السعودية أعلنت عام 2012 إغلاق سفارتها في دمشق
السعودية أعلنت عام 2012 إغلاق سفارتها في دمشق

في يوم واحد انتقل مبعوث روسيا لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، من الرياض، حيث التقى ولي العهد، إلى دمشق حيث التقى رئيس النظام السوري، الأمر الذي بدى وكأنه محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين.

وخلال اجتماع الرياض، الذي عقد في 20 يناير، جرى التباحث في تطورات الأوضاع في سوريا بحسب رويترز، بينما اكتفت وكالة "سانا" الموالية للنظام بالإشارة إلى أن اللقاء بين رئيس النظام بشار الأسد ولافرنتييف، والذي عقد في 20 يناير أيضا، "دار حول آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك مع موسكو"، فهل تدفع روسيا نحو تسوية العلاقات بين الطرفين؟

يجزم  المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "موسكو تقوم بدور الوسيط بين الدولتين".

وأشار يوسف إلى أن "موسكو تؤيد بشكل كبير عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهذا كان واضحا من زيارة وزير خارجيتها إلى الرياض العام الماضي، وما نتج عنها من مواقف سعودية".

وفي مارس 2021، أعرب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن دعم الرياض لعودة سوريا إلى محيطها العربي، مؤكدا أن الحل "في سوريا لن يكون إلا سياسيا".

وأوضح بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي جمعه حينها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن حل الأزمة في سوريا يتطلب توافق أطراف الأزمة"، معلنا دعم بلاده "لأي جهود تحقق الاستقرار في سوريا".

في المقابل، يستبعد الباحث والكاتب السعودي، حسن المصطفى، في حديث لموقع "الحرة"، أن "تسارع الرياض إلى تطبيع علاقتها مع الأسد، وذلك بمعزل عن أي جهد روسي". 

وتابع المصطفى: "ليس هناك مؤشرات عن زيارات رفيعة المستوى حاليا، أو إعادة افتتاح قنصلية سعودية أو سفارة في دمشق"، ولكنه استدرك قائلا: "الرياض لن تكون حجر عثرة أمام أي تسوية تحقق المصالح السورية الوطنية في المقام الأول".

وهنا، أشاد يوسف بما وصفها بالمبادرة الإماراتية التي "تمثلت بإعادة فتح سفارتها في دمشق، والتي تقوم على أفضل العلاقات مع سوريا مقارنة بغيرها من دول المنطقة". 

وفي نوفمبر 2021، زار وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، الأسد في العاصمة دمشق، في أول زيارة على هذا المستوى منذ 10 سنوات.

وكانت وكالة الأنباء الإماراتية قالت، في 20 أكتوبر 2021، إن ولي عهد أبوظبي بحث مع الأسد خلال اتصال هاتفي "علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة".

بشار الأسد ومحمد بن زايد ناقشا الأوضاع في الشرق الأوسط
التقارب الإماراتي السوري.. مواجهة أطراف غير عربية وعين على إعادة الإعمار
تطور ملحوظ شهدته العلاقة بين الإمارات وسوريا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، بعد نحو 10 سنوات من القطيعة بين البلدين على خلفية اندلاع الأزمة السورية في 2012، في خطوة جاءت متزامنة مع تحركات من دول عربية أخرى يبدو أنها في طريقها أيضا لـ"طي صفحة الماضي" مع نظام الأسد.

وجاء الاتصال بعد قرابة ثلاث سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها في دمشق، عقب أكثر من سبع سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.

وعن إمكانية أن تحذو الرياض حذو أبوظبي، يقول المصطفى إن بلاده "تسعى لأن يسود الهدوء منطقة الشرق الأوسط، وتخفيف التوترات الأمنية والحروب الأهلية، لأن لديها رؤية المملكة 2030، وهذه الرؤية الطموحة اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، تحتاج لأجواء مستقرة، كي تحقق أهدافها".

وشدد على أن "الرياض سترحب بأي جهود تسهم في حل النزاع السوري، والتوصل إلى حلول بين النظام الحاكم وقوى المعارضة، على قاعدة ما يتوافق عليه السوريون فيما بينهم، وما يحقق مصلحة الشعب السوري، ويضمن له الأمن والاستقرار".

بينما لفت يوسف إلى أنه  "حتى الآن، لم تقم السعودية بأي خطوات مماثلة، بل على العكس لاحظنا تصعيدا من قبل مندوب الرياض في مجلس الأمن، عبد الله المعلمي"، ولكن هذا التصعيد يخفي وراءه "شيئا إيجابيا"،  على حد قوله.

وخلال  اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 16 ديسمبر الماضي، قال المندوب السعودي، عبد الله المعلمي، إن الحرب لم تنته في سوريا التي شهدت سقوط 2000 قتيل خلال العام الحالي، محذرا: "لا تصدقوا إذا قالوا إن الحرب انتهت في سوريا".

وشدد المعلمي على أن "الأولوية لا يجب أن تعطى لإعادة الإعمار بل لإعادة بناء القلوب"، متسائلا: "ما النصر الذي حققوه إذا وقف زعيمهم على هرم من الجثث؟"

واتهم المعلمي النظام السوري بأنه "أول من فتح الأبواب لاستقبال حزب الله، زعيم الإرهاب، وغيره من التنظيمات الإرهابية".

ويتحدث يوسف عن إمكانية وجود "تقارب استخباراتي سعودي - سوري توج خلال المنتدى العربي الاستخباراتي الذي نظم في القاهرة، نوفمبر 2021، حيث تواجد مدير إدارة المخابرات العامة السورية، حسام لوقا، ورئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان".

ويرى يوسف أن "قمة الجامعة العربية في الجزائر تأجلت من أجل التباحث أكثر في مشاركة سوريا".

وعلقت الجامعة العربية عضوية النظام السوري في 12 من أكتوبر عام 2011، ودعت إلى سحب السفراء من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين السوريين.

وتقرر إرجاء القمة الدورية السنوية لجامعة الدول العربية على مستوى القادة والتي كان مقررا انعقادها في 22 مارس بالجزائر، بسبب وباء كوفيد-19، بحسب ما نقلته فرانس برس عن مسؤول رفيع في الجامعة.

العواقب والدوافع

وعن العواقب التي قد تواجه تطبيع العلاقات، يرى المصطفى أن "ما يقلق السعودية هو أن تكون سوريا منصة لزعزعة أمن المنطقة، سواء من خلال تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني، أو مقاتلي حزب الله، أو الميليشيات العراقية الموالية لإيران". 

ولكن يوسف يستبعد أن "تسبب العلاقات بين طهران ودمشق أي عرقلة في التطبيع مع السعودية، لاسيما أن الرئيس الأسد يعتمد مبدأ التوازن في العلاقات". 

وحول الدوافع وراء دعم الجهود الرامية إلى عودة سوريا للحضن العربي، يعتبر المصطفى أن "التوترات التي تنشأ بين إسرائيل من جهة وإيران ومليشياتها من جهة أخرى، على الأرض السورية، عامل توتر آخر، من شأنه أن يقود في حال تم تجاوز قواعد الاشتباك لمواجهة أوسع أو حرب إقليمية، ليست في صالح المنطقة".

ورأى أن "استقرار سوريا، وخروج القوات الأجنبية والمليشيات منها، هو أمر في صالح الرياض وبقية العواصم المؤيدة للاعتدال".

وأشار الباحث السعودي إلى أن "وجود التنظيمات الأصولية المسلحة، مثل داعش والقاعدة وبقية التشكيلات الأخرى، هي مصدر خطر آخر، ولذا فإن محاربة الإرهاب، وقطع الطريق أمام سيطرة هذه المجاميع على مساحات من سوريا، سيصب أيضا في خانة محاصرة العنف، وهذا هدف تسعى له السعودية".

من جهته، يشدد يوسف أن "ليس لسوريا غنى عن السعودية والعكس صحيح أيضا"، معتبرا أن "هناك مصلحة مشتركة بعودة العلاقات، لاسيما أن السعودية تعارض التدخلات الإقليمية لتركيا التي تحتل جزءا من الأراضي السورية".

وكرر يوسف أن "تطبيع العلاقات سيأخذ بعض الوقت لكنه حتمي وستعود الأمور إلى طبيعتها قبل اندلاع الأزمة". 

وسحبت دول مجلس التعاون الخليجي وبينها الإمارات، سفراءها من دمشق في فبراير 2012 متهمة النظام السوري بارتكاب "مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل"، في إشارة إلى قمع الاحتجاجات الشعبية قبل تحولها إلى حرب أهلية تسببت في مقتل أكثر من 360 ألف شخص.

وتسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6,6 ملايين لاجئ، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة لبنان والأردن وتركيا.

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".