المعارض الروسي أليكسي نافالني لحظة خروجه من السجن
المعارض الروسي أليكسي نافالني لحظة خروجه من السجن

أفرج عن المعارض الرئيسي للكرملين أليكسي نافالني الجمعة بعد ثلاثين يوما على سجنه لإطلاقه دعوات إلى التظاهر في إطار حركة احتجاج كبيرة تهز موسكو منذ الشهر الماضي.

وكانت الشرطة متواجدة أمام السجن عندما أفرج عنه، لكنها لم تتحرك لإعادة توقيفه على غرار ما فعلت بعد الإفراج عن شخصيات أخرى من المعارضة مؤخرا.

لكن نافالني استمر في دعوة أنصاره للنزول إلى الشارع، ما قد يدفع بالسلطات إلى توقيفه مرة أخرى. وخرج نافالني من السجن مبتسما وكان يرتدي سروالا رياضيا وقميصا قطنيا وعلى كتفه حقيبة.

ودان زعيم المعارضة والناشط في مكافحة الفساد على الفور "أعمال إرهاب" من جانب السلطات الروسية في وقف الاحتجاجات في موسكو في الأسابيع الأخيرة. وقال للصحافيين "الحركة ستستمر في النمو والنظام سيندم بشدة على ما فعله".

وكان نافالني أوقف في 24 يوليو في موسكو بعدما غادر منزله لممارسة رياضة الجري وشراء الزهور لزوجته بمناسبة عيد ميلادها.

وحكم على المحامي البالغ 43 عاما، خريج جامعة يال الأميركية، بالسجن 30 يوما بتهمة انتهاك قوانين تنظيم التظاهرات.

وخلال سجنه نقل إلى مستشفى للعلاج بسبب ما قال الأطباء إنها "عوارض حساسية خطيرة"، فيما لم يستبعد نافالني نفسه أنه يكون تعرض "للتسميم".

وتشهد موسكو منذ منتصف يوليو موجة من التظاهرات التي شارك فيها عشرات آلاف الأشخاص احتجاجا على منع شخصيات من المعارضة، بينهم حلفاء لنافالني، من خوض انتخابات برلمان مدينة موسكو في 8 سبتمبر.

وجاءت التظاهرات في إطار غضب أوسع على تراجع مستويات المعيشة وتباطؤ الاقتصاد.

واعتقلت الشرطة قرابة ثلاثة آلاف شخص في تظاهرات هي الأكبر في تاريخ البلاد في سنوات، لكن أفرج عن غالبيتهم بعد وقت قصير على توقيفهم.

غير أن نحو عشرة منهم لا يزالون قيد التوقيف بانتظار المحاكمة، ويواجهون حكما بالسجن فترات تصل إلى ثماني سنوات، للمشاركة في ما قال المدعون إنه "افتعال أعمال شغب على نطاق واسع". ويواجه آخرون اتهامات ذات صلة مثل مهاجمة الشرطة.

ومعظم قادة المعارضة الممنوعين من المشاركة في التظاهرات، زج بهم في السجن لانتهاك قوانين التظاهر.

وداهم المحققون هذا الشهر أيضا مكاتب مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد، في إطار تحقيق بشأن القبول المفترض لتبرعات من أموال تم تبييضها، وقامت المحكمة بتجميد حسابات المؤسسة.

ومع اقترابه من بدء عقده الثالث في الحكم، سجلت شعبية الرئيس فلاديمير بوتين تراجعا كبيرا ويقول المنتقدون إن السلطات تخشى دعوات مطالبة بتغيرات سياسية أوسع نطاقا.

وتحدث بوتين عن التحرك الاحتجاجي للمرة الأولى خلال زيارة إلى فرنسا الإثنين، وتعهد منع خروج تظاهرات واسعة في موسكو على غرار تظاهرات "السترات الصفراء" المعارضة للحكومة والتي اندلعت في فرنسا في أواخر العام الماضي.

 

احتجاجات بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو
الاتهامات والردود المتبادلة ما تزال قائمة أيضا بين الحكومة والمعارضة

ما تزال ارتدادات حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، قائمة ومتفاعلة في تركيا حتى الآن. مناصروه يحتجون في الشوارع رغم الحظر المعلن الذي تفرضه الحكومة، فيما يواصل أفراد الشرطة استنفارهم في الساحات، وعلى مداخل الطرقات.

الاتهامات والردود المتبادلة ما تزال قائمة أيضا بين الحكومة والمعارضة، ووصلت، الخميس، إلى حدٍ أشبه بـ"الصراع بين المواقف والدعوات".

عَكس هذا الصراع معادلة ثنائية متناقضة: شمل طرفها الأول الدعوات المتواصلة والموجهة للتظاهر في الساحات وخاصة في محيط مبنى بلدية إسطنبول، بينما تصدر الثاني القرارت التي تحظر تنظيم أي شيء من هذا القبيل، حتى يوم 25 من مارس المقبل.

وقبل ثلاثة أيام اعتقل إمام أوغلو فجأة إلى جانب 88 آخرين، وذلك على خلفية تهم سارت في منحيين، الأول يتعلق بـ"الإرهاب"، والثاني بعمليات "فساد" خصّت أعمال البلدية التي يترأسها ومشاريع أخرى في البلاد.

اعتبرت حادثة الاعتقال "هزة سياسية كبيرة"، نظرا للموقع الذي يشغله إمام أوغلو من جهة، وللتوقيت الذي جاءت فيه من جهة أخرى. قبل خمسة أيام من إعلانه كمرشح رئاسي قد ينافس الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في انتخابات 2028.

ولا يعرف حتى الآن المصير الذي سيكون عليه رئيس البلدية المعتقل، وما إذا كانت المحكمة ستقضي بإطلاق سراحه في الأيام المقبلة أو تبقيه خلف القضبان، فيما ذكر موقع "خبر تورك" أن عملية الاستماع لأقواله بدأت، يوم الجمعة.

لكن ما هو معلوم، كما تشير وسائل الإعلام التركية، نسبة لتصريحات مسؤولين في المعارضة هو أن قضية الاعتقال قد تتضح مآلاتها على نحو كبير، يوم الأحد المقبل.

يوم الأحد هو التاريخ الذي يصر حزب "الشعب الجمهوري" على تنظيم الانتخابات التمهيدية فيه لاختيار المرشح الذي سينافس في 2028، وهو التاريخ الذي سيتخذ فيه القرار بشأن مصير إمام أوغلو، بعد انتهاء الأيام الأربعة من توقيفه.

كما أن اليوم المذكور (23 مايو) هو الذي وضعه رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، أوزغور أوزيل كمحطة أساسية، على صعيد المظاهرات التي دعا لتنظيمها في الشوارع، رغم الحظر الذي تفرضه السلطات في كل من إسطنبول وإزمير وأنقرة.

ماذا تقول الأطراف؟

وتذهب غالبية المواقف التي أطلقها مسؤولو "الشعب الجمهوري" حتى الآن باتجاه أن ما حصل "عملية انقلاب سياسي"، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة على لسان وزير العدل فيها، يلماز تونج، وعلى لسان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.

على مدى الأيام الثلاثة الماضية ردد أوزيل لأكثر من مرة عبارة أن "تركيا لن تستسلم لهذا الانقلاب السياسي"، في إشارة منه لاعتقال إمام أوغلو، وانضم إليه سياسيين آخرين من أحزاب المعارضة.

وفي المقابل قال وزير العدل، يلماز تونج إنه "من الخطير للغاية والخطأ وصف ما يحصل بتعبيرات مثل الانقلاب"، مضيفا قبل يومين: "يجب على الجميع أن يعلموا أنه في دولة القانون".

وبدوره قال إردوغان الذي طالته الاتهامات بالوقوف وراء ترتيب حادثة الاعتقال إن "محاولة المعارضة تصوير صراعاتها الداخلية أو مشكلاتها القانونية على أنها القضية الأهم في البلاد هي قمة النفاق".

"لا نحن كأشخاص، ولا كحزب، ولا كتحالف، لدينا وقت لنضيعه على مسرحيات المعارضة"، أضاف الرئيس التركي، الخميس.

وأردف بالقول: "هم يدركون جيدا أن معظم المعلومات والوثائق المتعلقة بتحقيق الفساد والإرهاب في بلدية إسطنبول الكبرى قد تم تقديمها إلى القضاء من قبل أفراد من حزبهم أنفسهم".

"2019.. محطة فاصلة"

وبناء على الاتهامات والردود المتبادلة ما بين الحكومة وأحزاب المعارضة باتت تسود في تركيا وجهتا نظر وراء ما حصل بالنسبة لإمام أوغلو.

يقول أفراد وجهة النظر الأولى إن الاعتقال لا يمكن فصله عن خلفيات سياسية، بمعنى أن ترتيب وضعه خلف القضبان الآن قد يكون محاولة من الرئيس التركي لقطع طرق الترشح للرئاسة أمام أوغلو.

وتذهب وجهة النظر الثانية باتجاه مخالف. وبينما تؤكد على واقعية قضايا الفساد التي تلاحق إمام أوغلو وخاصة عندما كان رئيسا لبلدية بيليك دوزو تشير إلى أن حادثة اعتقاله تقف ورائها شخصيات محركة من داخل أعضاء حزبه.

ويوضح الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أنه لا يمكن فصل ما حصل لإمام أوغلو دون الرجوع للوراء، وخاصة إلى محطة فوزه برئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019 وما تلاها على صعيد طريقة تعاطي حزب "العدالة والتنمية" مع ما جرى.

وترتبط أبرز القضايا التي يواجهها إمام أوغلو الآن بمحطة فوزه بــ2019، عندما اتهم أنه وصف أفراد "الهيئة العليا للانتخابات" بـ"الحمقى"، بسبب إلغاء نتائج انتخابات البلدية الأولى وإعادتها.

ويقول جوناي لموقع "الحرة": "منذ تلك الفترة تم إقحام القضاء في السياسة".

ويضيف أن طريقة تعاطي الحزب الحاكم مع خسارة بلدية إسطنبول لصالح إمام أوغلو، منذ عام 2019 وحتى الآن تجعل من الادعاءات التي يتم إطلاقها الآن واقعية.

تذهب هذه الادعاءات باتجاه أن اعتقال إمام أوغلو هو محاولة للقضاء على مستقبله السياسي ومنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة.

ورغم أن الانتخابات يفصلنا عنها 3 سنوات، إلا أن استعداد "الشعب الجمهوري" لتسمية إمام أوغلو كمرشح رئاسي من الآن سرّع من خطوات اعتقاله.

لكن ما سبق ما تزال تواجهه الحكومة ومسؤولي "العدالة والتنمية" بالنفي.

ويستند مسؤولو الحكومة على قضايا الفساد الموثقة التي تلاحق إمام أوغلو، وعلى معطيات أخرى أكدت الاتهامات الموجهة له على أكثر من مستوى، يتعلق بالمحاكمات والقضاء.

"4 احتمالات"

ولا يواجه إمام أوغلو قضية واحدة، بل عددا من الدعاوى القضائية والتحقيقات.

وبالإضافة إلى قضية "الحمقى" رفعت دعوى قضائية ضد إمام أوغلو في عام 2023 بشأن التلاعب في مناقصة عقدت في عام 2015، عندما كان رئيسا لبلدية بيليك دوزو.

وما تزال القضية المذكورة جارية في المحكمة الجنائية العاشرة في بويوك تشكمجة، ويُطلب فيها الحكم على إمام أوغلو بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات ومنعه من ممارسة الأنشطة السياسية.

ومن المقرر أن يتم عقد الجلسة القادمة لهذه القضية في 11 أبريل 2025.

وهناك أيضا قضية "شهادة البكالوريوس المزورة"، التي بدأت التحقيقات بشأنها في فبراير الماضي وانتهت يوم الثلاثاء بقرار اتخذته جامعة إسطنبول وقضى بإلغاء الشهادة الجامعية لإمام أوغلو.

كما يواجه رئيس بلدية إسطنبول المعتقل اتهامات تتعلق بإدارة حملة سياسية تابعة لحزب "العمال الكردستاني"، وهو المصنف على قوائم الإرهاب.

وتقول صحيفة "حرييت" المقربة من الحكومة، إنه توجد 4 احتمالات تنتظر إمام أوغلو في الأيام المقبلة.

أولى الاحتمالات، وهي مستبعدة بناء على المعطيات القائمة، أن يتم إطلاق سراحه، ليعود بعد ذلك إلى مهامه، ويواصل عمله رئيسا لبلدية إسطنبول.

وكاحتمال ثان قد يطلق سراحه لكن قد تتجه وزارة الداخلية إلى عزله من منصبه، وتعين "وصيا" على البلدية بدلا عنه، لأنه قيد التحقيق بتهم "الإرهاب".

أما الاحتمال الثالث فيذهب باتجاه الإبقاء عليه معتقلا بتهمة "مساعدة منظمة إرهابية"، وهي إحدى التهم الموجهة إليه. وفي هذه الحالة يجوز لوزارة الداخلية تعيين أمين كما هو الحال في بلدية إسنيورت.

وتضيف "حرييت" احتمالا رابعا بأن يظل إمام أوغلو معتقلا بتهمة "تنظيم الجريمة المنظمة". وهنا قد يلجأ مجلس بلدية إسطنبول الكبرى لإجراء انتخابات وانتخاب رئيس بلدية مكانه، كما هو الحال في بلدية بشيكتاش.

كيف ستكون التداعيات؟

ويوضح المحلل السياسي، جواد غوك لموقع "الحرة" أن يوم الأحد (23 من مارس) سيكون مفصليا على صعيد قضية الاعتقال المتعلقة بإمام أوغلو والتداعيات التي قد تنعكس عنها.

ويرجح غوك أن يظل رئيس البلدية معتقلا، مما قد يسفر عن توسع المظاهرات في الشوارع والساحات العامة، وخاصة في المدن الكبرى.

المحلل السياسي لا يستبعد أن تحصل مواجهات بين المتظاهرين وأفراد الشرطة، كما حصل يوم الخميس، مما أدى إلى إصابة 16 عنصرا من قوات الأمن، بحسب وزير الداخلية، علي يرلي كايا.

ولا يستبعد أيضا أن يتجه نواب "الشعب الجمهوري" ورؤساء البلديات التابعة لهذا الحزب للاستقاله والرجوع إلى ما يعرف بـ"صدر الأمة". ومن شأن هذه الخطوة أن تدفع البلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة، وفق غوك.

و"من المبكر في الوقت الراهن التعامل مع قضية إمام أوغلو من زاوية الانتخابات"، بحسب ما يشير الباحث السياسي جوناي.

ويقول: "يمكن أن يكون هناك فساد قائم.. وقد يكون الرجل متورط بالفعل بكل التهم الموجهة ضده.. وعندها يجب أن يتحاسب".

وفي حال كانت حادثة الاعتقال مرتبطة بغايات سياسية "سيكون لها ردة فعل سلبية على حزب العدالة والتنمية بشكل أساسي"، كما يرى جوناي.

ويوضح الباحث أن إمام أوغلو لم يكن شخصية وازنة أو نجما من شأنه أن ينافس إردوغان ذو الرؤية السياسية والكاريزما، ويردف: "لكن المواقف التي تعرض لها هي التي صنعت منه مرشحا منافسا".

كان جوناي يشير إلى طريقة التعاطي التي اتبعتها الحكومة مع إمام أوغلو، بدءا من عام 2019 ووصولا إلى إلغاء شهادته الجامعية قبل يوم واحد من اعتقاله.

ويضيف الباحث: "وحتى لو انتهى مستقبل إمام أوغلو السياسي فإن التعاطف معه سيدفع الشعب لدعم أي شخصية قد تبرز لاحقا لكي تنافس إردوغان مستقبلا".

ودعا رئيس "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزيل إلى التحرك في جميع أنحاء تركيا، يوم الجمعة، وقال في كلمة ألقاها في بلدية بيليك دوزو: "أدعو كل تركيا إلى التجمعات الكبرى والساحات والشوارع التي سنقيمها في 81 ولاية و973 منطقة بعد الإفطار في المساء".

وقال أوزيل أيضا: "إذا كان هناك من يقيم حاجزا أو سياجا أمامنا ضد القانون، فعليه أن يهدمه ويمضي قدما دون الإضرار بالشرطة".

ومن جهته قال وزير الداخلية، علي يرلي كايا: "إن دعوة الناس إلى الشوارع والميادين هي، على أقل تقدير، أمر غير مسؤول"، في إشارة إلى دعوة مماثلة أطلقها أوزيل ليلة 20 مارس.

وجاءت دعوة أوزيل بعد أن أعلنت محافظتا أنقرة وإزمير حظر المظاهرات حتى 25 مارس.