الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية العام الماضي
الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية العام الماضي

أشعلت كرة القدم توترا جديدا بين المغرب والجزائر، ليضاف إلى ملفات ساخنة أخرى وسعت الهوة بين الدولتين الجارتين. واندلع الخلاف بعد أن اشترط المغاربة خطا جويا مباشرا لتنقل المنتخب المحلي للمشاركة في البطولة الأفريقية التي تحتضنها الجزائر، وهو ما قوبل بالرفض.

والخميس، أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم أنه لن يشارك في بطولة الأمم الأفريقية للاعبين المحليين "الشان" بعد رفض السلطات الجزائرية الترخيص لرحلة مباشرة بين البلدين لنقل لاعبي المنتخب المغربي. والسبب أن الجزائر قررت العام الماضي إغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات المغربية في ظل توتر دبلوماسي بين البلدين.

كل شيء تحول مصدر للخلاف

ويعلق الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت، لموقع "الحرة" أنه "للأسف تحول كل شيء إلى خلافات وصراعات وأصبح أيضا محاولة لدفع الكثير من المغاربة والجزائريين للتخاصم ولتبادل الشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

ولا يستثني الدبلوماسي السابق وسائل الإعلام في البلدين "من صب الزيت على النار"، ويتابع "هناك  قنوات رسمية، وتلفزيونية وصحافة تتبادل الشتائم وللاتهامات،  وهذا يخلق احتقانا بين الشعبين حتى وإن كان الكثير من المغاربة والجزائرين يعتبرون أن الخلاف بين نظامين وليس بين شعبين".  

ويأتي إعلان المغرب قبل يوم واحد من انطلاق هذه البطولة في مدينة قسنطينة الجزائرية. وكان المنتخب المغربي هو الفائز في النسخة الأخيرة من هذه البطولة، التي لا يمكن إلا للاعبين الذين يتنافسون في دوريات بلدانهم الأصلية المشاركة فيها.

في الجزائر يعتبرون أن جيرانهم قد "قاطعوا" هذه البطولة وانتقدوا اشتراط المغرب مشاركته باختيار الطيران مباشرة من الرباط إلى قسنطينة. ووفقا لوسائل الإعلام الجزائرية، فإن مواصفات المناقصة الخاصة بالشان لا تلزم البلد المضيف بإصدار تصاريح للرحلات المباشرة.

وتعتقد الجزائر أن الرباط أرادت الالتفاف على القيود الحالية المفروضة على الطائرات المغربية في المجال الجوي الجزائري.

يقول أستاذ العلوم الدستورية المغربي، رشيد لزرق، في حديث لموقع "الحرة" إن الكونفدرالية الأفريقية "هي التي تنظم البطولة في حين أن الجزائر هي البلد المحتضن لذلك يجب عليها تسهيل تنقل الفرق المشاركة".

لكن الإعلامي المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة، يرى أن القضية بين المغرب والكونفيدرالية الأفريقية لكرة القدم، لأن هذه الأخيرة هي الراعية الرسمية للحدث.

ويستغرب بوغرارة كيف أن المغرب حضر للألعاب المتوسطية في يونيو الماضي من دون أن يتطرق لمشكلة الخط الجوي المباشر.

ويتوقع المحلل الجزائري أن أمور مثل هذه "ستزيد من تعميق الخلافات".

وأعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم (الجامعة الملكية المغربية)، الخميس، رسميا عن عدم مشاركة منتخبه الوطني في بطولة أمم أفريقيا للمحليين بالجزائر (الشان).

وقال الاتحاد في بيان على موقعه الرسمي "تعذر على المنتخب الوطني السفر إلى مدينة قسنطينة (..) للدفاع عن لقبه الذي أحرزه في الدورتين الأخيرتين".

وأضاف أنه "بينما كان المنتخب الوطني يستعد للتوجه إلى مدينة قسنطينة يوم 10 يناير 2023 للمشاركة في هذه البطولة القارية التي ستنطلق في 13 يناير الجاري، لم تحصل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم للأسف، على الترخيص النهائي" للسفر إلى الجزائر عبر الخطوط الملكية المغربية.

ويرى رشيد لزرق أن القضية هي اختبار لقوة البلدين على صعيد المجال الأفريقي، ويأسف في حديثه لموقع "الحرة" أن الرياضة كانت "يرجى منها أن تكون مجالا لتقريب الشعبين"، لكن "يبدو أن حدة النزاع تحول الإمكانات التي يتوفر عليها المغرب والجزائر من عناصر يمكن أن تسهم في بناء مغرب كبير وفق تطلعات الشعبين للتقدم والنهوض إلى عنصر إضعاف وتفكيك"، بحسب تعبيره.

ويشير المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة في حديثه لموقع "الحرة" أن "العلاقات المغربية الجزائرية أصبحت تتدهور مع كل مناسبة أو تظاهرة".

وستقام البطولة المخصصة للاعبين المحليين في الفترة الممتدة بين 13 يناير والرابع من فبراير المقبلين في الجزائر. ووقع المغرب في مجموعة ثالثة تضم السودان ومدغشقر وغانا. وهو حامل لقب النسختين الأخيرتين عام 2018 على أرضه و2020 في الكاميرون.

وأغلقت الجزائر مجالها الجوي في 22 سبتمبر 2021 أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط متهمة الأخيرة "بارتكاب أعمال عدائية".

فيما أعرب المغرب عن أسفه إزاء هذا القرار، ورفض "المبررات الزائفة"، علما أن علاقات البلدين متوترة منذ عقود بسبب النزاع حول الصحراء الغربية.

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.