أثار مقطع فيديو لقيادي في "البوليساريو" تكهنات عن وجود خلافات داخلية قبل مؤتمر الجبهة السنوي، في حين تحدث مراقبون وجود وضع جديدا يتطور داخل "المخيمات".
وفي التصريح المسجل، يقول ولد سيد البشير، وزير الجاليات والمناطق الصحراوية في حكومة الجبهة المعلنة من طرف واحد، إن "جيله هيمن على كل المناصب، وأقصى الشباب الحالي رغم تعلمهم" وحصولهم على الشهادات الدراسية.
ويتابع البشير قوله "سيطرنا كجيل على جميع الوظائف، من أقل منصب مسؤولية إلى أعلى هرم للسلطة"، في إشارة إلى منصب الأمين العام للجبهة.
وتخوض البوليساريو نزاعا للانفصال عن المغرب.
ويقترح المغرب منح الصحراء الغربية التي يسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحتها، حكما ذاتيا تحت سيادته لحل النزاع. في حين تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
ويرى الكنتاوي سيد اعمر، الناطق الرسمي باسم منتدى فورساتين ( تجمع داعم للحكم الذاتي من داخل مخميات تندوف)، إن تصريح القيادي يشير إلى وجود خلافات داخل الجبهة.
وأنشئت مخيمات تندوف في الجزائر عام 1975 لإيواء اللاجئين الصحراوين الفارين من الجيش المغربي من مناطق الصحراء الغربية.
ويقول اعمر في حديث لموقع "الحرة" إن كلام البشير "دليل على تفاقم الأمور وعدم القدرة على احتوائها في مجالس الأمانة العامة لجبهة البوليساريو".
خلافات داخلية أم حرب دعائية
وينفي الناشط الصحراوي في جبهة البوليساريو، محمد ميارة، وجود خلافات داخلية، ويقول في حديث لموقع "الحرة" إن "الحديث عن خلافات في قيادة بوليساريو يدخل في إطار الحرب النفسية والدعائية المغربية".
وتصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية التي يدور حولها نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، بين "الأقاليم غير المتمتّعة بالحكم الذاتي"، فيما تقود البوليساريو حكومة من أراضي تندوف الجزائرية.
ويقول الكنتاوي سيد اعمر ، الناطق الرسمي باسم منتدى فورساتين لموقع "الحرة" إن "الناس في المخيمات أُغلق أمامها باب المشاركة في تدبير شؤون البوليساريو".
ويؤكد اعمر أن فيديو البشير أثار نقاشا داخليا في الجبهة، واعتبره البعض رسالة لسكان المخميات من أجل الاعتراض على ترشح أسماء من القيادة الحالية للأمانة العامة في المؤتمر القادم، والضغط من أجل ترشيح الشباب".
ويقول الناشط الصحرواي، محمد ميارة، أن تصريحات عضو أمانة جبهة بوليساريو ووزير الأراضي المحتلة والجاليات، في مقطع الفيديو، "تؤكد فعلا استجابة القيادة الصحراوية وانسجامها مع تطلعات شعبها وكذا لمتطلبات المرحلة" .
ويتابع ميارة "ثانيا تلك التصريحات تأتي لتؤكد ما بدأته القيادة فعلا في التعيينات الأخيرة على مستوى العلاقات الخارجية للجبهة".
ويفترض أن تستأنف المفاوضات، المتوقفة منذ عام 2019، تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد الإيطالي، ستافان دي ميستورا.
ووفق اعمر، هناك مؤشرات أخرى على وجود خلافات داخل الجبهة، منها "خروج جانبي لقيادات أخرى للتعبير عن رفضها للواقع. وللتأكيد على وجود خلاف بين القيادة، وآخرها كان مقال للقيادي البشير مصطفى السيد ( أخ مؤسس جبهة البوليساريو )، تحدث في مقال له عن زيارة إبراهيم غالي للنواحي العسكرية.. وعن صوره خلال تلك الجولة .. وقال إنها مجرد نزهة وأخذ سيلفي ليس أكثر .. مشككا في وجود تلك الزيارة".
لكن الناشط الصحرواي، ميارة، يقول إن "تصريح مصصطفى ولد سيد البشير يأتي لطمأنة الشباب وهم الشريحة الأكبر في مخيمات اللاجئين والأكثر مطالبة بالحرب ضد المغرب، وبقرب تحملهم للمسؤولية وبالتالي تعزيز وضع مغاير لما كان عليه الأمر طيلة ثلاثين عاما الماضية، والذي كانت فيه بوليساريو تمد يدها للسلام وقدمت أكثر من اللازم لتحقيق السلام"، بحسب تعبيره.
مؤشرات تصدع
وعاد التوتر إلى المنطقة العام الماضي، بعدما اتهمت البوليساريو المغرب بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، بعد عملية للجيش المغربي في منطقة الكراكرات.
وبحسب رأي الإعلامي المغربي، عبد الرحيم التوراني، فإن "جبهة البوليساريو تعيش منذ سنوات ما يمكن وصفه بالتآكل من الداخل، ولولا النظام الجزائري لانتهت الجبهة إلى الزوال"، بحسب تعبيره.
ويرى التوراني في حديثه لموقع "الحرة" أن الأمر يبدو طبيعيا إذ إن الأمد قد طال ولم يتحقق قيام الدولة الموعودة".
ومن بين أسباب الصراع، بحسب التوارني، الأموال والتصرف فيها والامتيازات، إذ يرى أعضاء البوليساريو كيف يعيش القياديون وعائلاتهم على حساب قضيتهم".
وفي آخر قرار له حول نزاع الصحراء، دعا مجلس الأمن الدولي في نهاية أكتوبر كلا من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات، "بدون شروط مسبقة وبحسن نية" في أفق التوصّل إلى "حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين" بهدف "تقرير مصير شعب الصحراء الغربية".
لكنّ الجزائر سبق وأعلنت رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات، بينما أدانت البوليساريو قرارا أمميا "حكم مسبقا بالفشل على مهمة" دي ميستورا.
ويقر الناشط الصحراوي، ميارة في حديثه للحرة، بوجود وضع جديد في المخميات، ويقول "عموما، أعتقد أنه وللأسف نحن أمام وضع جديد وتطورات جديدة كذلك ستعزز حالة مغايرة لما كان عليه الأمر في السابق"، في إشارة إلى ما أثاره القيادي البشير في تصريحه المسجل.
وتعيش المنطقة على وقع توتر كبير. وفي نوفمبر الماضي، اتهمت الرئاسة الجزائرية المغرب بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من مواطنيها في الصحراء الغربية.
ويرى الإعلامي المغربي، التوارني، أن الصراع الداخلي في جبهة البوليساريو بدأ منذ مقتل مصطفى السيد الوالي، أحد المؤسسين، في 1976 على الحدود الموريتانية، إضافة إلى تجدد الصراع بعد مرض الأمين السابق محمد عبد العزيز، ولم يكن هناك إجماع حول إبراهيم غالي الذي تجدد، بعد مرضه هو أيضا، الصراع داخل الجبهة.
وإضافة إلى فتح المغرب باب العودة لمن يرغب من قيادات البوليساريو، ضمن مبادرة "الوطن غفور رحيم" التي أطقلها الملك الراحل الحسن الثاني، ورجوع عدد منهم، ساهم أيضا اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بمغربية الصحراء، والموقف الإسباني المؤيد لمقترح الحكم الذاتي، في تأجيج الصراعات الداخلية في البوليساريو، وفقا للتوراني.
وفي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اعترفت الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 بسيادة المغرب على المستعمرة الإسبانية السابقة مقابل تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.
وأنهت إسبانيا أزمتها مع المغرب، بعد دخول زعيم الجبهة إبراهيم غالي لأراضيها للعلاج، وهي الخطوة التي أغضبت الرباط، بدعم صريح لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لإنهاء النزاع.