يترقب الشارع الليبي بحذر التطورات السريعة التي شهدتها الساحة السياسية في بلد غارق منذ 11 عاما في الفوضى والانقسامات، بعد خطوات "توحيد المؤسسة العسكرية"، وحديث عن "جمع شمل الفرقاء الليبيين"، ما يطرح علامات استفهام حول النتائج المتوقعة، لتلك الخطوات "غير المسبوقة".
وخلال يومي الاثنين والثلاثاء، ناقش قادة عسكريون كبار من غرب ليبيا وشرقها في اجتماع نادر بطرابلس، "تسمية رئيس أركان واحد لتوحيد المؤسسة العسكرية".
وقالت القيادات العسكرية في بيان مشترك إنها ناقشت "ضرورة تسمية رئيس أركان واحد للمؤسسة العسكرية، والشروع تحديدا في الخطوات لتوحيد المؤسسة العسكرية".
وجرت المحادثات بين وفد يرأسه الفريق أول، عبد الرزاق الناظوري، رئيس أركان قوات المشير، خليفة حفتر، في شرق ليبيا، وآخر برئاسة الفريق أول، محمد الحداد، رئيس أركان القوات العسكرية في غرب ليبيا.
وأشاد البيان المشترك بجهود اللجنة العسكرية المشتركة المسماة "5+5" (كونها تضم خمسة ضباط عن كل جانب)، والتأكيد على ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا.
وبحسب البيان فقد تم "إقرار تفعيل القوة المشتركة التي تم الاتفاق بشأنها في اتفاق وقف إطلاق النار الساري بين الطرفين".
واتفق الطرفان على وضع خطة لبدء تسيير دوريات حدودية لحماية الحدود الليبية ومنع الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب.
هذه الخطوة لاقت ترحيبا أمميا وأميركيا، فقد أشادت السفارة الأميركية في ليبيا بالتقدم المحرز نحو "مؤسسة عسكرية موحدة"، وقالت في منشور على تويتر، الأربعاء، إن الولايات المتحدة "تضم صوتها إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في الإشادة بالتقدم المحرز في المسار الأمني الليبي نحو مؤسسة عسكرية موحدة".
من جهتها، أشادت الأمم المتحدة بهذا الحوار المهم، وأكدت مواصلة دعمها للمحادثات في المسار الأمني لا سيما تلك التي تتم من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بما فيها التنفيذ التام لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر 2020.
2/1 تضم الولايات المتحدة صوتها إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في #ليبيا في الإشادة بالتقدم المحرز في المسار الأمني الليبي نحو مؤسسة عسكرية موحدة بفضل جهود اللواء الحداد واللواء الناظوري، وكذلك اللجنة العسكرية المشتركة 5+5. https://t.co/9GLCYj8VMJ
— U.S. Embassy - Libya (@USEmbassyLibya) July 20, 2022
هل تتوحد "المؤسسة العسكرية"؟
وتعد تلك الإجراءات خطوة مهمة في طريق "عودة الاستقرار إلى ليبيا"، لكنها تحتاج لجهود كثيرة للوصول لمرحلة "توحيد رئاسة الأركان ومن ثم الجيش الليبي"، وفقا لحديث الباحث المختص في الشأن الليبي، عبد الستار حتيتة لموقع "الحرة".
ويرى المحلل السياسي الليبي، حمد الخراز، أن الخطوة الليبية "جاءت لكسر حالة الجمود السياسي والعسكري في ليبيا"، بعد "جهود ومفاوضات مستمرة بين الجانبين"، ولكنه لم يخف شكوكه حول "نتائجها".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، قال الخراز إن "الشعب الليبي قد لا يجني ثمار تلك الخطوات"، معتبرا أن "الحديث عن التوافق الكامل قد يكون صعب المنال".
ويرى المحلل السياسي الليبي، حمد المالكي، أن الاجتماع "خطوة لإعادة الثقة بين الجانبين"، لكن تنفيذ تلك الخطوات على أرض الواقع "مرهون بالتوافق بين الأطراف السياسية في شرق ليبيا وغربها".
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي، يسود ليبيا انقسام كبير مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس جاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف برئاسة، عبد الحميد دبيبة، الرافض تسليم السلطة إلا إلى "حكومة منتخبة".
أما الحكومة الثانية فهي برئاسة فتحي باشاغا وقد عينها برلمان طبرق (شرق) في فبراير الماضي ومنحها الثقة في مارس، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقرا موقتا لها بعد منعها من الدخول إلى طرابلس.
النفط
وفي أعقاب التفاهمات بين القادة العسكريين في شرق ليبيا وغربها، أعلنت وزارة النفط الليبية، الأربعاء، عن استئناف العمل في ميناء السدرة النفطي.
وذكرت الوزارة في بيان عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، أن الناقلة (MALATA) وصلت لشحن حمولتها المقدرة بنحو مليون برميل من ميناء السدرة النفطي.
وأشارت الوزارة إلى أن حقول شركة الواحة بدأت عودتها للإنتاج بشكل تدريجي ووصلت إلى حوالي 15 ألف برميل، ومن المتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية مع نهاية اليوم إلى 30 ألف برميل.
ولذلك يرى حتيتة أن الإجراءات الحالية تهدف إلى "وضع أسس للتفاهم بين الليبيين من أجل ضخ النفط الليبي في الأسواق العالمية"، مضيفا أن هناك "بعض الأطراف الدولية تضغط في اتجاه إنجاح تلك الجهود".
ويتفق معه المالكي، مؤكدا أن "إعادة تصدير النفط سينعكس إيجابيا على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن الليبي وعلى رأسها الكهرباء والمحروقات".
وكانت صحيفة "الغارديان" ألمحت في تقرير لها إلى وجود نوع من "التحالف غير المعلن" بين الدبيبة وحفتر بشأن النفط، مشيرة إلى خطوة إقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله وتعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة.
وتقول الصحيفة إن الدبيبة "أجرى تحالفا غير متوقع مع عدوه السابق في الشرق" المشير خليفة حفتر، في محاولة لـ"ترسيخ وقف هش لإطلاق النار، وإنهاء الحصار النفطي المستمر منذ أشهر".
وكان صنع الله على خلاف مع المؤيدين لحفتر الذين كانوا يحاصرون موانئ النفط الشرقية منذ شهور، مما أدى إلى تدهور الصادرات النفطية. وانتهى الحصار في غضون ساعات من تنحية صنع الله.
وفي مطلع الشهر، شهدت ليبيا احتجاجات متواصلة، وتظاهرات تطالب بإسقاط "كافة النخب السياسية"، نتيجة الإحباط الناتج عن انقطاع الكهرباء، ومشكلات البنية الأساسية، في ظل إخفاقات مستمرة للمؤسسات السياسية في البلاد، وفقا لـ"رويترز".
ميزانية ثابتة
وسط تلك التطورات يبقي التساؤل الأهم، هل تنجح تلك الخطوات التي تعد "سابقة من نوعها" في إنقاذ ليبيا من حالة الفوضى والانقسام المستمرة منذ 11 عاما؟
يري الخراز أن "المكسب الوحيد المنبثق عن تلك الخطوات هو حصول القيادة العامة للجيش الليبي علي ميزانية ثابتة بعد سنوات من السياسات الظالمة ضدها"، على حد تعبيره.
وسوف تستمر حالة الانقسام والفوضى داخل ليبيا لحين "إقرار قاعدة دستورية أو موعد للانتخابات"، حسب رأي الخراز.
ووفقا لرأي حتيتة فقد تقود الضغوط الدولية الغربية الهادفة للحفاظ على تدفقات النفط الليبي "لمزيد من التفاهمات بين الفرقاء".
لكن المالكي يري أن البلاد تخضع لحالة من "الانقسام السياسي والتحشيد العسكري، في ظل وجود حكومتين متنافستين"، ما يضع المؤسسة النفطية تحت "ضغوط سياسية وعسكرية"، وهو ما ينذر بعدم وجود "رؤية شاملة للحل في ليبيا".