في جلسة نقاش حول الشرق الأوسط، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن بلاده تتطلع إلى جولة خامسة من المحادثات مع إيران، معربا عن أمله في أن تبدي الأخيرة "رغبة جادة في الحل".
كما شدد بن فرحان، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، على ضرورة إيجاد حل للأزمة اليمنية يبدأ بوقف إطلاق النار، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس).
ويرى الكاتب والباحث السعودي، حسن المصطفى، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الحوار مع إيران هو السبيل الوحيد للوصول إلى تفاهمات قوية، وتعزيز الأمن في الخليج العربي والمنطقة".
هذا وعقدت السعودية 4 اجتماعات مع إيران حتى الآن في محاولة لمناقشة دورها في المنطقة، ولكن "رغم عدم تحقيق أي تقدم يذكر في تلك المفاوضات، فإن الرياض ملتزمة باستمرار الحوار مع طهران، منتظرة موعد لعقد جلسة خامسة"، بحسب تصريحات بن فرحان.
وكذلك يوافق الباحث الإيراني المتخصص في القضايا الإقليمية والإستراتيجية، حسين رويوران، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الحوار بين إيران والسعودية والوصول إلى اتفاق بين الطرفين هو ضرورة سياسية وأمنية لكلاهما".
وأوضح رويوران، أن "هناك تغييرات على المستوى الإقليمي أبرزها الانكفاء الأميركي في المنطقة الذي بدأ في الانسحاب من أفغانستان وتغيير أولوياتها واهتمامها بالمنطقة، وهذا يعني لا بد من التقارب السعودي - الإيراني".
وعن العوائق التي تقف بوجه الوصول إلى تفاهمات، يعتقد المصطفى أن "إيران لا تأخذ المعنى الحقيقي من المفاوضات، وتتخذها ملهاة لإضاعة الوقت والتلاعب بالسياسات بدلا من إظهار حسن نيتها".
وأشار إلى أن هذا "ما دفع وزير الخارجية السعودية لاعتبار أنه لا يوجد تقدم جوهري في المباحثات المشتركة بين البلدين".
ولكن رويوران يتمسك بأن "إيران تريد الحوار في المجال الثنائي، والذي يمكن إيجاد فيه نقاط مشتركة وسبل للتعاون، من أجل إيجاد صيغة جديدة في التعامل بين البلدين".
وتابع: "السعودية ترغب في التعاون مع إيران في الأزمات الإقليمية، وهذا أمر مستحيل، حيث تؤكد طهران بأنها لن تقبل بأن تكون بديلا عن أطراف أخرى".
ورأى أنه "بإمكان الرياض تنظيم حوار مع اليمنيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين بدلا من استبدالهم بالإيرانيين".
بينما يعترض المصطفى على ذلك موضحا أن "الإيرانيين يريدون من السعوديين مساعدتهم في فك خناق الحصار الاقتصادي الذي يعانون منه، والذي كان بسبب سياساتهم التوسعية والعدوانية، دون أن يقدموا مشاريع عمل جدية تعطي إشارات عن رغبة في إحلال السلام، وكبح جماح التشكيلات المسلحة الموالية لإيران سواء في اليمن أو العراق أو لبنان".
يذكر أنه في فبراير 2022، أعادت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إعفاء إيران من عقوبات مرتبطة بالمشاركة في برنامجها النووي، وذلك مع دخول المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 المرحلة النهائية.
وتهدف المحادثات غير المباشرة، الجارية في فيينا، إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية واستئناف امتثال إيران لها، علما أنه أجرى حتى الآن ثماني جولات.
وانسحب الرئيسي الأميركي السابق، دونالد ترامب، أحاديا عام 2018 من الاتفاق النووي وأعاد فرض معظم العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران، وألغى في مايو 2020 هذه الإعفاءات أيضا.
الملف اليمني
وعن الملف اليمني، يقول المصطفى: "ما يعني الرياض أن لا تتآمر إيران ضد أمن المملكة والخليج العربي، وأن لا تصبح منصة لاستهداف أمن السعودية، أو تحتضن مجاميع تتدرب على السلاح أو تطلق المسيرات ضد المملكة".
وتتهم الرياض وواشنطن إيران بدعم الحوثيين عسكريا، وتزويدهم بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، الأمر الذي تنفيه طهران.
ومنذ استيلائهم على صنعاء في 2014، سيطر المتمردون على القسم الأكبر من شمال اليمن وواصلوا تقدمهم على الأرض رغم الإسناد الذي يقدمه التحالف لقوات الحكومة اليمنية.
بينما يشدد رويوران على أنه "لا بد من الرياض أن تتوجه نحو الحوار المباشر مع اليمنيين، وإبعاد طهران عن الحوار الإقليمي"، معربا عن استعداد بلاده للوساطة بين الطرفين دون أن "تكون طرفا في المباحثات".
من جهته، يعتبر المحلل السياسي اليمني، أحمد المؤيد، في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "الكرة في ملعب السعوديين والإماراتيين"، مضيفا أن الحوثيين "يدافعون عن الشعب اليمني ومصالحه وتتطلع الجماعة الى توقف هذا العدوان، وعلاقات حسن الجوار مع السعودية وغيرها".
وبدأت الحرب في اليمن في 2014 بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين سيطروا على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء. وتدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية لدعم القوات الحكومية اعتبارا من 2015.
وتشارك الإمارات في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن دعما للحكومة ضد الحوثيين. وقد سحبت في 2019 قواتها من البلد الفقير الغارق في نزاع مسلح منذ 2014، لكنها لا تزال لاعبا مؤثرا فيه.
بينما يصر المصطفى على أن "هناك رغبة سعودية حقيقية في إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية وإنهاء الحرب، وهذا يتضح من خلال عدد المبادرات المقدمة من قبلها".
وتابع: "المملكة ليست لديها هواية الذهاب بعيدا في أتون الحروب، لأنها تعرف كلفتها البشرية والمادية والاقتصادية والأمنية، ليس على اليمن وحدها، بل على عموم المنطقة".
وفي مارس 2021، أعلن الحوثيون رفضهم مبادرة سعودية لإنهاء الحرب في اليمن، إذ عرضت الرياض خطة لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وإعادة فتح خطوط جوية وبحرية.
وتضمنت المبادرة التي لاقت ترحيبا دوليا وأعلنها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، إعادة فتح مطار صنعاء، والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحُديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يرفض فيها الحوثيون مبادرة سعودية، فقد كانوا قد أعلنوا في أبريل 2020 الموقف ذاته عندما عرض التحالف العسكري بقيادة السعودية وقفا موقتا لإطلاق النار في اليمن، بهدف منع انتشار فيروس كورونا. وقال الحوثيون في حينه أنها "مناورة سياسية".
في المقابل، يشكك المؤيد في "جدية السعودية في مسألة وقف إطلاق النار"، متهما أنها "تقاتل في اليمن لاستعادته كحديقة خلفية لها منذ عقود وتعتبر أن أي قوى ثورية لتغيير الواقع السياسي هي قوى معادية لها يجب إزالتها".
ويرفض المصطفى هذا الكلام جملة وتفصيلا، قائلا: "مشكلة الحوثيين أنهم يعتقدون أن الصواريخ البالستية والمسيرات، واستهداف المراكز المدنية في السعودية والإمارات، أوراق يمكن أن يستخدمونها في التفاوض".
وتعرضت الإمارات الشهر الماضي لثلاث هجمات بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة شنها المتمردون اليمنيون بعد خسارتهم مناطق في اليمن على أيدي "قوات يمنية موالية للحكومة دربتها الإمارات"، بحسب فرانس برس.
وفي الهجوم الأول في 17 يناير، قتل ثلاثة أشخاص بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت أبوظبي. وكان ذلك أول هجوم دام على أراضي الإمارات أكد الحوثيون مسؤوليتهم عنه وأعلن عنه الإماراتيون.
ونجحت الإمارات في اعتراض وتدمير صاروخين بعد أسبوع، بمساعدة القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية قرب أبوظبي، قبل أن تعترض وتدمر صاروخا في هجوم ثالث وقع الاثنين الماضي بالتزامن مع زيارة الرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتزوغ، إلى الإمارات.
ويكرر المصطفى أن "شن الهجمات لا يمكن أن يصحح موازين القوى لصالح الحوثيين، يجب أن يدركوا أن كل يوم يطيل أمد الحرب وتبعاتها الإنسانية".
وتسببت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، في ظل اعتماد نحو 80 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم 29 مليون نسمة، على المساعدات، ومواجهة 13 مليونا لخطر الموت جوعا.
وما زال نحو 3.3 ملايين شخص نازحين، بينما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى المساعدة، وفق الأمم المتحدة.