خلال السنوات الأخيرة، تزايد انتشار المرتزقة في مناطق الصراعات في أفريقيا، وفي مقدمتهم مجموعة فاغنر الروسية، التي تسعى لتحقيق أهداف موسكو التوسعية في القارة السمراء.
وينشط مرتزقة فاغنر الآن، في حروب مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا، فهم يدعمون زعماء بعض الدول وقادة الميليشيات الذين يمكنهم الدفع مقابل خدماتهم نقدًا، أو منحهم امتيازات تعدين بعض المعادن الثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم.
وتواجه مرتزقة فاغنر اتهامات متكررة بالتعذيب وقتل المدنيين وانتهاكات أخرى في الدول التي تنتشر فيها.
وأكد تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن مرتزقة فاغنر أكبر من شركة توفر الدعم العسكري مقابل الذهب، فهي نموذج مثالي لمحاولات موسكو التوسع في القارة السمراء من خلال دعم بعض الميلشيات والحكام المستبدين، مشيرة إلى أنها تعمل من خلال شبكة مترامية الأطراف من الشركات الوهمية.
وينفي الكرملين أي صلة له بفاغنر. لكن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والمراقبين يقولون إنها أداة غير رسمية للكرملين، مؤكدين أنها طريقة رخيصة للرئيس فلاديمير بوتين، لتوسيع نفوذه وتعزيز حربه ضد العقوبات الغربية، وتوسيع نفوذه.
والمحلل في الشؤون الروسية الأفريقية في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية ومقرها لندن، آنو أديوي، قال إن مخطط موسكو في أفريقيا، ولا سيما مالي، كان دائما "اقتلاع الديمقراطية"، مشيرا إلى أن الثمن الحقيقي للشعوب الأفريقية هو "هذا بالضبط".
وقالت بولين باكس، نائبة مدير قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "إنها لعبة قوة تقوم بها روسيا. من خلال فاغنر، تريد أن ترى إلى أي مدى يمكنها نشر نفوذها في إفريقيا. أعتقد أن النتائج فاجأت الكثير من الناس".
كيف انتشرت فاغنر في أفريقيا؟
ظهرت مجموعة فاغنر لأول مرة في 2014، أثناء الهجوم الروسي علي شرق أوكرانيا، وكان قائدها ديمتري أوتكين، وهو قائد متقاعد من القوات الخاصة الروسية يُقال إنه مفتون بتاريخ النازية وثقافتها.
ويرجع مراقبون سبب تسمية المجموعة بهذا الاسم إلى اسم الملحن المفضل لدى هتلر ريتشارد.
بدأت الأنشطة الخارجية للمجموعة في 2015، عندما تم تكليفها بدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، والاستيلاء على حقول النفط والغاز، بحسب مسؤولين أميركيين.
وفي عام 2017، بدأت المجموعة تنتشر في أفريقيا بتوجيه واضح من يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي المعروف باسم "طاه بوتين".
في أفريقيا، بدأ مرتزقة فاغنر في تقديم المشورة للطغاة المترنحين، وإدارة حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر فرق من مراقبي الانتخابات الوهميين، وفقًا لمسؤولين غربيين وخبراء ومحققين تابعين للأمم المتحدة. كما عملت الشركات المرتبطة ببريغوزين على تشغيل مناجم الذهب والماس، التي يمنحها الطغاة للمجموعة مقابل دعمهم.
وينفي بريغوزين أي صلة بفاغنر، بل إنه شكك في وجود المجموعة. وقال في رد مكتوب على الأسئلة: "فاغنر هي مجرد أسطورة".
أماكن انتشارها
في عام 2019، نشرت المجموعة حوالي 160 مقاتلاً في منطقة كابو ديلجادو الغنية بالغاز وذات الأغلبية المسلمة في شمال موزمبيق. لكن مسؤولين أميركيين قالوا إنه في غضون أسابيع، قتلت جماعة تابعة لتنظيم داعش سبعة منهم، مما دفعهم للانسحاب بعدها بعدة أشهر.
وقال مسؤول أمني غربي في أفريقيا نقلاً عن تقارير استخباراتية أوروبية إن فاغنر تحافظ على وجود سري في ذلك البلد، وتركوا وراءهم خلية حرب إلكترونية صغيرة تستخدمها حكومة موزمبيق.
في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث وصلت مرتزقة فاغنر في عام 2018 لحماية الرئيس المحاصر، فوستين أرشينج تواديرا. ووجد محققو الأمم المتحدة أن قوات فاغنر أثناء عملياتها قتلت المدنيين ونهبت المنازل وأطلقت النار على المصلين في مسجد.
وفي ليبيا، دعم مقاتلو فاغنر هجوماً فاشلاً على العاصمة طرابلس في 2019 شنه قائد "قوات الجيش الوطني" في الشرق، خليفة حفتر. ويقول مسؤولون غربيون ومحللون إن الآلاف من مقاتلي فاغنر ما زالوا متمركزين في أربع قواعد في أنحاء ليبيا، معظمها بالقرب من حقول النفط في البلاد.
وفي السودان، حصلت مجموعة فاغنر على امتيازات تعدين الذهب وحاولوا إنقاذ الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، الذي أطيح به في أبريل 2019 بعد ثورة شعبية
ربما تكون أكثر عمليات فاغنر إثارة للجدل هي في مالي، ففي أعقاب الانقلابات التي شهدتها البلاد على مدار العامين الماضيين، أبرمت المجموعة صفقة أمنية مع المجلس العسكري الجديد، لحمايته وتوفير الدعم له خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي، الذي كان يحارب داعش في هذه المنطقة.
وفي الشهر الماضي، قتل جيش مالي وجنود أجانب يشتبه في كونهم روس ما يقدر بنحو 300 رجل في بلدة مورا الريفية.
وفي الكاميرون، وقع المسؤولون اتفاقية دفاعية مع روسيا في أبريل، اعتبرها البعض مقدمة محتملة لنشر فاغنر.
أكثر من مجرد مرتزقة
حاولت روسيا تشكيل سياسات ما لا يقل عن 12 دولة أفريقية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التأثير السياسي التي تنفذها مجموعة فاغنر، بالإضافة إلى توفير الأسلحة لبعض الميليشيات والأنظمة الاستبدادية.
في العام الماضي، حددت وزارة الخزانة الأميركية ما أسمته "شركة واجهة لعمليات نفوذ بريغوزين في أفريقيا" وقالت إنها رعت بعثات مراقبة زائفة في زيمبابوي ومدغشقر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا وموزمبيق.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، رعت شركات بريغوزين مسابقة جمال، ومولت محطة إذاعية، وأصدرت العام الماضي فيلمًا بعنوان "توريستي" يمجد أفعال مرتزقة فاغنر في ذلك البلد.
ويقول المحللون إن هذا التوسع هو جزء من رغبة بوتين الأوسع في إعادة تأسيس روسيا كقوة عظمى، مما يجعلها في منافسة مع الصين وتركيا والإمارات التي تبحث عن فرصة لتوسيع نفوذها في أفريقيا في ظل تراجع الدور الغربي.