة.

وفي نوفمبر الماضي، أفاد تقرير لمعهد لوي أن الصين استعادت مكانتها كثاني أكبر مانح ثنائي لجزر المحيط الهادئ.

وأظهرت خريطة المساعدات السنوية للمحيط الهادئ الصادرة عن معهد لوي أن الصين كثفت مشاريعها في عام 2022 بعد فترة هدوء بسبب الوباء، إذ قدمت 256 مليون دولار، بزيادة 6 في المئة عن العام السابق

وأسفرت هذه الزيادة عن استعادة بكين مكانتها كثاني أكبر مانح ثنائي في المنطقة بعد أستراليا.

وذكر التقرير أن "بكين خرجت من حالة الركود الناجمة عن الوباء بنموذج أكثر تنافسية واستهدافا سياسيا للمشاركة في المساعدات. وتشارك الصين في أشكال جديدة من المساعدات، ولا سيما في استخدام التحويلات المباشرة من الميزانية الحكومية".

وذكر التقرير أنه من عام 2008 إلى عام 2016، كانت الصين مسؤولة عن 89 في المئة من الديون في المحيط الهادئ وثلث جميع أعمال البنية التحتية الثنائية في المنطقة.

وبحلول نهاية عام 2016، أقرضت البنوك الصينية أكثر من 1.1 مليار دولار للمنطقة، وهو ما أثار مخاوف من أن المنطقة تخاطر بأن تصبح أكثر عرضة للضغوط الدبلوماسية من بكين.

وفي عام 2022، بدا أن الصين تغير استراتيجيتها، فزادت المنح المقدمة إلى منطقة المحيط الهادئ، حسبما ذكر التقرير.

وأعلنت الصين عن أكبر مشروع ممول بالمنح الصينية في المنطقة العام الماضي، وهو مشروع تطوير طريق فانوا ليفو في فيجي بقيمة 135 مليون دولار.

لكن تظل أستراليا أكبر مانح لجزر المحيط الهادئ، إذ تحتل البنوك الإنمائية المتعددة الأطراف المرتبة الثانية والثالثة من حيث أكبر مصادر تمويل التنمية بشكل عام.

في عام 2022، تعهدت مؤسسة تمويل البنية التحتية الأسترالية لمنطقة المحيط الهادئ بتقديم ما يقرب من 750 مليون دولار لمشاريع في بابوا غينيا الجديدة وفيجي وميكرونيزيا وناورو وبالاو في، في محاولة لإزاحة هيمنة الصين في مجال البنية التحتية.

ويوضح تقرير لمعهد الولايات المتحدة للسلام أنه ليس لدى الصين سفارة في جزر كوك، والسفير الصيني في نيوزيلندا هو المسؤول عن العلاقات الدبلوماسية مع جزر كوك

لكن جزر كوك هي واحدة من تسع دول جزر في المحيط الهادئ شاركت في أول اجتماع لوزراء خارجية الصين ودول جزر المحيط الهادئ في عام 2021.

ويعتقد وايتز أن الطموحات الصينية تتلخص في السيطرة على كامل المحيط الهادئ، وعلى الأقل غرب هاواي. ويقول: "هم يريدون إعادة ترسيخ نفوذهم هناك".

وربما يمكن للصينيين من خلال هذا النفوة استخدام جزر كوك قاعدة لمراقبة ما يحدث في أستراليا ونيوزيلندا وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين.

وربما يمكنهم استخدامها لكسب النفوذ السياسي في حملتهم ضد تايوان واليابان، أو حتى إقامة قاعدة اقتصادية للشحن أو مركز إقليمي للسياحة.

وهذا ما قد يفسر رغبة الصين في التقارب مع جز كوك رغم المسافات.