Turkish Prime Minister Recep Tayyip Erdogan, walks by the flags of various Arab countries before giving a speech in front of…
إردوغان يحضر اجتماعا بجامعة الدول العربية في القاهرة في 2011.

بعد شهر من حملة واسعة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، وشارك بها شخصيات كبيرة في المملكة، لمقاطعة البضائع التركية، أجرى فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مقابلة قال فيها إن الرياض لديها علاقات "طيبة ورائعة" مع أنقرة.

وفي الوقت الذي نفى فيه المكتب الإعلامي الحكومي السعودي فرض قيود على البضائع التركية، كشف بيان مشترك لرؤساء أكبر 8 مجموعات تجارية تركية، تلقيهم شكاوى من شركات سعودية، تفيد بأن الرياض اشترطت عليهم التوقيع على وثائق تلزمهم بعدم استيراد بضائع من تركيا.

كانت هذه الحملة في أكتوبر الماضي، وأجرى الوزير مقابلته في نوفمبر، وبين الحدثين اتصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وبحثا "سبل تحسين العلاقات بين بلديهما"، في خطوة نادرة بالنظر إلى توتر العلاقات بين البلدين منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر 2018.

ويعتقد محمد الحربي، المحلل السياسي السعودي، أن "هذه مؤشرات لحل الأزمة التركية مع المملكة".

وبينما يشيد محللون وصناع قرار بمثل هذه التحركات، باعتبارها علامة على أن العلاقات التركية العربية على وشك فتح صفحة جديدة، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من العداء المتزايد، تحذر كارولين روز، كبيرة المحللين في مركز السياسة العالمية (CGP)، من أن يترجم دفء العلاقات السعودية التركية الحالي إلى مصالحة تركية عربية أوسع.

إلا أن فراس رضوان، المحلل السياسي التركي يقول: "لا يمكن وضع العلاقات العربية - التركية في سلة واحدة، هناك علاقات أكثر من ممتازة مع الكويت وقطر والمغرب وعمان والجزائر وتونس".

وأضاف "العلاقات متأزمة مع مصر والإمارات ونوعا ما مع السعودية والبحرين، لكن لا شيء يحول دون عودة هذه العلاقات"، قائلا إن "الأمن القومي التركي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي أيضا"

ورغم التوتر السياسي بين الرباعي العربي وتركيا، استمر ت العلاقات الأخرى، ولاسيما الاقتصادية.

وفي مؤتمر صحفي، عقده في وقت سابق من الشهر الجاري، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، إن بلاده تعتبر "شريكا تجاريا أساسيا" لتركيا في الشرق الأوسط و"لا تعتز بأي عداء" معها. 

وبعد أيام، قال قرقاش، في مقابلة تلفزيونية، إنه لا يوجد أي سبب للاختلاف مع تركيا إلا تبنيها جماعة الإخوان المسلمين.

وتقول روز لموقع "الحرة" إنه منذ الاتفاق الذي أُبرم في مدينة العلا السعودية، في وقت سابق من يناير، اتضح أن الإمارات والبحرين لن يتبعا خط الرياض، خاصة وأن الاتفاق لم يشمل المطالب الـ13 الأصلية التي أصدرتها دول الرباعي العربي (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) باعتبارها الإنذار النهائي لقطر عام 2017. 

خلاف أيديولوجي 

ويربط فادي عكوم، المحلل السياسي، عودة العلاقات مع تركيا بـ"حسابات كثيرة جدا تتعلق بالنفوذ التركي في منطقة الشرق الأوسط والخليج، ودعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين، وتقديمها تعهدات بعدم التدخل مجددا بالشؤون الداخلية للدول الأربعة".

وأضاف "قد يكون الملف المصري أكثر الملفات قساوة من الناحية السياسية، وأكثرها صعوبة خلال مرحلة التفاوض للتصالح".

وكانت علاقات مصر مع تركيا توترت عام 2013 منذ عزل الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها الدول الأربعة إرهابية، بينما تستضيف كل من الدوحة وأنقرة أعضاء منها. 

توترت علاقات مصر مع تركيا منذ الإطاحة بحكم الإخوان في 2013.
بعد الإشادة بـ"جيشها العظيم".. مصر تطلب شروطا "ولا بالأحلام" من تركيا
في غضون شهرين، شهدت الأزمة الليبية انفراجة، وتلاشى خطر المواجهة العسكرية بين مصر وتركيا، وتحول حديث مسؤول تركي من "تخلف مصر خمسين عاما على أقل تقدير" بسبب الانقلاب الذي قام به الجيش، كما قال في مقالته، إلى "الجيش المصري جيش عظيم، ونحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا" كما قال في مقابلة أجراها، السبت الماضي.

وتقول كبيرة المحللين في مركز السياسة العالمية (CGP)، كارولين روز، إنه رغم إنهاء الخلاف بين الرباعي العربي وقطر "على الورق"، لا تزال الإمارات وشريكتها الإقليمية مصر يعترضان على أيديولوجية حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الزعيم التركي رجب طيب إردوغان.

وأوضحت أن كلا من القاهرة وأبوظبي يواصلان معارضة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المدعومة من تركيا، فضلا عن مواصلة زيادة الدعم السياسي والعسكري لمنتدى غاز شرق البحر المتوسط "لدرء الأنشطة البحرية التركية من مسح وتنقيب وحفر". 

إرضاء "اللاعبين الكبار" 

وأتاح الدعم التركي لحكومة الوفاق إلحاق سلسلة من الهزائم بقوات رجل شرق ليبيا النافذ خليفة حفتر، عقب هجوم طرابلس في 2019.

والإمارات ومصر على خلاف رئيس مع تركيا بشأن ليبيا ودعم جماعة الإخوان المسلمين. وإن كانت القاهرة أبدت مرونة مؤخرا لواقع الوضع الليبي.

وفي سبتمبر الماضي، كشف الكاتب والمحلل السياسي التركي، حمزة تكين، المقرب من السلطة الحاكمة في تركيا، ومحلل سياسي تركي آخر، وهو فراس رضوان، تحدث إليهما موقع "الحرة"، معلومات مؤكدة لديهما تشير إلى اجتماعات مصرية-تركية، على مستوى مخابراتي، بشأن الأوضاع في ليبيا، الأمر الذي لم تنفيه مصر.

لكن جلال حرشاوي، الباحث في المعهد السويسري للمبادرة العالمية، كان قد قال لموقع "الحرة"، في ديسمبر الماضي، إن "الإمارات لا تتقبل الواقع الحالي في شمال غرب ليبيا".

وأضاف أنه على المدى الطويل، ستظل أبوظبي ملتزمة بالقضاء على أي نظام حكم قد يقبل أو يدافع عن جماعة الإخوان المسلمين أو أي فصيل سياسي مشابه له في طرابلس.

A handout picture released by the Egyptian Presidency on May 7, 2016 shows Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (C-R)…
مصر في غرب ليبيا لـ"إيضاح موقفها" وسط تهديد حفتر و"التزام إماراتي بمواجهة تركيا"
بعد أسبوع من زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى رجل شرق ليبيا النافذ خليفة حفتر الذي لطالما نُظر إليه باعتباره يتمتع بدعم قاهري غير مشروط، وصل وفد مصري رفيع المستوى إلى طرابلس (غرب البلاد)، الأحد، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2014.

ويرى حرشاوي أن "الإمارات لن تتوقف أبدا عن محاولاتها لجعل الوجود التركي في ليبيا مكلفا ومؤلما وغير دائم".

أما عكوم فيقول: "هناك توافق دولي على التهدئة في ليبيا؛ يبدو أن تقاسم الحصص، النفطية أو السياسية، للدول المتصارعة في ليبيا أصبح واضحا على الأرض، وبات معلوما أن استمرار الأزمة لفترة أطول سيكون استنزافا للجميع دون استثناء".

ويعتقد عكوم، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الأوضاع في ليبيا ستظل كما هي؛ من ناحية النفوذ والتدخل الخارجي، لكن بوتيرة أقل"، موضحا أن التدخل سيكون سياسيا من أجل التوصل لحل دائم للأزمة، ويرضى جميع الأطراف الداخلية الليبية و"اللاعبين الكبار"، على حد وصفه، مشيرا إلى مصر وروسيا وتركيا والولايات المتحدة.

وأضاف "مصر على سبيل المثال تريد تأمين حدودها الغربية، وألا تتحول ليبيا لبوابة مفتوحة لدخول وخروج الإرهابيين".

ويؤكد عكوم أن ما وصفه بـ"الثقة المصرية" بما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في المستقبل القريب في ليبيا "سيكون العنوان الأساسي للحل"، قائلا إن القاهرة "لن ترض بحل ليبي على حساب أمنها القومي".

لا حلول وسط

وفي الوقت الذي كانت تركيا تتنازع فيه مع اليونان وقبرص، عضوي الاتحاد الأوروبي، بشأن الأحقية في موارد الطاقة بمنطقة شرق البحر المتوسط، أسست مصر "منتدى غاز شرق المتوسط"، في يناير 2019، بعضوية إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية. 

وسهلت اتفاقات ترسيم الحدود البحرية بين كل من مصر وقبرص واليونان دراسة وتنفيذ مشاريع تتعلق باستخراج الغاز الطبيعي وموارد أخرى في شرق البحر المتوسط، بينما ظل الخلاف يتصاعد بين تركيا وجيرانها.

وإلى جانب النزاع على موارد الطاقة، يسود خلاف بين تركيا وقبرص منذ وقت طويل بشأن جمهورية شمال قبرص المنشقة في الجزيرة.

وفي ديسمبر الماضي، أعلنت القاهرة، بالتزامن مع زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إليها، انضمام الإمارات لمنتدى غاز شرق المتوسط. كما وقعت الإمارات، الأسبوع الماضي، مذكرة تعاون دفاعي وعسكري واستراتيجي مع قبرص.

ووصف المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، قبرص بـ"الشريك الجديد في محيط الشرق المتوسط"، قائلا إن ذلك يعكس "الحضور الاستراتيجي الإماراتي في صعود مستمر".

تضحية بشرق المتوسط

ويعلق فادي عكوم، المحلل السياسي على ما وصفها بـ"أزمة تركيا في شرق المتوسط"، بقوله: "يبدو من الواضح أن المحاولات التركية باءت بالفشل، على الأقل جزئيا، خصوصا وأن التحالفات الثنائية والثلاثية بين قبرص واليونان ومصر والتدخل الفرنسي المانع للتوغل التركي، كان مؤثرا".

ويرجح عكوم، في حديثه لموقع "الحرة"، أن "يضحى" إردوغان بمنطقة شرق المتوسط مقابل "ضمان استقرار أوضاعه، وعودته للساحة الشرق أوسطية من جديد، قائلا "إنه (إردوغان) بات يعلم أن هذه المنطقة ستكلفه سياسيا واستراتيجيا، كونها غير مهيأة لبسط نفوذه بالشكل الذي يحلم بها".

وأضاف "إردوغان وصل إلى أذربيجان، وشرق المتوسط، وليبيا، وسوريا، وقطر. هو يعلم أنه سيضطر في النهاية للاستغناء عن بعض من هذه التوسعات، لرسم حدود النفوذ من جديد".

وفي هذا الإطار، يقول فراس رضوان: "لا حلول وسط لأزمة شرق المتوسط"، مؤكدا أن "الخلاف الكبير يكمن بين اليونان وتركيا بسبب تداخل الحيز المائي بين الجرف القاري لكل منهما".

سفينة حربية يونانية بالقرب من الحدود التركية

وتعتقد كبيرة المحللين في مركز السياسة العالمية (CGP) أن النتيجة المحتملة لما بعد اتفاق العلا هي أن يشهد الشرق الأوسط نهاية رسمية للخلاف الخليجي وتقاربا بين تركيا والسعودية.

لكنها أضافت "قد نشهد تصاعد العداء بين تركيا والإمارات، حتى لو تم النظر لذلك باعتباره تحد لقيادة السعودية الفعلية لدول مجلس التعاون الخليجي".

ويقول الحربي إن "الاقتصاد التركي المنحدر جدا يحتم على أنقرة النظر إلى الأعماق الاستراتيجية الحقيقية المستدامة للتغلب على كافة الظروف".

إلا أنه أكد، وفي نفس الوقت، على أهمية "عدم التدخل في سيادة الدول العربية ومجتمعاتها وإيقاف كل ما يؤدي إلي زعزعة الأمن في هذه المنطقة المهمة من العالم".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك تايمز أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟