أثارت زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، إلى المغرب تساؤلات عدة حول أسبابها، ولا سيما أنه لم يرشح عنها الكثير من التفاصيل سوى بيانات مقتضبة للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي.
وجاءت هذه الزيارة، التي استمرت زهاء ثلاثة أيام، بعد سلسلة لقاءات كانت بين مسؤولين من البلدين على المستوى السياسي والعسكري خلال السنة الماضية والاشهر الأخيرة تحديدا.
وتلعب الجالية اليهودية دورا هاما في توطيد العلاقة بين البلدين وحتى على الصعيد العسكري/ حيث انعكست بتخصيص رئيس الأركان الإسرائيلي قت خلال الأيام الثلاثة التي قضاها في المملكة من أجل القيام بجولة في المواقع اليهودية في مراكش القديمة، بما فيها مقبرة يهودية وكنيس وإقامة صلاة مشتركة.
وأكد الجنرال كوخافي، خلال اللقاء، أن المغرب دولة حليفة لإسرائيل، ومثالًا للتواصل العميق بين الشعبين.
وقال كوخافي: "أنا جد فخور ومتأثر بلقائكم يهود الجالية اليهودية في المغرب، جزء منكم حارب من أجل دولة إسرائيل واليوم أنتم تعملون من أجل الجالية اليهودية ولتعميق العلاقة مع إسرائيل".
ووصف أحد المشاركين الإسرائيليين في الزيارة الى المغرب العلاقات مع نظرائه بأنها الأكثر قربا من بين دول الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي وقعت على "اتفاقات إبراهيم".
ورغم علاقة المغرب باليهود، يبدو أن ثمة مصالح مشتركة التي تدفع الجانبين إلى سلسلة مكثفة من اللقاءات التي يتم الإعلان عنها وأخرى تبقى خلف الكواليس.
ومن أبرز الاجتماعات التي عقدت تحضيرا لزيارة كوخافي، كان اللقاء الذي جمع رئيس هيئة الاستراتيجية والدائرة الثالثة الميجر جنرال تال كالمان، وضباط آخرين من الوحدات الاستخبارية، مع الجنرال دوكور دارمي بلخير الفاروق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، خلال زيارتهم الأخيرة في شهر مارس الماضي إلى الرباط.
تعاون استراتيجي
وتم خلالها التحضير لبناء إطار لتعاون استراتيجي بين الجيشين، فيما يعد سابقة بين جيش عربي وإسرائيل وهو ما انصبت عليه زيارة كوخافي الأولى للمغرب.
وخلال الأيام الثلاثة التي قضاها كوخافي في المغرب، تم بناء خطط عمل استراتيجية للجيشين وكيفية تعاونهما على أرض الواقع لمواجهة تحديات مماثلة: إسرائيل تواجه حزب الله وإيران، والمغرب يواجه جبهة البوليساريو المدعومة من إيران والتي يتم تدريبها من قبل حزب الله وفق ما تقول الرباط، بالإضافة إلى الإرهاب من جهات متطرفة.
كما أن التهديدات التي تتعرض لها المملكة شبيه بالتي تتعرض لها إسرائيل من خلال المسيرات أو التكتيكات العسكرية التي ينتهجها حزب الله وإيران.
الطائرات المسيرة الهجومية
وتتوفر لإسرائيل قدرات في مجال الطائرات المسيرة الهجومية. وقد سمحت الرقابة العسكرية بالكشف لأول مرة عن أن سلاح الجو يستخدم طائرات مفخخة بصورة عملياتية لمهاجمة أهداف معادية في منطقة الشرق الأوسط.
وتصدر الصناعات الأمنية الإسرائيلية أنواع مختلفة من الطائرات بدون طيار إلى العديد من البلدان في العالم، بما في ذلك الطائرات بدون طيار التي يتم تشغيلها عن بُعد، والتي من الواضح أنها مسلحة.
وكانت مصادر أجنبية اشارت عدة مرات الى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم الطائرات بدون طيار لأغراض هجومية، بما في ذلك في عمليات مختلفة في قطاع غزة، وحتى في حرب لبنان الثانية قبل ستة عشر عاما.
وكان هذا أحد الملفات التي تم بحثها وكيفية التعاون فيها من قبل الجانبين الإسرائيلي والمغربي من أجل مواجهة التحديات. كما أن البنية العسكرية للجانبين متشابهة أيضا في مجالات الأسلحة ما يجعل "لغة" العمل سهلة.
فعلى سبيل المثال، الجيشان يستخدمان في سلاحهما الجوي طائرات "أف.16" الأميركية ومنصات مشابهه تم عرضها على كوخافي لدى زيارته لقاعدة "بن جرير" الجوية.
وأوضح مصدر للحرة أن الأسلحة التي تقوم جهات معادية للمغرب باستخدامها هي أسلحة من صناعة صينية وروسية وتركية، وهو ما تتعامل معه القوات الإسرائيلية عند وقوع تصعيد أو مواجهة مع حزب الله أو إيران أو حماس أو جهات معادية أخرى.
كشف تفاصيل هامة لكوخافي
وقد تم عرض هيكلة الجيش المغربي أمام كوخافي، وزار وحدة لجنود المشاة المظليين وهي ذات الوحدة التي شق كوخافي طريقه العسكري فيها في الجيش الإسرائيلي.
وتم كشف تفاصيل هامة لكوخافي، مثل التحديات التي يواجهها المغرب على حدوده البرية من أجل الاستفادة من خبرات الجيش الإسرائيلي وبلورة صيغة "للتعاون استراتيجي عميق بين الجيشين".
كما تناول الحديث تحديات سلاح البحرية المغربي الذي ينوي أيضا تطوير قدراته، وتم التطرق إلى كيفية الاستفادة من خبرة الجيش الإسرائيلي في هذا المضمار، ولا سيما أنه قام باستثمار جهود كبيرة من لتحسين حماية الحدود البحرية والممرات البحرية التي تستخدمها السفن التجارية التي تعد الشريان الاقتصادي الاستراتيجي لإسرائيل.
ومن أجل تعميق هذا التعاون، قرر رئيس الأركان الإسرائيلي أن يشارك جنود إسرائيليون في مناورات "الأسد الأفريقي" الذي تجرى سنويا على الأراضي المغربية، تحت إشراف قيادة أفريقيا الأميركية- أفريكوم، وهو تطور يعد الأول من نوعه الذي يشارك فيه جنود بصورة فعلية على أرض عربية من أجل التدرب على تهديدات مشتركة.
وكان ضباط إسرائيليون شاركوا في هذه المناورات التي جرت، الشهر الماضي، بصفة مراقب "ما أتاح فرصة للتقارب بين إسرائيل وكافة الدول المنضوية تحت أفريكوم، والتي شاركت في التدريب"، حسبما كشف مصدر "للحرة".
وكان قائد القيادة الأميركية الوسطى، الجنرال مايك كوريلا، زار إسرائيل قبل يوم واحد من توجه رئيس الأركان إلى الرباط. وتم خلال هذه الزيارة التركيز على تعزيز الدفاعات الجوية وقضايا عملياتية وضرورة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية المستقبل المشترك للدول.
وأجرى الجنرال كوريلا حلقة نقاش مهنية لتلخيص المنتدى الاستراتيجي العملياتي، الذي انعقد الشهر الماضي، بين كبار ضباط الجيش الإسرائيلي وكبار قادة القيادة المركزية والهيئات المشتركة الأميركية. وأوضح مصدر للحرة أنه "كان للقيادة الأميركية الوسطى دورا هاما في التعاون بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص المغرب".
ورغم أن هدف زيارة كوخافي لم يكن عقد صفقات لابتياع أسلحة ومعدات عسكرية، فإن هذا الموضوع طرح خلال اجتماعات الأخير مع الضباط والمسؤولين.
ويسعى المغرب إلى شراء معدات لكافة المجالات العسكرية: الجوية والبرية والبحرية بالإضافة الى مجال السايبر.
اتفاق التعاون الأمني
وقد وقع وزير الدفاع، بني غانتس، والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع المغربي، عبد اللطيف لوديي، على اتفاق في شهر نوفمبر من العام الماضي يرسم التعاون الأمني بين البلدين "بمختلف أشكاله" في مواجهة "التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة".
ورغم رغبة إسرائيل والمغرب في هذا التعاون، من غير الواضح ما هي قدرة إسرائيل على توفيرها في هذه المرحلة- حيث أن "الطلب أكبر من إمكانية العرض لدى إسرائيل"، حسب ما أوضح مسؤول للحرة.
يشار إلى أنه إلى جانب الدول التي وقعت على اتفاقات سلام واتفاقات إبراهيم مع إسرائيل ثمة "دول أخرى تجري اتصالات مع الجيش الإسرائيلي" من خلال وحدة العلاقات الخارجية للعمل من أجل التعاون بين الجيشين.
وانيط بوحدة العلاقات الخارجية التابعة للجيش الإسرائيلي مهمة التواصل مع كافة الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا والخليج لإيجاد فرص تعاون بينها، وذلك بإيعاز من الحكومة والمستوى السياسي وليس بقرار عسكري.