الفيضانات تغطي مناطق كبيرة من باكستان
الفيضانات تغطي مناطق كبيرة من باكستان

ضرب طوفان من الأمطار الموسمية باكستان الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تراكم المزيد من المياه فوق مياه تجمعت لأكثر من شهرين من الفيضانات القياسية التي أودت بحياة مئات الأشخاص وشردت عشرات الملايين.

وسارعت الحكومة الباكستانية ومنظمات الإغاثة الدولية إلى إنقاذ الناس والبنية التحتية الحيوية فيما وصفه المسؤولون بأنه كارثة مناخية ذات أبعاد ملحمية.

اجتاحت السيول العنيفة الطرق والمنازل والمدارس والمستشفيات في معظم أنحاء باكستان، وأجبر الملايين على ترك منازلهم، وهم يكافحون متجولين خلال مياه آسنة يصل عمقها إلى صدورهم، في حين تضررت جميع محاصيل البلاد تقريبا إلى جانب آلاف المواشي ومخازن القمح والأسمدة، مما أثار تحذيرات من أزمة غذائية تلوح في الأفق.

وتغطي مياه الفيضانات الآن حوالي ثلث البلاد، بما في ذلك حزامها الزراعي، مع توقع هطول المزيد من الأمطار في الأسابيع المقبلة.

ومن المرجح أن تكون الأضرار الناجمة عن الفيضان "أكبر بكثير" من التقديرات الأولية البالغة حوالي 10 مليارات دولار، وفقا لوزير التخطيط في البلاد، إحسان إقبال.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الفيضانات أصابت بالشلل بلدا كان يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية وتضخم أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وحذر مسؤولون من أن الفيضانات تهدد الآن بإعادة باكستان سنوات أو حتى عقودا إلى الوراء، وتأجيج نيران التوترات السياسية التي اجتاحت البلاد منذ الإطاحة برئيس الوزراء السابق، عمران خان، في الربيع الماضي.

ويحذر الخبراء من أن الضرر الذي يلحق بالقطاع الزراعي في البلاد يمكن أن يشعر به أيضا في جميع أنحاء العالم.

وباكستان واحدة من أكبر منتجي ومصدري القطن والأرز في العالم، وهما محصولان دمرتهما الفيضانات. وقال مسؤولون إن ما يصل إلى نصف محصول القطن في البلاد قد دمر في ضربة للإنتاج العالمي في عام ارتفعت فيه أسعار القطن مع تعرض منتجين كبار آخرين من الولايات المتحدة إلى الصين لطقس قاس.

وتهدد مياه الفيضانات أيضا بعرقلة موسم زراعة القمح في باكستان هذا الخريف، مما يزيد من احتمال استمرار نقص الغذاء وارتفاع الأسعار خلال العام المقبل.

وفي اليوم الثاني والأخير من زيارته التضامنية لباكستان، حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على تقديم دعم مالي ضخم وعاجل للبلاد، بعد أن حلّق فوق بعض المناطق التي غمرتها الفيضانات في جنوبي البلاد وعاين بنفسه مدى آثار الكارثة.

وقال غوتيريش، بحسب ما نقله موقع المنظمة الدولية : "لقد رأيت العديد من الكوارث الإنسانية في العالم، لكنني لم أر قط مذبحة مناخية بهذا الحجم. ببساطة ليست لدي كلمات لوصف ما رأيته اليوم: منطقة غمرتها المياه تبلغ ثلاثة أضعاف المساحة الإجمالية لبلدي، البرتغال". 

وناشدت حكومة رئيس الوزراء، شهباز شريف، إلى جانب الأمم المتحدة، تقديم تمويل طارئ بقيمة 160 مليون دولار للوصول إلى 5.2 مليون شخص من أكثر الناس ضعفا في البلاد.

ويبرز حجم الدمار في باكستان في عام يتخلله طقس متطرف بما في ذلك موجات الحر في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة والأمطار الغزيرة التي غمرت أجزاء من آسيا وأسوأ موجة جفاف تضرب شرق أفريقيا منذ عقود.

ومنذ بداية موسم الرياح الموسمية في باكستان هذا الصيف، لقي أكثر من 1300 شخص حتفهم في الفيضانات، نصفهم تقريبا من الأطفال، وأصيب أكثر من 6000 آخرين، وفقا للأمم المتحدة.

ونزح نحو 33 مليون شخص. وتغطي مياه الفيضانات الآن حوالي 100 ألف ميل مربع، وهي مساحة تفوق بريطانيا، مع توقع المزيد من الفيضانات في الأسابيع المقبلة.

وكان إقليم السند، الذي ينتج حوالي ثلث الإمدادات الغذائية في البلاد، من بين أكثر الأقاليم تضررا من الأمطار.

وتلقت المقاطعة ما يقرب من ستة أضعاف متوسط هطول الأمطار لمدة 30 عاما هذا الموسم الموسمي، مما ألحق أضرارا بنحو 50 في المئة من محاصيل المقاطعة، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة "فاو" التابعة للأمم المتحدة.

وحتى قبل هطول الأمطار الموسمية هذا العام، كان العديد من مزارعي البلاد معرضين لخطر التوقف عن العمل، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية أسعار الأساسيات اللازمة للزراعة عاليا وتعرضوا لمواسم متلاحقة من الطقس القاسي، من موجات الحر إلى الأمطار الموسمية الغزيرة، التي ضربت حقولهم.

ولا تزال ملكية الأراضي نظاما إقطاعيا للغاية في باكستان، يتكون إلى حد كبير من عقارات شاسعة يزرعها المزارعون الذين يعملون لدى أصحاب الأراضي.

وحذر مسؤولو الإغاثة من أنه حتى بعد انحسار الفيضانات، تواجه المجتمعات الريفية موجة ثانية محتملة من الوفيات الناجمة عن نقص الغذاء والأمراض التي تنتقل عن طريق المياه الملوثة.

ومن المرجح أن يؤثر التضخم الحاد والنقص في المنتجات الطازجة على المراكز الحضرية التي لم تتأثر بالفيضانات.

علامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية داخل منزل متضرر بدمشق في 23 أبريل 2018
علامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية داخل منزل متضرر بدمشق في 23 أبريل 2018

أدت الهجمات غير المشروعة بالأسلحة الكيميائية إلى مقتل وإصابة الآلاف خلال الحرب الأهلية في سوريا، كثير منهم من الأطفال، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن لا يزال الجناة بمنأى عن العقاب.

وقد يتغير ذلك في إطار مبادرة أُطلقت، الخميس، في لاهاي لإنشاء محكمة جديدة لمثل هذه الفظائع.

وعملت حوالي عشر مجموعات حقوقية سورية وخبراء قانونيون دوليون وآخرون في هدوء على مدى عامين على وضع الأساس لمحكمة جديدة قائمة على المعاهدات يمكنها محاكمة من يتهمون باستخدام المواد السامة المحظورة بجميع أنحاء العالم.

وقالت صفاء كامل، 35 عاما، وهي معلمة من حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق "المحكمة بالنسبة للسوريين هي أمل"، متذكرة الهجوم بغاز السارين الذي وقع في 21 أغسطس عام 2013 بمنطقة الغوطة والذي أدى لمقتل أكثر من 1000 شخص كثير منهم كانوا نائمين.

وأضافت "الأعراض التي تعرضنا لها الغثيان وإعياء واصفرار الوجه، وحالات إغماء.. حتى من الصغار... كان خوف كتير كبير".

وتابعت قائلة "عندما فتشنا عن الشهداء الذين فقدناهم أثناء هذا القصف الكيماوي كان عدد الضحايا كتير كبير.. لا تمحى من ذاكرتنا كيف كانت مصفوفة".

وأظهرت وثائق اطلعت عليها "رويترز" أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.

وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.

وقال العلبي لرويترز "بينما يطالب بها السوريون بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، إذا رغبت الدول في ذلك فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سوريا بكثير".

ودُشن مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيماوية في 30 نوفمبر وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية بجميع أنحاء العالم. 

وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.

وقال ثلاثة دبلوماسيين من دول في شمال وجنوب العالم لـ"رويترز" إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة، ورفضوا الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن.

وقال أحد المصادر "هناك اهتمام جدي، واهتمام بالغ، واعتراف بالحاجة إلى شيء كهذا، إلى الحاجة لمعالجة فجوة الحصانة بالأساس".

"شيء من العدالة"

تحظر اتفاقيات جنيف، التي قننت قوانين الحرب، استخدام الأسلحة الكيماوية. 

وشددت من ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وهي معاهدة لمنع انتشار هذه الأسلحة انضمت إليها 193 دولة وتشرف عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

لكن الانقسام السياسي بشأن الحرب السورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي الأمم المتحدة عرقل الجهود الرامية إلى المحاسبة عن انتهاكات القانون الدولي واسعة النطاق في مئات مما يشتبه بأنها هجمات كيماوية.

ونفت حكومة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، استخدام الأسلحة الكيماوية ضد معارضيها في الحرب الأهلية التي اندلعت في مارس 2011 والتي وصلت الآن إلى طريق مسدود إلى حد كبير. 

ولم ترد وزارة الإعلام على طلب من "رويترز" للتعليق.

وأقامت دول، من بينها فرنسا، محاكمات بموجب ما يسمى بالاختصاص القضائي العالمي للنظر في جرائم الحرب، لكن في الحالات التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية فعل شيء.

ولا يوجد كيان قانوني يستطيع محاكمة الأفراد المشتبه بهم في استخدام الأسلحة الكيماوية على مستوى العالم.

وقال دابو أكاندي، المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة لرويترز "عندما توجد أصوات تقول ‘نحن بحاجة إلى شيء من العدالة... أعتقد أن ذلك سيكون قويا".

وذكر أكاندي أن هناك محاكم دولية لجرائم الحرب، من البلقان إلى رواندا ولبنان، لكن لم يركز أي منها على جريمة نشر الأسلحة الكيماوية على وجه التحديد.

وأضاف "ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون مخصصة في الأساس للقضايا التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها القضائي.. وأعتقد أن هذا سيكون الشيء المبتكر في هذا الشأن".

وليس للمحكمة الجنائية الدولية المختصة بجرائم الحرب في العالم، ومقرها لاهاي، اختصاص قضائي في سوريا.

وتتمتع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية وتحديد الجناة المزعومين في بعض الحالات، لكنها لا تتمتع بسلطة الملاحقة القضائية. 

وقالت في يناير إن سوريا مسؤولة عن هجوم وقع في مدينة دوما عام 2018 وأسفر عن مقتل 43 شخصا.

ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن الحكومة السورية استخدمت غاز الأعصاب السارين في هجوم وقع في أبريل 2017، واستخدمت الكلور مرارا كسلاح واتهمت مسلحي تنظيم "داعش" باستخدام غاز الخردل.

واستخدمت روسيا، حليفة سوريا، حق النقض (الفيتو) مرارا ضد محاولات تمديد آلية التحقيق المشتركة التي انتهت في نوفمبر 2017.

بعد عشر سنوات

بالنسبة للدكتور محمد سليم، الذي ساعد في علاج مئات المرضى بعد هجوم الغوطة عام 2013، لا تزال صور الاختناق والموت تبكيه. 

ويتذكر أحد الأطفال الناجين وهو ملقى بين الجثث ويسأله: "عمو أنا عايش؟".

وقال لـ"رويترز" في لاهاي "الحقيقة عندنا شعور بالمرارة إن المحاسبة تأخرت عشر سنوات.. إذا قيد هلق مشروع انطلاق محاسبة فبيكون بعد عشر سنوات بدأ هذا المشروع.. نتمنى ألا ننتظر عشر سنوات إضافية".

وأضاف "أنا يللي بدي قوله إنه خللي القانون الدولي والعدالة ياخد مجراها".

وقالت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للتحقيق في الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا، التابعة للأمم المتحدة، لـ"رويترز" إن جزءا صغيرا فقط من حوالي 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرته دول معظمها أوروبية يتعلق بالهجمات الكيماوية.

وقالت رئيسة هذه الآلية، كاثرين مارشي-أويل، إنه لا توجد فرص كافية لتحقيق العدالة فيما يتعلق بهجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا، وإن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة مستعدة للعمل مع محكمة جديدة.

وأضافت "هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في إقامة دعاوى بشأن حوادث الأسلحة الكيماوية قد تكون في وضع جيد يسمح بالتعامل مع هذا النوع من القضايا".