"أمام إسرائيل فرصة متاحة يمكنها استغلالها"
"أمام إسرائيل فرصة متاحة يمكنها استغلالها"

يحيى قاسم – القدس

يبدو أن أزمة الكورونا تخلق فرصا في هذه الظروف الاستثنائية قد نغفل عنها بسبب الانشغال في مكافحة الجائحة. فقد شهدت الأيام الماضية تطورا ملحوظا على صعيد ملف تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحماس. 
 
وقد وجه الطرفان رسائل على منصات الإعلام تشير إلى إمكانية إحداث انطلاقة وإعادة رفات جنديين قتلا في حرب عام 2014 ومواطنين إسرائيليين (أحدهما عربي)، مقابل إطلاق سراح فئة الأسرى من كبار السن والمرضى كبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا ولاحقا تقديم تسهيلات لقطاع غزة.
 
ولفت الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية أوفير جندلمان في اتصال مع موقع الحرة إلى أن منسق شؤون الأسرى والمفقودين ياروم بلوم وهيئة الأمن القومي والدوائر الأمنية مستعدون للعمل بشكل بناء من أجل استعادة رفات الجنديين ومواطنين اسرائيليين محتجزين في غزة وإغلاق هذا الملف وإلى بدء حوار فوري من خلال الوسطاء دون الكشف عن الجهة التي تضطلع في الوساطة بين الطرفين.
 
من ناحية ثانية، أوضح رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار أن حركته طلبت من إسرائيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المرضى وكبار السن كبادرة إنسانية منعا لإصابتهم بفيروس كورونا، مقابل أن تقدم حركته تنازلا إيجابيا في ملف الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة، دون أن يوضح العرض الذي يمكن أن يتم تقديمه لإسرائيل مقابل ذلك. 
 
وأكد سنوار أنه تم إيصال رسالة لكل الوسطاء بأنه لا يمكن البدء بمفاوضات صفقة جديدة قبل الإفراج عن أسرى صفقة شاليط الذين جرى إعادة اعتقالهم. تصريحات وإن كانت غير ملزمة وواضحة بيد أنها تميط اللثام عن النوايا لإبرام صفقة تبادل الأسرى.

وقال عضو المكتب السياسي ومسؤول ملف الأسرى في حركة حماس، موسى دودين، أن أمام إسرائيل "فرصة متاحة" يمكنها استغلالها قبل أن تضطر مجددا "للتفاوض في ظروف  أكثر صعوبة". وأضاف دودين أن إسرائيل "تعرف ما هو المطلوب، وهذا لا يُناقش عبر وسائل الإعلام". 

وكما بات معهودا فإن صفقات من هذا القبيل لا تخلو من التوجسات والشكوك من قبل الطرفين وهو ما أدى إلى نسف جهود مماثلة في السابق. وأكد دودين على ضرورة أن يكون الوسيط محايدا وغير متحيز لإسرائيل، وهذا ما يثير التساؤلات حول هوية الوسيط أو الوسطاء الذين من شأنهم إرضاء الطرفين. 

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أعلن عن إجرائه اتصالات مع موسكو بهذا السياق، وأنه تحدث هاتفيا مع ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، من أجل التوسط في حماية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من الإصابة بفيروس كورونا. 
 
وأكد هنية أن حماس مصممة على الإفراج عن الأسرى لديها في إطار التبادل الذي يمكن إنجازه إذا استجابت إسرائيل لمتطلبات هذا الأمر. وكانت صحيفة هآرتس الاسرائيلية رجحت أن دور الوسيط الذي تلعبه روسيا في هذا المضمار قد يؤدي إلى دفع عجلات الصفقة إلى الأمام. واعتبرت أن إعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين قد يمهد الطريق من أجل التوصل إلى تسوية طويلة الأمد واتفاق لوقف إطلاق النار. 

ولكن يبدو أن روسيا ليست الوحيدة التي تلعب دورا في هذه الصفقة وإنما مصر ايضا. وذكرت هيئة الاذاعة الرسمية في إسرائيل أن مصر شرعت في مفاوضات الوساطة بين الجانبين، دون تحديد موعد لوصول وفدين من إسرائيل ومن قطاع غزة إلى القاهرة. وكانت مصر لعبت دورا محوريا في صفقة شاليط التي أعيد فيها الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط من أيدي حماس إلى إسرائيل عام 2011 مقابل إفراج الأخيرة عن 1027 أسير فلسطيني، بالإضافة إلى الوساطات التي اضطلعت بها بين اسرائيل وحماس ولا سيما من أجل وقف جولات إطلاق النار المتكرر بين الطرفين. 

وتشكل قضية الجنديين الاسرائيليين هدار جولدين واورن شاؤول الذي أعلن الجيش قتلهما في حرب عام 2014، مثار اهتمام في المجتمع الإسرائيلي وإن كانت تبدوأقل حدة من المطالبة باعادة جلعاد شاليط في حينه. 

وتطالب عائلة الجندي هدار جولدين أن تمتنع إسرائيل عن تقديم أي مساعدات لحركة حماس أو تخفيف الحصار المفروض على غزة إلى حين إعادة رفات ابنها. وكانت انتقادات شديدة اللهجة وجهتها والدة جولدين للحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتانياهو بسبب السماح بإدخال مبالغ من قطر لحماس معتبرة ذلك تخل عن ابنها الذي قتل في غزة عندما كان وقف لإطلاق النار بين الطرفين ساريا وأن مطلبها لدفن رفات ابنها هو إنساني لا يقل عن المطالب التي تلبيها إسرائيل من أجل حماس، حسب قولها. 
 
وقد شكلت هذه القضية الخاصرة الضعيفة لبنيامين نتانياهو خلال حملة الانتخابات الأخيرة. وقد سارع معارضوه مثل وزيري الدفاع الأسبقين أفيغدور ليبرمان وموشيه يعالون إلى اتهامه بالمس بما وصفوه بـ "قوة الردع الاسرائيلية" بسبب عدم اعادة رفات الجنديين والمواطنين المحتجزين لدى حماس في الوقت الذي قدمت الحكومة فيه تسهيلات نسبية لقطاع غزة ومنها إدخال بضائع وتصدير منتجات زراعية.
 
ورغم الانعكاسات السياسية المتوقعة وتعزيز مكانة نتانياهو في حال نجح في الإفراج عن الإسرائيليين الأربعة، بيد أن المحلل السياسي إيلي نيسان قال لموقع الحرة إنه لا يتوقع أن يؤثر ذلك على فرص تشكيل حكومة الطوارئ في إسرائيل، معتبرا أن قضية إعادة رفات جنود إلى ديارهم هي خارج نطاق اللعبة السياسية بسبب أهميتها لدى الإسرائيليين والتوافق عليها. 

أخيرا تجدر الإشارة إلى أنه لا تزال جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية بين رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتانياهو ورئيس حزب أزرق أبيض في إسرائيل متعثرة، لأسباب سياسية داخلية تتعلق أيضا بملفات الفساد التي تحوم حول نتانياهو. حكومة اتفق الطرفان على تشكيلها من أجل مواجهة جائحة الكورونا والتحديات التي تفرضها على الساحة، ولكن يبدو الآن أن الوباء الصحي لا يضع تحديات وحسب، وإنما فرصا أيضا قد يغتنمها الإسرائيليون والفلسطينيون من أجل استعادة أبنائهم.  

غانتس ونتانياهو.. اختلافات آخرها استقالة
غانتس ونتانياهو.. اختلافات آخرها استقالة

وجه رئيس حزب "المعسكر الرسمي" المعارض في إسرائيل، بيني غانتس، انتقادات جديدة لرئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، على خلفية الحرب في غزة، وعرض عليه "شبكة أمان سياسية" لو تمكن من التوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن إلى بيوتهم.

وليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها نتانياهو على هذا العرض من منافسيه السياسيين. ففي يوليو الماضي، عرض زعيم المعارضة، يائير لابيد، عليه أيضا شبكة أمان سياسية من أجل المضي قدما في صفقة الرهائن على الرغم من معارضة حلفاء رئيس الوزراء من اليمين.

وجاءت تصريحات غانتس الأخيرة بعد اجتماع مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال فيه أيضا إن المقترح المطروح "يحظى بدعم واضح في الكنيست ولدى الجمهور الإسرائيلي"، وفق بيان صادر عن الحزب.

وتتهم بعض أطراف المعارضة الإسرائيلية نتانياهو بأنه يعرقل التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن، "من أجل الحفاظ على اتئلافه اليميني الحاكم وبقائه في السلطة".

من جانبه، يصر رئيس الوزراء على "الاستمرار في القتال حتى تحقق الحرب أهدافها"، وأبرزها "القضاء على حماس".

ويتمسك نتانياهو ببقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ما زاد مفاوضات الهدنة تعقيدا.

وقال غانتس قبل أيام إن إسرائيل لا تحتاج إلى الاحتفاظ بقوات في منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة لأسباب أمنية ولا ينبغي استخدام ذلك لمنع التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن المتبقين من قطاع غزة، وفق رويترز.

وهو الموقف الذي ردده لابيد في يوليو حين قال: "هناك صفقة رهائن على الطاولة. ليس صحيحا أن نتانياهو عليه الاختيار بين صفقة الرهائن واستمراره في منصب رئيس الوزراء. لقد وعدته بشبكة أمان، وسأفي بهذا الوعد".

وقالت أسوشيتد برس في ذلك الوقت إن خصوم نتانياهو السياسيين عرضوا عليه "شبكة أمان إذا توصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن"، ولكن من غير المرجح أن يساعدوه في البقاء في منصبه على المدى الطويل.

وقالت تال شنايدر، المعلقة السياسية الإسرائيلي في تايمز أوف إسرائيل: "يولي نتنياهو اهتماما كبيرا بكل ما يطالب به (إيتمار) بن غفير و(بتسلئيل) سموتريتش أو يهددان بفعله، هدف نتنياهو النهائي هو النجاة".

وحكومة نتانياهو الحالية، التي تشكلت في أواخر عام 2022 بعد خمس انتخابات متتالية، هي الأكثر قومية ودينية في تاريخ إسرائيل.

وقبل أشهر من الحرب، دفعت بسياسات رسخت المستوطنات في الضفة الغربية، وأطلقت خطة لتعديل النظام القضائي أدخلت البلاد في حالة انقسام سياسي.

وبعد وقت قصير من هجوم حماس في السابع من أكتوبر الذي أشعل فتيل الحرب، انضم غانتس، وهو رئيس أركان سابق، إلى الحكومة في إظهار للوحدة. وشكل نتانياهو وغانتس ووزير الدفاع، يوآف غالانت، حكومة حرب لتوجيه العمليات.

لكن غانتس انسحب من الحكومة في يونيو متهما نتانياهو بمواصلة الحرب في حين يقبع عشرات الرهائن في الأسر، وهو ما فتح الباب أمام انتقادات شرسة من العديد من الإسرائيليين، بما في ذلك عائلات المتختطفين.

وكتب ديفيد هوروفيتز في مقال نشر في "تايمز أوف إسرئيل": "تحت حكم نتانياهو، إسرائيل في خطر وجودي. في مواجهة النظام الإيراني الإبادي ووكلائه، فإن هوس نتانياهو الجديد بممر فيلادلفيا يعرض حياة الرهائن للخطر، وفي نهاية المطاف، مستقبل بلدنا".

وكتب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يخترع مطلبا غير مبرر (البقاء في محور فيلادلفيا)، ويقدمه على أنه وجودي، من أجل إحباط صفقة محتملة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين منذ ما يقرب من عام لدى حماس في غزة. ويفعل ذلك لأنه يخشى المتطرفين الذين بنى معهم حكومته، والذين هم عازمون على جر إسرائيل إلى حرب إقليمية".

وأضاف أن" هذا هو بالضبط ما يحذره وزير الدفاع الإسرائيلي، ورؤساء الأمن، وزعيم المعارضة، ورئيسان سابقان لأركان الجيش الإسرائيلي من أنه يفعله الآن".

ورأى أن التفاوض على صفقة رهائن مع المتشددين الإسلاميين الذين ذبحوا 1200 شخص في جنوب إسرائيل في أكتوبر "يشكل تحديا شنيعا، ولكنه أيضا ضرورة وطنية".

ومنذ أسابيع، أبلغ المفاوضون الإسرائيليون، بقيادة رئيس الموساد ورئيس الشين بيت، نتانياهو بضرورة التوصل إلى اتفاق، وأن حماس تعرضت لضربة عسكرية كافية لإطلاق سراح نحو 30 رهينة على الأقل في مرحلة أولية مدتها 42 يوما من الاتفاق.

"ولكن بدلا من اغتنام الفرصة، أصدر نتانياهو شروطا جديدة".

ويشير الكاتب إلى أن وزير الدفاع لا يرى حاجة للاحتفاظ بقوات عند ممر فيلادلفيا، وأن الجيش قادر على استعادة الحدود بسرعة إذا لزم الأمر، وأن عمليات الانتشار والآليات الأخرى يمكن أن تمنع حماس من استغلال غياب الجيش المؤقت لتهريب الأسلحة.

وتقول أسوشيتد برس إن موقف نتناياهو المتشدد ألقى أيضا بثقله على علاقات إسرائيل بأقرب حلفائها، الولايات المتحدة، التي قدمت دعما عسكريا، لكنها أعربت عن استيائها من الخسائر في صفوف المدنيين وعدم وجود أي خطط إسرائيلية واقعية لما بعد الحرب.

وعلى الصعيد الدولي، تعرضت إسرائيل لاتهامات بالإبادة الجماعية، ونتانياهو نفسه معرض لإصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه.

وعلى الرغم من كل تهديداتهم، فإن حلفاءه من اليمين في مأزق مماثل. ومن المرجح أن ينضموا إليه في معسكر المعارضة إذا أجريت انتخابات مبكرة.

لكن إذا تمكن نتانياهو من الحفاظ على ائتلافه حتى الانتخابات المقررة التالية في عام 2026، فقد يكون قادرا على تحسين صورته.