The Crown Prince of Abu Dhabi General Sheikh Mohammed Bin Zayed Al Nahyan (L) walks with Indian Prime Minister Narendra Modi…
علاقات وثيقة بين الإمارات والهند

خلال الأسبوع الماضي، كانت المدمرة الصاروخية الأكبر في الأسطول الهندي "آي إن إس كوتشي" تشارك في مناورات عسكرية بحرية مع الأسطول السعودي بالساحل الشرقي للمملكة. 

كانت المناورات هي الأولى من نوعها بحسب تصريحات لقائد الأسطول الشرقي السعودي اللواء ماجد القحطاني، وذلك "لضمان حرية الملاحة البحرية والأمن البحري في مياه الخليج العربي"، حسبما ذكرت "وكالة الأنباء السعودية" الرسمية (واس).

وجاءت المناورات الهندية السعودية بعد أيام من تنفيذ الهند تمرينا بحريا مشتركا مع الإمارات قبالة سواحل أبوظبي عبر المدمرة ذاتها "في انعكاس للنهوض السريع في التعاون العسكري الثنائي" كما تقول صحيفة "أوتلوك إنديا".

والأحد، انتقلت المدمرة الصاروخية ذاتها إلى سواحل المنامة في البحرين "... ضمن مهمتها لضمان سلامة البحار ودعم العبور الآمن للسفن التجارية ... في المنطقة"، بحسب صحيفة "الأيام" البحرينية.

ويقول خبراء أن العلاقات الهندية الخليجية عميقة ولها تاريخ طويل، إلا أن هذه التدريبات لها دلالات استراتيجية، إذ أتت بعد أسبوعين من هجمات تعرضت لها ناقلات نفط في مياه الخليج العربي ينظر لها على نطاق واسع أن إيران تقف خلفها.

ويربط محللون بين هذه المناورات والتنافس الإقليمي بين الصين والهند من ناحية، وتشكل محور "هندي إبراهيمي" يضم دول الخليج وإسرائيل ضد الخطر الإيراني المشترك من ناحية أخرى. 

بين إيران والصين

في حديثه لموقع قناة "الحرة"، يقول المتخصص في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، الدكتور محمد الحربي، إن هذه "التمارين مهمة للقيادة والسيطرة والاتصالات وحفظ أمن الممرات الحيوية الاستراتيجية، خاصة أن الهند تستورد ما نسبته 18 بالمئة من حجم استهلاكها للنفط من السعودية".

يقول الباحث والمحلل السياسي، عبدالله الجنيد، من جهته، إن الهند ترتبط مع دول الخليج بالكثير من المصالح المشتركة على اعتبار أن العملاق الآسيوي جار تاريخي للخليج.

وأضاف لموقع "الحرة" أنه "من الطبيعي جدا أن يكون للهند دور أمني متصاعد في المحيط الهندي وبحر العرب بالاشتراك مع حلفائها مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".

ويرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية العميد متقاعد، خلفان الكعبي في تصريح لـ "الحرة" أن علاقات الإمارات والهند راسخة منذ القدم، وأن توسيع قاعدة العلاقات نابع من رغبة مشتركة للبلدين.

والهدف المعلن للتدريبات المشتركة بين الهند ودول الخليج هو تأمين حركة الملاحة البحرية والعمل على إيجاد ممرات بحرية آمنة للسفن في المنطقة.

وقال قائد الأسطول البحري الهندي، أجائي كوشار، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" إن التعاون العسكري المشترك يهدف للحفاظ على الأمن البحري، في ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة باختطاف ناقلات وتنفيذ أنشطة غير شرعية.

يتابع كوشار قائلا: "هناك كثير من التحديات المشتركة ونعمل مع السعودية على حماية وسلامة البحار والحد من مخاطر القراصنة".

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، اتهمت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، إيران بتنفيذ أول هجوم مميت ضد ناقلة نفط في بحر العرب، حيث تعرضت "ميرسر ستريت" التي يديرها رجل أعمال إسرائيلي لهجوم بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل اثنين من بحارتها. 

وأعقب ذلك الهجوم بأيام محاولة اختطاف فاشلة لناقلة النفط "أسفلت برنسيس" قبالة سواحل الفجيرة واتهمت فيها إيران أيضا من الدول الغربية ذاتها.

وبينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك الأعمال، تنفي إيران مرارا وتكرارا ضلوعها بأي هجوم استهداف ناقلات النفط في الخليج مؤخرا.

تعليقا على خطر الهجمات الإيرانية، يقول الحربي إن "مصالح الهند الاستراتيجية هي الاتجاه للشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون، حيث هناك الاستثمارات والموانئ والاتفاقيات والتفاهمات والمصالح المباشرة".

وتابع: "الهند توازن الأمور في العلاقات الاستراتيجية وهي متجهة إلى دولنا أكثر من العمق الإيراني".

ومن هذا المنطلق، يعتقد الجنيد أن ضمانات الأمن والاستقرار قد يحتم على الهند إعادة تقييم مصادر التهديد "مما قد يدفع بها للعب دور أقل تقليدية في مواجهة مثل تلك التحديات الآنية والمستقبلية".

وقال إن الهند لها "دبلوماسيتها الخاصة وكذلك هواجسها الأمنية المباشرة، إلا ان تقاطع المصالح مع دول الخليج العربية في كل ما يتعلق بضمانات الأمن والاستقرار وكذلك محاولة الهند احتواء التمدد الصيني غربا (باكستان، إيران، والآن أفغانستان) قد يفرض نوعا جديدا من إعادة تقييم مصادر التهديد من وجهة النظر الهندية".

في حين، يرى كبير محللي الأسواق العسكرية في قارتي أوروبا وآسيا، دانيال دارلينغ،  أن "التدريبات البحرية التي أجرتها الهند مع الإمارات والسعودية تؤكد على جهود التواصل الأوسع التي تبذلها الهند مع دول الشرق الأوسط".

يعتقد دارلينغ أن هذه المناورات تخدم الدبلوماسية بوسيلة أو أخرى، وتساهم في تقوية العلاقات العسكرية، مشيرا إلى أن مثل هذه التدريبات قد تؤدي إلى مبيعات محتملة لمعدات عسكرية دفاعية.

في تصريح لصحيفة "فاينانشال إكسبرس" الهندية، يضيف قائلا: "بدلا من التنازل عن نفوذها في المنطقة لصالح الصين، تقوم الهند بحملة تفاعل دبلوماسي مع دول إقليمية ذات خلفيات ومصالح متباينة، سواء كانت إسرائيل أو دول الخليج أو  إيران".

وتابع دارلينج: "من المهم أن نلاحظ أن ممر الشحن الممتد من الخليج إلى بحر العرب وعبر المحيط الهندي يمثل شريان الحياة الأساسي للنقل لنحو 60 بالمئة من النفط الصيني وأكثر من 70 بالمئة من النفط الهندي".

في مارس الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن بيانات من شركة "ريفينيتيف" وستة مصادر بقطاع النفط قولهم إن "إيران شحنت سرا كميات كبيرة من النفط الخام إلى الصين خلال الأشهر الماضية، وبكين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني".

زيارات وأوسمة واتفاقيات

في غضون ذلك، يذهب الكعبي في اتجاه آخر نسبيا بقوله إن "علاقات الهند مع إيران ودية"، وكذلك العلاقات التي تربط أبوظبي بطهران، في ظل حديث يدور عن وجود مباحثات سعودية إيرانية لإعادة الأمور لنصابها على حد تعبيره.

وقال الكعبي إنه "لا يوجد أي طرف يفكر في عمل عسكري ضد طرف آخر في المنطقة"، موضحا أن التدريبات تحمل بعدا استراتيجيا بتطوير العلاقات الثنائية وإبعاد التوترات والتفكير في المنظور الاقتصادي البحت.

ولي العهد السعودي زار الهند قبل عامين

ومع ذلك، يشير العميد الإماراتي المتقاعد إلى أن التدريبات تهدف إلى حماية الممرات المائية الحيوية التي تعرضت لمخاطر في الآونة الأخيرة.

وتابع: "العلاقات الإماراتية الهندية ليست وليدة اللحظة بل هي موجودة قبل تأسيس دولة الإمارات وكانت تعتمد على التجارة بين أهل الإمارات والهند"، مردفا أن "زيارة الشيخ محمد بن زايد فتحت آفاق كبيرة للتعاون بين البلدين".

في السنوات الماضية، تبادل زعماء دول الخليج والهند الزيارات لأكثر من مرة، حيث شهدت تلك الزيارات توقيع عشرات الاتفاقيات في مجالات عدة.

وسبق لولي عهد أبوظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة الهند في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية وقابل ذلك زيارات مماثلة من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى أبوظبي.

في 2019 وعلى هامش زيارته إلى أبوظبي، منح الشيخ محمد بن زايد، مودي "وسام زايد"، وهو أعلى وسام إماراتي.

أوضح الكعبي أن "الإمارات لديها جالية هندية كبيرة جدا لها تقدير واحترام وتساهم في بناء وتطور الدولة وهذا الشيء يحمل دلالات بأن الهند في منتهى الأهمية للإمارات والإمارات في منتهي الأهمية للهند".

كذلك، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الهند ضمن جولة آسيوية العام 2019، حيث شهدت تلك الزيارة توقيع 11 اتفاقية تعاون بين البلدين أغلبها مرتبط بالمجال الاقتصادي.

يقول الحربي إن "العلاقات السعودية الهندية تاريخية وانتقلت إلى مراحل أكثر استراتيجية أثناء زيارة ناريندرا مودي إلى السعودية عام 2016 وتلاها زيارة ولي العهد السعودي إلى الهند في 2019"، مردفا: "ثم انتقلت إلى مراحل جديدة على كافة المستويات اقتصادية استثمارية عسكرية أمنية وتبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب".

وأشار إلى أن التبادل التجاري ما بين البلدين وصلت قيمته إلى 100 مليار دولار. 

وبالمثل، زار ملك البحرين الهند خلال 2014 في رحلة شهدت أيضا توقيع اتفاقيات ثنائية بين البلدين، بينما قابل ذلك زيارة رئيس الوزراء الهند للمنامة العام 2019، حيث حصل مودي على "وسام البحرين من الدرجة الأولى" وهو من أرفع الأوسمة البحرينية.

"محور إبراهيمي جديد"

مارس الماضي، خرج السفير الهندي لدى الإمارات بتصريح لافت على هامش منتدى الاستثمار العالمي في دبي بعد أن قال إن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية الحديثة من شأنها مساعدة الهند في تحسين العلاقات مع البلدين.

في تصريح نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست"، أضاف السفير بافان كابور: "نحن محظوظون لأن تكون لدينا شراكة إستراتيجية ليس فقط مع إسرائيل ولكن مع الإمارات".

ونهاية الشهر الماضي، كتب الباحث محمد سليمان، وهو زميل بارز بمعهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن العاصمة، تحليلا مفاده أن محورا هنديا إسرائيليا إماراتيا آخذا في التشكل خلال المرحلة المقبلة.

يقول سليمان إن "الحوار الاستراتيجي الهندي الإبراهيمي هو احتمال قائم للغاية".

وترتبط الهند بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ العام 1992 جاءت بعد فقدان حركة عدم الانحياز التي أسسها رئيس وزراء الهند الأول جواهر لال نهرو لأهميتها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

العلاقات الهندية الإسرائيلية تعود للتسعينات

وأشار سليمان في التحليل المنشور بموقع معهد الشرق الأوسط إلى أن "حجم وقوة وتأثير دول التحالف الهندي الإبراهيمي – أي الهند وإسرائيل والإمارات – يمنحها القدرة على تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة".

وتابع: "ثمة تحدي مهم بالنسبة للتحالف الهندي الإبراهيمي هو المكان الذي تقف فيه السعودية – قلب الإسلام وأكبر اقتصاد عربي – فيما يتعلق بالكتلة الجيوسياسية الناشئة. حيث عززت الرياض علاقات جيدة مع تل أبيب ونيودلهي وقد تنظر إلى هذا التجمع كفرصة استراتيجية على المدى الطويل".

ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية مع إسرائيل، لكن تقارير إعلامية عديدة تؤكد وجود تواصلا سريا بين البلدين.

وأضاف سليمان أن "صعود الكتلة الهندية الإبراهيمية في غرب آسيا يمكن أن يوفر لواشنطن حلا استراتيجيا للتحدي المُلِح للوجود الأميركي في المنطقة وكيفية تحقيق الكثير من الأهداف بموارد أقل، مع ربط هذه الكتلة الناشئة بالاستراتيجية الأميركية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي وتقديم السند الأميركي لتلك المنظومة الآسيوية".

ويرى الباحث عبدالله الجنيد أنه "من الطبيعي جدا أن يكون للقوى الإقليمية نظرتها الخاصة أمنيا، ويجب أن يحفز الانسحاب الامريكي المفاجئ من أفغانستان على بلورة مقاربات أمنية تضمن استدامة الاستقرار بمعزل عن الإرادات الدولية".

وقال إن "للهند وإسرائيل علاقات على المستويين الأمني والدفاعي منذ عقود، وبالتأكيد أن المواثيق الإبراهيمية تقدم محفزات جديدة وكذلك مقاربات أكثر واقعية من المنظور الجيوسياسي".

"مربط الفرس"

ويستبعد الخبيران الاستراتيجيان الحربي والكعبي تشكل محورا هنديا خليجيا إسرائيليا في المنطقة على اعتبار أن كل دولة لها مصالحها الخاصة.

وقال الحربي إن "التحالفات العسكرية مهمة، لكن لكل دولة مصلحتها وسيادتها"، مضيفا أن "الهند تلعب دور متوازن في علاقاتها الاستراتيجية وفق مصالحها".

وأشار إلى أن المنطقة تشهد تواجدا "للقيادة المركزية الوسطى الأميركية والأسطول الخامس ودولنا تدخل في نطاق القوة العسكرية الأميركية وهناك تحالف عالمي مشترك ضد الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة".

وبدوره، يعتقد الكعبي أن التفكير المحوري للعلاقات الخليجية الهندية يتمثل في المنظور الاقتصادي والاستثماري.

وقال إن "الهند ليس لديها عداء مع أي دولة في الخليج ودولة مستهلكة وتستورد النفط من المنطقة، لكن وجود تفاهم بين إسرائيل والإمارات والهند أمر غير وارد".

وأوضح أن العلاقات الهندية الإسرائيلية قديمة نسبيا، بينما لا تزال العلاقات الإماراتية الإسرائيلية حديثه العهد، مشيرا إلى أن "التعاون الاقتصادي هو مربط الفرس".

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض،  13 مايو 2025. رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في الرياض، 13 مايو 2025. رويترز

تجلت حالة العزلة التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح الأسبوع الماضي مع نشر صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصفته إسرائيل بأنه "إرهابي من تنظيم القاعدة يرتدي بدلة".

وقال ترامب للصحفيين بعد محادثات مع الشرع، الأربعاء، في الرياض "إنه يملك الإمكانات. إنه زعيم حقيقي". وجاءت تلك التصريحات خلال اجتماع توسطت فيه السعودية، التي اتفقت مع ترامب خلال الزيارة على عدد من الصفقات في الأسلحة والأعمال والتكنولوجيا.

جولة ترامب السريعة التي استمرت أربعة أيام وشملت السعودية وقطر والإمارات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد مشهد دبلوماسي مصحوب باستثمارات ضخمة.

وقالت ثلاثة مصادر إقليمية ومصدران غربيان إن الجولة الخليجية همشت إسرائيل وأبرزت ظهور نظام جديد للشرق الأوسط تقوده الدول السنية متجاوزا "محور المقاومة" المنهار التابع لإيران.

وفي ظل الغضب المتزايد في واشنطن إزاء عدم توصل إسرائيل لاتفاق بشأن وقف لإطلاق النار في غزة، ذكرت المصادر أن جولة ترامب تمثل رسالة تجاهل لنتنياهو، الحليف المقرب للولايات المتحدة والذي كان أول زعيم أجنبي يزور واشنطن بعد عودة ترامب إلى السلطة في يناير.

وأضافت المصادر أن الرسالة كانت واضحة: ففي رؤية ترامب للدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي رؤية أقل أيديولوجية وتعتمد أكثر على النتائج، لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعم أميركي غير مشروط لأجندته اليمينية.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جورج بوش الابن "تشعر هذه الإدارة بالإحباط الشديد من نتنياهو، وهذا الإحباط واضح... إنهم يتعاملون بشكل تجاري للغاية، ونتنياهو لا يقدم لهم أي شيء في الوقت الراهن".

وقالت المصادر إن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، التي لا تزال حليفا قويا للولايات المتحدة وتحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية والحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لكن المصادر أضافت أن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة إلى نتنياهو مفادها أن الولايات المتحدة لها مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط ولا تريد منه أن يقف في طريقها.

وذكرت مصادر مطلعة أن صبر الولايات المتحدة بدأ ينفد ليس فقط بسبب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي قبول وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا بسبب اعتراضه على المحادثات الأميركية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ولم يرد مكتب نتنياهو على طلبات للتعليق. ولم يُصدر المكتب أي تصريحات بشأن زيارة ترامب الخليجية.

وأكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن ترامب لا يزال صديقا لإسرائيل.

وقال المتحدث باسم المجلس جيمس هيويت "نواصل العمل عن كثب مع حليفتنا إسرائيل لضمان إطلاق سراح باقي الرهائن في غزة وعدم حصول إيران على سلاح نووي أبدا وتعزيز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وذكرت المصادر المطلعة أنه على الرغم من تأكيد مسؤولين في إدارة ترامب علانية على متانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإنهم يعبرون في الجلسات المغلقة عن انزعاجهم من رفض نتنياهو مسايرة المواقف الأميركية بشأن غزة وإيران.

وقالت ستة مصادر إقليمية وغربية إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخذ في التزايد قبل جولة ترامب الخليجية.

وبدأ التوتر عندما سافر نتنياهو إلى واشنطن في زيارة ثانية في أبريل سعيا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المواقع النووية الإيرانية، لكنه فوجئ بتحول الرئيس نحو الخيار الدبلوماسي إذ علم قبل ساعات فقط من اللقاء أن المفاوضات على وشك أن تبدأ.

وفي الأسابيع التالية، أعلن ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن والتقارب مع القيادة الإسلامية الجديدة في سوريا كما تجاوز إسرائيل في زيارته الخليجية، وهو ما يظهر التوتر في العلاقات التقليدية بين الحليفتين، وفقا للمصادر.

وقال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن ومدير مشروع عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إن واشنطن وتل أبيب "لا تبدوان على توافق في القضايا الكبرى كما كانتا في المئة يوم الأولى" من رئاسة ترامب.

غزة تثبت الانقسام

خلال حملته الانتخابية، أوضح ترامب أنه يريد وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن هناك قبل عودته إلى البيت الأبيض.

لكن بعد مرور أشهر على رئاسة ترامب، واصل نتنياهو تحدي دعوات وقف إطلاق النار، ووسع نطاق الهجوم، ولم يقدم أي خطة لإنهاء الحرب أو خطة لما بعد الحرب في الصراع المستمر منذ 19 شهرا. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد القتلى في القطاع تجاوز 52900.

واندلعت الحرب، التي أثارت تنديدات دولية بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بسبب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وتقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وتبدد أي أمل في استغلال ترامب زيارته للمنطقة لتعزيز صورته كصانع سلام والإعلان عن اتفاق لإنهاء الحرب.

وبدلا من ذلك، ضاعف نتنياهو، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، هدفه المتمثل في سحق حماس. ويخضع نتنياهو للمحاكمة في إسرائيل بتهم الفساد التي ينفيها.

وخلال اختتام ترامب زيارته، شنت إسرائيل هجوما جديدا الجمعة على غزة. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل مئات الفلسطينيين في الأيام القليلة الماضية.

أما الأولوية الأخرى لترامب، وهي توسيع اتفاقات إبراهيم التي تطبّع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية لتشمل السعودية، فقد عرقلها أيضا تعنت نتنياهو.

وأوضحت الرياض أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتوقف الحرب ويصبح هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقال شينكر "ليست لديه استراتيجية، ولا خطة لليوم التالي بشأن غزة". وأضاف "وهو يعترض الطريق".

أما علنا، فقد رفض ترامب نفسه أي حديث عن أي خلاف. وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بُثت بعد زيارة الخليج، نفى ترامب أن يكون محبطا من نتنياهو الذي قال عنه إنه يواجه "وضعا صعبا" بسبب الحرب في غزة.

لكن ترامب يمضي قدما من دون نتنياهو. وباهتمام بالمصالح الذاتية دون حرج، يقود الرئيس الأميركي عملية إعادة تنظيم للدبلوماسية الأميركية تجاه الدول السنية الثرية، التي ترتكز على الرياض الغنية بالنفط.

وقال مصدر إقليمي كبير إن زيارة ترامب توجت الدور المؤثر للسعودية بصفتها قائدا للعالم العربي السني. وعلى النقيض من ذلك، فقد أدت سنوات من التجاوزات الإيرانية، والضربات العسكرية الإسرائيلية القوية لحليفتيها حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى تراجع دور طهران بصفتها قوة إقليمية شيعية.

وأضاف المصدر "كان لإيران الدور القيادي، والآن دخلت السعودية بأدوات أخرى: الاقتصاد والمال والاستثمار".

صعود السُنة

رغم أن نتنياهو هو من تصدر المعركة ضد إيران، يتشكل النظام الإقليمي الجديد في الرياض والدوحة وأبوظبي.

وتتطلع هذه الدول الخليجية إلى الحصول على أسلحة متطورة لحمايتها من هجمات إيران ووكلائها وكذلك إمكانية الوصول للرقائق الأميركية المتطورة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ووجدوا شريكا راغبا يتمثل في رئيس أميركي يمكن أن تتداخل سياسته الخارجية أحيانا مع المصالح المالية لعائلته.

وفي قطر، المحطة الثانية من جولته، جرى تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينغ 747 لترامب وجرى استقباله بحفاوة تليق بملك.

ووسط احتفال فخم ورقصات بالسيف واستعراض للفرسان ومأدبة ملكية، أعلن ترامب أن قطر، التي قدمت دعما ماليا كبيرا لحركة حماس، "تحاول المساعدة بكل تأكيد" في أزمة الرهائن الإسرائيليين.

وضرب تصريح ترامب على وتر حساس في القدس، حيث ينظر المسؤولون إلى الدوحة كتهديد استراتيجي يمول أحد ألد أعدائهم.

وقال يوئيل جوزانسكي وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن العديد من الإسرائيليين "لا يفهمون مدى مركزية قطر بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنها تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

وأضاف جوزانكسي أنه في الوقت الذي تجعل علاقة قطر مع حماس من الدولة الخليجية تهديدا لإسرائيل، فإن ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي ونفوذها المالي ونفوذها الدبلوماسي حولها إلى حليف لا غنى عنه لواشنطن.

وقدر البيت الأبيض أن الجولة إجمالا ضمنت أكثر من تريليوني دولار من الالتزامات الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي، منها طلبيات كبيرة لطائرات بوينغ وصفقات لشراء معدات دفاعية أميركية واتفاقيات لشراء خدمات تكنولوجية. بينما وجد إحصاء أجرته رويترز للصفقات المعلنة أن القيمة الإجمالية تصل لما يقارب 700 مليار دولار.

وفي السعودية، وافق ترامب على صفقة أسلحة قياسية بقيمة 142 مليار دولار مع الرياض، مما أجج المخاوف الإسرائيلية من فقدان التفوق الجوي في المنطقة إذا حصلت الرياض على طائرة لوكهيد من طراز إف-35.

وفي الوقت نفسه، وفي إعادة تقويم للعلاقات الأميركية السعودية، عرض ترامب على الرياض مهلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا لحكام السعودية إن بإمكانهم القيام بذلك في الوقت الذي يناسبهم.

والآن، يتفاوض ترامب على استثمار نووي مدني تقوده الولايات المتحدة للسعودية، وهي صفقة أخرى تثير قلق إسرائيل.

ودفعت الدول التي تتبع المذهب السني أجندتها الدبلوماسية الخاصة. وجاء إعلان ترامب المفاجئ خلال جولته عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في تحول آخر كبير في السياسة الأميركية، بناء على طلب من السعودية ورغم اعتراضات إسرائيل.

وحتى ديسمبر، عندما أطاح أحمد الشرع بالرئيس السوري بشار الأسد، رصدت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض عليه.

ورحبت دول الخليج بالهدنة التي أعلنها ترامب مع الحوثيين في اليمن، وهم جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، والتي وضعت حدا لعملية عسكرية أميركية مكلفة في البحر الأحمر. وجاء هذا الإعلان، الذي أعقب إجراء المحادثات النووية مع إيران، بعد يومين فقط من سقوط صاروخ حوثي على مطار بن غوريون الإسرائيلي.

وقال جوزانسكي وهو منسق سابق لشؤون إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "يزيد موقف إسرائيل أكثر فأكثر كمخربة تقف في طريق ليس فقط الولايات المتحدة بل المجتمع الدولي، إذ تحاول تشكيل المنطقة بشكل مختلف بعد سقوط الأسد وحزب الله وربما إنهاء حرب غزة".

وفي حين التزمت حكومة نتنياهو اليمينية الصمت إزاء زيارة ترامب، عبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن قلقها من أن مكانة البلاد مع أهم حلفائها آخذة في التراجع.

وانتقد سياسيون معارضون رئيس الوزراء لسماحه بتهميش إسرائيل بينما يعاد تشكيل تحالفات قديمة.

ووجه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، الذي يستعد للعودة إلى الحياة السياسية، اتهاما لاذعا لحكومة نتنياهو، مجسدا بذلك الشعور بالقلق الذي يسيطر على كثيرين في المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية.

وقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق على أكس "الشرق الأوسط يشهد تغييرات في بنائه أمام أعيننا وأعداؤنا يزدادون قوة، ونتنياهو... وجماعته مشلولون، سلبيون وكأنهم غير موجودين".