محتجون مناوئون للملكية في بريطانيا
محتجون مناوئون للملكية في بريطانيا

ألقت الشرطة البريطانية القبض على عدة أشخاص حتى الآن بعد قيامهم بإطلاق هتافات أو حمل لافتات معارضة للحكم الملكي مما أثار جدلا في البلاد بشأن وضع حرية التعبير و"الحدود" التي يقول النشطاء إنها يجب أن تكون غير موجودة.

وقال الناشط البريطاني سايمون هيل قبل يومين على تويتر إن الشرطة اعتقلته في مدينة أوكسفورد بعد "تعبيره عن معارضة تنصيب الملك تشارلز الثالث، وتساءل إذا كان من الممكن اعتقال أشخاص فقط لأنهم عبروا عن آرائهم.

وزعم هيل أن الشرطة قيدت يديه ولم تخبره بسبب اعتقاله.

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن الشرطة ألقت القبض على أشخاص وهم يهتفون ضد التاج ويحملون لافتات مناهضة للملكية وفي إحدى الحالات اعتقل حامل ورقة بيضاء.

ووصفت الصحيفة حملة الشرطة بـ"القمعية" وقالت إنها  تثير تساؤلات حول حرية التعبير خلال هذه الفترة المشحونة بالنسبة للمملكة المتحدة.

ورفض متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، التعليق على عمليات الاعتقال بالتفصيل.

وقال ماكس بلين، المتحدث باسم رئيسة الوزراء، إنه في حين أن "هذه فترة حداد وطني، بل وحزن، بالنسبة للغالبية العظمى من المملكة المتحدة... فإن الحق في الاحتجاج يظل مبدأ أساسيا".

لكنه قال إن الأمر "متروك للشرطة لتقرر ما هو مناسب في الظروف الفردية".

وعلى تويتر، كان هاشتاغ "NotMyKing" (ليس ملِكي) رائجا بعد ظهوره على لافتة متظاهر احتجزته الشرطة في لندن يوم الإثنين، ودعا المشرعون السلطات إلى احترام حقوق أولئك الذين يعتقدون أن وفاة الملكة يجب أن تبشر بنهاية النظام الملكي.

وفي صور شوهدت على نطاق واسع، ألقي القبض على امرأة تحمل لافتة كتب عليها "إلغاء الملكية" و"الإمبريالية" يوم الأحد في كاتدرائية سانت جايلز في إدنبرة، حيث كان من المقرر أن يرقد جثمان الملكة في حتى الثلاثاء.

واتهمت المرأة في وقت لاحق بموجب قسم من قانون العدالة الجنائية والترخيص (إسكتلندا) لعام 2010 يحظر السلوك "التهديدي أو المسيء"، حسبما ذكرت مجموعة مناصرة تعمل لديها في بيان.

ودافع عنها بعض الموجودين ممن قدموا لتقديم العزاء بالملكة بالصراخ باتجاه الشرطة "دعوها تذهب، إنها حرية التعبير".

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن زارا سلطانة، عضو حزب العمال المعارض في البرلمان البريطاني قولها إنه "لا ينبغي اعتقال أي شخص لمجرد تعبيره عن وجهات نظر جمهورية".

محتج مؤيد للنظام الجمهورية خلال حفل إعلان الملك تشارلز ملكا لبريطانيا

وظهرت تقارير عن الاعتقالات لأول مرة يوم الأحد، عندما تمت قراءة وثيقة تعلن رسميا تشارلز ملكا بصوت عال في مواقع في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

وقالت الشرطة في عدة مقاطعات بريطانية إن الاعتقالات كانت بتهمة "تعكير السلم العام"، أو بتهم تتعلق "بالنظام العام".

وقد يواجه الأشخاص الذين يتم توجيه اتهامات لهم محاكمة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن محامي الحقوق المدنية، كلايف ستافورد سميث، قوله إن مثل هذه الحوادث تسلط الضوء على الثغرات في الحقوق القانونية للمتظاهرين في المملكة المتحدة، وأضاف "على الرغم من كل الدعاية بأن هذا البلد بلد حرية التعبير، فإن البريطانيين لا يحصلون حقا على حرية التعبير بالطريقة التي يحصل عليها الأميركيون".

وفي بريطانيا، هناك قانون يحاكم بتهم الخيانة أقر عام 1848 من لأي شخص ارتكاب أفعال تهدف إلى حرمان الملك البريطاني من "الاسم الملكي للتاج الإمبراطوري".

وقال ستافورد سميث إن القانون لا يطبق اليوم، لكنه "لا يزال موجودا".

وأضاف أن بعض ضباط الشرطة الذين يقمعون المتظاهرين في الأيام الأخيرة ربما يطبقون قانون النظام العام لعام 1986 "وهو قانون غامض بشكل لا يصدق ينص على أن أي شيء يمكن أن يثير الفوضى العامة ويترك لسلطة الشرطة أن تقرر ما إذا كانت ستعتقل شخصا ما".

وقال عضو البرلمان البريطاني، جيريمي كوربين، عبر تويتر إن الاعتقالات "خطأ، وهي ضد الديمقراطية، وضد القانون، وإن الناس يجب ألا يحاسبوا على التعبير عن آرائهم".

وتعرض قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الأخير لعام 2022 لانتقادات شديدة لفرضه قيودا على الاحتجاجات، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي من المتظاهرين قد اتهم بموجب هذا القانون، لأن معظم أحكامه لا تنطبق على إسكتلندا.

وقال الناشط والمحامي بول باولسلاند، الإثنين، عبر تويتر إنه كان في ساحة البرلمان في لندن و"حمل ورقة بيضاء" عندما طلب منه ضابط شرطة معلوماته.

ويقول باولسلاند إن "الضابط قال إنه إذا كتبت، ليس ملكي، على الورقة، فسوف يعتقلني بموجب قانون النظام العام، لأن شخصا ما قد يتعرض للإهانة".

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن مقطعا من المحادثة بين الضابط والمحامي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع نائب مساعد مفوض شرطة العاصمة، ستيوارت كوندي، إلى القول في بيان يوم الإثنين: "لقد أوضحنا [حق الجمهور في الاحتجاج] لجميع الضباط المشاركين في عملية الشرطة الاستثنائية القائمة حاليا وسنواصل القيام بذلك".

وأضاف كوندي أن "الغالبية العظمى من التفاعلات بين الضباط والجمهور في هذا الوقت كانت إيجابية حيث جاء الناس إلى العاصمة للحزن على فقدان جلالة الملكة الراحلة".

"قمع" من المعزين أيضا

وأشار البعض على وسائل التواصل الاجتماعي إلى شكل آخر من أشكال الرقابة على الآراء المناهضة للنظام الملكي، وهو شكل قائم على ضغط الأقران.

وفي إدنبرة، عندما هاجم شاب يبلغ من العمر 22 عاما الأمير أندرو بينما كان الموكب الذي يحمل نعش الملكة يسير في الميل الملكي، أظهرت مقاطع فيديو المتظاهر وهو يدفع بعنف إلى الأرض ويدفعه رجلان من المعزين قبل أن تسحبه الشرطة بعيدا.

وقال متحدث باسم شرطة اسكتلندا لصحيفة واشنطن بوست عبر البريد الإلكتروني إنه تم القبض على شاب يبلغ من العمر 22 عاما ثم "أطلق سراحه بناء على تعهد بالمثول أمام محكمة شريف إدنبرة في وقت لاحق".

وقال دانيال حنان، عضو مجلس اللوردات: "إن احتجاز الناس بسبب ترديدهم شعارات جمهورية، حتى لو فعلوا ذلك بطريقة خشنة واستفزازية عمدا، هو أمر غير بريطاني على الإطلاق"، وفقا لواشنطن بوست، وأضاف "أشعر بالقلق من أن شرطتنا أصبحت أكثر استبدادية - والأسوأ من ذلك - أن قسما من الجمهور يهتف لهم".

وتقوم مجموعات مثل "Republic" في المملكة  المتحدة بدعم إنهاء النظام الملكي والدعوة إلى التغيير.

وقالت "Republic" يوم الإثنين إنها ستتصل بوكالات الشرطة للسؤال عن القواعد الخاصة بالمتظاهرين، مضيفة أنها تعتزم تنظيم احتجاجات حول تتويج تشارلز "وتتوقع السماح لتلك الاحتجاجات بالمضي قدما سلميا".

ونقلت وكالة بلومبرغ عن المتحدث باسم المجموعة، غراهام سميث: "في الوقت الذي تقوم فيه وسائل الإعلام بالتزلف إلى ملك معين دون مناقشة، فإن الأمر [حرية التعبير] أكثر أهمية".

وقالت منظمة "ليبرتي" للحقوق المدنية إنه "من المقلق للغاية أن نرى الشرطة تفرض سلطاتها الواسعة بهذه الطريقة القاسية والعقابية لقمع حرية التعبير والتعبير".

سفينة حربية تعبر قناة السويس - AFP
سفينة حربية تعبر قناة السويس - AFP

ضجة كبيرة عاشتها مصر في الأيام الأخيرة إثر نشر فيديو زعم متداولوه أنه يخص "بارجة حربية إسرائيلية تعبر قناة السويس".

وفي ردها على الجدل الذي أثاره الموضوع، ذكرت هيئة قناة السويس أن إدارتها للمجرى الملاحي تخضع لبنود اتفاقية القسطنطينية التي تمنح لجميع دول العالم الحق في أن تعبر سفنها القناة "دائمًا بجميع الأحوال ومهما كانت جنسيتها".

 

فما قصة هذه الاتفاقية؟ وهل التزمت مصر بتطبيقها منذ توقيعها؟ وكيف تعاملت إدارة القناة مع سفن إسرائيلية سعت للمرور من القناة من قبل بموجب الاتفاقية؟

القناة المحايدة

بموجب قرار في العام 1856، أقرّت مصر حرية الملاحة في القناة "بشكلٍ محايد" لجميع السفن مهما كان حجم الصراعات بينها، طالما أن مصر ليست طرفًا فيها. ونصّت المادة 14 من القرار على أن "القناة البحرية الكبرى مفتوحة على الدوام بوصفها ممرًا محايدًا لكل سفينة".

غير أن مصر ستشهد في 1882 حدثًا استثنائيًا حينما قاد الضابط أحمد عرابي تمردًا عسكريًا ضد الخديوِ توفيق فأرسلت بريطانيا حملة عسكرية لحماية عرش الخديو، مستخدمة القناة للوصول إلى مدينة الإسماعيلية ومنها زحفت القوات البريطانية إلى القاهرة حيث أنهت تمرد الجيش وسيطرت على القاهرة، وكانت تلك اللحظة بداية الاحتلال الإنجليزي لمصر.

ووفق ما أورده عبده مباشر في كتابه "قناة السويس: المشروع والصراع" فإن هذا الاحتلال كان بداية لزيادة سيطرة الإنجليز على القناة، فجرى استدعاء مديرها الفرنسي فرديناند ديليسبس إلى لندن 1883 لتوقيع اتفاق جديد قضى برفع حصة الإنجليز في مجلس الإدارة وعدد الملاحين، كما نص على أن تنشئ الشركة لها مكتبًا في لندن أسوة بمكتبها في فرنسا.

السيطرة الإنجليزية على القناة أشعلت غضب فرنسا فاقترحت لندن وضع نظام جديد لإدارة القناة بشكلٍ يرضي جميع الأطراف، وفي مارس 1885 بدأت مباحثات بين البلدين حول إبرام معاهدة دولية تنظّم المرور في القناة.

وطيلة 3 سنوات اشتعل الشقاق بين فرنسا وبريطانيا حول كيفية إدارة القناة حتى اتفقتا أخيرًا على بنود معاهدة القسطنطينية ومعهما دول أخرى.

وفي 29 أكتوبر 1888، وقّع مندوبو 9 دول على اتفاقية من 17 مادة نظّمت قواعد مرور السفن في القناة أبرزها أن "تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرة مفتوحة في زمن السلم والحرب لكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز بين جنسياتها".

ولم تلعب القاهرة دورا كبيرا في إبرام الاتفاقية بعدما مثّلتها الدولة العثمانية، صاحبة السيادة الإسمية عليها حينها، وبريطانيا التي فرضت احتلالاً عليها أدارت بموجبه شؤونها الخارجية والداخلية.

وبحسب بحث "موقف الدولة العثمانية من اتفاقية القسطنطينية للملاحة في قناة السويس"، فإن حتى الدولة العثمانية لم تلعب دورًا كبيرًا في صياغة بنود الاتفاقية بعدما تلقتها عقب اتفاق بريطانيا وفرنسا على أغلب بنودها.

ويقول محمد عبد الرحمن في كتابه "قناة السويس: أهميتها السياسية والاستراتيجية" إن بريطانيا، رغم توقيعها على الاتفاقية، فقد ألحقت بها تحفظًا يبيح لها التحلل من أحكامها إذا ارتأت أن تطبيق هذه البنود يتعارض مع مقتضيات احتلالها للقناة ويحرمها من بناء قواعد عسكرية لها على جانبي القناة حال الضرورة لذلك.

ولم تسحب بريطانيا هذه التحفظات إلا بعد الاتفاق الودي الذي جرى بينها وبين فرنسا 1904 وتقاسمت بموجبه البلدان النفوذ في الشرق الأوسط، وفق ما ذكره عبد الخالق لاشين في كتابه "مصريات في الفكر والسياسة".

وبحسب كتاب فتحي المحلاوي "قناة السويس بين الوثائق والمزاعم"، فإن القناة حاولت الالتزام بـ"الحياد العسكري" خلال حرب الدولة العثمانية وإيطاليا 1911، فحينما أرسلت إسطنبول قوة من 400 جندي إلى سوريا اشترط عليهم تجريدهم من السلاح وعبور القناة في حراسة البوليس المصري.

الحياد في زمن الحرب

في 1914، استقلت مصر عن الدولة العثمانية وورثت عنها التزاماتها الرسمية في المعاهدة، وباتت طرفًا فاعلاً فيها لأول مرة. العام ذاته شهد اندلاع الحرب العالمية الأولى التي خاضتها بريطانيا بفاعلية، وبالتالي كان الحفاظ على حياد القناة الخاضعة لسيطرتها أمرًا صعبا.

أعلنت بريطانيا الحماية على مصر وبالتالي صارت القناة جزءًا من دولة في معسكر الحلفاء وباتت هدفًا عسكريًا، بعدما حاولت قوة ألمانية تركية الاستيلاء على القناة فتصدّت لهم قوة بحرية بريطانية.

وخلال الحرب قضت بريطانيا على مفهوم "حياد القناة" تمامًا بعدما منعت سفن أعدائها من العبور وأقامت لنفسها قواعد عسكرية في القنطرة والإسماعيلية ربطتهما بالقاهرة عبر خط سكة حديدية.

وبحسب ما روته لطيفة سالم في كتابها "مصر في الحرب العالمية الأولى"، فإن هذه التصرفات استدعت "إدانة شديدة" من الحكومة العثمانية بعدما اعتبرتها تناقض بنود اتفاقية القسطنطينية.

ووفق ما ذكره جورج كيرلس في كتابه "قناة السويس من القِدم إلى اليوم"، فإن عدم التزام القوى الكبرى باتفاقية القسطنطينية خلال الحرب وتصارعها حولها وداخلها في بعض الأحيان خفّض حركة الملاحة فيها بنسبة 45 في المئة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عرفت القناة "حيادًا جزئيًا" خلال احتلال إيطاليا لإثيوبيا 1935 بعدما سُمح لما يزيد عن نصف مليون جندي إيطالي بعبور قناة السويس، بينما رُفض عبور سفن كانت تحمل أسلحة إلى الحبشة، وفق ما ذُكر في كتاب "مصر والصراع حول القرن الأفريقي".

هذا الأمر تكرر أيضًا خلال الحرب العالمية الثانية التي شهدت سقوط فرنسا على أيدي الألمان الأمر الذي منح بريطانيا سيطرة مطلقة على القناة فكررت استغلالها لصالح مجهودها الحربي، وهو ما حاولت قوات دول المحور إنهاءه فأغارت عليها طائراتها 64 غارة من يناير 1941 وحتى يوليو 1942، كما هاجمتها الغواصات الألمانية 17 مرة.

وبحسب كيرلس فإنه طيلة هذه الحرب تعطلت الملاحة بالقناة 76 يومًا على فترات متقطعة بسبب إغراق عددٍ من السفن والألغام بها، وفي بعض الأوقات بلغت نسبة انخفاض حركة الملاحة 70 في المئة.

بعد 1948.. "ممنوع العبور" لإسرائيل

يكشف الكاتب عبد العظيم رمضان، في كتابه "المواجهة المصرية الإسرائيلية في البحر الأحمر"، أن القاهرة "لم تعتبر اتفاق الهدنة 1949 الذي وقعته مع إسرائيل أنهى حالة الحرب معها، وبالتالي رخّصت لنفسها الحق في منع أي سفينة تقصد إسرائيل مستندة إلى المادة العاشرة من المعاهدة والتي كفلت ألا تتعارض موادها مع التدابير التي قد يجري اتخاذها لـ"ضمان الدفاع عن مصر وإقرار النظام العام".

هذا المنع لم يُطبّق على السفن الإسرائيلية فقط وإنما كذلك على السفن المحايدة التي تحمل بضائع من دول أخرى تجاه الموانئ الإسرائيلية.

هذا الحصار أثار غضب إسرائيل فقدّمت إلى مجلس الأمن شكوى في يوليو 1951 لتأكيد أن هذا الموقف مخالف لاتفاقية 1888، وهو أمر أيّدها به المجلس وأصدر قرارًا بالأغلبية يدعو مصر للوفاء بالتزاماتها البحرية إلا أن مصر لم تستجب.

ويروي الدبلوماسي عصمت عبدالمجيد في كتابه "زمن الانكسار والانتصار"، أن إنجلترا، التي كانت تتمتع بنفوذ كبير في مصر وقتها، حاولت التدخل عبر إقناع الحكومة المصرية على الأقل بالسماح بعبور ناقلات البترول المتجهة إلى حيفا عبر قناة السويس إلا أن القاهرة رفضت ذلك الأمر.

وظلّت مصر متمسكة بهذا الموقف حتى بعد اندلاع ثورة يوليو، وفي سبتمبر 1954 حاولت إسرائيل تحدّي قرار الحكومة المصرية فأرسلت سفينة تحمل العلم الإسرائيلي نحو قناة السويس فصُودرت حمولتها وسُجن بحارتها 3 أشهر أعيدوا بعدها إلى بلدهم.

خلال هذه الأزمة أعلن عمر لطفي مندوب مصر في مجلس الأمن أن بلاده "تخشى بسبب حالة العداء التي تجمعها بإسرائيل أن تنفذ أي سفينة تابعة لها عملية تخريبية تمنع الملاحة في القناة"، لذا فإنه "يعتبر أن منع إسرائيل من استخدام أمر واجب" وفقًا لتفسيره لمواد اتفاقية القسطنطينية.

وعلى وقع هذه الأزمة عقد مجلس الأمن 7 جلسات امتدت حتى يناير 1955 دون أن ينجح في اتخاذ أي قرار، أمر اعتبرته القاهرة انتصارًا لها وأعلنت كذلك أن "قرار 1951" سابق الإصدار مجرد توصية غير ملزمة، وهو وضعٌ استمرّ حتى تأميم القناة 1956.

أزمة التأميم

في 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. خطوة كان متوقعًا أن تثير غضب الغرب ضده فبادر بإعلان "الاحترام الكامل" لاتفاقية القسطنطينية، إلا أن ذلك لم يُفلح في امتصاص غضب الحكومة البريطانية على القاهرة بعدما أظهر رئيس الحكومة أنطوني إيدن ميوله لاستعمال القوة العسكرية إن لم يتراجع ناصر عن التأميم.

تعتبر قناة السويس معبرا حيويا للملاحة الدولية

وفي محاولة لتبرير الهجوم على مصر، اعتبر إيدن أن قرار التأميم يهدم اتفاقية القسطنطينية التي نصّت على أن حرية الملاحة ترعاها شركة القناة الدولية وأن استيلاء مصر عليها يتعارض مع الاتفاقية.

وحسبما روت لطيفة محمد سالم في كتابها "أزمة السويس: جذور، أحداث، نتائج"، فإن هذا الموقف لم يشاركه به الرئيس الأمريكي أيزنهاور حينما بعث له رسالة عارَض فيها تنفيذ أي عمل عسكري داعيًا لمناقشة القضية من خلال اجتماع تعقده الدول الموقعة على اتفاقية القسطنطينية.

خطوة المؤتمر تمّت بالفعل في لندن بعدما رعت مؤتمرًا ضمّ الدول الموقعة على الاتفاقية ودول أخرى معنية بالملاحة في القناة بسبب حجم تجارتها الكبير الذي يمرُّ منها مثل أميركا والبرتغال واليابان وغيرها، لكن مصر رفضت حضور هذا المؤتمر ما أدى لفشله.

وبعد انتهاء الأزمة بنجاح مصر في ترسيخ سيادتها على القناة، اضطرت للتراجع عن موقفها بمنع أي سفينة من العبور لإسرائيل فوافقت لأول مرة على مرور البضائع الإسرائيلية غير العسكرية، بشرط أن تكون محمولة على سفن غير إسرائيلية.

من ناحيتها، فرضت القاهرة قيودًا على تعريفها للشحنات "غير العسكرية" وحدّدتها بالشحنات الغذائية فقط، فيما اعتبرت "النقود والسبائك الذهبية والفضية والأوراق المالية" شحنات عسكرية لا يُسمح بمرورها إلى إسرائيل.

هكذا سمح عبد الناصر للسلع غير الاستراتيجية بالوصول إلى إسرائيل عبر قناة السويس طيلة سنوات ما بعد 1956 بشرط عدم الإعلان، وفي مايو 1959 أعلنت إسرائيل أنها تستعد لاستقبال باخرة دنماركية عبر قناة السويس فأوقفتها القاهرة، بعدها توصل ناصر إلى اتفاق عبر الأمم المتحدة يقضي بالسماح لهذه السلع بالعبور شريطة عدم إعلان إسرائيل عن هذه الشحنات.

وخلال سنوات حُكمه عبّر الرئيس جمال عبدالناصر مرارًا عن موقفه الرافض للسماح لإسرائيل باستخدام القناة، منها قوله في يوليو 1959 إن "مرور سفن إسرائيل لا يعتبر بأي حال من الأحوال ضمان حرية الملاحة في قناة السويس".

وظلَّ هذا الموقف غير مقبولا في إسرائيل واعتبرته "استمرارًا للحصار البحري ضدها" وقدّمت عدة شكاوى في مجلس الأمن لم تغيّر من موقف القاهرة، استمر هذا الوضع حتى اندلعت حرب 1967 التي كانت سببًا في تعطيل الملاحة في مجرى القناة لسنواتٍ طويلة لم تنتهِ إلا باندلاع حرب أكتوبر.

ما بعد أكتوبر

في مارس 1975، أعلن السادات نيته إعادة افتتاح قناة السويس مع التأكيد أن سفن إسرائيل ستظلُّ محرومة من استخدامها في ظل عدم إنهاء حالة الحرب بين البلدين.

هذا الوضع تغير قليلاً خلال أشهر معدودة بعدما وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية فض الاشتباك الثانية التي ورد بالمادة السابعة بها السماح بـ"مرور البضائع الإسرائيلية غير العسكرية بشرط أن تكون محمولة على سفن غير إسرائيلية"، وهو ما وصّفه بطرس غالي وقتها بأنه عودة إلى الوضع الذي كان سائدًا بين عامي 1957 و1967.

وظلَّ هذا الوضع قائمًا حتى انتهت حالة الحرب رسميًا بين البلدين عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979، التي نصّت على "حرية مرور السفن الإسرائيلية في خليج السويس وقناة السويس على أساس اتفاقية القسطنطينية لعام 1888"، لتنال بموجبها إسرائيل حقها في عبور جميع سفنها التجارية والحربية قناة السويس لأول مرة بلا أي قيود لأول مرة منذ 1948، وهو الأمر المستمر حتى اليوم.