دعوات للسعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار
متحدثة أميركية قالت إن واشنطن لم تطلب مكالمات مع قادة السعودية بعد الاتصال الذي أجراه بايدن بالملك سلمان

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين من الشرق الأوسط والولايات المتحدة أن البيت الأبيض حاول ترتيب مكالمات بين الرئيس جو بايدن والقادة الفعليين للسعودية والإمارات، كجزء من مساعي واشنطن لبناء دعم دولي لأوكرانيا واحتواء ارتفاع أسعار النفط، لكن "بدون جدوى"، قبل أن تعلق مسؤولة أميركية على هذا التقرير الصحفي.

وغداة نشر التقرير، نقلت وكالة فرانس برس عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، إميلي هورن، قولها إنّ تقرير الصحيفة "لا يعكس الحقيقة"، مضيفة أن بايدن تحدث هاتفيا مع العاهل السعودي، الملك سلمان، الشهر الماضي.

وذكرت هورن أيضا أنه منذ تاريخ هذه المحادثة الهاتفية بين الزعيمين، لم يتم طلب إجراء مزيد من المحادثات الهاتفية. 

كما نقلت شبكة "سي.أن.أن" الأميركية عن  متحدث باسم الخارجية الإماراتية، دون أن تكشف عن هويته، قوله إن الإمارات تعمل على ترتيب مكالمة هاتفية بين ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد والرئيس الأميركي. 

وكانت "وول ستريت جورنال" نقلت عن المسؤولين، الذين لم تسمهم،  قولهم إن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد، رفضا طلبات الولايات المتحدة للتحدث إلى بايدن في الأسابيع الأخيرة.

وقالت الصحيفة الأميركية إن المسؤولين السعوديين والإماراتيين أصبحوا أكثر صراحة في الأسابيع الأخيرة في "انتقاداتهم للسياسة الأميركية في الخليج".

وقال مسؤول أميركي للصحيفة: "كانت هناك بعض التوقعات بمكالمة هاتفية، لكنها لم تحدث. لقد كانت جزءًا من محادثات زيادة ضخ النفط السعودي".

"أمر غير عادي"

من جانبه، وصف مدير برنامج الطاقة والخليج في معهد واشنطن، سايمون هندرسون، الموقف الخليجي بأنه "أمر غير عادي"، وقال: "يبدو أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد غاضبان من واشنطن".

ورجح هندرسون في حديثه لموقع "الحرة" أن يكون ذلك بسبب شعورهما بأن واشنطن لم تقدم "الدعم الكافي" لبلادهما في مجموعة متنوعة من القضايا، أهمها التعامل مع إيران والحوثيين.

ويرى المحلل السعوي، مبارك آل عاتي، أن العلاقات الخليجية الأميركية شهدت في الفترة الأخيرة خلافات حول عدد من الملفات والقضايا في سوريا والعراق واليمن، وقال: "الدول الخليج رصدت تخاذل أميركي في حماية أمنها إبان الهجمات الحوثية على منشآت النفط في السعودية والمنشآت المدنية في أبوظبي".

وأضاف آل عاتي في حديثه مع موقع "الحرة" أن السعودية ودول الخليج تعارض التوجه الأميركي في الملف الإيراني ومفاوضات الاتفاق النووي، و"ترى أن أي اتفاق لن يكون في صالح أمن الخليج" بحسب رأيه.

وأكد آل عاتي أن دول الخليج متمسكة بعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة والغرب وتريد الحفاظ عليها وتطويرها، رغم أنها "نجحت في التخلص من ضغوط الحليف الأوحد، وأقامت علاقات متوازنة وعميقة مع الصين وروسيا".

وتشهد العلاقات بين الرياض وواشنطن منذ أن أصدر بايدن تقريرا استخباراتيا أميركيا يزجّ باسم الأمير محمد في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، ووضع نهاية للدعم الأميركي للعمليات الهجومية في حرب الرياض باهظة التكلفة على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

حتى هذه اللحظة، يرفض بايدن التحدث إلى الأمير محمد مباشرة، ويقول إن نظيره هو الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاما، رغم أن الأمير الشاب هو من يدير في واقع الأمر شؤون المملكة وكانت تربطه علاقة وثيقة مع سلف بايدن الرئيس السابق دونالد ترامب، بحسب رويترز.

كان باين تحدث مع الملك سلمان في 9 فبراير، وأكدا على الشراكة التاريخية بين البلدين. 

وفي مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" نُشرت الأسبوع الماضي، قال الأمير محمد إن هدفه هو تعزيز العلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن، لكنه أضاف أنه "لا يعنيه ما إذا كان بايدن يسيء فهمه".

ونقلت المجلة عن ولي العهد قوله "ببساطة لا أهتم.. التفكير في مصالح أميركا شيء يرجع لبايدن".

الحصول على مزيد من الدعم

وأكد مسؤولون سعوديون لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن الرياض تريد المزيد من الدعم من واشنطن في حرب اليمن والمساعدة في برنامجها النووي المدني مع تقدم إيران، بالإضافة إلى منح الحصانة القانونية لولي العهد في الولايات المتحدة.

وأكدت الصحيفة أن الإماراتيين يشاركون السعودية مخاوفها خاصة "بعد الرد الأميركي المقيد على الضربات الصاروخية الأخيرة التي شنها مسلحو الحوثي المدعومون من إيران في اليمن ضد الإمارات والسعودية". 

والأسبوع الماضي، قال السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة تمرّ بمرحلة "اختبار القدرة على تحمّل الإجهاد"، وذلك بعد سلسلة تباينات في المواقف بين الحليفتين، آخرها حيال الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال العتيبة خلال مؤتمر حول صناعة الدفاع والتكنولوجيا والأمن في أبوظبي "علاقتنا مع الولايات المتحدة مثل أي علاقة أخرى. في أيام (...) تكون علاقة صحية، وفي أيام تكون محل تساؤل".

وأضاف: "اليوم، نمرّ بمرحلة اختبار جهد، لكنني واثق من أننا سنخرج منها وسنكون في موقع أفضل".

وقال أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن إدارة بايدن عملت على تعزيز الدفاعات الصاروخية السعودية والإماراتية، مشيرا إلى أن واشنطن ستبذل المزيد في الأشهر المقبلة لمساعدة الدولتين الخليجيتين على حماية أنفسهما. 

وأضاف المسؤول أنه قد لا يكون كل ما تريده الدولتان، لكن الولايات المتحدة تحاول معالجة مخاوفهما الأمنية.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، أن دول الخليج لم تغير سياستها الاستراتيجية ولا تزال تعتبر الولايات المتحدة شريك استراتيجي لها رغم التوترات التي تشوب العلاقات بينهما في الفترة الأخيرة.

وأكد الحسن في حديثه مع موقع "الحرة" أن العلاقات بين واشنطن تواجه جملة من التحديات زادت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأضاف أنه رغم تصويت دول الخليج لصالح قرار يدين الغزو الروسي في الأمم المتحدة، إلا أنها لا تريد قطع علاقاتها مع روسيا والإخلال باتفاق أوبك بلاس وتزيد إنتاج النفط.

الطاقة تزيد الخلاف

ولطالما كان النفط نقطة محورية في أي توتر بين دول الخليج والغرب، فقد شبه وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، أزمة الطاقة الحالية مع الارتفاع الكبير في الأسعار بالصدمة النفطية التي حدثت في أعقاب إعلان 6 دول عربية حظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل في حرب الغفران عام 1973.

وضع الهجوم الروسي على أوكرانيا دول الخليج في مواجهة معضلات اقتصادية وسياسية للعمل على الحد من ارتفاع أسعار موارد الطاقة خصوصا عبر ضخ مزيد من النفط، لكن الإمارات والسعودية أعلنت التزامهما بتحالف "أوبك بلاس" الذي تقوده السعودية وروسيا ويتحكّم بمستويات الإنتاج، بعد مكالمات هاتفية مع الرئيس بوتين.

ولفتت الصحيفة إلى أن "البيت الأبيض يعمل على إصلاح علاقته مع الدولتين، لحاجته إليهما بعد ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 130 للبرميل للمرة الأولى منذ 14 عامًا تقريبًا". 

والسعودية والإمارات هما المنتجان الرئيسيان للنفط اللذان يمكنهما ضخ ملايين البراميل الإضافية من النفط، وهي قدرة إذا تم استخدامها، يمكن أن تساعد في تهدئة سوق النفط الخام، بحسب وول ستريت جورنال.

وأفاد تقرير لوكالة رويترز في مطلع الشهر الجاري، بأن بن سلمان يتطلع لاستخدام قوة النفط التي يمتلكها لتحقيق أهدافه، التي تقول مصادر مطلعة على طريقة التفكير في الرياض إنها تتمثل في اعتراف الرئيس الأميركي بأن ولي العهد هو الحاكم الحقيقي للمملكة.

وقال آل عاتي إن دول الخليج تنظر إلى النفط على أنه سلعة أساسية لاقتصادات العالم يجب عدم تسيسها وتركها للعرض والطلب للحفاظ على استقرار أسعارها، مضيفا أن "واشنطن تريد أن تغرق السوق لتضر بروسيا، بينما ترى الخليج دول الخليج ذلك يضر باقتصاداتها وأمنها ومشروعاتها التنموية".

في أواخر الشهر الماضي، سافر بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، ومبعوث وزارة الخارجية لشؤون الطاقة عاموس هوشستين، إلى الرياض أواخر الشهر الماضي في محاولة لإصلاح العلاقات مع المسؤولين السعوديين.  كما التقى ماكغورك ببن زايد في أبو ظبي في محاولة لمعالجة الإحباط الإماراتي بشأن رد الولايات المتحدة على هجمات الحوثيين، وفقا للصحيفة.

بدوره، قال جيمس دورسي وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية لرويترز: "تسعى السعودية... لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية. وبذلك، يمكنها أن تضرب عصفورين بحجر، فتبقي الباب مفتوحا أمام موسكو، وترد، بقدر ما، على رفض الرئيس جو بايدن التواصل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".

وذكرت المصادر والمحللون للوكالة أن السعودية ودول الخليج الأخرى لا يمكنها البقاء على الحياد بين حلفائها الغربيين وروسيا لفترة طويلة، وإنها ستختار في نهاية المطاف أمريكا ضامنة الأمن للمنطقة خصوصا مع فرضية وجود مخاطر عقوبات ثانوية بخصوص أوكرانيا.

لا يوجد مؤشر

وقال مصدر كبير بصناعة النفط لرويترز، الأسبوع الماضي، إن الرياض ومنتجي النفط الخليجيين الآخرين قد يتمسكون في الوقت الحالي بموقف الحياد بما يسمح لأوبك+ بمواصلة العمل.

ففي آخر مرة انهار فيها اتفاق المنتجين، دخلت الرياض وموسكو في حرب أسعار ومعركة شاملة على حصة في السوق مما ترتب عليه انخفاض الأسعار، ولحق الضرر في نهاية الأمر بأوبك ومنتجي النفط الأميركيين على حد سواء.

وقال دبلوماسي غربي في الرياض لرويترز "الرد الذي تلقيناه من السعوديين مفاده أنهم ينظرون إلى اتفاق أوبك+ مع روسيا على أنه التزام طويل الأمد، وأنهم ليسوا مستعدين لتعريض هذا التعاون للخطر... في الوقت الذي يوضحون فيه أنهم يقفون مع الغرب على صعيد التعاون الأمني".

ويبدو أن الدول الخليجية المنتجة التي عانت من انخفاض أسعار النفط منذ العام 2014، أقل ميلًا للتحرك الفوري، لأنها تستفيد من ارتفاع الأسعار على المدى القصير، بحسب فرانس برس.

وفي حال بقي سعر البرميل فوق مستوى 100 دولار، فلن تعاني أي من ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي الست عجزا في عام 2022، وفق ما كتبت الخبيرة في أسواق الطاقة كارين يونغ على موقع معهد دول الخليج العربي ومقره واشنطن.

ويتفق المحلل الإماراتي رعد الشلال،  في حديثه مع موقع "الحرة" مع المحللين أن التوجه الأميركي في ملفي اليمن وإيران هما سبب الخلاف مع الخليج، مؤكدا أنه "إذا حصلت الرياض وأبوظبي على مكاسب سياسية قد تزيد إنتاج النفط بما لا يضر بمصالحها مع روسيا والتزامها باتفاق أوبك بلاس".

ويرى هندسون أنه "حتى الآن لا يوجد أي مؤشر على أن أيا من البلدين سيزيد إنتاج النفط للتخفيف من الأسعار المرتفعة على الرغم من أن كلاهما لديه القدرة لعمل ذلك.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟