جنازة لبعض أبناء الأقلية الإيزيدية الذين قتلوا على يد داعش/ العراق /6 فبراير 2021/ أرشيف
جنازة لبعض أبناء الأقلية الإيزيدية الذين قتلوا على يد داعش/ العراق /6 فبراير 2021/ أرشيف

تواجه تركيا اتهامات بالتواطؤ في جرائم "إبادة جماعية"، ضد الإيزيديين في سوريا والعراق، فيما تنفي أنقرة ذلك وتؤكد أنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة".

ويسلط تقرير أعدته مجموعة من الحقوقيين، الضوء على المسؤولية الملزمة التي تتحملها الدول لمنع الإبادة الجماعية على أراضيها، حتى لو تم تنفيذها من قبل طرف ثالث مثل تنظيم "داعش"، وفقا لتقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

إبادة جماعية وغض الطرف

وقالت لجنة العدالة الإيزيدية، إن "جرائم الإبادة الجماعية" قد جرت ضد الأقلية الدينية الإيزيدية في سوريا والعراق، منذ عام 2013.

في 3 أغسطس من العام 2014، شن عناصر تنظيم داعش الإرهابي هجمات وحشية على قضاء سنجار مما أدى إلى تشريد مئات آلاف النازحين من الأقلية الإيزيدية التي تعرضت لجرائم وصفتها الأمم المتحدة لاحقا بـ"الإبادة الجماعية"، والتي تضمنت القتل والذبح والاستعباد الجنسي للنساء والفتيات.

ولسنوات تعرضت هذه الأقلية للاضطهاد بسبب معتقداتها الدينية، لا سيما على يد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، والذي قتل أبناءها وهجرهم وسبا نساءها، وفقا لـ"فرانس برس".

وحقق التقرير الذي استمر لمدة ثلاث سنوات، في سلوك 13 دولة، وخلص إلى أن ثلاثة دول "أخفقت في أداء واجبها في اتخاذ خطوات معقولة لمنع الإبادة الجماعية"، وفقا لما نقلته صحيفة "الغارديان".

واتهمت اللجنة السلطات التركية "بالتواطؤ في الإبادة"، وقالت إنها فشلت في مراقبة حدودها لوقف التدفق الحر لمقاتلي "داعش"، بما في ذلك عدد كبير من المواطنين الأتراك. 

"واعتبارا من أبريل 2014، غض المسؤولون الأتراك الطرف عن بيع ونقل واستعباد النساء والأطفال الإيزيديين، وقامت بتدريب مقاتلين تابعين لداعش لمحاربة الأكراد في سوريا، مما يعزز مرتكبي الإبادة الجماعية"، وفقا لتقرير اللجنة.

وقال التقرير: "كان المسؤولون الأتراك يعرفون و / أو تعمدوا التعمية عن الأدلة على أن هؤلاء الأفراد سيستخدمون هذا التدريب لارتكاب أعمال محظورة ضد الأيزيديين"، حسب ما نقلته صحيفة "الغارديان".

وأقر التقرير المكون من 278 صفحة أنه بحلول يونيو 2014، دعا العراق الأمم المتحدة إلى الاعتراف بالفظائع التي ارتكبها تنظيم "داعش"، لكنه اتهم الحكومة العراقية بـ"عدم التنسيق مع السلطات الكردية أو اتخاذ تدابير لإجلاء الإيزيديين إلى بر الأمان".

وأوضح التقرير أن الحكومة السورية "فشلت في منع نقل واحتجاز الإيزيديين على أراضيها".

وأيدت نتائج التحقيق محامية حقوق الإنسان البريطانية، هيلينا كينيدي، وقالت إن "تركيا يجب أن تواجه اتهامات أمام محكمة العدل الدولية بالتواطؤ في أعمال إبادة جماعية ضد الإيزيديين"، وفقا للصحيفة.

"اتهامات مزعومة"

من جانبه قال السفير التركي لدى بريطانيا، أوميت يالتشين، إن "الانتقادات لا أساس لها وغير عادلة".

وأضاف "منذ السنوات الأولى للصراع في سوريا لعبت تركيا دورا رئيسيا في حماية المدنيين والأقليات السورية بمن فيهم الإيزيديون من هجمات وانتهاكات الجماعات الإرهابية"، وفقا لما نقلته الصحيفة عنه.

وأشار إلى أن "تركيا فتحت أبوابها وأصبحت ملاذا آمنا لملايين السوريين والإيزيديين"، مضيفا أنها وفرت الحماية لشعوب المنطقة من خلال ثلاث عمليات لمكافحة الإرهاب في سوريا، على حد قوله.

وتابع" يعيش الإيزيديون اليوم بسلام في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في شمال غرب سوريا".

وخلال العام الماضي، حاولت عائلات أيزيدية العودة إلى ديارها في شمال شرق سوريا ولكن تم منعها من قبل حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية، حسب السفير التركي في بريطانيا.

وفي سياق متصل، نفى الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، الاتهامات الواردة في التقرير، وقال إنها "ليست جديدة".

ولم ترتكب تركيا تلك الجرائم "المزعومة"، وهناك جهات أممية مخولة بالتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية، وليس كل من يطلق الاتهامات يكون "ذو مصداقية"، وفقا لحديث أوغلو لموقع "الحرة".

وعن الاتهامات الموجة لتركيا بغض الطرف عن "تدريبات داعش" على الحدود، يقول أوغلو: "هذه الحدود ليست خاضعة للسيطرة التركية، وهناك انفلات حدودي في سوريا والعراق".

وتشن القوات التركية على نحو متكرر عمليات ضد القواعد الخلفية لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، الذي تصنفه "إرهابيا"، وهو ما يتسبب في معاناة للمدنيين في تلك المنطقة، وفقا لفرانس برس.

ونفذت تركيا بمساعدة الجيش السوري الحر المعارض أربع عمليات في شمال سوريا منذ عام 2016، واستولت على مئات الكيلومترات من الأراضي، وهو ما تصف دمشق بـ"انتهاك لسيادتها وسلامة أراضيها"، وفقا لـ"رويترز".

واعترف أوغلو بوجود "ضحايا مدنيين" نتيجة التدخل التركي في سوريا والعراق، لكنه يصف ذلك بـ"كلفة متوقعة للحرب ضد الإرهاب".

وتتخذ بعض "الفصائل الإرهابية" من قرى المدنيين مقرا لها، وتستخدم تلك المقرات لاستهداف تركيا، لكن أنقرة تحاول قدر الإمكان تركيز هجومها على تلك التنظيمات وتتجنب "استهداف المدنيين"، حسب حديث أوغلو.

وتبنت الأمم المتحدة قانون الناجيات الإيزيديات في مارس 2021، ويعترف القانون بالجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد النساء والفتيات من الأقليات، بما في ذلك الاختطاف والاستعباد الجنسي والزواج القسري والحمل والإجهاض، كإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.

وقد شن داعش، خلال فترة احتلاله لأجزاء من العراق، حملة إبادة جماعية ضد الإيزيديين الذين يعيشون في شمال البلاد. وتعرض الآلاف منهم لعنف لا يمكن تصوّره بسبب هويتهم، بما في ذلك العنف الجنسي والإعدامات الجماعية والإجبار على تغيير الديانة وغيرها من الجرائم. ولا يزال الكثير منهم في مخيمات النزوح أو في عداد المفقودين، بحسب الأمم المتحدة.

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.