تعامل الحكومات بطريقة خاطئة سبب تفشي الفيروس
تعامل الحكومات بطريقة خاطئة سبب تفشي الفيروس

في نهاية يناير، أصيب سائح ألماني في إسبانيا بفيروس كورونا، ليصبح أول مريض بالفيروس في البلاد، وبدا للحكومة أن التهديد بعيد، وبعد أسبوعين خرج السائح من المستشفى، واحتفلت إسبانيا بأنها خالية من أي إصابة بالفيروس.

بعد فترة قصيرة، بدأت تظهر حالات جديدة في أماكن متفرقة في البلاد، حتى أصبحت اليوم ثاني أكثر الدول تضرراً بالفيروس، فقد سجلت أكثر من 141 ألف حالة إصابة، ونحو 14 ألف حالة وفاة.

 صحيفة "نيويورك تايمز" رأت أن أزمة تفشي فيروس كورونا في إسبانيا مثال واضح لسبب تفشي الفيروس في العالم، وهو ميل الحكومات إلى تجاهل تجارب البلدان السابقة التي ضربها الفيروس. 

وأكدت أن جميع الدول ومنها الحكومة الإسبانية تعاملت مع الفيروس كتهديد خارجي، بدلاً من اعتبار بلادهم "الدومينو" التالي الذي سيسقط.


الأوضاع في إسبانيا


لقد أجبر الوباء الشعب الإسباني على مواجهة أزمة تشبه تلك التي عاشتها البلاد في ثلاثينيات القرن الماضي عندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية.

وخلال أقل من شهر تدهورت الأوضاع بشكل كبير، لدرجة أن كبار السن يموتون في منازلهم، كما اضطرت السلطات في مدريد بسبب ارتفاع أعداد الوفيات، إلى تحويل أكبر حلبة للتزلج في مدريد إلى مشرحة لتخزين الجثث، كما حولت مركز المعارض الرئيسي إلى مستشفى ميداني.

ووصفت النقابات الطبية في البلاد الوضع بـ"الكارثي"، وأكدت أن معدل الإصابات بين الطواقم الطبية كبير، كما أن الطواقم الطبية تضطر لارتداء أكياس القمامة بدلاً من البدل الطبية، بسبب نفاذ الإمدادات.

من جانبها، قالت كريستينا مونغي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة سرقسطة الإسبانية: "من المفجع أن يواجه المجتمع وضعا لا يعرفه إلا أولئك الذين يتذكرون خروج إسبانيا من الحرب". 

وأضافت "بالنسبة للكثيرين كان هذا النوع من السيناريو حتى الآن مجرد خيال علمي خالص". 

 

انتقادات للحكومة

 

وتواجه حكومة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز انتقادات كبيرة لعدم حظر التجمعات الجماهيرية فورا، ولعدم تخزين المعدات الطبية بمجرد أن وصل عدد الحالات إلى عدة مئات في شمال إيطاليا في أواخر فبراير.

ودافع المسؤولون الإسبان عن أفعالهم من خلال تسليط الضوء على ما يحدث في الدول الأخرى.

أما المعارضة فاعتبرت أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت متأخرة للغاية، مشيرة إلى أنها عندما أغلقت إيطاليا مناطقها الشمالية في 8 مارس بسبب تفشي الفيروس، ظهرت بالفعل عدة حالات في إسبانيا، لكن الحكومة لم تعلن حالة الطوارئ، ولم تفرض إجراءات الإغلاق إلا في 14 مارس.

رئيس الحكومة رفض هذه التصريحات، وأكد أن إيطاليا وبريطانيا وفرنسا أعلنت إجراءات الإغلاق بعد ظهور عدد حالات إصابة أكثر من إسبانيا عندما فرضت الإجراءات.

 

الفجوة في القرارات

 

وشدد على أن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، في 8 مارس، والذي شهد تجمع 120 ألف شخص في مدريد، تم الاحتفال به في شوارع بروكسل وبرلين وفيينا وباريس.

وقد ألقت تقارير اللوم على هذا الاحتفال في تفشي الفيروس في إسبانيا على نطاق واسع، فقد ثبت أن ثلاثة وزراء في الحكومة شاركوا في الاحتفال أصيبوا بالفيروس، بالإضافة إلى زوجة ووالدة رئيس الحكومة.

وكمقياس للصعوبات، رفض كويم تورا، الزعيم الانفصالي في شمال شرق كتالونيا، التوقيع على إعلان مشترك مع مدريد بشأن تنسيق الإغلاق مع الحكومة الوطنية.

وقد شجعت الفجوة بين القرارات الإقليمية والوطنية العديد من سكان مدريد إلى الذهاب إلى الشواطئ في المدن الأخرى التي لم تكن تشهد وقتها أي إجراءات إغلاق بمجرد إغلاق المدارس في مدريد، مما ساهم في تفشي الفيروس.


الحكومة كانت تشاهد فيلم

 

بينما أرجع فرناندو رودريغيز أرتاليغو، عالم الأوبئة والأستاذ الجامعي، سبب تدهور الأوضاع في إسبانيا إلى أن الحكومة راقبت الفيروس في البلاد المجاورة كما لو كانت تشاهد فيلماً.

وقال: "كانت السلطات تحتاج فقط تتبع الحالات وتحديد الأشخاص الذين كانت على اتصال بهم، لكن قد فات الأوان لإسبانيا".

لا شك في أن استجابة الحكومة للفيروس كانت معقدة بسبب الطبيعة المنتشرة للنظام السياسي الإسباني، حيث اكتسبت المناطق الـ 17 في البلاد تدريجيًا مزيدًا من الاستقلالية، بما في ذلك إدارة المستشفيات، بعد اعتماد إسبانيا لدستور جديد في عام 1978.


بينما قال كارلوس روس، رئيس جمعية ASPE، وهي جمعية تمثل المستشفيات الخاصة في إسبانيا: "أعتقد أن كل منطقة تصرفت بشكل مستقل، وهذا يجعل أي مبادرة تنسيق أو تضامن صعبة للغاية".

وأكد أن شراء معدات الطوارئ  كان صعبا، وخاصة بعد مشكلة حصول وزارة الصحة عبر وسيط إسباني لم يكشف عنه، على 640 ألف مجموعة اختبار من شركة صينية ثبت أن شحنتها الأولية غير صالحة للاستعمال. 

 

نظام غامض

 

أما أنغيلا هيرنانديز بوينتي، طبيبة ومسؤولة نقابية في مدريد، فقالت: "نحن نعمل في إطار نظام رعاية صحية قوي وكبير يتباطأ للأسف بسبب الكثير من البيروقراطية، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بشراء أي شيء".

أثار الفيروس التاجي نقاشًا عالميًا حول كيفية قياس كل حكومة لتأثيره، خاصة وأن العديد من البلدان قد قامت باختبار بسيط للفيروس، واختلفت الحكومات أيضًا في كيفية حساب الوفيات، على سبيل المثال من خلال تجاهل أولئك الذين لم يدخلوا المستشفى مطلقًا.

ولكن حتى وسط هذا الارتباك، كان نظام الاختبار الإسباني غامضا، مما ساهم في تفشي الفيروس، حتى بلغت أعداد الإصابات في إسبانيا 15% من إجمالي عدد السكان، وفقاً لدراسة قام بها علماء جامعة إمبريال كوليدج.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟