وصف الملك السعودي إيران بـ"الدولة الجارة"، وأعرب عن أمله في التوصل إلى "نتائج ملموسة" مع طهران، ما أثار التساؤلات عن احتمالية تطور العلاقات بين الدولتين المتخاصمتين منذ عقود، وانعكاس ذلك على المنطقة.
وقال العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، الأربعاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
ويدعم البلدان حلفاء متنافسين في حروب بالوكالة في اليمن وسوريا ومناطق أخرى. وقطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية في 2016، لكن أجرتا مؤخرا ثلاث جولات من المباحثات في بغداد برعاية الحكومة العراقية، ما بين أبريل ويونيو الماضي.
"الموقف السعودي يتغير"
ويرى كبير الباحثين في معهد واشنطن والمستشار السابق لدى وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد بولوك، في حديثه مع موقع "الحرة" أن "الموقف السعودي يتغير إلى حد ما إلى موقف أكثر مرونة بمعنى الاستعداد لتشاورات ومباحثات متبادلة"، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تدفع لمفاوضات مع إيران بدلا عن سياسة الضغط التي اتبعها سلفه، دونالد ترامب.
ويقول مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران، محمد صالح صدقيان، لموقع "الحرة" إن هذه المباحثات المتوقفة منذ ثلاثة أشهر تقريبا ستستأنف بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، "خاصة وأنه كان هناك ارتياح من الجانبين لما تم في الجولات الماضية"، مضيفا أنه "لا تزال هناك رغبة من الحكومة العراقية في احتضان الجولة الرابعة".
وبعد أن كانت الجولات السابقة بين مسؤولين استخباراتيين وأمنيين من البلدين، يعتقد صدقيان أن هناك مؤشرات جيدة على أن الجولة الجديدة ستكون على مستوى أعلى، "ربما بين مسؤولين في وزارتي خارجية البلدين".
ويضيف "ما أعلمه أن هناك رغبة في أن تكون المحادثات المقبلة على مستوى وزارتي الخارجية، خاصة بعد اللقاء الذي تم بين وزيري الخارجية في بغداد على هامش مؤتمر بغداد، والاجتماع الذي تم مساء الثلاثاء على هامش اجتماع الجمعية العامة في منزل السفير العراقي في نيويورك".
وذكرت وكالة مهر للأنباء شبه الرسمية في إيران أن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، التقى، يوم الثلاثاء، مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يذهب المحلل السعودي، سليمان العقيلي، إلى أبعد من ذلك، حيث يقول إن "قيام العلاقات الدبلوماسية أمر ممكن، والمدى الذي يمكن أن تصله العلاقات الثنائية يمكن أن يكون بعيدا إذا أصبحت إيران عنصراً داعماً للأمن والاستقرار الإقليميين".
"تحديات جديدة"
غير أن العقيلي يؤكد أن أن هناك الكثير من القضايا يجب حلها أولا، ويوضح أن "قيام علاقات ثنائية جيدة يقف عند احترام إيران للمواثيق الدولية والكف عن تهديد جيرانها والمساهمة في الأزمات الراهنة لكن مشروع تصدير الثورة المدون بالدستور الإيراني لا يسمح لطهران أن تكون دولة طبيعية".
ويرى صدقيان أن "النتائج التي تمخضت عنها الجولات الثلاث من المباحثات، رسخت قناعة عند كل دول المنطقة بأنه يجب أن يوضع حد لهذا التدافع الأمني والسياسي والعسكري في المنطقة"، مشيرا إلى "أن الجميع بات مقتنعا أن الظروف الحالية تستدعي استيعاب ما يمكن استيعابه من التحديات وحل جميع المشاكل التي تعاني منها المنطقة سواء كان في اليمن أو العراق وسوريا ولبنان وحتى في داخل فلسطين".
ويقول بولوك إن "كل دولة في المنطقة سواء كانت إيران أو السعودية أو إسرائيل أو تركيا كلها في مرحلة انتقالية تتعامل مع التغيرات في الموقف الأميركي، بعد الانسحاب من أفغانستان وبعد استئناف المفاوضات مع إيران والرغبة الأميركية في دور ربما أقل مما كان عليه في الماضي في المنطقة".
يتفق معه صدقيان في أن الظروف التي تمر بها المنطقة تدفع لاستمرار المباحثات بين السعودية وإيران، "مثلما رأينا انسحابا أميركيا من أفغانستان قد نرى انسحابا أيضا من العراق وسوريا، وبالتالي فإن المنطقة مقبلة على تحديات جديدة، وما لم تجلس دول المنطقة، وخصوصا دول كبيرة مثل السعودية وإيران، على طاولة الحوار من أجل استيعاب التحديات سيكون له تبعات خطيرة".
شروط لازمة
وبينما يتوقع صدقيان أن الأشهر المقبلة سوف تشهد نتائج إيجابية جدا على مستوى العلاقات الإيرانية السعودية وأيضا الإيرانية الخليجية والعربية بشكل عام، يقول العقيلي إنه "ليس من مؤشرات سعودية عن تطورات في الحوار السعودي الايراني؛ إلا إذا أسهمت إيران في دفع التسوية السلمية باليمن وهو أمر لا أفق له بالوقت الراهن".
فتطور المباحثات له مبادئ، بحسب العقيلي الذي يؤكد أن "المملكة تشترط لقيام علاقات طبيعية مع إيران احترام الأخيرة للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن تهديد الأمن والسلم".
ودعا الملك سلمان، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، طهران "لوقف جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة"، في إشارة للمتمردين الحوثيين في اليمن الذين صعدّوا أخيرا من هجماتهم على مدن جنوب المملكة بواسطة الطائرات المسيّرة.
وفي الملف النووي، أكد العاهل السعودي "على أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل. ومن هذا المنطلق تدعم المملكة الجهود الدولية الهادفة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي".
الأزمة اليمنية
ويؤكد بولوك ضرورة توضيح الشروط المطروحة أمام طهران، مضيفا "رسائل الملك سلمان .. مختلطة، فمن ناحية يقول إن إيران يجب أن توقف البرنامج النووي، وفي نفس الوقت هناك مجال للمباحثات بدون الحديث عن شروط واضحة".
يرى بولوك أن "الشرط الأساسي لدى السعودية، هو عودة إيران إلى التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، أما الشرط الثاني، والمهم جدا، يكمن في الميليشيات الحوثية في اليمن التي تهدد الأمن في السعودية، بالاتفاق على وقف إطلاق النار أو على الأقل وقف الهجمات العابرة للحدود التي تستهدف المملكة".
وحول الشروط التي تطلبها كلتا الدولتين من بعضهما البعض يقول صدقيان: "أعتقد أن علينا أن نتجاوز هذه النقطة، هناك غياب في الثقة بين الجانبين، علينا أن نبحث في كيفية تعزيز الثقة بين الجانبين أولا وكيف يمكن الاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات، إذا تحقق هذان الشرطان فإن ذلك سيهيء أرضية لمناقشة بقية الأمور والبحث في كيفية تحقيق مصالح جميع دول المنطقة".
ويضيف أن "إيران طرحت برنامجا من أربع نقاط من أجل إيقاف الحرب في اليمن، حيث تعتقد طهران أن الحوار اليمني-اليمني كفيل بحل مشكلة اليمن"، مشيرا إلى أن الإيرانيين في جولات المباحثات الثلاث الماضية بين الرياض وطهران، أوضحوا أنهم لا يستطيعون التأثير على الحوثي، لكنهم يستطيعون أن يساهموا ويدفعوا إلى لقاء يمني- يمني".
وحول قصف المملكة بصواريخ باليستية من جانب الحوثيين الذين تدعمهم إيران، قال صدقيان: "في المقابل، الطائرات السعودية تقصف اليمن، لا توجد أهداف عسكرية تقصفها، لا أريد أن نبحث في الماضي، السلاح متوفر وموجود من حرب جنوب اليمن منذ السيتينيات، المهم كيف نجد حلا للمشكلة اليمنية" .
يتفق العقيلي مع صدقيان في أن "أزمة عدم الثقة بين البلدين عميقة جدا"، لكنه يرى أن هناك ما هو أكبر من ذلك، موضحا أنه "لا يمكن للإيراني أن يقول إن الحوثي غير تابع له، وخاصة أن مليشيات صنعاء تردد في كل حين أنها جزء من محور إيران الإقليمي، فضلا عن أن الأمم المتحدة أثبتت أن الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية صناعة إيرانية".
وأضاف أن "المخاتلة السياسية لا يمكن أن تحجب حقيقة يرددها المسؤولون الإيرانيون أنفسهم من أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية"، متابعا أن "العلاقات العربية الإيرانية تحتاج إلى المصارحة وإلى الالتزام بحسن الجوار والكف عن أحلام الطموحات الامبراطورية".
ويعد البلدان أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفّات الاقليمية ومن أبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة المعترف بها دولياً، وتتّهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين.
وقطعت الرياض علاقاتها مع طهران في يناير 2016، إثر هجوم على سفارتها في العاصمة الإيرانية وقنصليتها في مشهد (شمال شرق)، نفّذه محتجّون على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.
النشاطات النووية
وحول حديث الملك سلمان حول السلاح النووي الإيراني، علق صدقيان بقوله: "هذا كلام فارغ لأن إيران لا تطور سلاحا نوويا"، متهما السعودية بأنها وراء إفشال الاتفاق النووي والوصول إلى الوضع الحالي.
وقال إن "السعودية دفعت 450 مليار دولار لترامب من أجل الانسحاب من الاتفاق النووي وانهياره، وهي بهذا الانسحاب ساعدت في أن تخل إيران بالتزاماتها وتصل مستويات التخصيب إلى 20 و60 في المئة، وكذلك لماذا لا تطالب بسحب الأسلحة النووية من إسرائيل وقنابلها العنقودية".
في المقابل، يقول العقيلي إن "إيران تفعل ما هو أكبر من إنفاق المال السياسي؛ فهي تزود وكلاءها بالصواريخ والمسيرات لضرب الأمن الوطني السعودي والإقليمي، والقصة الفلكلورية بإنفاق 450 مليار لإيقاع العقوبات الأميركية على إيران أسلوب زائف لإبعاد الأنظار عن التطورات الخطيرة في بلوغ إيران القنبلة النووية".
وأضاف "السعودية حتما ستنال القنبلة النووية إذا تأكد حيازة إيران للتهديد النووي، فالخلل في موازين القوى هو الذي سيجر إلى الصدام والحروب الدائمة".
"لا من بديل"
وجاءت تصريحات الملك سلمان، في أعقاب دعوة من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى استئناف المحادثات النووية مع القوى العالمية بما يؤدي إلى رفع العقوبات الأميركية.
وقال الملك سلمان في خطابه إن جماعة الحوثي اليمنية ترفض المبادرات السلمية لإنهاء الحرب، وأضاف أن السعودية ستدافع عن نفسها في مواجهة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المسلحة.
من جانبه يقول بولوك لموقع "الحرة": "حسب تقييمي الشخصي أن المباحثات الإيرانية السعودية الجارية يناسب الموقف الأميركي الجديد، ورغبة إدارة جو بايدن في أن يكون هناك تسامح وتعايش أكثر بين دول المنطقة وليس دور أميركي وسيط أو لاعب رئيسي".
ويوضح أنه "في الأزمة اليمنية، الولايات المتحدة، قلصت من مساعداتها العسكرية والأمنية للسعودية منذ قدوم إدارة بايدن في شهر يناير الماضي، ورد الفعل السعودي يناسب هذا التغيير، بمعنى أنه ليس هناك حل عسكري أو انتصار في النهاية للتحالف ضد الميليشيات الحوثية، ولذلك هناك اتجاه لحل وسط ودبلوماسي بالتنسيق مع إيران، بالرغم أن قد يصعب جدا تحقيقه على أرض الواقع، لكن ليس هناك بديل".