بقدر ما يصر الكرملين على سجنه ومضايقته، يصر المعارض الروسي أليكسي نافالني، منذ ما يقرب من عقد من الزمن، على تحدي هيمنة الرئيس فلاديمير بوتين على السلطة، وكشف ملفات الفساد التي تورط كبار المسؤولين في البلاد.
نافالني الذي يصارع حاليا من أجل حياته بعد اشتباه بتعرضه للتسميم، لم يكل ولم يمل رغم وهن صحته بسبب الضربات التي تلقها من السلطات ومن مقربيها.
ولدى نافالني، أحد أبرز معارضي الكرملين، شبكة على المستوى الوطني من المؤيدين، لكن العديد منهم تعرضوا للاستهداف عبر مداهمات للشرطة أو تجميد حساباتهم خلال العام الماضي.
"حزب المحتالين واللصوص"
في 2009، اشتهر المحامي والناشط السياسي البالغ من العمر 44 عاما كمناهض للفساد.
واستغل مدونته على الإنترنت لنشر مقالات تكشف الفساد في دوائر النظام الروسي، واكتسب بذلك قاعدة خاصة من الشباب، كما حظيت فيديوهاته بمتابعة كبيرة.
ولم يتردد في توجيه سهام نقذه اللاذع للحزب الحاكم وكان يتهكم على تسمية حزب روسيا الموحدة بلقب "حزب المحتالين واللصوص".
في عام 2011، قاد نافالني تظاهرات حاشدة ضد الفساد، شهدت خروج عشرات الآلاف إلى شوارع موسكو للاحتجاج على التزوير في الانتخابات البرلمانية، ما أغضب الكرملين.
ترشح الأب لطفلين لمنصب رئيس بلدية موسكو وحل ثانياً بعد سيرغي سوبيانين، حليف بوتين.
في 2017، اتهم رئيس الوزراء آنذاك ديمتري ميدفيديف بالفساد الهائل في فيلم وثائقي على موقع يوتيوب. وكانت تلك الشرارة التي أطلقت موجة جديدة من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد قابلتها الشرطة بالعنف والاعتقالات الجماعية.
ويتضمن الفيلم اتهامات لمدفيديف بالسيطرة على إمبراطورية ضخمة للعقارات الفاخرة.
وتمت مشاهدة الفيلم، الذي نشرته مؤسسة صندوق مكافحة الفساد التابعة لنافالني في عام 2017، على موقع "يوتيوب" أكثر من 35 مليون مرة.
وفرض القضاء الروسي غرامات على منظمته لرفضها حذف الفيلم.
مضايقات الكرملين وسجن أخيه
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها نافالني بسبب نشاطه السياسي المناهض للفساد في روسيا، إذ تعرض لهجمات أخرى كادت تودي بحياته.
واجه نافالني سلسلة من القضايا القانونية التي يرى أنصاره أنها عقاب له على نشاطه.
في عام 2013، أُدين في قضية اختلاس تتعلق بصفقة أخشاب وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات مع وقف التنفيذ ما حرمه من الترشح لمنصب عام.
في عام 2014، حُكم عليه مرة أخرى مع وقف التنفيذ، وسُجن شقيقه أوليغ لثلاث سنوات ونصف السنة في قرار وصفه النشطاء بأنه "احتجاز رهائن".
منع من الظهور على شاشات التلفزيون الحكومي ومن الترشح في مواجهة بوتين خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2018.
في 2017، اضطر للسفر إلى إسبانيا لإجراء عملية جراحية بعد أن كاد يفقد البصر في إحدى عينيه جراء هجمات الشوارع العديدة التي تعرض لها، إذ تعرض لحروق كيميائية في عينه بعدما ألقى مهاجمون صباغا أخضر يستخدم كمطهر، على وجهه أمام مكتبه.
وفي يوليو 2019 أصيب نافالني بطفح جلدي وتورم وجهه أثناء وجوده في السجن بعد قمع السلطات متظاهرين معارضين للكرملين وبعد أن دعا لتظاهرة غير مرخصة.
قال نافالني إنه كون معرفته بالحملات السياسية من خلال مشاهدة المسلسل التلفزيوني الأميركي "هاوس أوف كاردز" (ورق اللعب) وسمى ذات مرة بين أبطاله المفضلين الممثل الهوليوودي الذي تحول إلى العمل السياسي أرنولد شوارزنيغر.
قام نافالني بجولة في روسيا قبل انتخابات 2018، في حملة على النمط الأميركي لحشد مؤيديه. ولكن مع سيطرة الكرملين المحكمة على وسائل الإعلام، ما زال يمثل شخصية هامشية بالنسبة للعديد من الروس الذين يعرفونه من خلال الصورة الرسمية له على أنه عميل للغرب ومجرم مُدان.
ورفض بوتين نطق اسم نافالني علنًا، وبدلاً من ذلك أشار إليه على أنه "الشخص الذي ذكرته"، من بين عبارات مموهة أخرى، عندما سُئل مباشرة عن زعيم المعارضة.
ثروات النخب
مع منعه من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية، ظل نافالني يعمل على الكشف عن ثروات النخب الروسية، وبث نتائج تحقيقاته إلى ملايين الروس على وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب.
وقد ساعد نافالني وفريقه، من خلال البحث في سجلات الأراضي وملفات الشركات الخارجية، في الكشف عن القصور والثروات المخفية لكبار المسؤولين.
ومن بين أكثر ما يلفت النظر في ما كشف عنه نافالني تفاصيل عن المنازل الفخمة لحلفاء بوتين في روسيا وخارجها - بما في ذلك قصر مجهز بغرفة تخزين واسعة مكيفة لمعاطف الفرو.
لكن على الرغم من قدرته على تأجيج الاستياء بين الشباب من أبناء الطبقة الوسطى في المدن إلى حد كبير، إلا أنه بعيد عن كونه شخصية معارضة تحظى بالاجماع، إذ ينتقد البعض موقفه المناهض للهجرة.
وقد حقق أكبر نجاح له مؤخرا في الانتخابات المحلية العام الماضي، عندما تكبدت الأحزاب الموالية لبوتين خسائر بسبب خطة "التصويت الذكي" التي طرحها نافالني بعد منع حلفائه من خوض الانتخابات.
أدى هذا التكتيك - الذي دعا الناخبين إلى دعم مرشح المعارضة الوحيد الذي من المرجح أن يهزم الحزب الحاكم - إلى تراجع المشرعين المدعومين من الكرملين من 38 من أصل 45 مقعدًا في مجلس مدينة موسكو إلى 25.
في العام الذي أعقب الانتخابات دوهم مقر نافالني مراراً وتكراراً، في حين دمغت مؤسسته لمكافحة الفساد على أنها "عميل أجنبي" وفرضت عليها غرامات كبيرة.
كان نافالني يتنقل في البلاد للترويج لاستراتيجية التصويت التكتيكية في الانتخابات الإقليمية التي ستجري في سبتمبر عندما أصيب بتوعك وهبطت طائرته اضطرارياً في مدينة أومسك قبل أن ينقل إلى المستشفى وتسوء حالته.