العلم الجزائري يرفرف بين أعلام الدول الأخرى المشاركة في قمة جامعة الدول العربية في 27 أكتوبر 2022
العلم الجزائري يرفرف بين أعلام الدول الأخرى المشاركة في قمة جامعة الدول العربية في 27 أكتوبر 2022

أثارت "الخلافات" المغربية الجزائرية قبيل القمة العربية في الجزائر، المخاوف بشأن "اتساع نطاقها بين البلدين"، ما طرح تساؤلات حول تداعيات ذلك على نتائج القمة في ظل غياب عدد من القادة البارزين عن المشاركة، وانقسام الآراء حول النتائج المرجوة منها.

ويجتمع القادة العرب، الثلاثاء، في قمة تستضيفها الجزائر هي الأولى منذ ثلاث سنوات مع استمرار الانقسامات حول الصراعات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في سوريا وليبيا، فضلا عن تطبيع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل، وفقا لـ"فرانس برس".

وكانت آخر قمة لجامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، في مارس 2019 في تونس، قبل تفشي وباء كوفيد-19. 

مناوشات من قبل القمة

شهد اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية "خلافات" بين الوفد المغربي برئاسة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، وبين السلطات الجزائرية المنظمة للقمة العربية.

واحتج الوفد المغربي على نشر قناة الجزائر الدولية AL24 News خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تفصل المغرب عن الصحراء الغربية.

الخريطة التي أثارت حفيظة المغرب

وتحدثت وسائل إعلام عن "مغادرة الوفد المغربي للجزائر بعد خلاف مع وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة"، وهو ما نفته المغرب في بيان منشور على وكالة الأنباء المغربية "ماب".

وقال مصدر رسمي للوكالة المغربية إن "وفد بلاده بقي داخل القاعة واحتج على عدم احترام خارطة المغرب، من قبل قناة جزائرية مما اضطر الجامعة العربية إلى إصدار بيان توضيحي ودفع ورئاسة الجلسة إلى تقديم اعتذار".

وسارعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان رسمي إلى نفي أن يكون لها شركاء إعلاميين في تغطية القمة العربية.

وأكدت الجامعة العربية، الأحد، أن "الخلافات التي شهدتها الاجتماعات التحضيرية للقمة الـ31، والتي حدثت السبت، تم تجاوزها".

وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، بعد اختتام اجتماعات وزراء الخارجية العرب التحضيرية للقمة العربية، إن "الخلافات التي كانت بالأمس، تم تجاوزها"، دون أن يقدم المزيد من التوضيح.

وأثارت تلك التطورات عدة تساؤلات حول أسباب تلك المناوشات بين الطرفين، وتداعياتها على القمة المرتقبة.

تخبط وارتباك

يتحدث رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في المغرب، محمد بودن، عن "التخبط والارتباك وسوء التنظيم الجزائري وغياب الالتزام بقواعد البروتوكول والمراسيم المصاحبة لمثل تلك المناسبات".

ويستشهد في حديثه لموقع "الحرة"، بما قامت به القناة الجزائرية، مشيرا إلى "تسجيل جملة من الملاحظات والتجاوزات في حق الوفد المغربي".

وحسب حديثه فقد تم تقليص الوفد الإعلامي الرسمي المغربي، وحجز معدات القنوات الرسمية التابعة للمغرب بالمطار لمدة طويلة، وهو ما لا ينسجم مع شعارات الجزائر حول "لم الشمل"، على حد تعبيره.

وإذا كانت الجزائر قد قدمت دعوة رسمية للرباط لحضور القمة العربية فعليها "حسن استقبال المغرب"، وفقا لحديثه.

محاولة لإفشال القمة العربية؟

على جانب آخر، يرى الخبير السياسي الجزائري، نبيل جمعة، أن الاتهامات المغربية "مغالطات سياسية صبيانية متكررة وليست بجديدة" وتهدف لـ"تشويه وإفشال القمة العربية".

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يقول: "إذا أردت الجزائر مضايقة المغرب ما كانت وجهت إليها الدعوة المباشرة للحضور من البداية".

وحسب حديث جمعة فقد "استضافت الجزائر جميع الوفود العربية بصورة حسنة ونالت إشادة الجميع باستثناء الوفد المغربي"، معتبرا ذلك "خير دليل على محاولات المغرب تشويه المؤتمر وإفشال القمة".

ويشير جمعة إلى إشادة الوفود الحاضرة بـ"حسن التنظيم والبرمجة والحلول الناجعة، والسعي الجزائري للخروج بنتائج إيجابية من القمة".

هل يشارك العاهل المغربي؟

لم تعلن المغرب حتى موعد نشر التقرير، مشاركة العاهل المغربي، محمد السادس، في قمة الجزائر من عدمه.

لكن محمد بودن يرجح إمكانية مشاركة العاهل المغربي، في القمة حال "توفر أرضية صلبة لمشاركة مغربية على أعلى مستوى".

وحسب حديث بودن فسيكون ذلك الحدث "الأكبر والأبرز في القمة العربية" ورسالة مغربية لـ"الجزائر في عقر دارها"، على حد قوله.

وتدهورت العلاقات الثنائية بين البلدين، عندما أعلنت الجزائر في أغسطس من العام الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة المملكة بارتكاب "أعمال عدائية" ضدها. 

وردت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار، ورفضت ما وصفته بـ "المبررات الزائفة".

وتوجه وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي، إلى المغرب، في 27 سبتمبر الماضي، ليسلم بوريطة رسالة دعوة من الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للعاهل المغربي يدعوه فيها لحضور قمة الجامعة العربية.

ويصف جمعة الدعوة الجزائرية لحضور ملك المغرب بأنها "شفافة وصريحة".

هل تنجح القمة؟

دعت الجزائر ٢٠ قائدا عربيا لحضور القمة يومي الأول والثاني من نوفمبر، واستثنت في دعوتها سوريا التي لم مازال مقعدها شاغرا في جامعة الدول العربية.

أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، السبت، أن قمة الجزائر ستشهد مشاركة 15 قائدا عربيا من ملوك ورؤساء وأمراء، وفقا لحواره مع صحيفة "المصري اليوم".

ويشارك الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، في اجتماعات القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين بالجزائر، وفقا لوكالة الأنباء العراقية "واع".

ويمثل الكويت، ولي العهد الكويتي، مشعل الأحمد الجابر الصباح، حسب ما أكدته وكالة الأنباء الرسمية الكويتية "كونا"، الاثنين.

وأعلن الأردن أن ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني والوفد المرافق له، سينوب عن الملك عبد الله الثاني، وسيلقي ولي العهد كلمة الأردن في أعمال القمة.

ومن عمان، يشارك في القمة، أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، والممثل الخاص للسلطان، هيثم بن طارق آل سعيد، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العمانية.

وفي تغريدة عبر موقع "تويتر"، مساء الأحد، أعلن رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، تمثيله لبنان في القمة رفقه وزير الطاقة، وليد فياض.

وفي 23 أكتوبر، أكدت السعودية أن وزير خارجيتها سيترأس وفد المملكة في القمة العربية التي ستعقد في الجزائر.

وأوضح بيان للديوان الملكي السعودي، نشرته وكالة الأنباء الرسمية "واس"، أن هناك "ظروف صحية أدت إلى اعتذار ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن حضور القمة.

ومع غياب العديد من القادة، من المتوقع أن يشارك الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وغيرهم في هذه القمة، وفقا لـ"رويترز".

ويشارك في القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه.

ويرى بودن في غياب عدد من القادة البارزين عن الحضور، "أول عائق أمام مخرجات القمة"، ويقول "قوة المخرجات تعتمد على مستوى التمثيل الدبلوماسي".

وحسب حديثه فإن التصرفات الجزائرية أعطت انطباعا لعدد من الوفود العربية بوجود حسابات ضيقة.

ولذلك فهناك الكثير من العوامل التي تجعل قمة الجزائر "دون مستوى الطموحات التي تم الإعلان عنها"، على حد قوله.

لكن جمعة يشير إلى "عدم صحة ذلك الطرح"، بسبب "عدم تخلف أي دولة عربية عن حضور القمة وعدم مقاطعة أي وفد عربي للمشاركة".

ويقول إن "جميع الدول التي تم دعوتها أعلنت المشاركة، ولا يتعلق نجاح القمة من عدمه بمستوى التمثيل الدبلوماسي".

لم الشمل؟

جاء تنظيم هذه النسخة من القمة العربية تحت شعار "لم الشمل"، وهو ما يؤكده جمعة، متحدثا عن "سعي الجزائر إلى توحيد الصف العربي ووضع حلول للتحديات التي يواجها العرب".

لكن بودن، يشير إلى أن الجزائر نظمت القمة العربية سعيا منها لـ"تنفيذ أجندة داخلية قومية ولتحقيق نفوذ إقليمي".

وحسب حديثه فإن غياب غالبية القادة العرب عن المشاركة في القمة يشير لـ"فشل الجزائر في تحقيق تلك الأهداف حتى الآن".

وإذا تأكد غياب القادة العرب عن المشاركة فستكون الجزائر قد "عزلت نفسها بتنظيم القمة"، على حد قول بودن.

ويرد جمعة على هذا الطرح، مؤكدا أن "الجزائر ليس لديها سياسات توسعية ولا تتدخل في الدول الأجنبية وتلتزم بمواثيق الأمم المتحدة".

وتسعى الجزائر من خلال القمة إلى "رأب الصدع العربي ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا تعمل على تحقيق أجندة خاصة"، وفقا لحديث نبيل جمعة.

نقطة اتفاق وتحديات مشتركة

رغم اختلاف الآراء بين جمعة وبودن، لكنهما اجتمعا على نقطة اتفاق تتعلق بـ"مواجهة غالبية الدول العربية تحديات يجب مواجهتها وحلها".

ويؤكد جمعة أن الدول العربية تواجه تحديات اقتصادية وسياسية وغذائية وأمنية عدة وهو ما يتطلب "تكامل عربي مشترك".

وحسب حديث بودن فإن المنطقة تواجه عدد من التحديات والأزمات والارتدادات السياسية والاقتصادية والغذائية.

وتعاني الدول العربية من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية ما يتطلب "العمل المشترك" لإدانة تلك التدخلات، وفقا لبودن.

مخيم للنازحين في سوريا. أرشيف
مخيم للنازحين في سوريا (أرشيف)

في زوايا الذاكرة المحروقة من اللجوء، تقف حورية محمد، شابة سورية تبلغ من العمر 22 عامًا، شاهدة على حياة كاملة قضت نصفها تقريبًا داخل مخيم الزعتري في الأردن. 

ومع سقوط نظام بشار الأسد، كان النازحون السوريون يأملون أن تبدأ مرحلة جديدة من السلام وإعادة الإعمار، لكن الواقع أثبت أن نهاية الحرب لا تعني نهاية المعاناة، إذ أن ملايين المهجّرين لا يستطيعون العودة، لا لأسباب أمنية فقط، بل لأن بيوتهم دمرت، وقراهم خربت، والمرافق الأساسية معدومة.

وحين وصلت إلى  الزعتري شمالي الأردن، كانت لا تزال طفلة، بالكاد تفهم معنى النزوح، لكن السنوات الطويلة داخل أسوار الخيام والكرفانات جعلتها تنضج قبل أوانها، وتحمل همومًا أكبر من عمرها.

"في البداية، لم يكن المخيم مهيئًا للحياة"، تروي حورية، بنبرة تعبّر عن مزيج من الألم والتأقلم. "ما كان في كهرباء ولا ماء، الحمامات والمطابخ مشتركة، وكان الوضع صعب جدًا، خصوصًا للأطفال والنساء.. سكنّا في خيام تحت الشمس والمطر، وكل شيء كان ينقصنا".

"مدينة نزوح"

تحوّلت الخيمة إلى منزل، والمخيم إلى مدينة، بل إلى ما يشبه الوطن البديل، رغم أنه لا يشبه الوطن أبدًا. ومع مرور الوقت، تحسنت بعض الخدمات، وتمّ استبدال الخيام بالكرفانات، وتوفرت الكهرباء والمياه تدريجيًا، لكن الذاكرة بقيت مثقلة بالبدايات القاسية. وتقول حورية: "الزعتري صار خامس أكبر مدينة بالأردن، بس الناس هون ما نسيوا بيوتهم، ما نسيوا حياتهم قبل الحرب".

ورغم سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024، لم يكن ذلك كافيًا لإقناع الناس بالعودة. البعض جرب العودة وندم، والبعض الآخر ما زال ينتظر أن تتحسن الأوضاع. تؤكد حورية: "الناس اللي رجعت على سوريا كلها ندمت. الوضع المعيشي هناك صادم، وما حدا عنده بيت يرجع عليه. كل شي مهدوم، وكل حدا ناطر يتحسن الوضع ليقرر يرجع".

لكن الغربة ليست وحدها العائق، فحتى الأمل أحيانًا يصبح رفاهية. في أحد الأمثلة المؤلمة، تروي حورية عن رجل ينحدر من بلدة إنخل بمحافظة درعا، قرر مغادرة الزعتري عبر البحر لعلاج ابنه المصاب بسرطان الدم، بعدما أصبحت الرعاية الصحية المجانية نادرة في المخيم. 

ولم يصل ذلك الرجل إلى أوروبا، بل غرق في البحر قبالة سواحل ليبيا، تاركًا خلفه زوجة وأطفالًا ينتظرون عودته.

"هذا مثال على معاناة اللاجئين والنازحين "، تقول حورية، قبل أن تصمت لحظة، وكأنها تحاول منع دموعها من الانهمار. في حياتها، كما حياة مئات الآلاف من السوريين، تحوّل الانتظار إلى أسلوب حياة، والغربة إلى هوية مؤقتة لا أحد يعرف متى تنتهي.

من حصار الجوع إلى التيه في المخيمات

وفي يوم عادي من عام 2013، كان رياض محمد السوفاني (58 عاما) يجلس مع عائلته في جنوب العاصمة دمشق، لا يدرك أن حياته ستتحول إلى كابوس طويل سيظل يعيشه لسنوات... قصف بالهاون، غارات جوية، قنص، وحصار خانق لحي التضامن حتى أصبح الخروج من المنزل بحثًا عن الطعام مهمة انتحارية.

"لم يكن لدينا سوى الماء والبهارات، وكنا نأكل أوراق الفجل التي لا تقترب منها حتى الحيوانات"، يقول رياض وهو يسترجع واحدة من أقسى لحظات حياته.

كانت الأوضاع في جنوب دمشق مأساوية إلى حد يفوق الوصف، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فبينما كان رياض يحاول البقاء على قيد الحياة، كان الموت يحصد أحبّ الناس إليه.

"قتلت والدتي بقصف جيش النظام، ثم قتل ابني محمد، وعمره 23 عامًا، وبعدها فقدت ابني الآخر صلاح الدين، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بسبب نقص الدواء"، يضيف رياض، بينما تتقطع كلماته بحزن لا يوصف.

لم يكن القتل هو السلاح الوحيد الذي استخدمه النظام، بل كان الحصار والتجويع أكثر قسوة من القصف، خاصة عندما بدأ "الناس يموتون أمام أعينهم بسبب انعدام الطعام".

في النهاية، وبعد سنوات من الصمود تحت الحصار قرر النظام فتح معبر لخروج بعض العائلات من المنطقة، لكن الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر، حيث تعرض الشباب للاعتقال، وكان  ابن شقيق رياض من بين المعتقلين.

"عندما خرجت عائلتي من جنوب دمشق، بقيت أنا وحدي في الحصار، ثم جاء اتفاق التهجير إلى الشمال السوري عام 2018، وهو أصعب ما مررت به"، يقول رياض بصوت خافت، وكأن الذكرى ما زالت تنهش روحه.

كانت مغادرة المنزل أقسى من الموت نفسه، أن تترك المكان الذي ولدت فيه، وتذهب إلى مصير مجهول، حيث لا شيء مؤكد سوى أنك ستكون"لاجئًا في وطنك".

"معاناة لا تنتهي"

وصل رياض إلى الشمال السوري بعد رحلة تهجير طويلة، ليدرك أن الحياة هناك لم تكن أقل قسوة من الحصار.

"تخيل أن يكون الحمام والمياه وكل شيء مشتركًا مع مئات الناس، تخيل أن تعيش في خيمة تحت رحمة الأمطار الشتوية والحر الشديد في الصيف، محاطًا بالحشرات والزواحف، وأن تعتمد على مساعدات لا تأتي إلا بين مد وجزر"، يروي رياض.

في السنوات التي تلت النزوح، حاول رياض البحث عن عمل، عن حياة كريمة، لكنه اصطدم بواقع اقتصادي قاسٍ، حيث لا وظائف، ولا فرص، ولا مستقبل واضح.

"تأقلمنا مع الوضع رغم صعوبته، انتظرنا يومًا تتحسن فيه الأمور، لكن كل شيء ظل كما هو"، يقول رياض، وكأنه يحاول إقناع نفسه بأن الصبر وحده كافٍ.

فرحة ممزوجة بالصدمة

وفي 8 ديسمبر 2024، سقط نظام الأسد بعد 14 عامًا من الحرب والدمار، وسرعان ما انتشرت الأخبار في المخيمات، لتتحول الخيام البائسة إلى ساحات فرح.

"نزل الناس إلى الشوارع، تبادلوا التهاني، الجميع كان يحلم بالعودة إلى قراهم، إلى منازلهم التي تركوها منذ سنوات"، يصف رياض اللحظة التي اعتقد فيها أن الألم قد انتهى أخيرًا.

لكن عندما بدأ النازحون في العودة إلى بلداتهم، كانت المفاجأة الصادمة في انتظارهم.. "كثيرون لم يجدوا بيوتهم، وكثيرون لم يجدوا حتى ما يثبت أنهم كانوا يعيشون هناك يومًا ما"، يقول رياض بأسى.

فقد البعض كل شيء، ولم يتمكن آخرون من العودة بسبب غياب وسائل النقل أو المال اللازم للانتقال، ليجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في المخيمات، على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحقق فيه العودة حقًا.

"نحن لا نطلب الكثير، فقط أن نعود إلى بيوتنا، إلى الأرض التي ولدنا فيها، لكن يبدو أن الوطن الذي حلمنا به لا يزال بعيدًا"، يختتم رياض شهادته، بنبرة تحمل خليطًا من الأمل والخذلان. 

"حلم الموت الدافئ"

وفي إدلب، يعيش أحمد الحموي،(67 عاما) الذي اضطر للفرار من ريف محافظة حماة عام 2014 بعد تصاعد القصف والاشتباكات في منطقته، حيث وجد نفسه في مدينة غريبة عنه، لكنها كانت الخيار الوحيد له ولعائلته للبقاء على قيد الحياة.

"لم يكن لدينا وقت لجمع أي شيء، خرجنا من المنزل ونحن بالكاد نحمل أطفالنا"، يقول أحمد، الذي كان يعمل مدرسًا للغة العربية قبل أن تسرقه الحرب من فصوله وطلابه.

يعيش أحمد اليوم في بيت صغير في إدلب، بعيدًا عن مسقط رأسه، لكنه لا يزال يشعر بأنه "غريب داخل وطنه"، حيث فقد معظم أصدقائه، فيما لا يزال بعض أفراد عائلته مفقودين.

ويحلم الحموي بالعودة إلى مسقط رأسه، مضيفا: "أريد أن أموت في بيتي الذي بات أنقاضا بعدما كانت جدرانه تشهد على طفولتي وشبابي وكهولتي، لكن حتى الموت لم يعد بهذه السهولة"، يضيف أحمد بصوت مبحوح.

محمد خير.. "لا أصدق ما حدث"

في إحدى المخيمات القريبة من مدينة إعزاز شمال سوريا، يجلس محمد خير حمود (54 عامًا)، محاولًا إشعال موقد صغير ليحضر بعض الشاي، لكن الرياح الباردة تصعب عليه المهمة. 

محمد، الذي كان يقطن في حي العروبة بالقرب من مخيم اليرموك، جنوب دمشق، لم يكن يخطر بباله يومًا أنه سيعيش داخل خيمة، محاصرًا بين البرد والذكريات.

في عام 2018، اضطر محمد لمغادرة جنوب دمشق إلى الشمال السوري بعد سنوات مريرة من الحصار والقصف والجوع.

"عندما غادرت منزلي، كنت أحمل مفتاحه معي، كنت أعتقد أنني سأعود خلال أسابيع أو أشهر، لكن السنوات مرت، واليوم لم يعد هناك منزل لأعود إليه"، يقول محمد بحزن.

يحمل محمد صورًا قديمة لبيته، لأشقائه الذين تفرقوا في دول مختلفة بحثًا عن الأمان. لم يعد هناك أي رابط بينه وبين قريته سوى تلك الذكريات التي يؤلمها الزمن، ويزيدها البعد وجعًا.

"الوطن لم يعد الوطن الذي عرفناه، والبيوت لم تعد البيوت التي سكناها، كل شيء تغير، لكن القلب يرفض التصديق"، يضيف محمد، بينما يراقب طفلته الصغيرة التي لم تعرف سوى الخيام منزلا لها.