Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman and Iraqi Prime Minister Mustafa Al-Kadhimi, visit the historical city Ad…
تركيا تسعى لفتح صفحة جديدة مع عدد من الدول كمصر والسعودية بعد سنوات من الجفاء

تحركات دبلوماسية ومباحثات، شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، حتى بين أكثر الأطراف خصومة في المنطقة.

أبرز هذه التحركات تمثلت بالمفاوضات بين السعودية وإيران التي أقيمت في بغداد برعاية عراقية، والتي يتوقع لها أن تستمر، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، التي كشفت عن اجتماع مرتقب بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، قد يعقد في بغداد هذا الشهر "على مستوى السفراء".

وبجانب رعاية العراق للحوار السعودي-الإيراني، فإن بغداد ترعى أيضا محادثات بين واشنطن وطهران، كما تنقل وكالة "بلومبرغ" عن مصادر مطلعة.

وتشير بلومبرغ إلى أن حكومة مصطفى الكاظمي أبقت قنوات مفتوحة بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي رحبت بدورها بالطريقة المنفصلة للتواصل دبلوماسيا مع إيران.

كما سعت السعودية هي الأخرى إلى فتح قناة اتصال مع النظام السوري، حيث قالت تقارير إن وفدا أمنيا سعوديا وصل العاصمة السورية دمشق، للتباحث، بعد سنوات من العزلة السورية عن محيطها العربي بسبب الحرب الأهلية.

بالمقابل سعت تركيا إلى فتح علاقات مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، مثل مصر، وإسرائيل، والسعودية، حيث اتفقت الرياض وأنقرة مؤخرا على عقد اجتماعات ثنائية في أقرب وقت.

وقبل ذلك تم عقد مباحثات مصرية تركية في القاهرة بعد سنوات من القطيعة بين البلدين.

وتدور تساؤلات عن سر هذه التحركات الإقليمية، التي أعقبت سنوات من الصراع على النفوذ أو الحرب بالوكالة في المنطقة.

"ضبط التحالفات"

وترى المحللة السياسية بمركز "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، كارولين روز، أن الشرق الأوسط يعيش الآن، في حالة من "ضبط أشكال" التحالفات.

وقالت روز لموقع قناة "الحرة"، "نحن نشهد إعادة ضبط أنظمة التحالف، والتحالفات غير الرسمية في الشرق الأوسط، وذلك بالتزامن مع  قيام منافسين سابقين بإعادة تشكيل الشراكات لتحقيق مزايا اقتصادية جديدة، ومواجهة التهديدات الأمنية الناشئة".

وأضافت الباحثة الأميركية أن جزءا من إعادة ضبط هذه التحالفات، يتعلق بنسبة كبيرة بمواجهة إيران وتأثيرها من خلال شبكات الوكلاء في بلاد الشام والخليج، بجانب بناء إطار أمني جديد قائم على المصالح المشتركة وتصورات التهديد مع طهران.

وترى روز في الوقت ذاته أن "هذه التحالفات الجديدة لن تكون عصية عن التفكك، بالنظر إلى الانقسامات السياسية القائمة والتوترات الطائفية وانعدام الثقة بين حكومات الشرق الأوسط التي غذت هذه الخصومات".

وبالتوازي مع النشاط السعودي، تبذل تركيا جهدا دبلوماسيا على عدة جبهات، وذلك من خلال زيارة مقررة إلى السعودية الأسبوع المقبل.

كما اجتمع دبلوماسيين أتراك ومصريين في القاهرة، الخميس، لليوم الثاني، من أجل مناقشة إمكانية إصلاح العلاقات المتوترة، وقد انتهت المباحثات بعزم النية على إكمالها من خلال جلسات حوار أخرى.

وفيما يخص التقارب التركي مع الإمارات ومصر والسعودية، ترى روز أنه سيكون في إطار محدود، خاصة وأن أنقرة تواصل سعيها للحصول على موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وفيما يخص السعودية تقول روز، "كما نرى، الرياض تضغط من أجل نفوذ أكبر خارج شبه الجزيرة العربية، والانخراط في مناطق الصراع، مثل العراق وسوريا، حيث تنشط إيران، وذلك كوسيلة لتحديد المساحات لمواجهة طهران".

وتابعت الباحثة الأميركية، "ومع ذلك، لست واثقة من أن السعودية ستنخرط بشكل مكثف أو عسكري في أخطر الفراغات الأمنية في بلاد الشام، نظرا لأن الرياض مشوشة بالفعل مع المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران الذين يعملون في اليمن".

وبدلا عن ذلك "تبحث الرياض عن تحالف فضفاض يمكن الاستفادة منه ضد إيران عندما ترى مستويات تهديد أعلى"، وفقا للباحثة الأميركية.

"لإنهاء السنوات المرهقة" 

من جانب آخر يرى، نائب رئيس مركز الدفاع عن الديمقراطيات، "FDD" بواشنطن، جوناثان شانزر، أن المنطقة بدأت في استكشاف وسائل أخرى لتفادي الصراع، بعد سنوات مرهقة عانى فيها الشرق الأوسط من أتون الحرب.

وقال شانزر في تصريح لموقع قناة "الحرة"،"بعد سنوات من التوتر والصراع، يستكشف عدد من الدول في المنطقة إمكانية تفادي الصراع. لا يمكننا استبعاد المفاجآت في الشرق الأوسط، فهذه المبادرات ليس لديها احتمالية قوية لكسب الزخم".

وفسر شانزر مبادرات التقارب الأخيرة بأن دول عربية تعتقد حاليا أن "هناك إمكانية لفصل إيران عن سوريا. وبعض الشخصيات التي لها علاقات وثيقة مع نظام الأسد، تطرح هذا بهدوء في واشنطن وأماكن أخرى".

ويضيف "هذا يفسر التواصل الأخير مع دمشق من قبل الدول العربية السنية التي تعارض إيران تقليديا، والتي ترغب في عودة سوريا إلى الحظيرة العربية".

وكانت شخصيات مقربة من نظام بشار الأسد في سوريا قد أثارت جدلا قبل ثلاثة أيام، بعد نشرها معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بزيارة وفد سعودي أمني للعاصمة دمشق، حيث التقى بمسؤولين أمنيين سوريين "رفيعي المستوى"، وهو ما أكدته مصادر عدة لموقع "الحرة". 

ومن بين الشخصيات التي أثارت القضية، عضو "وفد المصالحة الوطنية"، عمر رحمون، الذي قال عبر "تويتر" الاثنين "وفد سعودي برئاسة رئيس جهاز المخابرات، الفريق خالد الحميدان يزور دمشق ويلتقي الرئيس بشار الأسد واللواء علي مملوك".

وعلى الرغم من الزيارة السعودية لدمشق، إلا أن الباحث الأميركي يرى أن تقارب الدول العربية مع دمشق غير مرجح "ما لم تساعد روسيا في إخراج إيران من البلاد (سوريا)".

وعن المحادثات السعودية-الإيرانية برعاية العراق، يرى شانزر أن دافعها هو نية الولايات المتحدة في العودة للاتفاق النووي، الأمر الذي جعل السعودية تدرك أن تعاملها مع إيران أصبح "مسألة بقاء"، لكنه يتوقع ألا تكسب هذه المحادثات الزخم، خاصة مع استمرار إيران في دعم الحوثيين.

وعن تقارب تركيا الحالي مع مصر وإسرائيل، يرى شانزر أيضا أن أنقرة في "مرمى نيران الرئيس الأميركي، جو بايدن، فبعد سنوات من تحدي السياسة الأميركية، واستفزاز حلفاء الولايات المتحدة علنا في المنطقة، بدأت أنقرة الآن في استكشاف التقارب مع نظام السيسي في مصر، وكذلك مع إسرائيل".

ومنذ حملته الانتخابية، وجه الرئيس بايدن انتقادات عدة لإردوغان بخصوص عدد من الملفات، كان من أبرزها ملف حقوق الإنسان التركي. ولكن بشكل عام، توترت العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال السنوات الماضية، بسبب مجموعة من القضايا، بما في ذلك حيازتها لأنظمة الدفاع الروسية، والاختلافات السياسية في سوريا.

ورغم ترحيب مصر بتراجع التوتر مع تركيا، فإن الأمر سيعتمد كليا على تركيا، في رأي شانزر، إذ تدعم تركيا جماعة الإخوان المسلمين، وتسمح لعدد من كبار الشخصيات ووسائل الإعلام في الإخوان بالعمل على الأراضي التركية.

وتابع شانزر "إذا وصلت هذه السياسة (التركية) إلى نهايتها، فإن تجديد العلاقات أمر محتمل. لكن ميول أردوغان الإسلامية القوية من المرجح أن تمنع حدوث مثل هذه التحركات. وبالمثل، فإن الإسرائيليين متشككون بشدة من تركيا بسبب دعمها المالي والمادي لحركة حماس. لن تصبح الروابط أكثر دفئا حتى يتوقف هذا الدعم".

"تحييد الأزمات"

أحمد الباز، مدير مركز "الإنذار المبكر" للدراسات السياسية والأمنية، بأبو ظبي، يرى أن التجارب المؤلمة من حروب ونزاعات خلال العقد الماضي، دفعت الأطراف في الشرق الأوسط إلى تحييد الأزمات قدر الإمكان، وإيجاد صيغة للحوار. 
 
ويرى الباز أن الابتعاد العربي عن سوريا، ساهم خلال العقد الفائت في توفير بابا واسعا لإيران، "استطاعت من خلاله السيطرة بشكل تام على السياسة والمجتمع في سوريا".

ووصف الباز لموقع قناة "الحرة"، المقاربة السعودية تجاه سوريا، بأنها "تحول مضاد، مفاده الاقتراب من سوريا وبشار الأسد، كمحاولة لتحريره من النفوذ الإيراني ولو بشكل نسبي، وذلك، في ظل وجود مساعي إيرانية سعودية لفتح مسار للمحادثات رغبة من السعودية في تجفيف ميادين الصراع بينها وبين إيران سواء في اليمن أو سوريا، كتوجه جديد يدعم الدبلوماسية والسياسة وليس الحرب التي انهكت كافة الأطراف".

وأضاف الباز، "التحرر من الإنهاك وتحييد الأزمات حاضر أيضا في المساعي المصرية-التركية مؤخرا، فمصر تحتاج إلى تحييد تركيا عن مناكفة مصر في ظل وجود أزمة أعمق مرتبطة بسد النهضة، خصوصا أن أنقرة تملك بين يديها أداة ضارة جدا، وهي الإخوان المسلمين الذين لديهم ثأر مع النظام الحاكم في مصر، وقد يشكلون تهديدا لمسار إدارة أزمة مصر لسد النهضة، بينما تسعى تركيا لإصلاح ما قام الرئيس التركي بتخريبه بسبب سياساته، التي افقدت تركيا الكثير من المزايا الإقليمية وتحولها لطرف إقليمي سئ السمعة".

وعلى عكس الباحثين الآخرين، يستبشر الباز بهذا التقارب والحوار بين أطراف الشرق الأوسط قائلا، "نحن أمام تحول جديد في المنطقة، مفادة تحييد الأزمات التي يمكن تحييدها، كلما كان ذلك ممكنا، من أجل التفرغ للأزمات الأكثر تعقيدا. وحيث أن كافة الأطراف منهكة بفعل تحولات العقد الفائت فأنها ستكون مهتمة لإنجاح هذه المبادرات كلما كان ذلك ممكنا".

تحركات لرفض تعديل القانون في العراق. أرشيفية
تحركات لرفض تعديل القانون في العراق. أرشيفية

صيف عام 2024 خرج عشرات العراقيين إلى وسط بغداد احتجاجا على اقتراح برلماني لتعديل قانون الأحوال الشخصية وخفض سن الزواج من 18 إلى 15 للذكور وتسع سنوات للإناث.

وعلت الأصوات حينها التي تنادي "زواج تسع سنوات، باطل، زواج تسع سنوات، باطل". ولكن ورغم الاعتراضات استمر مجلس النواب العراقي بمناقشة التعديل المقترح.

هذا التعديل، رغم أنه يجري في العراق، إلا أن جذوره تعود إلى إيران وبفتوى من الخميني، والتي يدفع نفوذها إلى تشريع زواج القاصرات، وهو ما يكشفه برنامج "الحرة تتحرى" الذي تبثه قناة "الحرة".

نفوذ تشريع زواج القاصرات الإيراني، يحدث في اتجاهين مختلفين في العراق على الطريق لإلغاء قانونه المدني الحالي واستبداله بآخر طائفي، أما لبنان فيمنع من استبدال قانونه الطائفي الراهن بآخر مدني.

التعديل في العراق قدمه النائب، رائد المالكي أحد أعضاء الإطار التنسيقي الأغلبية البرلمانية التي تجمع الأحزاب الشيعية العراقية.

وقال حينها إن المقترح "يأتي انسجاما مع أحكام الدستور العراقي وتنفيذا لأحكام المادة 41 من الدستور العراقي التي نصت بشكل واضح وصريح على أن العراقيين أحرار في أحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وينظم ذلك بقانون".

ورغم محاولات "الحرة" التواصل مع النائب المالكي، قوبل طلبنا بالرفض بحجة عدم وجود ظروف ملائمة.

سطوة على العائلة

انتشار ظاهرة زواج القاصرت في العراق. أرشيفية - تعبيرية

الناشطة الحقوقية العراقية، بشرى العبيدي قال إنه هذه ليست المرة الأولى إذ "نعاني من رفض الأحزاب الدينية لوجود قانون الأحوال الشخصية في العراق بوضعه الحالي".

النائبة العراقية، سروة عبد الواحد رئيسة كتلة الجيل الجديد شرحت لـ "الحرة" وجهة نظر النواب المعارضين لمشروع القانون، وقالت إنهم "يريدون أن يكون لرجل الدين السطوة على العائلة العراقية، وهذا خطر جدا، نحن نبحث عن دولة مدنية، دولة تحفظ حقوق الجميع، دولة أن تكون هي من لديها سطوة وسيطرة على الأسر العراقية بالكامل، وليس رجال الدين من أي مكون كان".

وأضافت أن "هذا التعديل يؤدي إلى انفكاك الأسر العراقية، فلهذا نحن رفضنا هذا التعديل. حاولنا إيجاد حلول لعدم تمريره، لكن مع الأسف هناك الأغلبية الشيعية، أو أغلبية الأحزاب الشيعية متفقة على تمرير هذا التعديل".

وبعد سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003 صدر قرار حكومي في أواخر العام ذاته، قضى باستبدال قانون الأحوال الشخصية المدني وأقر العمل بالقضاء المذهبي. لكن وبعد أقل من شهر من الاحتجاجات تم إلغاء القرار.

وقالت العبيدي إن الحركة النسوية في العراق جاهدت وناضلت باتجاه إلغاء هذا القرار، معيدة التذكير في 2014 بمشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية السيء الصيت، كان هذا مشروع القانون يبيح زواج من هي بعمر تسع سنوات، بل وحتى تحت سن التسع سنوات.

ولسنوات استمرت جهود الناشطات العراقيات لمنع محاولات الأحزاب الشيعية خفض سن الزواج.

وتكشف الناشطة العبيدي أن محاولات أخرى في 2015، وفي 2017 استهدفت فتح باب لتعديل قانون الأحوال الشخصية، حتى يتم تحويله قانون أحوال شخصية جعفرية.

وقالت إنهم قالوا لنا لماذا أنتم تعترضون وهناك زواج لطفلات بهذه الأعمار.

زواج الأطفال في العراق

زواج القاصرات قائم رغم مخالفته للقانون. أرشيفية

رغم أن عقد الزواج خارج إطار المحاكم ممنوع بموجب المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية العراقي، إلا أنه ووفقا لتقارير حقوقية يحدث بالفعل ويشكل حوالي عشرين في المئة من إجمالي عدد الزيجات في البلاد.

وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بين يناير وأكتوبر 2023، صدقت المحاكم العراقية في جميع أنحاء البلاد على قرابة 38 ألف حالة زواج جرت خارج إطار المحاكم مقارنة بـ 211 ألف حالة زواج مدني، ومعظم الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات دون 18 عاما.

محمد جمعة، محام عراقي متخصص في قضايا العنف الأسري قال "على من يتزوج خارج المحكمة، هنالك عقوبة، العقوبة الآن هي غرامة 250 ألف دينار، يعني تقريبا أقل من 200 دولار، فهذه الغرامة بسيطة، يدفعوها وخلاص".

وأضاف "تخيلوا فقط أننا في المستقبل لا نريد أن نتساهل في العقوبة، نريد أن نرفع العقوبة تماما. سيكون زواج القاصرات لدينا في العراق، مضاعفا مضاعفا مضاعفا، بأعداد كبيرة جدا".

مدينة الصدر شرق بغداد والمعروفة باسم منطقة البسطاء، هنا ووفقا لمحكمة الأحوال الشخصية يشكل زواج القاصرات أكثر من نصف الزيجات في هذه المنطقة ذات الأغلبية الشيعية.

وفي 2023 تم تسجيل أكثر من 5 آلاف حالة زواج لقاصرات في قضاء الصدر، وهي تشكل حوالي 60 في المئة من حالات الزواج في هذه المنطقة.

وتواصلت "الحرة" مع عدد من ضحايا الزواج المبكر لكنهن رفضن الحديث أمام الكاميرا، وبعد محاولات وافقت إحداهن على مشاركة قصتها شريطة إخفاء هويتها.

نور (اسم مستعار) إحدى الضحايا قالت "أنا تزوجت بعمر قاصر، كنت جدا صغيرة، يعني تقريبا حوالي 14 سنة، كنت يعني ما أفهم، ولا أعرف الزواج بالضبط. أنا عن نفسي ما أحد قالي انه أنت راح تتزوجين، وراح يصير كذا وكذا".

وفقا لروايتها أدى زواج نور بعمر صغير إلى تعرضها للعنف والاغتصاب الزوجي، وتقول إنها عانت من الضرب والعنف، ورغم أنها طفلة حرمت من التعليم، ومع تعرضها للاغتصاب من زوجها أصبحت حامل، ولكن العنف الجنسي تسبب في إجهاضها.

في غرب العراق لا تخلو محافظة الأنبار من زواج القاصرات، وظاهرة تشكل وفقا لأرقام أممية حوالي 17 في المئة من العقود المبرمة.

وقالت باسمة (اسم مستعار) لـ "الحرة" إنه تزوجت بعمر 14 عاما، وكانت صغيرة لا تعلم ما الذي يحدث بين الزوج والزوجة، وهو ما يجعل زوجها يضربها دائما.

وأضافت أنها حملت وأصبح لديها أطفال، ولكن الضغوطات التي تعرضت لها جعلتها تفكر بالانتحار. مشيرة إلى أن الصعوبات لم تنته بوفاة زوجها، إذ وجدت نفسها مسؤولة عن طفلين وهي في عمر صغير.

وفي سبتمبر الماضي، قضت المحكمة الاتحادية العليا العراقية بأن مواد قانون الأحوال الشخصية الجديد تتماشى مع دستور البلاد. وهي ما قد تمثل خطوة على طريق الإقرار النهائي للتشريع.

ويقول المحامي، جمعة إنه "سيتم تشريع هذا التعديل لأن هنالك ضغط كبير جدا. هذا القانون سيؤدي الى تقوية المؤسسة الدينية على حساب مؤسسات الدولة وعلى حساب المؤسسات القضائية. وهذا هو الهدف الفعلي للقانون، أن تتحكم المؤسسة الدينية تتحكم في حياة الأسرة العراقية".

لبنان.. في اتجاه معاكس

العامل الاقتصادي يؤثر في قرار تزويج القاصرات

من العراق إلى لبنان البلد الذي يسير في اتجاه معاكس ويعتمد بالفعل قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، ينعكس هذا على زواج القاصرات.

وبالفعل يُسمح في البلاد بزواج القاصرات، ولذلك تنتشر حملات التوعية بشكل كبير لمحاولة إيقاف الظاهرة خاصة في ظل إقرار الدستور بحق الطوائف الثمانية عشرة المعترف بها في إدارة شؤون أحوالها الشخصية.

وتقول المحامية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، غادة نقولا تقول إن "توجهنا هو قانون مدني للأحوال الشخصية"، مشيرة إلى اعتقادها أن "كل الطوائف أصبحت مدركة لخطورة الموضوع".

وأضافت أن العائق الوحيد عن إحدى الطوائف وهي "الطائفة الشيعية" التي تصر على سن صغيرة لتزويج الطفلات والأطفال.

وبحسب المادة التاسعة من الدستور اللبناني يتاح "حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب، وهي تضمن أيضا للأهلين على اختلاف مللهم، احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

وتقول ليلى عواضة وهي محامية من منظمة كفى اللبنانية "مثلا عند الطائفة الجعفرية تسمح بزواج التسع سنين، وعند الطائفة السنية حددوا سن الزواج بـ 18 سنة، كذلك الأمر عند الطوائف المارونية والطوائف الأرثوذكسية والطوائف الدرزية".

في عام 2021 استجابت الطائفة السنية في لبنان لمطالب المجتمع المدني ورفعت الحد الأدنى لسن الزواج إلى 18 عاما، إلا أن الطائفة الشيعية بقيت الوحيدة في البلاد التي تعتمد سن تسع سنوات كسن شرعي لزواج الإناث.

وتشير عواضة إلى أنه بالرغم أن "المحكمة الجعفرية خاضعه إداريا لمجلس الوزراء، لكن الأحكام التي تطبقها وفقا لتعاليم المرجعية عند الطائفة الجعفرية"، وحتى الآن القانون الجعفري في البلاد لم يجر أي تعديل لسن الحضانة، او تعديل لسن الزواج.

وأضاف النظام الطائفي التعددي للأحوال الشخصية "يحد من مواطنية الافراد"، إذ قد يعود إلى "قوانين تابعة لبلدان أخرى".

مفاجأة في الأرقام

طوائف تتمسك بالقانون الذي يتيح زواج القاصرات. أرشيفية

في تقريرها الصادر نهايات عام 2016 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن 6 في المئة من اللبنانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 إلى 24 عاما تزوجن قبل سن الـ 18.

لكن في ربيع عام 2024 شكلت دراسة أعدها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني مفاجأة ففارق الأرقام كان ملحوظا.

وكشفت الدراسة أن هناك أرقام مقلقة جدا في الدراسة، تظهر ارتفاعا بنسبة تزويج القصر، وتتحدث عن نسبة 20 في المئة تزوجوا دون سن الـ 18، حوالي 87 في المئة منهم نساء، ونتحدث عن 10 في المئة من النساء تزوجن بين عمر الـ 13 و15 عام.

وقالت رشا وزنة مسؤولة التواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني إن "الفقر والعجز الاقتصادي، من أبرز الأسباب في السنوات الأخيرة التي كانت وراء تزويج الطفلات والأطفال".

وأضافت أن مجتمع اللبناني "معقد" إذ يوجد ثقافات مختلفة حسب المناطق، مشيرة إلى رصد حالات فيها عنف جسدي وعنف لفظي، وأخطار بسبب الحمل المبكر تصل لحد الوفاة.

وفي محافظة بعلبك ذات الأغلبية الشيعية شمال شرق لبنان التقت "الحرة" بإحدى ضحايا زواج القاصرات.

وقالت ندى (اسم مستعار) إن "زواج القاصرات شائع بشكل كبير بالضيعة"، مشيرة إلى أنها تزوجت وهي ابنة 17 عاما.

وذكرت أن العريس كان يكبرها بـ 14 عاما، ولكن تم إجبارها على الزواج لتعاني قسوة التجربة.

وقالت إنه مباشرة تم العرس، وتم إجبارها للذهاب للحفلة، ومن أسبوع بدأ بضربها، واستمر على هذا الأمر، حتى وهي حامل.

أمام هذا الوضع طلبت ندى الطلاق ولم تحصل عليه إلا بعد سنوات، فالمحاكم الجعفرية المختصة بشؤون الأحوال الشخصية للطائفة الشيعية لا تعطي المرأة هذا الحق إلا بعد موافقة الزوج.

وقالت إنها تطلقت في 2023 أي بعد أن وصلت لسن الـ 25 عاما، مؤكدة أنها عانت الكثير من العذاب، واضطرت للتنازل عن حقوقها، ولم تتمكن حصولها على حضانة ابنتها.

في محاولة لتعديل الوضع القانوني للمحاكم الجعفرية تحركت جهات حقوقية في لبنان لتوحيد قوانين الأحوال الشخصية واستبدالها بتشريع موحد يطبق على جميع الطوائف.

وتقدم التجمع النسائي الديمقراطي بمقترح قانون تبناه عدد من نواب البرلمان اللبناني، ومن بينهم النائب أنطوان حبشي.

وقال حبشي، وهو نائب عن حزب القوات اللبنانية إن كل المناطق في لبنان فيها زواج قاصرات، ولهذا نرى أن العامل الاجتماعي الاقتصادي هو عامل مهم، والعامل الديني يلعب دورا أساسيا من دون شك".

الآلاف من القاصرات كن ضحايا للزواج في بلاد يهيمن عليها نظام طهران وتحوم فوقها فتوى للخميني قارب عمرها على نصف قرن.