في غمرة الانتشار الرهيب لفيروس كورونا المستجد، سارعت الصين، التي انطلق منها كوفيد- 19، إلى إرسال مساعدات إلى إيطاليا، العضو في الاتحاد الأوروبي، وبعدها إلى صربيا التي تتوق إلى حيازة عضوية الاتحاد.
متابعون رأوا في ذلك محاولة من بكين للعب دور جديد في العالم، لمنافسة الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة.
وذهب آخرون إلى أن الصين تريد استمالة صربيا على وجه التحديد، فهي وإن لم تستطع الدخول في المجموعة الأوروبية حتى الآن، تبقى حليفا تقليديا لروسيا، ولهذا يقوله محللون إن "بكين تستهدف الوجود الروسي هناك".
موسكو ردت على التحرك الصيني بإرسال مساعدات حملها جيشها إلى صربيا، رغم أن روسيا تصارع في مواجهة الفيروس في عقر دارها.
وسائل إعلامية روسية معارضة رأت في قرار موسكو تكثيف جهودها على صربيا محاولة من الكرملين لـ"استغلال الظروف الحالية لدعم تحالفاته الخارجية والضغط على الغرب".
في حين رأى متابعون أن موسكو تحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية وتوفير غطاء لعمليات المخابرات الروسية بحجة "المساعدات".
ولم يستعبد محللون أن روسيا تحاول فتح أسواق جديدة لمنتجاتها. بيد أن عسكريين تحدثت معهم منظمة "جيمس تاون فونديشن"، قالوا إن للتحرك الروسي في صربيا أبعاد أخرى.
ويقول هؤلاء إن موسكو بصدد إعادة بناء أواصر التحالف العسكري مع صربيا مستفيدة من انشغال الغرب، والصين "الغريم الصامت" بمحاربة كوفيد- 19.
منظمة "جيمس تاون فونديشن" نقلت عن أحدهم قوله إن "روسيا اتخذت هذه الإجراءات ليس فقط كوسيلة لمواجهة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل خوفا من سرقة بكين لحليفها الصربي.
فالمساعدة الصينية لصربيا أثارت تساؤلات في بعض الدوائر المقربة من الكرملين، حول حقيقة هيمنة موسكو على هذا البلد الواقع في منطقة البلقان، بل أثار ذلك مخاوف لدى بعض المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.
يقول خبير في الملف للمنظمة "هناك خوف في موسكو" من تغير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة لصالح الصين أو الغرب ومن خلاله الولايات المتحدة الأميركية.
وبدأت المساعدة الصينية لصربيا لمواجهة الوباء في 21 مارس، قبل أسبوعين من وصول المساعدات الروسية الأولى إليها.
وأرسلت بكين طائرة إيرباص A330 محملة بالأقنعة والملابس الواقية، وقبل وصولها مباشرة، قال الرئيس الصربي ألكسندر فويتش للسفير الصيني "لقد اتضح أنه بدونك، بالكاد ستكون أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها، ونحن لا نخفي أنه لم يكن بإمكاننا فعل شيء من دون مساعدة الصين وإخواننا الصينيين".
وقال فويتش في وقت سابق إنه طلب من الصين المساعدة لأن الاتحاد الأوروبي، بدلاً من مساعدة جيرانه الشرقيين، يركز بشكل كامل على مساعدة أعضائه، وبالتالي تجميد دول مثل صربيا.
بعدها مباشرة سارع بوتين إلى إرسال مساعداته لصربيا. وقال وزير الدفاع الصربي "هذه المساعدة الروسية ثمرة الاتفاق الذي توصل إليه "القائدان الأعليان" وأساس العلاقة المتينة بيننا هي اتفاقهما العسكري التقني".
ثم أضاف "الاتفاقية ساعدت جيشنا على أن يصبح أقوى لأن الاتحاد الروسي وجيشه اليوم يساعداننا على محاربة الفيروس الرهيب".
وعلى الرغم من أن المساعدة الروسية جاءت متأخرة عن الصين، إلا أنها كانت أكبر بكثير وتضمنت أعدادًا كبيرة من العسكريين.
وعملت القوات الروسية مع الجيش الصربي لتطهير المباني وتنظيم مراكز العلاج وتوسيع التعاون مع القادة المحليين، ليس فقط في العاصمة ولكن أيضًا في المراكز الإقليمية وحتى في القرى الصغيرة.
المحللة السياسية الروسية نوفايا جازيتا تقول إن هذه التطورات جزء مما يسميه الناس في البلقان الآن "دبلوماسية الأقنعة الواقية".
وتابعت "من المرجح أن تستمر الصين في التدخل في المنطقة، بينما يفترض أن روسيا ستعمل بجد لإيقاف بكين كما كانت تكافح من أجل منع الناتو من حشد دول المنطقة إلى صفه".
جازيتا رأت أن الصرب كانوا يفضلون التعامل مع الأوروبيين. ولكن عندما لم يستجب الاتحاد الأوروبي، لجأوا إلى وروسيا والصين، وهو ما سيفتح في نظرها الطريق لمزيد من التحركات ويمهد الطريق لمنافسة جديدة بين بكين وموسكو.
وبينما تقوم الصين ظاهريًا بتطبيق نهج إنساني بحت، تبنى الروس نهجًا عسكريًا صريحًا.
وقد سيطر الجيش منذ البداية على مساعدة موسكو لصربيا، وتم دمج الجنود الروس في العمليات الصربية ضد الوباء.
مراقبون قالوا إنه "حتى وإن خفّ تهديد الفيروس التاجي، من المحتمل أن تحافظ موسكو على وجودها العسكري في صربيا".
ودليل ذلك هو افتتاحية الصحيفة العسكرية الروسية Krasnaya Zvezda التي تحدثت عن الموضوع بعبارات مثل "الجبهة الموحدة للبلدين"، وأن "الشراكة لن تكون فقط ضد الوباء الجديد ولكن سنكون معا ضد التحديات الأخرى أيضًا".