شخص يقرأ القرآن داخل مسجد/ صورة تعبيرية
شخص يقرأ القرآن داخل مسجد/ صورة تعبيرية

عبرت دول ومنظمات عربية وإسلامية عن استنكارها الشديد لحادثة تمزيق متطرف هولندي لنسخة من المصحف قرب مقر مجلس النواب الهولندي، بمدينة لاهاي.

وتم تصوير قيادي هولندي في حركة "بيغيدا" المتطرفة، الأحد، واقفا وحيدا على مقربة من مقر مجلس النواب الهولندي وهو يمزق صفحات نسخة من المصحف قبل أن يدوسها برجليه، وحال تدخل الشرطة المحلية دون حرقها.

وتوالت ردود الفعل الرسمية والشعبية الغاضبة، بعد تداول مشاهد الواقعة التي تأتي بعد يومين من حرق ناشط سياسي بالسويد لنسخة من القرآن أمام السفارة التركية.

واستدعى وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، الثلاثاء، سفير هولندا في أنقرة، بحسب بيان صادر عن الخارجية التركية.

وقال البيان: "أعربت الوزارة عن إدانتنا الشديدة واحتجاجنا على هذا العمل الشنيع والبغيض وطالبت هولندا بعدم السماح بمثل هذه الأعمال الاستفزازية".

من جانبهما، أعربت الرياض وأبوظبي عن إدانتهما الشديدة لحادثة  تمزيق المصحف في لاهاي، محذّرتين من خطورة مثل هكذا خطوات استفزازية لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم.

وقالت وزارة الخارجية السعودية، إنها "تعرب عن إدانة واستنكار المملكة العربية السعودية الشديدين، إقدام أحد المتطرفين في هولندا بتمزيق نسخة من المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية".

وفي أبوظبي، قالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان إن "دولة الإمارات أدانت بشدة ما أقدم عليه أحد المتطرفين في لاهاي بهولندا".

ودان المغرب، الأربعاء، "بأشد العبارات إقدام أحد المتطرفين بتمزيق نسخة من المصحف الشريف، بلاهاي الهولندية"، واستنكرت الرباط "هذه الخطوة الاستفزازية الجديدة التي تمس بمقدسات وبمشاعر أكثر من مليار مسلم".

وقالت الخارجية المغربية، إنها إذ تذكّر بقيم التسامح والتعايش واحترام المقدسات، فإنها تؤكد على ضرورة إعمال القانون للتعامل بحزم لردع كل مس بالأديان وبمشاعر المنتسبين لها.

وأعربت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية، الثلاثاء، عن بالغ إدانتها للحادثة، التي اعتبرتها "فعلا سافرا يتجاوز حدود حرية التعبير، وينتهك مقدسات المسلمين، ويؤجج خطاب الكراهية بين الأديان والشعوب بما يهدد أمن واستقرار المجتمعات."

وعبرت مصر عن "بالغ قلقها" إزاء تكرار حوادث ازدراء الأديان وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في عدد من الدول الأوروبية مؤخرا، مشددةً على مسؤولية تلك الدول عن منع تكرار مثل تلك الممارسات التي تتنافى مع منظومة حقوق الإنسان.

مصر تدين تمزيق المصحف الشريف في هولندا ——————————— أعربت جمهورية مصر العربية في بيان صادر عن وزارة الخارجية اليوم ٢٤...

Posted by ‎الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية‎ on Tuesday, January 24, 2023

من جهتها، قالت قطر إنها "تدين وتستنكر بأشد العبارات"، ما اعتبرته "سماح السلطات الهولندية بتمزيق نسخة من المصحف الشريف في مدينة لاهاي الهولندية"، مشددة على أن هذه الواقعة الشنيعة تعد عملا تحريضيا، واستفزازا خطيرا لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم.

وحذرت الخارجية القطرية من أن "السماح بتكرار التعدي على المصحف الشريف بذريعة حرية التعبير يؤجج الكراهية والعنف، ويهدد قيم التعايش السلمي، ويكشف عن ازدواجية معايير مقيتة".

بدورها، دانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بالأردن تمزيق نسخة من المصحف، مؤكدة "رفض المملكة التام وإدانتها الشديدة لهذه الممارسات المتطرفة المتعصبة التي تتنافى والقيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية، وتؤجج الكراهية والعنف، وتهدد التعايش السلمي، وتزعزع الأمن والاستقرار".

وجددت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، استنكارها وشجبها لمثل هذه الممارسات المتطرفة والاستفزازية، مشيرة إلى أنها "تشكل مثالا للكراهية ومظهرا من مظاهر الإسلاموفوبيا المحرضة على العنف والإساءة للأديان".

وأكدت الأمانة العامة أهمية تشجيع الحوار والتفاهم والتعاون بين الأديان والثقافات والحضارات ونبذ الكراهية والتطرف لتحقيق السلم والوئام في العالم.

من جانبه، عبّر الأمين  الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية، نايف فلاح الحجرف، عن استنكاره لـ"قيام أحد المتطرفين بإحراق المصحف الشريف في مدينة لاهاي بمملكة هولندا".

وأكد الأمين العام بحسب بيان "موقف مجلس التعاون الثابت والداعي إلى أهمية نشر قيم الحوار والتسامح والتعايش ونبذ الكراهية والتطرف"، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل المسؤوليات لوقف مثل الأعمال المرفوضة.

ودعا الأزهر، الأربعاء، إلى مقاطعة المنتجات السويدية والهولندية احتجاجا على حرق نسخ من القرآن في الدولتين خلال الأيام الماضية مما تسبب بعاصفة من التنديدات في أغلب الدول الإسلامية.

وقال الأزهر في بيان نشر على صفحته بفيسبوك إنه يطالب الشعوب العربية والإسلامية بمقاطعة جميع المنتجات السويدية والهولندية و"اتخاذ موقف قوي موحد نصرة لكتاب الله".

وأضاف الأزهر في بيانه أن المقاطعة تعتبر "ردا مناسبا لحكومتي هاتين الدولتين في إساءتهما إلى مليار ونصف مليار مسلم والتمادي في حماية الجرائم الدنيئة والبربرية".

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك تايمز أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟