من الاشتباكات في مدينة مالمو السويدية
من الاشتباكات في مدينة مالمو السويدية

26 مصابا من الشرطة وفي مقابلهم 14 مدنيا، وخسائر مادية كثيرة. هي حصيلة ما جرى في السويد خلال الأيام الأخيرة، بعدما شهدت عدة مناطق في البلاد صدامات عنيفة، كرد فعل على ما أقدم عليه الدانماركي السويدي راسموس بالودان قائد حركة "سترام كورس".

كانت الحركة اليمينية المتطرفة قد أقدمت، السبت، على حرق نسخة من القرآن الكريم في مدينة مالمو السويدية، فيما قام زعيمها بحرق نسخة أخرى في لينشوبينغ (جنوبي البلاد)، الأمر الذي فجر احتجاجات تحولت فيما بعد إلى أعمال شغب، من جهة.

وأثارت الواقعة غضب دول عربية وإسلامية، مما دفعها لإصدار بيانات منددة وغاضبة، جاء فيها أن ما حصل هو "إساءة متعمّدة للقرآن الكريم، واستفزاز وتحريض على المسلمين". 

ويعرف بالودان منذ سنوات بمناهضته للإسلام والهجرة، ويعتزم الترشح للانتخابات التشريعية السويدية في سبتمبر المقبل. 

وبحسب وكالة "فرانس برس" فإنه لم ينجح بعد في جمع التوقيعات اللازمة، ويقوم حاليا "بجولة" في السويد حيث يزور الأحياء التي تقطنها نسبة عالية من المسلمين لإحراق نسخ من المصحف فيها.

"جذور الفعل" 

ومنذ مطلع العام الحالي ترددت أخبار السويد كثيرا على لسان العرب المقيمين فيها واللاجئين، أو حتى المسلمين في دول مختلفة، ووسائل الإعلام العربية والمحلية.

وارتبط ذلك بحادثتين، الأولى كانت بخصوص العائلات السورية والعربية التي تم "سحب أطفالها" منها من قبل هيئة الخدمات الاجتماعية السويدية (السوسيال)، بينما تحكم الثانية، وهي "حرق المصحف"، المشهد الآن.

ويجادل بعض اللاجئين السوريين والعرب بأن السلطات تتعمد فصلهم عن أطفالهم لأسباب واهية، ويصرون على وصف ما حدث بأنها حملة "تستهدف المسلمين دون غيرهم".

ويقول من تحدث إليهم موقع "الحرة" إنهم "باتوا يواجهون تحديات خطيرة تتعلق بتدينهم وهويتهم ومستقبل أبنائهم".

وكذلك الأمر فيما تشهده السويد الآن، إذ تشير غالبية التعليقات للجالية العربية والمسلمة، من بينها حديث الشاب السوري أحمد سليم، إلى أن ما يحصل هو أن "ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تهدد تعايش الناس في السويد".

ويضيف لموقع "الحرة": "بالتالي نحن أمام موجة كراهية قد تنعكس بالسلب شيئا فشيئا علينا خلال المرحلة المقبلة". 

ورغم التفاصيل الصادمة لكل من الحادثتين المذكورتين، وحالة الغضب السائدة، إلا أن سليم لا يرى أي رابط بينهما، موضحا: "حادثة السوسيال لها سياق مختلف عما حصل في الأيام الأخيرة. هناك من حرق القرآن الكريم واستفز جميع المسلمين. ليس فقط في السويد". 

ويتابع: "في كلا الحالتين هناك استهداف للمسلمين. قد لا يكون ممنهجا بل يرتبط بشكل أكثر بسؤال كيف تعيش السويد. هذه البلاد لا يعرف تفاصيلها إلا من يقيم فيها".

وبينما يؤكد المدير الإقليمي للمنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان، محمد كاظم هنداوي، أن حادثتي "السوسيال" وحرق القرآن منفصلتين عن بعضهما البعضن لا يستبعد أن يكون "الشارع متشنج. وبالتالي باتت سمعة السويد سيئة وبات الناس أكثر قابلية للتصديق بهذه الأخبار". 

ويقول هنداوي لموقع "الحرة": "ما حصل في الأيام الماضية مس قدسية مليار ونصف مسلم وليس بالأمر السهل ربط الأمر مع حوادث سابقة. الحدثان منفصلان تماما".

"جدلية رد الفعل" 

وفي مقابل حالة الغضب والاستفزاز والإساءة التي أفرزتها حادثة "حرق المصحف" للجالية المسلمة في السويد وباقي دول العالم، كانت هناك أصوات معارضة لطبيعة رد الفعل على ما أقدم عليه قائد الحركة اليمينية المتطرفة، راسموس بالودان.

يقول هنداوي الذي يعنى بأوضاع اللاجئين في الدول الأوروبية: "المتطرفون هم بالأساس يقدمون على هذه الأفعال لتحقيق هدف وحيد. المتطرف بالودان نجح في الحصول عليه من طبيعة رد فعل الأناس المتأذين".

ويعتبر الناشط الحقوقي أن "ردة فعل الناس في السويد خدمت المتطرف خدمةً كان يستهدف تحصيلها". 

من جهته يرى الناشط السياسي حافظ قرقوط، المقيم في السويد، أن وزير الداخلية السويدي صرح علانية أن "المتطرف بالودان أحمق يميني متطرف هدفه الوحيد إثارة الانقسامات في المجتمع".

ويقول قرقوط لموقع "الحرة": "هناك دعاية مغايرة يستفيد منها المتطرفون في أي بقعة في العالم وليس في السويد بالتحديد. هم يغذون أنفسهم ويحتاجون لأنفسهم".

لماذا بحماية الشرطة؟ 

ما حصل من صدامات بين الشرطة والمتظاهرين الغاضبين على حادثة حرق المصحف لم يأت عن عبث، بل أثارته طريقة التعاطي مع الحادثة منذ بدايتها. 

وكانت الشرطة السويدية قررت منح ترخيص لنشطاء من الحركة اليمينية المتطرفة لإقامة تظاهرة معادية للإسلام، الخميس الماضي، وهو ما فسره كثيرون أن "الشرطة عمدت إلى حماية اليمين المتطرف".

ويوضح الناشط السياسي قرقوط أن "الشرطة، ضمن الدستور السويدي، تعطي تصريحا لأي شخص يريد التعبير عن رأيه. سواء تظاهر ضد البيئة أو قوانين معينة، أو حتى ضد الملك، أو مع الملك، أو أديان أخرى".

ويقول: "المتطرف شخص غير متوازن، وأثار ردود فعل عنيفة. هو الذي حرّك ورسم طريقة رد الفعل. مثلا كان ينشر عبر فيسبوك أنه ذاهب إلى منطقة ما لحرق المصحف. هذه المنطقة شهدت بعد ذلك حرق سيارات وتكسير وأعمال شغب". 

وبدوره يضيف هنداوي أن "المتطرف استغل القانون ومضى بالشيء الذي يريده. أي مسلم يحرق التوراة لاستطاع في القانون السويدي. لا يوجد أفضلية. القانون سمح له، ويجب على القانون أن يحمي القانون وليس المتطرف".

ويؤكد المدير الإقليمي للمنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان: "نحن مع التعبير وإظهار الاستياء لكن لسنا مع ردة الفعل. بإمكاننا استخدام القانون الذي استخدمه المتطرف كي لا يستفيد منه".

"كان يجب استقطاب الأوربيين بطريقة حضارية، واستخدام طرق أخرى ضد المتطرف بشكل أهدا وتعبر عن غضبنا".

ويتابع هنداوي: "ما حصل خدم التطرف بشكل مباشر، وصور أن هؤلاء الأشخاص يتّبعون القوة وليس القانون في أي ردة فعل. هو حاول أن يستفز مشاعر المسلمين لدرجة عدم التفكير بردة الفعل".

"المشكلة انقلبت"

وسبق أن أثار راسموس بالودان، الذي ينشر تسجيلات على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، الجدل في عدة مناسبات خلال السنوات الأخيرة. 

ففي عام 2019، أحرق مصحفا ملفوفا في لحم خنزير مقدد، وحظر "فيسبوك" حسابه لمدة شهر بعد أن نشر صورة تربط بين الهجرة والجريمة.

ويقول المراقبون لموقع "الحرة" إنه نجح، خلال الأيام الأخيرة، في إحداث صدام بين الجالية المسلمة والشرطة السويدية، وذلك قد يترتب عليه آثار سلبية في الأيام المقبلة. 

الحقوقي، كاظم هنداوي قال إن "المشكلة الحقيقية أصبحت مع الدولة السويدية التي تم انتهاك القانون فيها. المتطرف استغل القانون لصالحه".

وأضاف: "في الوقت الحالي حقق بالودان إنجازا كان لا يحلم به من خلال ردة الفعل. الإنسان الذي يستطيع أن يضبط ردة فعله هو المنتصر. المتطرف استخدم القانون وكان يجب استخدام القانون".

أما الناشط السياسي، حافظ قرقوط فيوضح أن "المتطرف ليس له شعبية. هو يمشي وراء نظرية أنه بإمكانه الاستفزاز، وأن المستهدفين قنابل موقوتة ضمن المجتمع".

ويقول قرقوط: "السويد دولة لا تعتمد على منطلقات دينية. والدين بآخر تفكيرهم. في المقابل لا يمكن للشرطة أن تتدخل برأي سياسي".

ويضيف: "علينا أن ندين أفعال الشخص المتطرف واستفزاز مشاعر الناس بشكل عام دينيا، لكن السؤال الآخر لمصلحة من حرق مدرسة أو باصات نقل داخلي وسيارات مدنيين؟".

"لماذا تحت عاطفة الدفاع عن القرآن حدث كل هذا الشيء؟ ومن له مصلحة لإظهار هذا الوجه. وهل ما حصل دفاع عن القرآن أو حرقه مرة أخرى؟"، بحسب كلمات قرقوط.

ماذا يقول القرآن؟ 

في غضون ذلك وفي تعليقه على الأحداث التي تشهدها السويد يقول الدكتور محمد حبش، مؤسس ومستشار مركز "الدراسات الإسلامية" إن "الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تتوقف خلال التاريخ. عندما نذهب إلى عصر النبوة النبي تعرض لإساءات كثيرة وتلقى اتهامات فاجرة بأنه ساحر ومفتري وكذاب. حتى زوجته عائشة تعرضت للإساءات. هل حشد النبي الناس وأحرق بيوت المسيئين وأظهر الغضب"؟!

ويضيف حبش لموقع "الحرة": "لم يحصل شيء من هذا. القرآن واضح، مستشهدا بآية من سورة الحجر: "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون (..) فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (..) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (..)".

إضافة إلى آية من سورة الأنعام: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين".

وآية من سورة النساء: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم".

ويقول حبش: "لا أدري من أين جاء المسلمون بهذه الصيغ الغاضبة التي تسيء لهم أكثر من خصمهم الذي تقدم بالإساءة".

واعتبر أن "المظاهرات تظهر المسلمين بأنهم لا يحترموا القوانين والحريات. يجب أن نرفع الصوت بإدانة السلوكيات، خاصة أنها توجه لأشخاص آخرين".

وتابع: "نحن لا نفرح بالإساءة ونعتبر أن قوانين حرية الرأي بحاجة لضوابط، وأن تقوم الهيئات الرسمية بوضعها، لكن لا  يجوز للمسلم أن يٌدفع لسلوكيات تناقض قيم الإسلام، وتسيء للوجود الإسلامي في الغرب وتقدم صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين".

ويضيف مستشار مركز "الدراسات الإسلامية": "ندعوهم إلى منطق القرآن الكريم الذي كان يتلقى الإساءات بمنطق ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

 برنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة. البرنامج الذي أعدته نسرين عجب كشف عن ثمن صحي باهظ لتلك المنتجات. 

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟