البرلمان العراقي
تساؤلات عن الضرورات التشريعية لقوانين ليست ذات أولوية في العراق. أرشيفية

أعرب مراقبون ومحللون سياسيون وناشطون، عن استغرابهم لإصرار البرلمان العراقي على تجاهل القضايا ذات الصلة المباشرة بحياة الناس، والانشغال بأمور لا يضعها العراقيون في مقدمة أولوياتهم في الوقت الحالي، كما هو حال الكهرباء وفرص العمل والجفاف، والفساد، وتدهور القطاعات الصحية والخدمية، بشكل عام. 

في أواخر مايو الماضي أقر البرلمان العراقي قانونا "يجرم التطبيع مع إسرائيل"، والجمعة، أعلنت اللجنة القانونية النيابية، عن وجود "تحرك نيابي لتشريع قانون يحظر المثلية في العراق".

وقال عضو اللجنة النائب عن ائتلاف دولة القانون، عارف الحمامي، لوكالة الأنباء العراقية إن "تشريع هكذا قانون سيعزز ببنود قانونية تمنع المثلية والانحرافات المرتبطة بها".

الهروب من المسؤولية

الكاتب المحلل السياسي عقيل عباس، يعتقد أن إثارة "مثل هذه القضية ذات الطابع الأخلاقي ربما، والتي ليست ضمن مشاكل المجتمع" تشكل "أحد أشكال الهروب من المسؤولية الذي تمتاز به الطبقة السياسية" في العراق.

ويشير عباس في تصريحات لموقع "الحرة" إلى أن "ذهاب البرلمان لتشريع مثل هذه القوانين" يكشف أن "الطبقة السياسية فاقدة للأولويات، وتريد أن تهرب من قضايا المجتمع الحقيقة في ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإصلاح الخدمات".

وفي تغريدة على تويتر، كتب المحامي أحمد الزيادي أن "البرلمان العراقي الحالي حتى الآن شرع قوانيين لا تمس حياة المواطن ومعاناته الحقيقية. تجريم التطبيع !! حظر المثلية !! اما القوانين المتعلقة بالصحة والخدمات والبنية التحتية وتشريع قانون عقوبات جديد فلا ذكر لها ولا أحد يجمع لها التواقيع أو يتبنى تشريعها !!!".

وفي رد على استفسارات موقع "الحرة"، يلفت الخبير الدستوري، ميثم حنظل، إلى أن هناك قوانين عراقية نافذة يمكن تطبيقها من دون الحاجة لتشريع جديد، أكان في ما يتعلق "بتجريم التطبيع" أو حتى "المثلية الجنسية".

ويشير الخبير الدستوري، علي التميمي، في حديث مع موقع "الحرة" إلى أن "هناك عدة مواد قانونية في التشريعات العراقية النافذة تعاقب على ما تعتبره جرائم الدعارة، والزنا واللواط، والسمسرة، والتي تتراوح عقوباتها بين السجن والغرامة وتصل إلى الإعدام".

ويرجع المحامي، دلوفان برواري، خلال حديثه مع موقع "الحرة"، انهماك البرلمان في قضايا هامشية، إلى انخراط القوى السياسية بـ"مزايدات، تحاول من خلالها كسب الشعبية بمعاداة الأفكار والمبادئ الغربية".

ويشرح براوري وهو المنسق العام لـ"شبكة المحامين المتطوعين للدفاع عن حرية التعبير في العراق" أن "قانون تجريم تطبيع العلاقات مع إسرائيل دفع به التيار الصدري، ولهذا قد نرى مشاريع قوانين يدفع بها الإطار التنسيقي المقرب من إيران تستهدف إثارة العداء لمبادئ الحرية التي يشجع عليها الغرب، وكل ذلك يحدث في إطار التجاذبات السياسية من دون مراعاة ما يحتاجه الشعب العراقي". 

القوانين ذات الأولوية

وأجمع المحللون الذي تحدثوا مع موقع "الحرة" على أن "القوانين الاقتصادية، وخاصة تلك التي تتعلق بتنظيم قطاع النفط والغاز"، أو تلك التي "لها ارتباط مباشر بمعيشة المواطن" هي التي يجب أن تتصدر قائمة اهتمامات النواب في البرلمان العراقي.

ويملك العراق موارد نفطية هائلة تمثل 90 في المئة من عائداته، لكن ملف النفط غالبا ما يشكل مصدرا للتوتر بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.

ويرى الكاتب عباس أن "الطبقة السياسية عليها تقديم شيء حقيقي لمجتمع غاضب منها لسوء إدارتها وللنهب الفظيع لموارد الدولة"، وعليها إيجاد حلول "للمشكلة التي يعاني من المجتمع العراقي وهي التدهور الاقتصادي والخدمات وانتشار الفساد وسوء عمل مؤسسات الدولة".

ويؤكد المحامي براوري أن البرلمان يحتاج إلى التركيز على قوانين ذات أولوية مثل "قوانين النفط والغاز، وقوانين حرية الحصول على المعلومات، وحرية التعبير، وغيرها من القوانين الهامة"، مشيرا إلى "الحاجة لتعديل منظومة القوانين والتشريعات التي تعمل بها البلاد، والتي أقرت في زمن النظام السابق".

وكتبت نور العنزي، في تغريدة إنه بدلا من تشريع قانون العنف الأسري الذي طال انتظاره، "البرلمان منشغل بتجريم المثلية".

ويرى الخبير الدستوري ميثم حنظل أن "بوصلة" مجلس النواب غير واضحة، "إذ مضى فصل تشريعي من دون إقرار أي قوانين تهم المواطن العراقي"، داعيا الكتل البرلمانية إلى "الإيفاء بما كانت تعد به الناخبين خلال الانتخابات، وتطبيق الشعارات التي أطلقتها.

قانون حظر المثلية

يتهم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نشرته بالتعاون مع منظمة "عراق كوير" في مارس الماضي، جماعات مسلحة في العراق باختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل متحولين ومتحولات ومثليين ومثليات ومزدوجي الميول الجنسية، مع الإفلات من العقاب.

وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية فشلت في محاسبة الجناة، مشيرة إلى وجود تواطؤ من قوات الأمن في كثير من الأحيان لمضاعفة أعمال العنف ضد مجتمع الميم وباعتقال أفراد منهم بسبب مظهرهم.

وانتقد أمير عاشور، مؤسس "عراق كوير"، وهي أول منظمة للدفاع عن مجتمع الميم  في العراق، في تغريدات عبر تويتر، التوجهات البرلمانية بإقرار قانون يحظر المثلية، وقال إن "الحكومة العراقية اعترفت أمام المجتمع الدولي بالحق في الحياة لجميع المواطنين بغض النظر عن ميولهم الجنسية، والعراق ملزم بحماية المواطنين من مجتمع الميم بموجب الالتزامات الدولية".

وبين عاشور أن "السلطات العراقية فشلت في حماية مواطنيها من مجتمع الميم" إذ ارتُكبت ضدهم العديد من الجرائم، مشيرا إلى أن من يقود البلاد حاليا "هم جماعات مسلحة ينشرون الخوف والعنف بدلا من حماية حقوق الإنسان للعراقيين وبناء وطن للجميع بما فيهم مجتمع الميم".

وأعرب عاشور عن مخاوفه من أن إقرار مثل هذا القانون سيتيح للحكومة قانونيا وللجناة الذين يستهدفون أعضاء مجتمع الميم، الإفلات من الملاحقة، الأمر الذي سيعرض فئة من العراقيين لـ"الخطر".

أمين عام حركة "25 أكتوبر"، طلال الحريري انتقد التوجه لتجريم المثلية في العراق، وقال "سنبقى دائما داعمين لحرية مجتمع الميم بقدر دعمنا لكل الحريات".

وأكد في تغريدة عبر تويتر "يؤكد حزبنا على رفضه التام لهذا المقترح المتطرف الذي يهدد حياة أكثر من 360 ألف مواطن، ويعطي للإرهاب شرعية لقمع حقوق الإنسان ومصادرة الحريات التي نص عليها الدستور العراقي".

ويرسم تقرير هيومان رايتس ووتش، الآنف الذكر، صورة قاتمة تفيد بأن أفراد مجتمع الميم العراقي محاصرون من عدة اتجاهات، من بينها العنف الشديد من أفراد الأسرة والمضايقات في الشوارع والاستهداف الرقمي والمضايقات من جانب جماعات مسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري، أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك، قبل أن يؤذن له بالدخل للتبضع.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان، بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".