مخاوف من إنشاء قواعد عسكرية صينية في إيران
الصين تجر إيران إلى مصيدة الديون عبر الاتفاق الاستراتيجي الجديد

تتفاوض طهران على اتفاقية مثيرة للجدل مدتها 25 عاما مع الصين أدت إلى اتهامها بالتنازل عن سيادتها لصالح بكين، فيما تتكتم الحكومة الإيرانية على بنود الاتفاقية وتراوغ بالقول إنها ستنشرها لاحقا.

محمد جواد ظريف، وزير الخارجية كان قد تعرض لصيحات استهجان خلال خطابه مطلع الشهر في مجلس النواب عندما تطرق للموضوع، وأشار إلى أنها اتفاقية شراكة استراتيجية لفترة طويلة و"هذا الأمر ليس سرا".

الرئيس الإيراني السابق محمد أحمدي نجاد كان قد انتقد المفاوضات والتي ستجعل البلاد رهينة لمدة 25 عاما لبلد أجنبي ومن دون علم الشعب.

ظريف، حاول التقليل من أهمية ما أثاره نجاد على شبكات التواصل الاجتماعي، وقال إنها اتفاق استراتيجي يتعلق باستثمارات في قطاعات مختلفة.

فما هي هذه الاتفاقية؟ ولماذا تغضب هذه المفاوضات الإيرانيون؟ وما هو الموقف الأميركي منها؟ وهل ستتأثر منطقة الشرق الأوسط باللاعب الجديد القادم من الشرق والذي سيدخل عبر البوابة الإيرانية؟

أبرز البنود 

يقال دائما إن "الشيطان يكمن في التفاصيل" وهذا ما يتخوف منه الإيرانيون، خاصة وأن السلطات تحاول التكتم على حيثياتها وتشير إلى أنها لا تزال غير متبلورة بالكامل، ولكن صحيفة نيويورك تايمز كانت قد نشرت تفاصيل 18 صفحة تمثل الإطار العام لهذه الاتفاقية.

بعض النقاد يقارنون المعاهدة بمعاهدة تركمانشان لعام 1828، والتي تنازل فيها الفرس عن السيطرة على أراضي جنوب القوقاز ومنحوها لروسيا القيصرية، وفق تقرير نشره موقع راديو "فري ليبرتي".

ظريف كان قد كشف أمام النواب أن هذه المفاوضات ليست بجديدة وتم الإعلان عنها أول مرة في يناير 2016 عندما زار الرئيس الصيني شي جينبينغ طهران.

China's Foreign Minister Wang Yi shakes hands with Iran's Foreign Minister Mohammad Javad Zarif during a meeting at the…
طهران باعت روحها لبكين
لماذا سيؤيد النظام الإيراني مثل هذا الترتيب؟ الجواب له علاقة كبيرة ببقاء النظام. في مواجهة ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة ووسط تدهور الأوضاع الداخلية، تم تذكير القيادة الإيرانية بحقيقة غير مرحب بها: إن الجمهورية الإسلامية ليست إيران، وإن حكم رجال الدين ليس إلى الأبد

ويحظى هذا الاتفاق بدعم أعلى سلطة في البلاد من قبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والذي وصف الاتفاق بـ"الحكيم".

وينظم الاتفاق تعاونا موسعا على 25 سنة في مجال استثمارات متبادلة في قطاعات النقل والموانئ والطاقة والصناعة والخدمات، كما سيكون هناك مناطق تجارة حرة خاصة في البلاد في التعاون الإيراني الصيني، فيما تشير التقديرات إلى أن إجمالي الاستثمارات ستكون أقل من نصف تريليون دولار.

ولكن وفق المسودة التي تحمل ترميزا بأنها "النسخة النهائية" فهي ترتب أيضا أطر التعاون بين الجانبين في المجالات العسكرية والأمنية، وحتى تلك المشاريع التي يمكن أن تتعلق بدولة أو طرف "ثالث".

الجدل في الداخل الإيراني

احتدم الجدل بين القوى السياسية داخل طهران حول المفاوضات، والتي تجري في ظل أوضاع تعاني منها البلاد من شلل اقتصادي بسبب العقوبات الأميركية، وجائحة كورونا القاتل.

المحافظون في إيران يرون في الاتفاقية تحولا نحو الشرق، وهم يرفضون أصلا الانفتاح على الشرق أو الغرب، وهذا ما قاله النواب صراحة خلال صيحاتهم أثناء كلمة ظريف.

وبسبب توقيت ومدة الاتفاقية يتخوف إيرانيون من أنها ستعطي لبكين اليد العليا في المفاوضات حيث ستتمكن الصين من الوصول للموارد الطبيعية الإيرانية لسنوات مقبلة.

ويرى البعض أن الصين ليست جديرة بالثقة من الأساس، مستدلين بذلك على الجدل المحيط بانتشار كورونا ودور بكين فيه وما تسببت به الجائحة من ويلات للشعب.

آريان الطبطبائي وهي باحثة متخصصة بالشأن الإيراني وشاركت في تأليف كتاب حول العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين، تقول إن العلاقة بين طهران وبكين دائما ما ينظر لها أنها تفيد الصين أكثر.

وأوضحت أن النخبة ترى أن الصين تقدم وعودا كبيرة ولا تقدم سوى القليل، بينما يرى الناس كيف أن الصين استطاعت الاستفادة من العقوبات المفروضة على إيران، حيث أغرقت السوق المحلية، ودفعت الشركات المحلية إلى الحافة، بعدما نافستها بمنتجات رخيصة.

وأضافت في حديث لراديو فري ليبرتي "الكثير في إيران يشعرون أن هذه الصفقة ستعزز من العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين".

تحليل كانت قد نشرته مجلة ناشونال إنترست قالت فيه إن المشكلة الحقيقية في الاتفاق الصيني الإيراني قد تعني للشعب الإيراني نهاية أي حلم له بالحرية، خاصة إذا ما تم جر البلاد إلى مصيدة الديون.

كيف تنظر واشنطن للاتفاق؟

الاتفاق الجديد يمكن أن يعطي المجال للصين لإنشاء قواعد عسكرية في إيران، ما يعني إمكانية حدوث تغييرات جغرافية أو سياسية بشكل كامل في المنطقة، وفق تقرير نشره موقع "ذا برنت".

ويقول مراقبون أن إيران والصين يرون في هذه الاتفاقية ليس فقط شراكة استراتيجية، إنما أيضا التحالف من أجل لمواجهة الولايات المتحدة.

متحدثة باسم الخارجية الأميركية كانت قد علقت على مسودة الاتفاقية والمفاوضات التي تجري حولها "بأن الولايات المتحدة ستفرض أعباء إضافية على الشركات الصينية التي تساعد إيران والتي تعد أكبر دولة راعية للإرهاب".

وأضافت أن السماح للشركات الصينية أو تشجيعها على القيام بأنشطة خاضعة للعقوبات مع النظام الإيراني، فهذا يعني أن السلطات الصينية تقوض هدفها المعلن بتعزيز السلام والاستقرار.

انتقادات كبيرة للحكومة الإيرانية بسبب اتفاقيتها مع الصين
الاتفاق يثير الجدل في طهران.. هل باعت الحكومة الإيرانية البلاد للصين سراً؟
توصلت إيران والصين إلى شراكة اقتصادية وأمنية من شأنها أن تمهد الطريق لمليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في الطاقة وقطاعات أخرى، مما يقوض جهود إدارة ترامب لعزل الحكومة الإيرانية بسبب طموحاتها النووية والعسكرية، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.

وأشار تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن التوسع في العلاقات العسكرية ما بين إيران والصين ستنظر له واشنطن بقلق، خاصة وأن السفن الحربية والبوارج الأميركية لطالما تتعرض لاستفزازات في مياه الخليج العربي.

وكانت استراتيجية البنتاغون للأمن القومي قد حددت الصين كدولة "خصم" للولايات المتحدة.

الصين تستخدم بوابة إيرانية للعبور للشرق الأوسط

على مدى العقود الماضية كانت القوات الأميركية حاضرة في الشرق الأوسط، وأصبح لها عدة قواعد في الشرق الأوسط، ولكن هذا الاتفاق سيوفر موطئ قدم أيضا لقوات صينية في المنطقة.

مضيق هرمز

ويشير محللون أنه عندما ستقوم الصين ببناء وتطوير الموانئ الاستراتيجية لإيران فهي على الأرجح ستقوم بتسلحها لحماية مصالحها.

الولايات المتحدة لها تواجد مكثف أيضا في الخليج عند مضيق هرمز حيث يتواجد الأسطول البحري الخامس، وهو ما يمثل سيطرة لأميركا في نقطة الاختناق الاستراتيجية التي تعد بوابة للنفط، ولكن إذا ما أصبحت الصين موجودة على ضفاف إيران، فهذا يعني وجود لاعب إضافي في المنطقة سيؤثر على مسار الأحداث وعلى الاستراتيجية الأميركية الداعمة لاستقرار المنطقة.

حتى الآن هذا ما يعرف عن مسودة الاتفاقية التي ستجعل للصين مكانا في المنطقة العربية من خلال إيران، وهو ما يمكن أن يؤثر على استقرار وأمن المنطقة.

الرئيس ترامب ونتانياهو

في واحدة من المفارقات اللافتة في العلاقة الأميركية الإسرائيلية خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، قرار الأخير عدم زيارة إسرائيل في جولته الشرق أوسطية، مفضلا زيارة دول الخليج ومراكز القرار الجديدة في المنطقة.

ورغم ما تبدو عليه الخطوة من برود دبلوماسي أو حتى تجاهل متعمد لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يُظهر التحليل الأعمق، كما يوضح الخبير الأميركي في شؤون الأمن القومي إيلان بيرمان، مزيجا معقدا من الحسابات الاستراتيجية، والرسائل السياسية، وتغيرات كبرى في بنية التحالفات الإقليمية.

بحسب بيرمان، ترتكز الرؤية الأميركية الحالية على إحداث اختراق استراتيجي في مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، دون ربط مباشر بتقدم حقيقي في المسار الفلسطيني. 

ويشير إلى أن الرهان كان قبل 7 أكتوبر ٢٠٢٣ على قرب توقيع اتفاق سعودي-إسرائيلي، لكنه كان خالياً تقريباً من أي مضمون يتعلق بالقضية الفلسطينية.

لكن بعد هجوم حماس وعمليات إسرائيل العسكرية في غزة، بدأت الرياض تتخذ موقفا أكثر حزما، رابطة أي اتفاق بتعهد واضح من إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية. وهو ما بات صعب المنال في ظل حكومة إسرائيلية توصف بـ"المتشددة"، وشارع إسرائيلي بات أكثر رفضا لحل الدولتين.

قرار ترامب بعدم زيارة إسرائيل قد لا يكون مجرد صدفة دبلوماسية. فإسرائيل، كما يشرح بيرمان، لا تملك اليوم ما يمكن تحقيقه عملياً من زيارة كهذه، بينما الملفات الساخنة التي تهتم بها واشنطن – من التطبيع، إلى إيران، إلى اليمن – تقع جغرافياً وسياسياً في أماكن أخرى.

الأخطر أن هذا التجاهل الظاهري يتقاطع مع مؤشرات أعمق على تراجع التنسيق الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب. بدءاً من التباين حول الملف النووي الإيراني، حيث يُفضل ترامب العودة إلى المفاوضات، بينما يتحمس نتنياهو للخيار العسكري، مروراً باتفاق التهدئة الأميركي مع الحوثيين في اليمن، الذي أثار امتعاض إسرائيل بسبب ما اعتُبر انفصالاً عن مصالحها الأمنية، وليس انتهاءً بتوصل ترامب الى صفقة لاطلاق عيدان اسكندر الرهينة الأميركي لدى حماس.

هنا، يقول بيرمان إن "الأمن الأميركي والأمن الإسرائيلي بدآ ينفصلان فعلياً في بعض الملفات"، وهو ما يشكّل سابقة مقلقة في تاريخ الشراكة بين الطرفين.

من داخل إسرائيل، ينقل بيرمان أجواء من الإرباك وانعدام اليقين: الأهداف في غزة غير واضحة، الرهائن لا يزالون في الأسر، والخطة العسكرية الجديدة مرهقة اقتصادياً ونفسياً للبلاد، مع استدعاء واسع لقوات الاحتياط.

الاستنزاف الطويل، والانقسامات الداخلية، وتراجع الدعم الدولي، كلها عوامل، يعددها بيرمان، وهي برأيه، تضعف قدرة إسرائيل على فرض شروطها في أي تفاوض، سواء مع الفلسطينيين أو مع الأطراف العربية الأخرى.

رغم كل ما سبق، يشير بيرمان إلى أن أسس التحالف الأميركي الإسرائيلي لا تزال قوية، إذ تجمعهما المصالح الأمنية والقيم السياسية. لكن هذا لا ينفي حقيقة وجود "مساحة رمادية" تتسع يوماً بعد يوم، تعكس تبايناً متزايداً في السياسات والتكتيكات.

بينما تُعيد واشنطن رسم أولوياتها الشرق أوسطية، وتبحث تل أبيب عن استراتيجيات خروج من أزمتها الأمنية والسياسية، تبقى العلاقة بينهما في اختبار مفتوح، رغم الثوابت الاستراتيجية. وقد يكون قرار ترامب بتجاوز إسرائيل في جولته هذه، أول مؤشر علني على تحوّل أعمق لا يزال قيد التشكّل.