مع احتدام الصراع بين الجيش الإسرائيلي من جهة وحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان من جهة أخرى، تزداد المخاوف من تحوله إلى حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل، مع تصاعد منسوب التوتر بينهما، بعد قصف غير مسبوق من طهران قبل أيام وتوعد تل أبيب بالرد.
ولكن رغم كل ذلك، تبقى الجهود الدبلوماسية حثيثة في محاولة لتهدئة الموقف، وإحلال الأمن والسلام في المنطقة، وفي هذا الإطار، يبدأ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، زيارة للسعودية ودول أخرى في المنطقة، الأربعاء.
وقد كان حزب الله مصدرا للتوتر بين إيران والسعودية في الماضي، خاصة بعد مشاركته في الحرب إلى جانب النظام السوري، بالإضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بحرب اليمن وغيرها، ولكن الرياض وطهران تريدان تحسين العلاقات على ما يبدو، في محاولة لتهدئة الصراع المتصاعد.
وسوف يلتقي عراقجي بنظيره السعودي، فيصل بن فرحان، لمناقشة التهديد المتزايد بهجوم إسرائيلي على طهران، والخطوات المقبلة، إن وجدت، التي يمكن لحزب الله المدعوم من إيران في لبنان أن يتخذها لتأمين وقف إطلاق النار، في ظل الأدلة المتزايدة على أن الولايات المتحدة تدعم جهود إسرائيل لتفكيك حزب الله وإجباره على نزع سلاحه، وفقا لتحليل نشره محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "الغارديان"، باتريك وينتور.
ويؤخذ بعين الاعتبار أن إيران والسعودية لاعبين إقليميين رئيسيين، وعراقجي، الذي زار بيروت ودمشق بالفعل قبل أيام، يتحرك بحذر شديد، ولكن يُنظر إليه باعتباره قادرا لإقناع حزب الله بالتراجع وإعادة تجميع صفوفه ومنع لبنان من التحول إلى غزة ثانية.
وحتى الآن، نفى حزب الله، المدعوم من إيران، أنه يعاني من اغتيال إسرائيل للعديد من قياداته، وعلى رأسهم الأمين العام، حسن نصر الله. وعلى الرغم من أنه قال إنه مستعد للخوض بمناقشات وقف إطلاق النار التي يقودها حلفاؤها السياسيون اللبنانيون، إلا أنه لم يقل رسميا إنه مستعد للتخلي عن مطلبه بـ "وقف إطلاق نار متزامن في غزة ولبنان".
تأييد مساعي وقف إطلاق النار
وأعلن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الثلاثاء، تأييد الجهود السياسية للتوصل الى وقف لإطلاق النار في لبنان، مؤكدا أن إمكانات حزبه العسكرية "بخير" رغم الضربات "الموجعة" من إسرائيل التي كثفت غاراتها الجوية وبدأت عمليات برية في جنوب البلاد.
وألقى قاسم كلمة متلفزة هي الثانية له منذ مقتل نصر الله بغارات إسرائيلية ضخمة على ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر.
وأكد قاسم في كلمته أن الحزب "سينجز" انتخاب خلف لأمينه العام رغم "الظروف الصعبة والمعقدة" في ظل التصعيد الاسرائيلي المتواصل منذ أكثر من أسبوعين.
وتزامنت الكلمة مع الذكرى الأولى لفتح حزب الله جبهة من جنوب لبنان ضد إسرائيل "إسنادا" لغزة "ودعما" لحماس في ظل الحرب بين إسرائيل والحركة.
وقال قاسم "نؤيد الحراك السياسي الذي يقوم به الرئيس (رئيس البرلمان نبيه) بري وبعنوانه الأساس وهو وقف إطلاق النار".
وأضاف "بعد أن يترسخ موضوع وقف إطلاق النار، تستطيع الدبلوماسية أن تصل إلى كل التفاصيل الأخرى وتناقش وتتخذ فيها القرارات"، مضيفا "لا تستعجلوا على التفاصيل".
وفتح حزب الله جبهة "إسناد" لغزة في أكتوبر 2023 غداة اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، الحليفة لحزب الله وداعمته طهران. وتبادل الحزب وإسرائيل القصف عبر الحدود على مدى الأشهر الماضية. ورفض حزب الله مرارا وقف النار في لبنان ما لم تتوقف حرب غزة.
وكثفت إسرائيل غاراتها الجوية على أهداف مختلفة لحزب الله في لبنان منذ 23 سبتمبر تسببت بدمار وتهجير كبيرين، وأعلنت بدء عمليات برية عند الحدود في جنوب لبنان في 30 منه.
موقف واشنطن
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، إن واشنطن تريد حلا دبلوماسيا، لكنها تدعم في الوقت نفسه الجهود التي تبذلها إسرائيل في مواجهة حزب الله.
وقال ميلر "على مدى عام، كان العالم يدعو إلى وقف إطلاق النار، وكان حزب الله يرفض. الآن بعد أن أصبح حزب الله في وضعية متراجعة وتعرض للضرب، فجأة غيروا لهجتهم ويريدون وقف إطلاق النار".
وأضاف "ندعم جهود إسرائيل لإضعاف قدرة حزب الله، لكن نعم، في نهاية المطاف، نريد أن نرى حلا دبلوماسيا لهذا النزاع".
وخلال الفترة الماضية، مني حزب الله بخسائر كبيرة لا سيما مع استهداف إسرائيل أبرز قادته العسكريين وإعلانها توجيه ضربات واسعة لترسانته واستهدافها بالغارات مناطق نفوذه.
لكن قاسم شدد الثلاثاء على أن إمكانات الحزب العسكرية لا تزال "بخير"، وأن منظومته القيادية تواصل العمل.
وبالعودة إلى التحليل، يذكر وينتور أن نفوذ حزب الله في لبنان كان يعتبر مشكلة بالنسبة للسعودية، وهي تريد تقويضه، في الوقت نفسه، تعتقد الرياض أن حزب الله كان العقبة أمام تشكيل دولة فاعلة.
ويقول وينتور إن الأمير فيصل بن فرحان يواجه تحديا، فهو عازم على تحسين العلاقات مع إيران، ويريد من الولايات المتحدة أن تتحرك بشأن مخاطر التصعيد الإسرائيلي في لبنان، والهجوم المرتقب على إيران، كما يشعر بالإحباط الشديد من رفض إسرائيل دعم حل الدولتين.
الحياد
وقالت مصادر لرويترز الأسبوع الماضي إن دول الخليج تسعى إلى طمأنة إيران بأنها ستقف على الحياد في حال نشوب أي حرب بين إيران وإسرائيل.
وقال عراقجي في لقطات مصورة بثتها وسائل إعلام إيرانية "حوارنا يتواصل فيما يتعلق بالتطورات في المنطقة لمنع الجرائم المخزية التي يرتكبها النظام الصهيوني (إسرائيل) في لبنان استمرارا لجرائمه في غزة".
وأضاف "سأبدأ جولة في المنطقة، تشمل الرياض وعواصم أخرى، وسنسعى جاهدين لتكوين حركة جماعية من دول المنطقة... لوقف الهجمات الوحشية في لبنان".
وقالت مصادر لرويترز، يوم الخميس الماضي، إن وزراء من دول الخليج وإيران، حضروا اجتماعا للدول الآسيوية استضافته قطر، ركزوا محادثاتهم حول خفض التصعيد.
وأوضح عراقجي أن "اجتماعا بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي عُقد بشكل غير رسمي، ورغم كون علاقاتنا دائما متقلبة فهناك إرادة بأن تقود هذه العلاقات إلى تعاون إقليمي".
وشهدت السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط، تقاربا سياسيا مع طهران في السنوات القليلة الماضية، مما ساهم في تخفيف التوترات الإقليمية، وإن كانت العلاقات لا تزال معقدة.
وحسب الأرقام الرسمية، فقد قتل أكثر من ألفي شخص في لبنان منذ أكتوبر 2023، بينهم أكثر من ألف منذ بدء القصف الجوي المكثف في 23 سبتمبر على جنوب لبنان وشرقه وكذلك ضاحية بيروت الجنوبية.
من بين القتلى أكثر من 97 عامل إسعاف وإنقاذ قتلوا بنيران إسرائيلية، بينهم 40 قضوا خلال الأيام القليلة الماضية، على ما أفاد وزير الصحة، فراس الأبيض، يوم الخميس الماضي.
وقدرت الحكومة اللبنانية، الأربعاء الماضي، عدد النازحين هربا من العمليات العسكرية بحوالى 1,2 مليون يفترش عدد كبير منهم الشوارع في مناطق عدة من بيروت.