الناشط اليميني المتطرف الدنماركي راسموس بالودان قبل إحراق المصحف أمام السفارة التركية في السويد
الناشط الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان قبل إحراق المصحف أمام السفارة التركية في السويد

كشفت وسائل إعلام سويدية، أن صحفيا سويديا يشتبه بصلته مع وسائل الإعلام الروسية، موّل تنظيم المظاهرة التي تخللها إحراق نسخة من المصحف، أمام السفارة التركية بستوكهولم، الأسبوع الماضي.

وأحرق المتطرف السويدي الدنماركي راسموس بالودان، السبت الماضي، نسخة من المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، على خلفية وقفة احتجاجية ضد اشتراطات أنقرة لانضمام السويد إلى حلف الناتو.

وأفادت وسائل الإعلام السويدية، بحسب صحيفة الغارديان، أن تصريح التظاهر الذي حصل عليه بالودان والذي تبلغ قيمته (31 دولارا)، دفعه الصحفي تشانغ فريك، متعاون سابق مع قناة "RT" المدعومة من الكرملين، والذي يشتغل اليوم مع مواقع موالية لليمين بالسويد.

وأكد فريك أنه دفع ثمن الحصول تصريح تنظيم الاحتجاج، لكنه نفى أنه طلب من أي شخص حرق القرآن.

وأثارت حادثة حرق المصحف أمام السفارة السويدية، ردود فعل منددة، وعمقت الخلافات بين تركيا والسويد، مع مساعي هذه الأخيرة للانضمام إلى حلف الناتو.

وأعرب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن غضبه حيال الحادث، بما في ذلك ترخيص السويد للتجمع الذي جرى خلاله إحراق المصحف.

وأعلن إردوغان، الإثنين الماضي، أن السويد المرشحة لعضوية "حلف شمال الأطلسي" لم يعد بإمكانها الاعتماد على "دعم" تركيا بعدما سمحت بتنظيم التظاهرة أمام سفارتها.

بالمقابل، صرح وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، أن الاستفزازات المعادية للإسلام "مروّعة"، مضيفا "السويد تحترم بشكل كبير حريات التعبير، لكن هذا لا يعني أن الحكومة السويدية، أو أنا، أؤيد الآراء التي يتم التعبير عنها".

وكانت السويد وفنلندا قد تقدمتا بطلبين للانضمام إلى الحلف بعد أن احجمتا عن ذلك في السابق لعدم إغضاب روسيا، لكنهما غيرتا موقفهما بعد غزوها أوكرانيا التي تسعى بدورها للانضمام إلى الحلف دون جدوى.

ووفقا لقواعد الحلف، يجب على جميع الأعضاء الموافقة على انضمام الأعضاء الجدد، ولم تعط تركيا والمجر بعد الضوء الأخضر للسويد وفنلندا.

وعلى الرغم من الدعوات التي وجهتها السويد لاستئناف المحادثات الثلاثية مع تركيا وفنلندا للانضمام للتحالف الدولي، قالت وزارة الخارجية التركية، الخميس، إن إجراء مزيد من المناقشات سيكون "بلا معنى".

وصرح بالودان لوسائل الإعلام المحلية، أنه نفذ العملية لأن "بعض السويديين يريدون مني حرق مصحف أمام السفارة التركية".

من جهته، أكد الصحفي السويدي، فريك، في مقابلة مع موقع "The Insider"، أنه دفع ثمن تصريح تنظيم الاحتجاج، لكنه زعم أن حرق القرآن "لم تكن فكرتي".

وأضاف فريك أنه لم يعمل لصالح "RT"، منذ 2014، ولم يدعم روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم.

وفريك مسؤول سابق في الحزب الديمقراطي السويدي، وهو أيضا مؤسس موقع إلكتروني يميني متطرف، يركز على مواضيع الهجرة في السويد.

وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز عام 2019، قال  الصحفي السويدي وهو يسحب أوراقا من العملة الروسية، التي أحضرها من رحلته الأخيرة إلى روسيا: "ها هو رئيسي الحقيقي! إنه بوتين! ".

نازحون على شاطئ البحر في بيروت
نازحون على شاطئ البحر في بيروت

على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، تجلس "أم محمد" على كرسي بلاستيكي أمام خيمتها، تحدق في الأفق بعيون يملؤها الحزن، تبدو كأنها تغرق في أمواج الحياة المتلاطمة. بصوت خافت تقول "من بيتي المتواضع إلى هذه الخيمة... هكذا تبدّلت حياتنا بين ليلة وضحاها. البحر الذي كان رمزاً للأمل، أصبح الآن مرآة تعكس مأساتنا".

لم تكن "أم محمد" على الشاطئ للاستجمام كما هو معتاد، بل دفعها النزاع بين حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، وإسرائيل إلى النزوح من منزلها في الضاحية الجنوبية، فمع تصاعد القصف على معقل الحزب في حارة حريك، اضطرت للفرار مع عائلتها سيراً على الأقدام، تاركة خلفها أغراضها وذكريات.

وتقول المرأة الهادئة التي رسم الزمن تجاعيده على وجهها، حيث تختبئ خلف كل خط حكاية من الصبر والتحمل، "نزحنا يوم القصف المرعب حين جرى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، قضينا ليلتنا الأولى في العراء على الشاطئ، وفي الصباح ذهبنا إلى طرابلس بحثاً عن منزل للإيجار، لكن الأسعار كانت خيالية، ولم نجد مأوى في مراكز الإيواء المكتظة، فعدنا إلى بيروت ونصبنا خيمتنا هنا".

تروي "أم محمد"، لموقع "الحرة"، كيف تحولت الخيمة التي نصبها أبناؤها بأدوات بسيطة من بطانيات وأقمشة إلى ملاذ هش في مواجهة معاناة أكبر، وتقول "الحرارة خانقة، فالأقمشة التي نستخدمها لا تقينا حرارة الشمس. وفي إحدى الليالي الماطرة، غمرت المياه الخيمة، ما اضطررنا للوقوف ساعات بانتظار أن يحل الصباح وتجف المياه، ويبقى القلق الأكبر مما سيحمله لنا الشتاء".

وتضيف "الرمال تغطي كل شيء، الفرش والملابس والأواني، لا كهرباء ولا مياه عذبة، فيما اضطر لمشاركة الحمام مع نساء أخريات، بينما يلجأ ولداي للاستحمام في البحر".

تعاني "أم محمد" كغيرها العديد من العائلات اللبنانية والسورية التي وجدت نفسها في ظل التصعيد العسكري الأخير بلا مأوى، وسط أزمة سكنية غير مسبوقة. وبينما تمكّن بعض النازحين من اللجوء إلى منازل أقاربهم أو استئجار مساكن مؤقتة، تبقى عائلات كثيرة مجبرة على النوم في العراء أو داخل خيام مؤقتة على الأرصفة والشواطئ

وتستمر حركة النزوح من المناطق التي تتعرض للقصف، إذ وصل العدد الإجمالي للنازحين إلى 179,500 نازح، موزعين على 37,000 عائلة في مراكز الإيواء. وقد سجلت النسبة الأعلى من النازحين في منطقتي جبل لبنان وبيروت، وذلك وفقاً لتقرير لجنة الطوارئ الحكومية.

كما قال التقرير إنه تم فتح 973 مركزاً لاستقبال النازحين حتى يوم الاثنين، وقد وصل 773 مركزاً منها إلى الحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية.

عالمان مختلفان

تنظر "أم محمد" بأسى إلى الأبنية الفاخرة التي تحيط بالشاطئ، وتقول "نعيش تحت نفس السماء مع قاطني هذه الأبنية، لكننا في عالمين مختلفين تماماً، كل يوم أشعر وكأني أغرق في بحر من اليأس".

كانت العائلة تعيش حياة كريمة في حلب قبل أن تدمر الحرب منزلها، وبعدما نزحت إلى بيروت اعتقدت أنها نهاية المعاناة، لتتفاجأ أن المعاناة مستمرة فيما باتت العودة إلى سوريا مستحيلة، كون ولديها مطلوبان للخدمة العسكرية الإلزامية، وتقول "نعيش في مواجهة يومية مع صعوبات الحياة والمستقبل المجهول، حيث يمثل كل يوم معركة جديدة للبقاء".

وكما "أم محمد"، تتقاسم ريما وأسرتها مساحة ضيقة في شبه خيمة على كورنيش عين المريسة في بيروت، بعد فشلهم في العثور على مأوى في مراكز الإيواء المكتظة.

كانت ريما تعيش في تحويطة الغدير بالضاحية الجنوبية، حين أجبرت وأهالي الحي على إخلاء منازلهم بعد تلقيهم تحذيرات من الجيش الإسرائيلي. لم يكن أمامها سوى بضع لحظات لجمع أفراد أسرتها والهروب، وسط أمل ضئيل في النجاة.

وتقول "نعيش الآن في الشارع. لدي سبعة أطفال، أحدهم يعاني من التوحد. نحاول التأقلم لكن الوضع صعب جداً. ليس لدينا أي شيء، لا فرش ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة، نرتجف من البرد طوال الليل ونخشى الاستمرار على هذا الحال".

أصوات الأمواج التي تضرب الشاطئ ليلاً تزيد من معاناة ريما وعائلتها، وتقول "كأنها تذكرنا بكل ما فقدناه، وأبسط مثال على ذلك، أنه حين نضطر لاستخدام مرحاض نقصد مطعم قريب أما الاستحمام ففي البحر"، وتشير إلى أنها فقدت منزلها في الضاحية بعدما دمّر منزلها في بلدتها عين قانا الجنوبية.

ويشهد لبنان التصعيد الأكبر في النزاع بين حزب الله وإسرائيل منذ عام 2006، كما أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان، موضحة أن أكثر من 70% من مراكز الإيواء في لبنان قد امتلأت، وفقاً للسلطات المحلية.

وأضافت المنظمة أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث "نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم".

وفي هذا السياق، قالت المنسقة الطبية للمنظمة في لبنان، الدكتورة لونا حمّاد، "تجلى العائلات من منازلها بحثاً عن الأمان. والكثير منها يبحث عن مأوى في ملاجئ غير مهيأة ومكتظة. النازحون هم من الفئات الأشد حاجة، هم أطفال ونساء ومسنّون وأشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية الخاصة، ويعيشون في ظروف مزرية بما في ذلك محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والاحتياجات مهولة".

وأكدت حمّاد أن "الكثير من النازحين هم أطفال يعانون من الصدمة بسبب العنف، والخوف من القصف، وفقدان منازلهم".

يذكر أن لبنان يمر في ظل أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.

كارثة تجتاح لبنان

جلست رتيبة مع أولادها وأقاربها على كورنيش عين المريسة، على قطعة من السجاد، مستذكرة اللحظات المرعبة التي عاشوها أثناء قصف منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، الذي وقع على بعد 50 متراً منهم.

وتشرح رتيبة، لموقع "الحرة"، "بدأ أطفالي بالصراخ. هربنا سيراً على الأقدام، ليقوم بعدها شبان بنقلنا إلى منطقة قصقص في بيروت عبر دراجات نارية. قيل لنا إن النازحين يتوجهون إلى عين المريسة، فتوجهنا إلى هناك، لنمضي ليلتنا ونحن نرتجف من البرد والخوف، وفي الصباح خاطرنا وذهبنا إلى المنزل لجلب بعض الأغراض".

رغم محاولاتها المتكررة للعثور على مأوى في مراكز الإيواء، تواجه رتيبة صعوبة كبيرة، حيث جميع المراكز ممتلئة. وتوضح قائلة "نحن خمس عائلات لا نرغب بالابتعاد عن بعضنا البعض، كما أن لدينا عدداً كبيراً من الأطفال، مما يجعل من الصعب قبولنا في مراكز الإيواء."

ما يزيد من وجع رتيبة ملاحظتها "وجود تمييز في توزيع المساعدات، سواء كانت فرشاً أو بطانيات أو مواد غذائية"، وتشدد "الأولوية دائمًا للبنانيين، لم نحصل حتى على خيام، فلا زلنا ننام في العراء على الحصيرة".

وتقول "نحن من حلب، هربنا من هناك في العام 2015، على أمل أن نعثر على الأمن والأمان لكننا اليوم نعجز عن تأمين سقف يحمينا وحليب لأطفالنا".

يذكر أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت، في بيان، عن دعوة المفوض السامي، فيليبو غراندي، لتوفير المزيد من الدعم الدولي لوضع حدّ للكارثة الإنسانية التي تجتاح لبنان.

وقال غراندي "مع نزوح أعداد كبيرة من الأشخاص داخل البلاد خلال أسبوعين فقط، باتت المآوي التي تديرها الحكومة مثقلة للغاية. تعمل المفوضية مع الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية على إيجاد مأوى آمن وبشكل عاجل لكل من هو دون مكان يأوي إليه".

وعبّر غراندي عن تقديره للكرم الذي يبديه لبنان في استضافة العديد من اللاجئين على مر السنين "بمن فيهم أولئك الذين أُجبروا على الفرار من سوريا، على الرغم من التحديات الجمة التي تواجه البلاد"، والآن، يضطر هؤلاء اللاجئون كما قال "للفرار مرة أخرى، في ظل نقص حاد في الموارد، وغياب أماكن آمنة يمكنهم التوجه إليها".