الرياض: نسعى لإيجاد حل في اليمن ووقف إطلاق النار
الرياض: نسعى لإيجاد حل في اليمن ووقف إطلاق النار

في جلسة نقاش حول الشرق الأوسط، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن بلاده تتطلع إلى جولة خامسة من المحادثات مع إيران، معربا عن أمله في أن تبدي الأخيرة "رغبة جادة في الحل".

كما شدد بن فرحان، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، على  ضرورة إيجاد حل للأزمة اليمنية يبدأ بوقف إطلاق النار، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس).

ويرى الكاتب والباحث السعودي، حسن المصطفى، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الحوار مع إيران هو السبيل الوحيد للوصول إلى تفاهمات قوية، وتعزيز الأمن في الخليج العربي والمنطقة". 

هذا وعقدت السعودية 4 اجتماعات مع إيران حتى الآن في محاولة لمناقشة دورها في المنطقة، ولكن "رغم عدم تحقيق أي تقدم يذكر في تلك المفاوضات، فإن الرياض ملتزمة باستمرار الحوار مع طهران، منتظرة موعد لعقد جلسة خامسة"، بحسب تصريحات بن فرحان. 

وكذلك يوافق الباحث الإيراني المتخصص في القضايا الإقليمية والإستراتيجية، حسين رويوران، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الحوار بين إيران والسعودية والوصول إلى اتفاق بين الطرفين هو ضرورة سياسية وأمنية لكلاهما".

وأوضح رويوران، أن "هناك تغييرات على المستوى الإقليمي أبرزها الانكفاء الأميركي في المنطقة الذي بدأ في الانسحاب من أفغانستان وتغيير أولوياتها واهتمامها بالمنطقة، وهذا يعني لا بد من التقارب السعودي - الإيراني". 

وعن العوائق التي تقف بوجه الوصول إلى تفاهمات، يعتقد المصطفى أن "إيران لا تأخذ المعنى الحقيقي من المفاوضات، وتتخذها ملهاة لإضاعة الوقت والتلاعب بالسياسات بدلا من إظهار حسن نيتها".

وأشار إلى أن هذا "ما دفع وزير الخارجية السعودية لاعتبار أنه لا يوجد تقدم جوهري في المباحثات المشتركة بين البلدين".

ولكن رويوران يتمسك بأن "إيران تريد الحوار في المجال الثنائي، والذي يمكن إيجاد فيه نقاط مشتركة وسبل للتعاون، من أجل إيجاد صيغة جديدة في التعامل بين البلدين".

وتابع: "السعودية ترغب في التعاون مع إيران في الأزمات الإقليمية، وهذا أمر مستحيل، حيث تؤكد طهران بأنها لن تقبل بأن تكون بديلا عن أطراف أخرى".

ورأى أنه "بإمكان الرياض تنظيم حوار مع اليمنيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين بدلا من استبدالهم بالإيرانيين". 

بينما يعترض المصطفى على ذلك موضحا أن "الإيرانيين يريدون من السعوديين مساعدتهم في فك خناق الحصار الاقتصادي الذي يعانون منه، والذي كان بسبب سياساتهم التوسعية والعدوانية، دون أن يقدموا مشاريع عمل جدية تعطي إشارات عن رغبة في إحلال السلام، وكبح جماح التشكيلات المسلحة الموالية لإيران سواء في اليمن أو العراق أو لبنان".

يذكر أنه في فبراير 2022، أعادت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إعفاء إيران من عقوبات مرتبطة بالمشاركة في برنامجها النووي، وذلك مع دخول المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 المرحلة النهائية.

مفاعل آراك للماء الثقيل يثير مخاوف
الإعفاءات الأميركية.. خطوات "فنية" لمنع إيران من الانتشار النووي
تضمنت الإعفاءات الأميركية الأخيرة الخاصة ببرنامج إيران النووي بنودا ستسمح لأطرف ثالثة، تشمل روسيا والصين، بالمشاركة في برنامجها النووي بشكل يساهم في "عدم الانتشار" وربما دفع المحادثات الجارية في فيينا إلى الأمام

وتهدف المحادثات غير المباشرة، الجارية في فيينا، إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية واستئناف امتثال إيران لها، علما أنه أجرى حتى الآن ثماني جولات.  

وانسحب الرئيسي الأميركي السابق، دونالد ترامب، أحاديا عام 2018 من الاتفاق النووي وأعاد فرض معظم العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران، وألغى في مايو 2020 هذه الإعفاءات أيضا. 

الملف اليمني 

وعن الملف اليمني، يقول المصطفى: "ما يعني الرياض أن لا تتآمر إيران ضد أمن المملكة والخليج العربي، وأن لا تصبح منصة لاستهداف أمن السعودية، أو تحتضن مجاميع تتدرب على السلاح أو تطلق المسيرات ضد المملكة". 

وتتهم الرياض وواشنطن إيران بدعم الحوثيين عسكريا، وتزويدهم بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، الأمر الذي تنفيه طهران.

ومنذ استيلائهم على صنعاء في 2014، سيطر المتمردون على القسم الأكبر من شمال اليمن وواصلوا تقدمهم على الأرض رغم الإسناد الذي يقدمه التحالف لقوات الحكومة اليمنية.

بينما يشدد رويوران على أنه "لا بد من الرياض أن تتوجه نحو الحوار المباشر مع اليمنيين، وإبعاد طهران عن الحوار الإقليمي"، معربا عن استعداد بلاده للوساطة بين الطرفين دون أن "تكون طرفا في المباحثات".

من جهته، يعتبر المحلل السياسي اليمني، أحمد المؤيد، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الكرة في ملعب السعوديين والإماراتيين"، مضيفا أن الحوثيين "يدافعون عن الشعب اليمني ومصالحه وتتطلع الجماعة الى توقف هذا العدوان، وعلاقات حسن الجوار مع السعودية وغيرها". 

وبدأت الحرب في اليمن في 2014 بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين سيطروا على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء. وتدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية لدعم القوات الحكومية اعتبارا من 2015.

وتشارك الإمارات في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن دعما للحكومة ضد الحوثيين. وقد سحبت في 2019 قواتها من البلد الفقير الغارق في نزاع مسلح منذ 2014، لكنها لا تزال لاعبا مؤثرا فيه.

بينما يصر المصطفى على أن "هناك رغبة سعودية حقيقية في إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية وإنهاء الحرب، وهذا يتضح من خلال عدد المبادرات المقدمة من قبلها".

وتابع: "المملكة ليست لديها هواية الذهاب بعيدا في أتون الحروب، لأنها تعرف كلفتها البشرية والمادية والاقتصادية والأمنية، ليس على اليمن وحدها، بل على عموم المنطقة". 

وفي مارس 2021، أعلن الحوثيون رفضهم مبادرة سعودية لإنهاء الحرب في اليمن، إذ عرضت الرياض خطة لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وإعادة فتح خطوط جوية وبحرية.

وتضمنت المبادرة التي لاقت ترحيبا دوليا وأعلنها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، إعادة فتح مطار صنعاء، والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحُديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين.

وهذه ليست المرة الأولى  التي يرفض فيها الحوثيون مبادرة سعودية، فقد كانوا قد أعلنوا في أبريل 2020 الموقف ذاته عندما عرض التحالف العسكري بقيادة السعودية وقفا موقتا لإطلاق النار في اليمن، بهدف منع انتشار فيروس كورونا. وقال الحوثيون في حينه أنها "مناورة سياسية".

في المقابل، يشكك المؤيد في "جدية السعودية في مسألة وقف إطلاق النار"، متهما أنها "تقاتل في اليمن لاستعادته كحديقة خلفية لها منذ عقود وتعتبر أن أي قوى ثورية لتغيير الواقع السياسي هي قوى معادية لها يجب إزالتها". 

ويرفض المصطفى هذا الكلام جملة وتفصيلا، قائلا: "مشكلة الحوثيين أنهم يعتقدون أن الصواريخ البالستية والمسيرات، واستهداف المراكز المدنية في السعودية والإمارات، أوراق يمكن أن يستخدمونها في التفاوض".

وتعرضت الإمارات الشهر الماضي لثلاث هجمات بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة شنها المتمردون اليمنيون بعد خسارتهم مناطق في اليمن على أيدي "قوات يمنية موالية للحكومة دربتها الإمارات"، بحسب فرانس برس.

وفي الهجوم الأول في 17 يناير، قتل ثلاثة أشخاص بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت أبوظبي. وكان ذلك أول هجوم دام على أراضي الإمارات أكد الحوثيون مسؤوليتهم عنه وأعلن عنه الإماراتيون.

ونجحت الإمارات في اعتراض وتدمير صاروخين بعد أسبوع، بمساعدة القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية قرب أبوظبي، قبل أن تعترض وتدمر صاروخا في هجوم ثالث وقع الاثنين الماضي بالتزامن مع زيارة الرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتزوغ، إلى الإمارات.

ويكرر المصطفى أن "شن الهجمات لا يمكن أن يصحح موازين القوى لصالح الحوثيين، يجب أن يدركوا أن كل يوم يطيل أمد الحرب وتبعاتها الإنسانية".

وتسببت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، في ظل اعتماد نحو 80 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم 29 مليون نسمة، على المساعدات، ومواجهة 13 مليونا لخطر الموت جوعا.

وما زال نحو 3.3 ملايين شخص نازحين، بينما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى المساعدة، وفق الأمم المتحدة.

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".