#الحرة_تتحرى - سلاح روسيا... حلم الصدارة المستحيل

حسين الرزاز- واشنطن

تتزايد المخاوف من عودة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة في ظل التوتر المتصاعد بينهما.

تحت عنوان " سلاح روسيا... حلم الصدارة المستحيل"، يجيب برنامج "الحرة تتحرى" عن مجموعة من التساؤلات بينها، ما الذي تقدمه موسكو من أسلحة لقائمة من العملاء؟ وهل تستحق هذه المعدات المال الذي يدفع فيها؟ ما هي الخدمات المشبوهة التي تقدمها روسيا ولا يقدمه غيرها؟ ولماذا لن تتمكن روسيا تصدر التصنيف العالمي للدول المصدرة للسلاح؟

في يوليو 2019، هبطت طائرة روسية في أنقرة، تحمل أولى شحنات صواريخ الدفاع الجوي إس 400 إلى تركيا، في سابقة لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي.

ريتشارد وايز، مدير مركز الدراسات السياسية والعسكرية بمعهد هدسون، قال لـ"الحرة" "إنهم يعتقدون أنه يمكن أن يحصلوا على نوع من النفوذ ولذلك أعتقد أن هذا هو سبب تدخلهم في تركيا. هم يعتقدون أنهم سيغرون تركيا بهذه الأسلحة لإبعادها عن حلفائها".

استغلت موسكو ميل نظام رجب طيب أردوغان لمعاداة الغرب، وسعيه إلى تكوين تحالف جديد مع كل من روسيا وإيران، في بيعه نظام دفاع جوي لم يتم اختباره في قتال حقيقي من قبل ولا تعرف كفاءة قدراته حتى الآن. 

باتريك تاكر، المحرر التقني لموقع Defense One، قال لـ"الحرة" إن "بعضا من أهم الأنظمة الروسية الجديدة مثل صواريخ س 400، لم يتم اختبارها في قتال فعلي. كان للروس موقعان لـ إس 400 في سوريا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قامت بضرب أهداف تابعة لنظام الأسد، فإن المنظومة الروسية لم تستخدم للتصدي للطائرات الأميركية وهذا شيء يدعو للتعجب".

أزمة شراء تركيا لصواريخ إس 400، هي مشهد واحد فقط من مشاهد عدة ضمن تصعيد روسي غير مسبوق يقوده فلاديمير بوتين ضد الولايات المتحدة.

تاكر أوضح أن المسؤولين الأميركيين يصفون نوايا بوتين بأنها محاولة لإضعاف الإرادة الدولية والتماسك الغربي عن محاسبة روسيا على أفعالها، وبالتالي فإن التغلب على الولايات المتحدة جزء كبير من تلك الأجندة. 

سلوك بوتين المتهور هذا، يستدعي إلى الذاكرة حقبة الحرب الباردة التي انتهت في  ديسمبر عام 1992 بتفكك الاتحاد السوفيتي، بعد حوالي نصف قرن من محاولات للتفوق على الولايات المتحدة.

حقبة كان السوفييت يخصصون فيها ما يقارب 20 في المئة من دخل البلاد للإنفاق العسكري، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار الاقتصاد ومن بعده الدولة التي كانت قوة عظمى. 

أنفق الاتحاد السوفياتي الكثير، كان يحاول منافسة الولايات المتحدة ولكنه لم يستطع ذلك لأن اقتصاده كان محدودا، كما أوضح وايز.

سايمون ويزمان من معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام قال لـ"الحرة" إنه "عندما انهار الاتحاد السوفياتي، كان لديه صناعة عسكرية ضخمة ذهب معظمها إلى روسيا، وفي الوقت نفسه انهار الاقتصاد وبالتالي لم يكن أمام هذه الصناعة الكثير لتفعله. طلبات قليلة جدًا، لذا كانت تكافح من أجل البقاء".

بالإضافة إلى ما ورثته روسيا من أصول الصناعة الحربية، ورثت أيضا قائمة من الزبائن التقليديين للأسلحة السوفيتية. واعتمادا على تصدير السلاح، وبدون شروط مسبقة، لدول أغلبها ذات أنظمة شمولية سيئة السمعة، استمرت الصناعة الحربية الروسية رغم ضعف أرقام التصدير.

وبحسب ويزمان، فإنه خلال عقد التسعينيات كانت صناعة الأسلحة الروسية تعيش على الصادرات، وهي السبب الوحيد وراء استمرارها ووجودها حتى اليوم. 

لكن يبدو أن روسيا لم تتعلم الدرس من انهيار الاتحاد السوفيتي، فمنذ مطلع الألفية الثالثة، ومع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، بدأت روسيا سباق تسلح جديد وغير مبرر مع الولايات المتحدة.

جنون عظمة الرئيس، رفع الإنفاق العسكري الروسي إلى مستوى غير مسبوق، وهو ارتفاع اعتمد على اقتصاد هش قائم بشكل شبه كامل على تصدير النفط والغاز.

وأشار ويزمان إلى "تقلب أسعار النفط والغاز وبالطبع فإن على الدولة التي يعتمد اقتصادها على صادرات النفط أن تغير أسلوبها، فليس هناك ما يضمن الاستمرارية، هذه هي المشكلة والأمر يختلف عن دول أخرى لديها اقتصاد أكبر وأكثر استقرارا".

إلا أن روسيا أجبرت منذ عام 2016، ومع تراجع أسعار النفط والغاز، على خفض إنفاقها العسكري وأصبحت أحلام بوتين في مهب الريح. ولكن بقيت ورقة واحدة، وضع الرئيس كل رهانه اليائس عليها.

وأشار تاكر إلى "أنهم يطمحون لتعويض اعتمادهم الكبير على النفط عن طريق زيادة صادراتهم من الأسلحة، فهم لم يتمكنوا من تصدير أي شيء آخر غيرها. وهذا جزء متزايد مما يصدرونه، لكنه لا يشكل غالبية الصادرات".

وتابع "لذا سيظل هذا الاقتصاد، طالما هو تحت حكم فلاديمير بوتين، اقتصادا محدودا بشكل لا يصدق، لن يكون منافسًا لاقتصاد الولايات المتحدة ولن يكون حتى منافسا لاقتصاد الصين".

في تجارة حجمها حوالي 40 مليار دولار سنويا، تنفرد الولايات المتحدة بالمركز الأول كأكبر الدول المصدرة للسلاح وبنسبة تتجاوز الثلث من حجم المبيعات العالمية.

في المركز الثاني، تأتي روسيا اعتمادا على زبائنها التقليديين مثل الهند والصين والجزائر، وهي جيوش استمرت في استخدام السلاح الروسي من بعد السوفيتي، ليس بسبب كفاءته ولكن بسبب التعود عليه لعقود طويلة.

يقول ويزمان "ورثت روسيا أيضا بعض الأسواق من الاتحاد السوفياتي، حيث كان يتمتع بعلاقات جيدة مع دول مثل الهند. دول اشترت أسلحة روسية مثلما كانوا يشترون الأسلحة السوفيتية"، مشيرا إلى أن "جزءا من هذا لأنه كان تقليدا وجزءا آخر لأن روسيا واحدة من بين دول قليلة لا تضع شروطا لشراء الأسلحة منها، فهي لن تطالب بأشياء مثل حاول أن تكون لطيفا مع شعبك".

لكن روسيا - بوتين الساعية إلى زيادة إنفاقها العسكري، لم ترض بالمركز الثاني ولا بالعملاء الدائمين، وقدمت قائمة طويلة من الأسلحة الجاهزة للتصدير.

تبيع روسيا جميع أنواع الأسلحة، من البنادق إلى الغواصات، ولكن في هذه اللحظة ما يهم المستوردين هو طائرات القتال المتقدمة ومنظومات الدفاع الجوي، بحسب ويزمان.

بتدقيق النظر في الأسلحة الروسية المعروضة، نجد أنها قديمة ولكن بأسماء جديدة. فالمقاتلة ميج 35، هي مسمى جديد لميج 29 صاحبة السجل الطويل من الحوادث والتي وصلت إلى 114 حادثة. الأمر ذاته ينطبق على المقاتلات من طراز سوخوي 35، التي تعتبر مجرد تعديل لسوخوي 27 والتي دخلت الخدمة في زمن الاتحاد السوفيتي قبل ما يقارب الأربعة عقود. 

أما ما يصفه الروس بمقاتلة الجيل الخامس من طراز سوخوي 57، فما زالت قيد التجارب منذ عام 2010.

يؤكد تاكر أن الروس لن يستطيعوا منافسة الولايات المتحدة، خاصة في تصنيع الطائرات، موضحا أن صناعة الطيران الأميركية تحظى بدعم من وزارة الدفاع والشركات الأميركية قادرة على تصدير الطائرات حتى إلى أوروبا.

أما صناعة الطائرات الروسية، فالروس يحاولون الوصول لمقاتلة من الجيل الخامس منذ سنوات عديدة ولكنهم متأخرون جدا في الانتهاء من هذه الطائرة التي يمكن مقارناتها بـ اف 35 الأميركية، وفق تاكر.

في قائمة التصدير الروسية أيضا، الدبابات من طراز تي 72 وتي 90، وكلاهما لم يقدم جديدا على الأرض في الحرب السورية وتعرضا للإصابة والتدمير. وعندما قررت روسيا تصنيع جيل جديد من الدبابات، المعروف باسم ارماتا، كان تقديمه في العرض العسكري الروسي عام 2015 فضيحة. 

"دباباتهم رخيصة وقوية إلى حد ما، لكنها متخلفة بمعايير اليوم " وفق وايز الذي تابع أن الروس "حاولوا صنع طراز جديد، لكنهم لم ينتهوا منه حتى الآن. دبابة من هذا الطراز تعطلت أثناء أحد الاحتفالات العسكرية ولم تستطع الحركة، كان هذا محرجا جدا".

فشلت روسيا في إضافة دول جديدة لقائمة عملائها أو حتى في رفع نصيبها من تجارة السلاح الدولية، والسبب يتلخص في المواصفات المتدنية للمعدات الروسية المخصصة للتصدير. واليوم باتت موسكو مهددة بفقدان عملائها التقليديين كالهند، أكبر مستورد للسلاح الروسي.

فسلاح الطيران الهندي يعاني من الحالة المتدنية لـ250 مقاتلة من طراز سوخوي 30،  الطراز الذي سجل تسع حوادث تحطم منذ دخوله الخدمة في الهند عام 2003، وأجبر القيادة على إيقاف التحليق في أكثر من مناسبة. 

هذا بالإضافة إلى قائمة طويلة من الأعطال ومشكلات الصيانة وعدم الجاهزية القتالية، الأمر الذي دفع الهند للاتجاه غربا وشراء مقاتلات رافال الفرنسية.

المركز الثاني في قائمة الدول المصدرة للسلاح، الذي لم يرضي روسيا يهتز الآن تحت قدميها. فبالإضافة إلى انصراف الزبائن الدائمين، وحالة الكساد المتصاعدة، تدخل الصين ميدان تجارة السلاح وبقوة.

برأي وايز "سيواجه الروس مشكلة بسبب الصينيين، لأنهم يبيعون بالأساس نفس أنواع الأسلحة السوفيتية المنشأ، لكنهم يفعلون ذلك بأسعار أقل. الأسلحة الصينية ليست فعالة كالأسلحة الروسية، لكنها توازيها ربما بنسبة تسعين في المئة وقد تحتفظ روسيا بالمركز الثاني لكنها ستجد صعوبة في التنافس مع الصين على المدى الطويل من أجل البقاء في هذه الوضعية".

المنافسة على المركز الأول انتهت بالخسارة. فإحصائيات السنوات الأخيرة تشير إلى ارتفاع نصيب الولايات المتحدة من حجم تصدير الأسلحة عالميا بنسبة ستة في المئة، في الوقت الذي انخفض نصيب روسيا بنفس النسبة.

فهل ما زالت موسكو تحلم بصدارة مستحيلة؟

لا يعتقد ويزمان ذلك، لأن "منظومة إنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة أكبر بكثير وللولايات المتحدة عدد من الأسواق الكبيرة جدا والمضمونة وأن تحتل روسيا هذه المكانة، هذا يبدو مستحيلاً".

أما تاكر، فيرى أن روسيا لن تتفوق على الولايات المتحدة كأكبر مصدر للأسلحة، إذ تقوم الولايات المتحدة حاليا بتبني سياسة الجديدة تسرع الطريقة التي تستطيع بها بيع الأسلحة في جميع أنحاء العالم، لذا ولحسم الجدل، ستبقى الولايات المتحدة أكبر مصدر للأسلحة في العالم في المستقبل المنظور.

 

 

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".