لم تؤكد السعودية رسيما أنها قدمت طلبا لتركيا لشراء مسيرات تركية
لم تؤكد السعودية رسيما أنها قدمت طلبا لتركيا لشراء مسيرات تركية

بعد سنوات من التوتر بين القوتين الإقليميتين، أعلنت تركيا أن السعودية قدمت طلبا لشراء طائرات مسيرة تركية الصنع، وذلك بالتزامن مع المناورات الجوية اليونانية - السعودية التي تنظم في شرق المتوسط وتثير امتعاض أنقرة.

ومنذ 2017، توترت العلاقات بين أنقرة والرياض بسبب دعم تركيا لقطر في خلافها مع السعودية، قبل أن تتصدع بسبب قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

واتهم مسؤولون ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ الجريمة، الأمر الذي نفته الرياض مرارا.

وطالت تداعيات التوتر السياسي والدبلوماسي العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ تأثر القاطع التجاري التركي بفعل مقاطعة سعودية غير رسمية، لكن الدولتين قالتا إنهما ستعملان على تحسين العلاقات.

والثلاثاء، قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة: "قدمت السعودية طلبا لتركيا لشراء طائرات مسيرة مسلحة (درونز)"، قبل أن ينتقد المناورات اليوناينة- السعودية.

وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تضاعف فيه تركيا بوادر الانفتاح حيال السعودية وحلفائها. ففي الأسبوع الماضي أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، أن "لا سبب لكي لا تتحسن علاقاتنا مع السعودية".

لكن رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر)، طارق آل شيخان الشمري، يقول لموقع "الحرة": "هذه مجرد تصريحات، تعودنا دائما على أن تصريحات الرئيس إردوغان غير دقيقة وغير حقيقية، وعلينا ألا نصدق كل ما يقوله، هذه فرقعة إعلامية، السعودية ليست بحاجة لشراء درونز تركية". 

ولم تؤكد السعودية رسيما أنها قدمت طلبا لتركيا لشراء مسيرات تركية.

وفي أبريل 2020، دشنت شركة "إنترا" السعودية للتقنيات، بالتعاون مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية، أعمال البناء والتصنيع في مجال تطوير وتصنيع وصيانة منظومات الطائرات دون طيار.

وكان من المقرر البدء في تشغيل المشروع خلال الربع الأول من 2021، وبحجم استثمارات متوقعة تبلغ 200 مليون دولار. وذكر موقع "ديفنس وورلد" أن السعودية تستخدم تكنولوجيا تركية في صناعة مسيراتها.

انطلقت الثلاثاء من قاعدة سودا الجوية في اليونان مناورات تمرين "عين الصقر 1".

من يريد ماذا؟ 

وجاء تأكيد إردوغان باهتمام الرياض بالطائرات المسيرة التركية  (بيرقدار  TB 2) بعدما انتقد المناورات الجوية التي تجرى في شرق المتوسط، بين السعودية واليونان، التي يوجد بينها وبين تركيا نزاع حول الحقوق البحرية في شرق البحر المتوسط. 

وقال: "لكن من الناحية الأخرى هناك الآن طلب من السعودية لشراء طائرات مسيرة مسلحة من تركيا. تلك هي أحدث التطورات"، مضيفا "من يريد ماذا؟ الأمور غير واضحة".

ويعلق الخبير الاستراتيجي جواد غوك، لموقع "الحرة"، قائلا: "إردوغان على حق بهذا الخصوص. لماذا تشارك السعودية في المناورات العسكرية وفي نفس الوقت تهتم بالدرونز التركية. المملكة في الخط المخالف حتى الآن".

وينظر جوك إلى السعودية ومصر والإمارات باعتبارها دول تشكل خطا منافيا لمصالح مع تركيا، قائلا: "كلما اقتربوا من اليونان، تبتعد عنهم تركيا ولا تساعدهم أبدا".

ومن قاعدة سودا الجوية في اليونان، انطلقت الثلاثاء مناورات تمرين "عين الصقر 1" الذي بدأ بعدة طلعات جوية مشتركة من طائرات القوات الجوية الملكية السعودية "F-15C" وطائرات القوات الجوية اليونانية "F-16" و"ميراج-2000" و "فانتوم ف-4" في سماء البحر الأبيض المتوسط.

وتمحورت مناورات التمرين على تنفيذ العديد من الطلعات الجوية التدريبية التي تشتمل على عمليات هجومية ودفاعية وإسناد جوي.

وتعد هذه المشاركة الأولى للقوات الجوية السعودية في هذا التمرين،  حسبما نقلت وكالة أنباء السعودية عن قائد مجموعة القوات الجوية الملكية السعودية المشاركة في التمرين، العقيد الطيار الركن عبدالرحمن بن سعيد الشهري.

وأضاف الشهري أن هذا التمرين يعد استثنائيا والأول من نوعه مع القوات الجوية اليونانية، لصقل وتطوير مهارات الأطقم الجوية والفنية والمساندة ودعم جاهزيتها لتبادل الخبرات في جميع المجالات المتاحة.

وتصاعدت الأزمة بين أثينا وأنقرة بعدما نشرت تركيا، في أغسطس الماضي، السفينة "عروج ريس" للمسح الجيولوجي والتنقيب في مناطق متنازع عليها تعتبر غنية بالمحروقات ولا سيما قرب جزيرة كاستلوريزو اليونانية الواقعة قرب الساحل التركي. 

وتعتمد أثينا على شركائها الأوروبيين الذين حذروا أنقرة خلال قمتهم الأخيرة في ديسمبر من عقوبات محتملة. ونقلت "فرانس برس" عن مصدر دبلوماسي يوناني قوله إن القمة الأوروبية المقرر عقدها في نهاية مارس ستتطرق إلى هذه القضية مرة أخرى.

ويقول غوك: "تركيا تنتظر وتتوقع خطوات إيجابية من السعودية بألا تشارك في أي مناورات مع اليونان ثم تجلس للحوار مع تركيا بالنتيجة الأخيرة أكثر تأثيرا من اليونان في المنطقة والبلاد العربية".

وخلال تصريحاته، تابع إردوغان قائلا إن "تصميم تركيا في شرق المتوسط يبقى قائما. من غير الوارد بالنسبة إلينا تقديم تنازلات".

"على حساب مصر"

وآمال تركيا في تخفيف التوترات مع السعودية جزء من جهد إقليمي أوسع، حيث تسعى أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع مصر التي وقعت اتفاقا بحريا مع اليونان أغضب إردوغان.

وقالت أنقرة إنها ترى بوادر تحسن في العلاقات مع مصر والتي تدهورت منذ أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي الذي كان مقربا من أنقرة عام 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.

وقال إردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، في الأسبوع الماضي، إن تركيا استأنفت الاتصالات الدبلوماسية مع مصر وتريد المزيد من التعاون. 

وردت مصر بقولها إنها تنتظر من تركيا "أفعالا... وأهدافا تتسق مع الأهداف والسياسات المصرية".

وبينما تنفذ السعودية مناورات وتدريبات مع اليونان في المتوسط، تنفذ مصر ثاني تدريب لها في أقل من أسبوع في البحر الأحمر مع فرنسا التي تشارك بالمجموعة القتالية المصاحبة لحاملة الطائرات شارل ديغول وهي حاملة الطائرات الأوروبية الوحيدة التي تعمل بالطاقة النووية.

وفي يناير الماضي، نفذت القوات البحرية المصرية ونظيرتها اليونانية تدريبا بحريا عابرا بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط.

ويعتقد غوك إن مناورات السعودية مع اليونان تأتي على حساب مصر التي تحتاج تركيا لتطبيع العلاقات معها، ولهذا السبب شعرت أنقرة بالحاجة إلى تهدئة الأوضاع، على حد قوله.

وأضاف "السعودية التي لا تمتلك ميناء أو ساحلا على البحر المتوسط، ليست بحاجة إلى هذه التدريبات والمناورات، الأمر الذي سيزيد حدة التوتر ويقلق تركيا".

وردا على ذلك يقول الشمري: "للسعودية الحق في إجراء مناورات والتعاون العسكري مع أي دولة، سياسة المملكة لا تخضع لأي تهديدات". 

وأردف قائلا "إن كان هناك تعاون مع اليونان، فهذا يؤكد على أن السعودية حينما تقرر شيئا تمارسه عن اقتناع وبعدم اكتراث لأي تهديدات".

وتابع "السياسة السعودية الآن تعتمد على التحالفات ومد جسور التعاون، ويعد شرق المتوسط هدفا مشروعا للسعودية وغيرها من الدول العربية للتعاون السياسي والاقتصادي وممارسة سياستها وسيادتها".

وقبل أيام أعربت وزارة الخارجية التركية عن "قلقها" بعد الهجمات على منشآت نفطية في السعودية نسبت إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، وترافق ذلك مع شائعات عن انضمام تركيا للحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن.

وفي ليبيا سمحت الطائرات المسيرة التي نشرتها تركيا بوقف هجوم العام الماضي للرجل القوي في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر الذي كانت قواته تنتصر على قوات حكومة طرابلس المدعومة من أنقرة.

ويقول الشمري: "السعودية ليست بحاجة للمسيرات التركية، فأكبر الدول لم تستطع منع السعودية والشرعية اليمنية من مواجهة الحوثيين في مأرب -آخر معاقل الحكومة اليمنية في الشمال- وتحقيق هذه الانتصارات رغم أن هناك أطراف غربية تحاول بطرق غير مباشر مساندة الحوثيين، ورأينا الإصرار الحوثي على قصف المدن السعودية في الآونة الأخيرة".

وجعل الرئيس الأميركي جو بايدن إنهاء الحرب في اليمن أولوية. وقال مبعوثه الخاص تيم ليندركينغ، الجمعة الماضية، إن "خطة جيدة" لوقف إطلاق النار في اليمن معروضة على قيادة الحوثيين منذ "عدة أيام".

ولا يعتقد الشمري "أن تركيا في عهد إردوغان ستقدم أي شيء بل على العكس، أظن أنها تساند الحوثيين بطريق غير مباشر".

وأضاف "إذا كانت السعودية فعلا تريد المسيرات، فهناك آلاف الشركات، خصوصا أن المملكة بدأت في تصنيع الطائرات بدون طيار، فالإصرار على الدرونز التركية وكأنها ستنقذ السعودية غير صحيح، لا زلنا غير متأكدين من تصريح إردوغان، في وقت لم يصدر فيه بيان رسمي بشأن ذلك ومع الأخذ في الاعتبار اعتياد إردوغان على مثل هذه التصريحات".

درونز رخيصة الثمن

وفي الآونة الأخيرة، تثير الطائرات المسيرة التركية اهتماما متزايدا من بعض الدول والخبراء العسكريين بعد أن أثبتت فعاليتها في عدة نزاعات مؤخرا في ليبيا وسوريا وناغورنو قره باغ، فهل تهتم مصر؟

قال العميد سمير راغب، الخبير الأمني، لموقع "الحرة" إن مصر تستورد أحدث الطائرات المسيرة الأميركية والصينية أما المسيرات التركية التي لا تزال في مراحلها الأولى فتعتمد على التكنولوجيا المستورة من إسرائيل وكندا. 

واستبعد راغب أن تبدي مصر رغبة في شراء  (بيرقدار  TB 2)، حتى في حالة عودة العلاقات كاملة بين البلدين. كما شكك في أن يكون الاهتمام السعودي بشراء الدرونز التركية، الذي تحدث عنه إردوغان، قد وصل لمراحل متقدمة.

وفي مقارنة بين حاجة كل من مصر والسعودية للدرونز التركية، أكد راغب أهمية النظر إلى من ستوجه ضده هذه الأسلحة قبل شرائها، ويقول: "السعودية تواجه حربا غير متناسقة في اليمن، حيث يعتمد هذا الصراع بشكل كامل على الدرونز".

وأوضح أن "المسيرات التركية رخيصة الثمن مقارنة بالأميركية، لذا يمكن شراء عدد كبير منها في ظل محدودية خسائرها".

وأكد أن مدى المسيرات التركية يبلغ 150 كيلومترا؛ مما يمكن السعودية من استخدامها من الجنوب في مناطق (جازان أو عسير أو خميس مشيط) لتصل لمناطق الحوثيين الذين يستخدمون مسيرات إيرانية رخيصة الثمن أيضا.

وتابع "في الصراع العسكري هناك حساب للتكاليف؛ فلا توجد حاجة لدفع ثمن كبير للحصول على مكسب ضئيل، فإذا كان الحوثيون يستخدمون درونز إيرانية بالآلاف لا داع لاستخدام مسيرات أميركية يصل سعرها لملايين الدولارات".

أما مصر، فإنها بحاجة إلى مدى أوسع لكي تصل الدرونز للمسافات العدائية التي تبلغ مساحتها مليون كيلومتر، والمتمثلة في تأمين حدودها الشرقية والغربية من الإرهابيين، بحسب راغب.

رئيس الحكومة اللبناني المكلف نواف سلام - رويترز
سلام يواجه مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة

بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة المقبلة. 

ففي ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، يواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة.

وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.

تشير التسريبات الإعلامية حتى الآن إلى احتمال منح رئيس الوزراء المكلف، نواف سلام، حقائب وزارية لحزب الله في الحكومة المرتقبة. هذا السيناريو يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لحكومة تضم الحزب أن تتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك سحب سلاح حزب الله؟

حزب الله يسوّق لـ"انتصار وهمي جديد" في لبنان
يسعى حزب الله، المصنّف كجماعة إرهابية، إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، والذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن مشاركة حزب الله في الحكومة قد تؤثر بشكل مباشر على الدعم الدولي للبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى مساعدات مالية عاجلة وإعادة إعمار في المناطق المتضررة. فكيف سينعكس ذلك على قدرة لبنان في كسب ثقة المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات التي باتت ضرورية للخروج من أزمته؟

في المقابل، يبرز سيناريو آخر: إذا اختار سلام تشكيل حكومة خالية من حزب الله، ترضي الدول الخليجية والمجتمع الدولي، فهل سيتمكن من تجاوز العقبات الداخلية والضغوط السياسية التي قد تعرقل هذا التوجه؟

تحد مزدوج

لا تتدخل "الولايات المتحدة بشكل مباشر في تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد أسماء الوزراء"، لكنها تركز كما تقول كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، "على الأهداف الكبرى التي يجب أن تحققها الحكومة الجديدة".

وتوضح غدار في حديث لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالاً لأن يعتمد نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على استراتيجية تعيين وزراء لا يظهر ارتباطهم العلني بحزب الله، لكنهم يعملون تحت توجيهاته"، وتضيف "بالنسبة لأميركا، التفاصيل حول الأسماء أو الانتماءات السياسية ليست ذات أهمية بقدر ما يهمها الأداء الحكومي"، ومع ذلك، تؤكد أن واشنطن ترفض بشكل قاطع "أي حكومة تضم ممثلين علنيين عن حزب الله ".

من جانبه، المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، متفائل بأن الحكومة التي سيتم تشكيلها "ستستجيب في النهاية للضغوط الدولية كونه لا يمكن تجاهلها".

ويقول باطرفي لموقع "الحرة"، "لن يشكل القاضي نواف سلام، ورئيس الجمهورية المعروفان بالنزاهة والكفاءة واستقلالية القرار، حكومة دون موافقة المجتمع الدولي. فهذا يعني أن خارطة الطريق التي أعلنها عون وتبناها سلام لن تُنفذ، وهي خارطة تعتمد أساساً على تعاون المجتمع الدولي، وعلى رفع العقوبات، استعادة أموال المودعين، ونزع السلاح. تحقيق كل هذه الأهداف مستحيل في ظل هيمنة حزب الله."

أما الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، فيشير إلى أن التشكيلات الحكومية المسربة تؤكد منح حزب الله حقائب وزارية كوزارة الصحة، ويؤكد أن "أي حكومة في لبنان ستواجه صعوبات كبيرة إذا لم تضم تمثيلًا للقوى السياسية الأساسية والكتل النيابية الكبرى، حيث قد تُعرقل مشاريع القوانين التي ترسلها إلى مجلس النواب".

ويوضح أبو شقرا لموقع "الحرة" أن "أمام الحكومة المقبلة تحدٍ مزدوج، يتمثل في مخاطر غياب الدعم المالي الدولي إذا شارك حزب الله فيها، مقابل خطر عدم قدرتها على تنفيذ مشاريع وخطط تنموية تشمل قطاعات حيوية مثل القضاء والأمن والاقتصاد والمالية".

وفي السياق، أعلن الرئيس المكلف نواف سلام، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، انه "يعمل على تشكيل حكومة منسجمة وحكومة إصلاح تضم كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، ولأجل هذه الغاية عملت بصبر".

وفي موضوع الحزبيين قال سلام "أدرك أهمية عمل الأحزاب، لكن في هذه المرحلة الدقيقة اخترت فعالية العمل الحكومة على التجاذبات السياسية، وما نحن أمامه هو ارساء عملية الاصلاح بما يليق بكم".

مستقبل المساعدات

"تراقب واشنطن عن كثب التزام الحكومة المرتقبة بتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله"، كما تقول غدار، موضحة أن "الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يمكنه تنفيذ القرارات الدولية دون قرار سياسي واضح من الحكومة"، وتوضح أن "إدارة ترامب لن تتعامل مع أي حكومة لا تلتزم بهذه الشروط، وستوقف المساعدات وربما التمويل المقدم للجيش اللبناني".

وترى غدار أن تشكيل حكومة غير متعاونة مع الشروط الدولية، سيضع لبنان ضمن المحور المناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتقول "الموقف الأميركي واضح: إما مع أميركا أو ضدها. لا مجال للمواقف الرمادية"، وتشير إلى أنه "إذا اختار لبنان المحور المناهض لأميركا، عندها ستمنح واشنطن إسرائيل حرية التحرك في لبنان".

وتشدد على أن "البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجب أن يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية"، مؤكدة أن لبنان في ظل أزمته الاقتصادية "بحاجة ماسة إلى الدعم الأميركي، والخيار أمامه واضح: إما الالتزام بالشروط الأميركية، أو مواجهة العزلة الدولية وغياب أي دعم مالي أو اقتصادي".

ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مستقبل المساعدات الدولية للبنان، في حال شارك حزب الله في الحكومة، يشرحها أبو شقرا:

1. توقف المساعدات الأميركية: كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأميركية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني. ويعتبر هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقماً كبيراً يعكس أهمية هذا الدعم.

2. غياب تطبيق القوانين الإصلاحية: أقر البرلمان اللبناني في السنوات الماضية عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.

3. التصنيف السلبي للبنان دولياً: إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً. تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب

ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.

"مسار وحيد"

"لم يتطرق الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا لبنان مؤخراً إلى ملف إعادة الإعمار"، كما يقول أبو شقرا "وذلك على عكس ما حدث بعد حرب 2006، مما يعكس ترقبهم للحكومة التي سيشكلها سلام".

 ويوضح أن الحديث عن تمويل إعادة الإعمار عبر إيران "يواجه عقبات كبرى بسبب القيود المفروضة على التحويلات المالية وحصار المنافذ البرية والجوية والبحرية".

ويرى أبو شقرا أن "الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته هو الوصول إلى تسوية شاملة، تتضمن تسليم حزب الله لسلاحه وحل جناحه العسكري، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كما جرى سابقاً في الحدود البحرية. تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى تدفق المساعدات وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، حتى لو لم تُطبق الإصلاحات بالكامل أو بقي لبنان على اللائحة الرمادية".

من جانبه يقول باطرفي "لا أعلم إلى أي مدى قد يغامر الرئيسان بمواجهة ردود فعل الثنائي الشيعي، لكنني أعتقد أنه لا خيار أمامهما سوى المضي قدماً. كما أعتقد أن الثنائي الشيعي، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يتمكن من مواجهة العقوبات الدولية التي قد تستهدفه شخصياً، إلى جانب الأموال المهربة وقضايا الفساد المتورط بها هو وحلفاؤه. 

"وبينما قد يحتمي حزب الله بإيران ويختبئ في الأنفاق، أين يمكن لرئيس البرلمان أن يذهب؟ ليس أمامه إلا القبول بالأمر الواقع، إما بالتخلي عن حزب الله أو بإقناعه".

ويختم المحلل السياسي السعودي بالقول "في النهاية، أرى أن المسار الوحيد المتاح هو تشكيل حكومة تعتمد على الكفاءة والنزاهة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية شروط المجتمع الدولي. أما البديل فهو مواجهة العقوبات، ووقف الدعم المالي، وتعطيل عملية إعادة الإعمار".