بعد ثالث هجوم من نوعه على الإمارات في الأسبوعين الأخيرين، زار وزير الداخلية السعودية، عبد العزيز بن سعود بن نايف، أبوظبي، واجتمع بولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد بن زايد، ومسؤولين آخرين، في ظل استمرار التصعيد بين التحالف العربي والحوثيين في اليمن.
وبحث ولي عهد أبوظبي ووزير الداخلية السعودي، الثلاثاء، العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين وسبل تعزيزها على جميع المستويات بما يدعم مصالح البلدين المشتركة، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
كما التقى وزير الداخلية السعودي نظيره الإماراتي وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون الأمني القائم بين وزارتي الداخلية في البلدين، بالإضافة لاجتماعه بولي عهد دبي، حمدان بن محمد بن راشد.
وهذه الزيارة تعكس "قناعة ثابتة لدى الرياض وأبو ظبي، بأن التعاون ليس خيارا ترفيا، بل آلية عمل عبر تنتظم السياسات في الخليج، لاسيما في ظل الحرب مع الحوثيين في اليمن"، بحسب ما قاله المحلل السياسي السعودي، حسن المصطفى، لموقع "الحرة".
وبدأت الحرب في اليمن في 2014 بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين سيطروا على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء. وتدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية لدعم القوات الحكومية اعتبارا من 2015.
وتشارك الإمارات في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن دعما للحكومة ضد الحوثيين. وقد سحبت في 2019 قوّاتها من البلد الفقير الغارق في نزاع مسلح منذ 2014، لكنّها لا تزال لاعبا مؤثرا فيه.
وأضاف المصطفى: "صحيح أن كل دولة لها سياستها الخاصة، وطريقتها في مواجهة المخاطر، وأسلوبها في تعزيز أمنها الوطني، إلا أن التنسيق والتعاون المشترك أمر مفروغ منه".
وعن توقيت الزيارة في ظل التصعيد الحوثي على الإمارات، يقول المصطفى إن "السعودية اعتبرت أن الهجوم على أبوظبي، اعتداء عليها، لأنه ذلك من شأنه أن يخل بالمنظومة الأمنية لدول مجلس التعاون، ومن هنا كان دافع الزيارة".
وتعرضت الإمارات الشهر الماضي لثلاث هجمات بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة شنها المتمردون اليمنيون بعد خسارتهم مناطق في اليمن على أيدي "قوات يمنية موالية للحكومة دربتها الإمارات"، بحسب فرانس برس.
وفي الهجوم الأول في 17 يناير، قتل ثلاثة أشخاص بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت أبوظبي. وكان ذلك أول هجوم دام على أراضي الإمارات أكد الحوثيون مسؤوليتهم عنه وأعلن عنه الإماراتيون.
ونجحت الإمارات في اعتراض وتدمير صاروخين بعد أسبوع، بمساعدة القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية قرب أبوظبي، قبل أن تعترض وتدمر صاروخا في هجوم ثالث وقع الاثنين الماضي بالتزامن مع زيارة الرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتزوغ، إلى الإمارات.
وبدوره، يوافق المحلل السياسي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "الزيارة تأتي في ظل التصعيد الحوثي، ولكن لها علاقة بالتعاون الأمني ليست فقط بين الرياض وأبوظبي بل على مستوى مجلس التعاون الخليجي ككل".
ورأى عبدالخالق أن الزيارة تحمل "أبعاد التضامن المتبادل بين البلدين في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية التي تزايدت مؤخرا وبشكل مكثف"، لافتا إلى أنها "تأتي بعد انتهاء تدريبات وتمارين أمن الخليج العربي 3".
ونظمت فعاليات التمرين التعبوي المشترك، أمن الخليج العربي 3، في 16 يناير الماضي، وشاركت فيها جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف "رفع مستوى التنسيق ودرجة الاستعداد والجاهزية"، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الإماراتية (وام).
وعن السيناريو المتوقع في ظل التطورات الأخيرة، يشدد المصطفى على أن "السعودية والإمارات تعملان على التنسيق بين البلدين، سياسيا وأمنيا وعسكريا، من أجل حفظ أمن الخليج من الهجمات المتكررة للحوثيين".
وتابع: "هذا التنسيق لم تفرضه الهجمات الأخيرة ضد أبوظبي، وحسب، بل هو يعود إلى بدايات عاصفة الحزم، والعمل ضمن إطار قوات التحالف"، مشددا على أن "الحل يكون بالحوار ووقف إطلاق النار".
و"عاصفة الحزم"، هي العملية العسكرية التي أطلقها التحالف بقيادة السعودية عام 2015، بطلب من حكومة هادي لاستعادة "الشرعية".
وكذلك يتمسك عبد الله بأن "التحالف العربي لا يريد التصعيد، وسبق أن قدمت السعودية مبادرات عدة لوقف إطلاق النار وانتهاء الحرب على وجه السرعة".
وفي مارس 2021، أعلن الحوثيون رفضهم مبادرة سعودية لإنهاء الحرب في اليمن، إذ عرضت الرياض خطة لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وإعادة فتح خطوط جوية وبحرية.
وتضمنت المبادرة التي لاقت ترحيبا دوليا وأعلنها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، إعادة فتح مطار صنعاء، والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحُديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يرفض فيها الحوثيون مبادرة سعودية، فقد كانوا قد أعلنوا في أبريل 2020 الموقف ذاته عندما عرض التحالف العسكري بقيادة السعودية وقفا موقتا لإطلاق النار في اليمن، بهدف منع انتشار فيروس كورونا. وقال الحوثيون في حينه أنها "مناورة سياسية".
واعتبر المحلل الإماراتي أن "هناك طرف يراهن انه يستطيع حسم المعركة عسكريا، وكان مستميتا في السيطرة على مأرب واتضح أنه غير قادر على ذلك".
وأضاف: "التصعيد يأتي من طرف واحد ولأسباب واضحة متعلقة أساسا بالهزائم التي مني بها الحوثيين في شبوة ومناطق من مأرب، ولكي يعوض هذه الخسائر والهزائم قام بهذا التصعيد ضد الإمارات".
وفي رد انتقامي على ما تعرضت له أبوظبي، يشن التحالف غارات جوية مكثفة على صنعاء وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
وتابع عبد الله: "هناك طرف مسؤول عن بدء المآساة واستمرارها وهو الذي يستمر ولا يريد إيقاف الحرب التي يدفع ثمنها أكثر من 30 مليون يمني".
وتسببت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، في ظل اعتماد نحو 80 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم 29 مليون نسمة، على المساعدات، ومواجهة 13 مليونا لخطر الموت جوعا.
وما زال نحو 3.3 ملايين شخص نازحين، بينما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى المساعدة، وفق الأمم المتحدة.
وعن إمكانية استمرار المعارك لفترة طويلة، يرى المصطفى أن "الرياض وأبوظبي نحو تعاون أكثر ومستمر، يحقق مصالح الطرفين، ويدعم قوات الشرعية اليمنية في الميدان، ويدفع الحوثيين نحو الكف عن الأعمال العدائية، والقبول بالحوار والحل السياسي".
الدعم الأميركي
وهنا، يشيد عبد الخالق بالدعم العسكري الأميركي للإمارات، قائلا: "الولايات المتحدة أخذت على عاتقها مهمة حماية أمن مياه الخليج العربي منذ أكثر من 50 سنة".
والأربعاء، قررت الولايات المتحدة إرسال طائرات مقاتلة ومدمّرة تحمل صواريخ موجهة، إلى أبوظبي لمساعدة الإمارات في التصدي لهجمات المتمردين في اليمن، حسبما أفادت البعثة الأميركية في الدولة الخليجية.
وجاء القرار الهادف إلى دعم الإمارات "في مواجهة التهديد الحالي"، في إشارة للحوثيين، بعد اتصال هاتفي جرى الثلاثاء بين وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن وولي عهد أبوظبي.
ولفت عبد الخالق إلى أن "للولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية في المنطقة، وهي تسعى بطبيعة الحال لحماية منشآتها أيضا".

بدوره، قال بيان البعثة الأميركية إن اوستن وولي عهد أبوظبي بحثا "مجموعة من الإجراءات التي تتخذها وزارة الدفاع لدعم الإمارات العربية المتحدة".
ويشمل ذلك "إرسال المدمرة حاملة الصواريخ الموجهة للبحرية الأميركية +يو أس أس كول+ للتعاون مع البحرية الإماراتية قبل التوقف في ميناء في أبوظبي".
كما أبلغ الوزير الأميركي ولي عهد أبوظبي "بقراره نشر طائرات مقاتلة من الجيل الخامس لمساعدة الإمارات في مواجهة التهديد الحالي وكإشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الإمارات كشريك استراتيجي طويل الأمد".
ويشمل التعاون كذلك "الاستمرار في تقديم معلومات استخباراتية للإنذار المبكر، والتعاون في مجال الدفاع الجوي".
ومن ناحية سياسية، يعتقد عبد الخالق أن "واشنطن تريد إيصال رسائل على قدر ما تريد طمأنة شركائها في المنطقة".
وأوضح أن الدعم العسكري الأميركي يهدف "لإفهام كل من إيران وروسيا والصين وجميع القوى التي تتوقع وتخطط لاستلام أمور أمن هذه المنطقة في حال انسحاب الولايات المتحدة، بأن هذه المنطقة تدخل في صلب أولوياتها وبأن الإدارة الأميركية لن تنسحب كما فعلت بأفغانستان".
وفي أغسطس الماضي، أنهت الولايات المتحدة الاثنين عملية انسحاب القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان نهائيا.