طائرات من دون  طيار من صنع صيني
شركة دي جيانغ تبرعت لأميركا بطائرات درونز تستخدمها الآن 22 ولاية رغم معارضة كثيرين خوفا من تجسس بكين

شنت الصين لعقود، حرب تجسس ضد الولايات المتحدة، مستغلة مجتمع أميركا المنفتح واقتصاد السوق "لسرقة المعلومات الهامة والأسرار التجارية وأدوات التكنولوجيا" وفق شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية.

الشبكة سلطت الضوء، في تقرير الثلاثاء، على سياسات بكين الخارجية المعتمدة على الحرب الخفية التي أساسها التجسس.

ونقلت الشبكة عن مسؤولين قولهم إن جائحة كورونا التي تسبب فيها تفشي الفيروس التاجي كوفيد- 19، كانت "فرصة" لبكين لتصعيد تجسسها على الأراضي الأميركية.

 

السيطرة على الإعلام.. والمعلومة

تركيز الصين الأساسي الآن، وفقًا للعديد من مسؤولي الاستخبارات الحاليين والسابقين الذين قابلتهم شبكة فوكس نيوز، هو محاولة السيطرة على رواية تفشي المرض داخل الولايات المتحدة وإلقاء اللوم على أي مكان غير بكين.

مصدر موثوق قال لفوكس نيوز إن هناك بالفعل اختراقات لأنظمة الكمبيوتر، وتجنيد بشري نشط للمواطنين الأميركيين، في سفاراتهم وقنصلياتهم حيث جواسيسهم الذين يعملون تحت غطاء دبلوماسي أو غطاء غير رسمي.

وفي أواخر مارس الماضي، عبر مسؤولو إدارة ترامب عن سعيهم لاستئصال جواسيس مشتبه بهم من وسائل إعلام أميركية بارزة، فضلاً عن منافذ صينية يشتبه في أنها تقدم تقارير إعلامية كاذبة في الغالب إلى الحزب الشيوعي الصيني.

أحد مسؤولي الدفاع الأميركي، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، قال من جانبه، إن الصين تركز بحثها داخل الولايات المتحدة أيضا على سرقة التكنولوجيا وتقنيات الاستعداد العسكري .

العقيد المتقاعد جيمس وليامسون في القوات الخاصة، قال في هذا الصدد إن الجانب الصيني نشط في نطاق التجسس على المتعاملين معهم من هنا، خصوصا ما تعلق بالتكنولوجيا".

الرجل عبر عن تخوفه من وصول جواسيس الصين إلى خصائص تكنلوجية دقيقة تستخدمها وزارة الدفاع الأميركية في نطاق جد حساس".

وقال "إذا لم تكن الأجزاء نفسها، على الأقل المكونات الحاسمة التي يتم استخدامها في تكنولوجيا الدفاع الأميركية الحساسة".

رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية المتقاعد، دان هوفمان،  حذر بدوره، من أن الصينيين غالبًا ما يستخدمون منصات الشبكات التجارية مثل "لينكد إن"  لتشكيل الاتصالات وتجنيد جواسيس.

يذكر أن مسؤولين شككوا في صفقة "تبرع" قامت بها شركة صينية تدعى "دي جيانغ" لـ22 ولاية أميركية مكونة من طائرات من دون طيار استخدمتها 43 وكالة لإنفاذ القانون لمراقبة مدى احترام تدابير التباعد الاجتماعي.

لكن شركة "دي جيانغ" (Innovations Di Jiang) التي تمتلك نحو 77 في المئة من سوق”الدرونز"  في الولايات المتحدة، زعمت أنها لا تستطيع الوصول إلى المعلومات من طائراتها بدون طيار في الخارج.

و"دي جيانغ" هي شركة صينية، خاضعة لقانون الأمن القومي الصيني والأمن السيبراني. وهذا يعني أن الحزب الشيوعي الحاكم يصل إلى جميع بيانات منتوجاتها، بما في ذلك البيانات التي تم جمعها في الولايات المتحدة من قبل أشخاص أميركيين - على أنها" بيانات صينية ".

كبير الباحثين في مجال التكنولوجيا والأمن القومي في مؤسسة هيريتج، كلون كيتشن، قال إن "أي تأكيدات بأن هذه المعلومات سيتم إخفاؤها عن بكين هي ببساطة غير موثوقة".

وشددت وثيقة عام 2017، نشرها الوكيل الخاص لتحقيقات الأمن الداخلي والمسؤول عن برنامج الاستخبارات في لوس أنجلوس، على أن شركة "جي" توفر على الأرجح بيانات إنفاذ القانون الأميركية الحيوية للحكومة الصينية".

وفي سبتمبر من العام الماضي، قامت مجموعة من المشرعين من الحزبين - بقيادة السناتور توم كوتون، بتقديم "قانون الطائرات الأميركية بدون طيار لعام 2019" في سعيها لمنع الشرطة المحلية ووكالات إنفاذ القانون الأخرى من استخدام الأموال الفيدرالية لاستخدام تقنية شركة "جي"، وينتظر مشروع القانون حاليا تعديلات بناء على طلب لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية لاعتماده.

ومنذ بداية ولاية الرئيس دونالد ترامب، ركزت الإدارة الأميركية على الأمن القومي. ففي نوفمبر 2018، أعلن النائب العام آنذاك، جيف سيشنز، مبادرة جديدة "لمكافحة التجسس الصيني"، مشددًا على أن مشكلة سرقة الممتلكات الفكرية "تنمو بسرعة"، وأن السلطات ستكثف اعتقال الأشخاص المتهمين بسرقة الأسرار التجارية من الولايات المتحدة الأميركية لصالح جهات خارجية، ولا سيما الصين.

وبحلول فبراير من هذا العام، كان مكتب التحقيقات الفدرالي بصدد التحقيق في أكثر من 1000 حالة من الاستيلاء الصيني على التكنولوجيا الأميركية، وفقا لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر وراي.

 

التجسس السبرياني.. الصين تسعى لحصد أكبر قدر من المعلومات

 

كما دق المسؤولون الحكوميون الأميركيون ناقوس الخطر بشأن تسلل بكين إلى الأوساط الأكاديمية الأميركية، وتحديداً في سرقة الأبحاث المتطورة للجامعات الأميركية، لذلك كثف مكتب التحقيقات الفدرالي والمعهد الوطني للصحة الجهود في السنوات الأخيرة لتحديد العلماء الذين يسرقون أبحاث الطب الحيوي. 

وحتى نوفمبر من العام الماضي، يقال إن هناك أكثر من 200 تحقيق من هذا النوع تجري على قدم وساق.

مصادر أخرى أكدت لفوكس نيوز أن الصين استثمرت في السنوات الأخيرة أموالا ضخمة في برامج وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تختبر باستمرار وتكتشف طرقًا لمواصلة اختراق الأنظمة الأميركية.

ويُعتقد أيضًا أن جهود القرصنة الإلكترونية، التي عادة ما يتم تكليفها من قبل وزارة أمن الدولة في بكين، قد تطورت بشكل كبير على مدار العقد الماضي.

وقال كريم حجازي، الرئيس التنفيذي لشركة المخابرات والدفاع الإلكتروني، “إن جهود الصين في التجسس السيبراني ضد الولايات المتحدة هائلة، واسعة النطاق، عدوانية للغاية، وخلاقة للغاية". وتابع "سيفعلون كل ما في وسعهم للوصول إلى معلومات استخباراتية من الحكومة أو الأصول العسكرية، لا شيء محظور عليهم".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟