في عام 1992 كتب وارن بلومنفيلد، وهو أستاذ في مجال التربية بجامعة آيوا الأميركية، إنه "ليس من الضروري أن تكون من ضمن مجتمع LGBTQ+ لكي تتأثر سلبا برهاب المثلية"، وهو مصطلح يستخدم لوصف حالة العداء غير المبررة للمثليين وباقي أفراد مجتمع الميم-عين.
يضم مجتمع LGBTQ+ (الميم-عين بالعربية) المثليين والمثليات، ومزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين جنسيا، ومرتدي الملابس المغايرة، وآخرين.
ويتدرج رهاب المثلية (هوموفوبيا)، بحسب بلومنفيلد، من رفض تكوين علاقات مع أفراد هذا المجتمع، بسبب هويتهم الجنسية فحسب، وإلى الاعتداء اللفظي أو الجسدي أحيانا، ويندرج بين هذا وذاك، كل أنواع التمييز سواء في تقديم الخدمات أو في التوظيف، أو غيرها من الأمور التي يوفرها المجتمع، ويحرم منها المثليون بسبب هويتهم الجنسية.
ويقول بلومنفيلد إن هذا "يؤذي الأشخاص المغايرين أيضا". والمغاير (Homosexual)، هو الشخص الذي ينجذب للجنس الآخر، فحسب.
وبالإضافة إلى الوصمة التي تعيق المثليين عن تكوين حالة اجتماعية طبيعية، و"تعرض سلامتهم للخطر"، وتمنعهم، وفقا لبلومنفيلد، من "بناء وضع اقتصادي واجتماعي ملائم"، فإن الرهاب "يمنع المثليين من تطوير هوية ذاتية حقيقية ويزيد من الضغط للزواج، مما يضع بدوره ضغطا لا مبرر له، وغالبا ما يكون صدمة، على أنفسهم وعلى أزواجهم وأطفالهم، كذلك".
وتغيرت الأوضاع كثيرا بالنسبة لأعضاء مجتمع الميم -عين في العالم الغربي منذ تاريخ كتابة مقالة بلومنفيلد، إذ – على الرغم من وجود مشاكل حتى الآن – وضعت قوانين لضمان عدم التمييز الاقتصادي أو الوظيفي ضدهم، وأصبح العداء على أساس الهوية الجنسية يصنف ضمن خطاب الكراهية في كثير من الأحيان.
ومنذ عام 1970، تشهد العديد من الدول الغربية "مسيرات فخر" في نهاية شهر يونيو من كل عام، يحتفل فيها المثليون وغيرهم بـ"الأشخاص من كافة التوجهات الجنسية".
لكن الوضع "لا يزال غير وردي"، بحسب المتحولة جنسيا، والمعالجة النفسية الأميركية، غريس كيرك.
تقول كيرك لموقع "الحرة" إنها "تعرضت ولا تزال تتعرض للتمييز" لكونها متحولة جنسيا، مؤكدة أن "التمييز على أساس الهوية الجنسية لا يزال موجودا بشكل كبير".
وتعتقد كيرك إن "صعود المتطرفين سياسيا" سيعني تحول الولايات المتحدة - في ما يخص حقوق المثليين - إلى دولة "تشبه إيران" في هذا الجانب، مشيرة إلى أن "المثليين كانوا يتعرضون للإعدام على الأشجار في فترة من الفترات".
وتضيف إن الضمانة الوحيدة لحقوق الجميع هي "الديمقراطية"، ولكن أيضا "الاقتراب من الآخر، ومحاولة فهمه، والتعامل على أساس أننا جميعا بشر لنا نفس الحقوق والواجبات".
العالم العربي
ولا يزال العالم العربي "يعاني بالتأكيد من رهاب المثلية"، بحسب الطبيب النفسي ومدير مستشفى الأمل للطب النفسي في الإمارات، د. أحمد خالد.
يقول د. خالد لموقع "الحرة" إن "رهاب المثلية موجود عند الأغلبية العظمى (من الناس) وبالذات في الشعوب العربية".
ويعزو خالد هذه الحالة إلى النشأة المجتمعية والدينية في أغلب هذه الدول، وإلى "الجانب الديني بالذات".
ويضيف أن آثار الرهاب على المثليين تشمل "نبذهم من المجتمع والتمييز الذي تكون آثاره سلبية على بعض من هؤلاء، وذلك لأن البعض منهم قد يكون في حاجه لمساعدة نفسية أو طبية"، بحسب رأيه.
وتابع أن "الهوموفوبيا ستقلل كثيرا من فرص تقديم الدعم النفسي والصحي لهم لأنهم سيتكون عندهم رهاب اجتماعي وخوف شديد من التصريح والمكاشفة".
ويضيف خالد، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي، إن "الرهاب هو مرض نفسي له آثاره السلبية على المريض، والتي قد تصل إلى حد الوفاة في بعض الأوقات لبعض الحالات الحرجة"، مؤكدا أن "الرهاب المرضي يسبب مشاكل للشخص في التعامل، وتمتد آثاره إلى أنها تكون في بعض الأوقات مؤذية لغيره".
لكنه يقول إن "الخوف الطبيعي (من المقابل) أو عدم الشعور بالراحة، لا يصنف نفسيا على أنه رهاب، ولا يحتاج إلى علاج"، لكن "الرهاب المرضي يحتاج إلى علاج".
ويقول الخبير الاجتماعي، حسين الخزاعي، إن الهوموفوبيا "موجودة في العالم العربي".
ويضيف أن السبب الرئيس لهذا الرهاب هو "الوصمة" حيث أن من ينتمي لمجتمع "الميم -عين" يوصم بأنه "شاذ"، مما جعل أبناء هذا المجتمع يحاولون إخفاء توجهاتهم.
ويقول الخزاعي إن أفراد هذا المجتمع يعتبرون "خارجين عن المجتمع" بسبب الأحكام الدينية والاجتماعية عليهم.
ويعتقد أن الرهاب "له تأثير على المجتمع"، وخاصة إنه "يعزز نظرة الاشمئزاز والتقزز والكراهية ونبذ هؤلاء الناس والوقوف ضدهم وممكن مواجهتهم، وعدم الاختلاط بهم".
ويقول إن هذا من الممكن أن يؤدي إلى "عنف مجتمعي" بينهم وبين أفراد المجتمع الآخرين، مشيرا إلى أنه "من الممكن توعية المجتمع" بوجودهم، والاستماع إلى "وجهة نظرهم" على الرغم من أن دفعهم للكلام "صعب" بسبب وجود الرهاب الاجتماعي والخجل وإمكانية إفساد علاقات النسب والقرابة والزواج في حال كشفوا عن وجودهم.
وتقول الباحثة المغربية، سناء العاجي، لموقع "الحرة" إن "الجانب الديني لا يفسر وحده الرهاب، ولكن هناك أيضا نوع من العقلية الذكورية التي توجد لدى الرجال والنساء أيضا".
وأضافت العاجي، في تقرير مصور نشره موقعنا قبل أشهر، إن هذه العقلية تعتبر ضمنيا أن "المثلية تهدد قيم الرجولة وقيم الفحولة وما يجب أن يكون عليه الرجل والدليل إن الأغلبية لا تنزعج كثيرا من المثلية عند النساء كما تنزعج من المثلية عن الرجال".
وتتابع: "كما إن هناك العقلية الدينية التي تقول إن العملية الجنسية مهمتها الإنجاب فقط".
"رهاب المثلية" يؤذي غير المثليين أيضا
وتقول مراكز السيطرة على الأمراض الأميركية إن "المثليين معرضون للانتحار ثماني مرات أكثر من غيرهم، وهم معرضون للاكتئاب ست مرات أكثر من أقرانهم".
ويحارب القانون المثلية في كثير من الدول في الشرق الأوسط.
وأدرج موقع "إنسايدر مانكي" إيران على رأس قائمة الدولة الأكثر خطورة بالنسبة للمسافرين المثليين بعد إعدام النظام الإيراني لرجل العام الماضي بناء على قانون مناهض للمثليين.
وجاء في تقرير أعده الموقع أن إيران تصدرت "قائمة الدول الـ 15 الأكثر خطورة على المسافرين المثليين، مع فرض عقوبة الإعدام".
ووفقا لتسريبات إعلامية، فإن النظام الديني الإيراني أعدم ما بين 4000 إلى 6000 من المثليين والمثليات منذ ما يعرف بـ"الثورة الإسلامية" في البلاد في عام 1979.
وجاءت السعودية بعد إيران في التقرير الذي نشر عام 2020، وبعدها نيجيريا وأفغانستان وموريتانيا.
ويضع تقرير نشرته مجلة فوربس في عام 2021 نيجيريا في المرتبة الأولى لـ"أسوأ الدول بالنسبة للمثليين"، وبعدها السعودية في قائمة من عشرين دولة ضمت أيضا عمان وقطر والإمارات واليمن والسودان وإيران والمغرب ومصر والجزائر.
وليس القانون فقط، فقد ظهرت أبرز حالات اضطهاد المثليين أو مجتمع الميم-عين بشكل واسع في العراق خلال فترة نهاية العنف الطائفي، وبالتحديد في عام 2010 – 2012، حيث تعرض عشرات ممن يشتبه بكونهم مثليين أو متشبهين بالنساء إلى القتل والتعذيب في البلاد.
وطالت هذه الموجة أشخاصا من "أصحاب التوجه المغاير" أيضا.
ويقول الصحفي العراقي، مصطفى المسعودي، إن بعض الضحايا "لم يكونوا مثليين أساسا، وإنما مجرد شباب يرتدون أزياء غربية الطراز ويقومون بإطالة شعرهم وفقا للموضة".
ويضيف المسعودي لموقع "الحرة" إن "الأمر تغير قليلا نحو الأفضل الآن، لكن لا يزال الرهاب موجودا وقد ينبثق في أية لحظة".
ويقول إن "رهاب المثلية استخدم بشكل بشع لتبرير القتل، وأيضا قامت بعض القوى المسلحة باستهداف أعدائها وثم تشويههم اجتماعيا بوصمهم بأنهم مثليون، ليجعلوا المجتمع يفقد التعاطف معهم".
ونجحت هذه الأساليب بشكل كبير و"الفضل" لرهاب المثلية، الذي تسبب بقتل أعداد منهم، وقتل غيرهم أيضا، بحسب المسعودي.
وشن تنظيم داعش حملات مماثلة، وألقى بأشخاص من فوق بنايات عالية ليموتوا جراء سقوطهم على الأرض، وقال بإنهم "مثليون" وأن التنظيم "يطبق الشريعة".
ويقول أسامة المقدوني، وهو ناشط من محافظة نينوى – المعقل السابق للتنظيم –، إن داعش استخدم الرهاب الاجتماعي والنبذ للمثليين بنفس طريقة المجاميع المسلحة، وقام باستهداف أي شخص من أعدائه من خارج مجتمع الميم-عين لوصمه اجتماعيا قبل تعذيبه وقتله.
ويعتبر التمييز الاجتماعي بكل أشكاله أساسا لمشاكل اجتماعية أكبر، مثل تزايد العنف، وحرمان شرائح من الرعاية الصحية الملائمة مما يجعل المجتمع بكامله عرضة للأمراض الانتقالية، والحرمان من التعليم مما يؤدي إلى زيادة نسب الفقر والجهل.
وبالتالي، "نحن جميعا من يدفع الثمن"، بحسب ما يرى أستاذ التربية في جامعة آيوا الأميركية رون بلومنفيد.