بعد أن كان البابا فرانسيس، على ما يبدو منغلقا على أخذ النصائح من الصحف، باعتبار أن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تتلقى تعليماتها من الرب فقط، أطلق مؤخرا عملية يمكن من خلالها لجميع الكاثوليك البالغ عددهم 1.4 مليار فرد أن يكون لهم رأي في مستقبل التدين.
وبهذه المناسبة، أرادت مجلة إيكونوميست أن تدلو بدلوها فيما يتعلق بآفة الاعتداء الجنسي من قبل بعض الكهنة، حيث ترى أنه يجب على الكنيسة الكاثوليكية إلغاء شرط العزوبية الكهنوتية، باعتبار أن ذلك سيساعدها على تجنيد رجال دين لا يسيئون إلى الأطفال.
ولطالما اتهم كهنة كاثوليك، وعلى كل المستويات تقريبا، بإساءة معاملة الأطفال في الكثير من الدول.
وفي فرنسا وحدها، يقدر عدد الضحايا بنحو 216 ألفا خلال آخر سبعين عاما قبل 2020.
والآن تحقق دول مثل بولندا والبرتغال وإسبانيا أيضا، في جرائم تتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال، "وبالتأكيد هناك المزيد الذي سيتم الكشف عنه، حيث بدأت تنشر تقارير تشير إلى حجم الانتهاكات ضد البالغين أيضا، بما في ذلك الراهبات".
ومؤخرا فقط، بدأت تحقيقات بشأن ما حدث داخل تسعة آلاف مؤسسة كاثوليكية في البلدان الفقيرة، حتى أن دور الأيتام يبدو أنها لم تسلم من مثل تلك الجرائم، بحسب المجلة.
بل حتى في البلدان الغنية حيث تتمتع أنظمة العدالة الجنائية بموارد جيدة، فقد تم إعاقة التحقيقات بسبب السرية التي تمتعت بها هذه المؤسسات طوال العقود الماضية.
تعزو المجلة حدوث تلك الجرائم إلى غياب قنوات فعالة يستطيع من خلالها الضحايا عن الإبلاغ عن الإساءات، أو التعبير عما لحق بهم من أضرار.
وتقول: "عندما يُمنح قلة من الناس سلطة على الآخرين، وعندما تكون الضوابط على تلك القوة ضعيفة، وعندما يفتقر الضحايا إلى قنوات فعالة للإبلاغ عن الإساءات، ستستغل الحيوانات المفترسة ذلك الوضع، علاوة على ذلك، إذا قامت مؤسسة بشكل روتيني بإخفاء المزاعم وتحويل المشتبه بهم إلى وظائف أخرى، بدلا من إحالة الادعاءات على الفور إلى الشرطة، فإن الانتهاكات ستزداد".
وتشير إلى أن "الكنيسة تعمل على تصحيح هذه الإخفاقات، لكن هذا لن يكون كافيا".
وتؤكد المجلة أن اشتراط عزوبية الكهنة يزيد من احتمالية حدوث الجرائم الجنسية، "المجتمع يطلب منهم قمع رغباتهم، يحاول الكثيرون بالفعل أن يكونوا عازبين، أو يتظاهرون بذلك، لكن بغض النظر عن مدى تقواهم، فإن التخلي عن الجنس والرومانسية، وفرصة تكوين أسرة يعد تضحية كبيرة جدا".
وفي الوقت الذي يأمل فيه كهنة بصدق أن تساعدهم الحياة الروحية على مقاومة التجربة الجنسية، "فلا شك أن آخرين يقدمون على ذلك، تحديدا لأن الكهنوت يوفر فرصا للإساءة"، بحسب المجلة.
في كلتا الحالتين، أقدمت الكنيسة على إجراءات ضعيفة من أجل تنحية أولئك الذين يشكلون خطرا على رعاياها، كما أنها لم تقم بإعداد القساوسة جيدا من أجل مواجهة ضغوط حياة بلا جنس.
تنقل المجلة أن هناك تقديرات من مجموعة متنوعة من العلماء، أن ستة إلى تسعة في المئة من الكهنة والرهبان، قد يكونون مسيئين.
ويقول الفاتيكان أن المسيح ظل عازبا، وأن خدّامه يجب أن يكونوا كذلك.
لكن على الرغم من أن بعض أجزاء الكتاب المقدس تمدح العزوبية، فلا يوجد شيء في الأناجيل يطلب من جميع رجال الدين أن يلتزموا بذلك، وفق "إيكونوميست".
بل إنه قبل القرن الحادي عشر، لم تصر الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على ذلك المطلب، وعندما تم اقتراحه كان جزءا من ذلك لأسباب مالية، حيث كان رجال الدين الذين ليس لديهم أطفال أكثر عرضة لترك ممتلكاتهم للكنيسة.
اليوم، تسمح العديد من الكنائس الكاثوليكية ذات الطقوس الشرقية لرجال الدين بالزواج قبل أخذ الأوامر المقدسة، و"اللافت للنظر أن هذه الكنائس لديها مستويات منخفضة من الاعتداء الجنسي على الأطفال"، بحسب المجلة.
تُظهِر الطوائف البروتستانتية أن رجال الدين المتزوجين يمكن أن ينجحوا في رعاية أسرهم ورعيتهم على حد سواء، بل إنه "في الواقع، فإن الزواج قد يجعل الكهنة أقرب إلى أبناء رعايتهم".
وترى المجلة أن إزالة شرط العزوبية "سيؤدي أيضا إلى إبطاء وتيرة مغادرة المؤمنين للكنيسة، بعد أن بدأ البعض التخلي عنها لأنهم لم يعودوا يثقون في مؤسسة تؤوي معتدين".