الدول التي تمتلك أسلحة نووية أنفقت ما مجموعه 82.9 مليار دولار خلال عام 2022. أرشيفية/ تعبيرية
الدول التي تمتلك أسلحة نووية أنفقت ما مجموعه 82.9 مليار دولار خلال عام 2022. أرشيفية/ تعبيرية

حذرت روسيا، الاثنين، من أن الاتفاق الوحيد الباقي للحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة قد لا يجدد عام 2026 بسبب ما قالت إنها محاولات أميركية لإحداث "هزيمة استراتيجية" لموسكو في أوكرانيا.

وجاء هذا التحذير على لسان مسؤول روسي أشار إلى "معاهدة ستارت الجديدة" بين البلدين الموقعة عام 2010، وهي الاتفاقية الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين البلدين بعد انسحاب واشنطن عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987.

ولدى كل من روسيا والولايات المتحدة ترسانات ضخمة من الأسلحة النووية تشكل معا حوالي 90 في المئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم.

وتم تقييد هذه الأسلحة جزئيا بموجب معاهدات سابقة تبقى منها "ستارت الجديدة" التي دخلت حيز التنفيذ عام 2011، والتي تم تمديدها في عام 2021 حتى فبراير من عام 2026.

و"معاهدة ستارت الجديدة" مع روسيا وقعها الرئيسان السابقان، الأميركي باراك أوباما، والروسي ديمتري مدفيديف، في 8 أبريل 2010 في براغ، ونصت على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية للبلدين بنسبة 30 في المئة.

وكانت محادثات "ستارت" بدأت فعليا في ثمانينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل، رونالد ريغان، خلفا لمحادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية في السبعينيات.

واقترح ريغان إجراء تخفيضات جذرية، بدلا من مجرد قيود للمخزونات الحالية من الصواريخ والرؤوس الحربية، وفق موقع الموسوعة البريطانية.

وهدفت محادثات "ستارت" إلى تقليص ترسانتي البلدين من الرؤوس النووية والصواريخ والقاذفات القادرة على إيصال مثل هذه الأسلحة. 

واستمرت المحادثات، التي بدأت عام 1982، على مدى ثلاثة عقود شهدت انهيار الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة، ووقوع أزمات كبرى حدثت في أوائل القرن الحادي والعشرين.

واتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية وتم الاتفاق على عمليات التحقق والتفتيش بموجب "ستارت 1".

ومنعت المعاهدة الموقعين عليها من نشر أكثر من 6000 رأس نووي فوق 1600 صواريخ بالستية عابرة للقارات والقاذفات.

وفي 1991، وقعت روسيا والولايات المتحدة على اتفاقية "ستارت 2" لخفض الأسلحة النووية والحد من التسلح، وبموجب شروطها، اتفق على خفض كلا الجانبين لعدد الرؤوس الحربية الاستراتيجية إلى 3500 بحلول عام 2003

وفي 8 أبريل 2010، تم استبدالها بـ"معاهدة ستارت الجديدة"، وبعد التصديق عليها في البلدين، دخلت حيز التنفيذ في 26 يناير عام 2011.

وتنص أحكام المعاهدة على تحديد عدد القاذفات النووية الاستراتيجية المنشورة بـ700 وعدد الرؤوس النووية على هذه القاذفات بـ1550. وتنص أيضا على إنشاء نظام جديد للتفتيش والتحقق من احترام بنود الاتفاقية.

والتزم الجانبان بهذه الحدود القصوى بحلول عام 2018، وفق موقع وزارة الخارجية الأميركية.

وقالت الوزارة إن الاتفاقية "تعزز الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال وضع قيود يمكن التحقق منها على جميع الأسلحة النووية الروسية العابرة للقارات المنتشرة".

وفي الوقت الحالي، أصبح ما سيحدث بعد 4 فبراير 2026، موعد انتهاء الاتفاقية، غير واضح، وفق وكالة رويترز، ومع ذلك ترغب واشنطن في إبرام اتفاق جديد مع روسيا، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين.

وكانت الولايات المتحدة انسحبت رسميا في 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وذلك بعد أن رأت أن موسكو تنتهك المعاهدة، وهو أمر نفاه الكرملين.

وتحظر المعاهدة على الجانبين وضع صواريخ قصيرة أو متوسطة المدى، تطلق من البر، في أوروبا، ويتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر، ما يقلل من قدرتهما على توجيه ضربات نووية مباغتة.

وردا على سؤال عما إذا كان بإمكان موسكو تصور عدم وجود معاهدة للحد من الأسلحة النووية بعد عام 2026، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في تصريحات الاثنين: "هذا سيناريو محتمل تماما".

وقال ريابكوف، وهو أكبر دبلوماسي روسي في مجال الحد من التسلح، إن الولايات المتحدة "تجاهلت" في السنوات الأخيرة مصالح روسيا وفككت معظم هيكلية الحد من التسلح. وقال: "قد تقع نيو ستارت ضحية لذلك.. نحن مستعدون لمثل هذا السيناريو".

وتشكل تصريحاته تحذيرا لواشنطن من أن استمرار دعمها العسكري لأوكرانيا يمكن أن ينهي المعاهدة الثنائية الرئيسية الأخيرة للحد من الأسلحة بعد الحرب الباردة مع روسيا، وفق رويترز.

وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 27 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا منذ الغزو الروسي في 24 فبراير، ويشمل ذلك أكثر من 1600 نظام صاروخي مضاد للطائرات من طراز "ستينغر"، و8500 نظام صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات، وأكثر من مليون قذيفة مدفعية عيار 155 ملم.

وقال ريابكوف إن "الوضع برمته في مجال الأمن، بما في ذلك الحد من التسلح، أصبح رهينة الخط الأميركي المتمثل في إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا".

وأضاف "سنقاوم هذا بأقوى طريقة ممكنة باستخدام كل الوسائل والوسائل المتاحة لنا".

وكانت الولايات المتحدة قالت في مراجعة للوضع النووي لعام 2022 إن روسيا والصين تقومان بتوسيع وتحديث قواتهما النووية، وإن واشنطن ستتبع نهجا قائما على الحد من التسلح لتجنب سباقات التسلح المكلفة.

لكن تم إلغاء المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن استئناف عمليات التفتيش بموجب "معاهدة ستارت الجديدة" في اللحظة الأخيرة في نوفمبر 2022. ولم يتفق الجانبان على إطار زمني لمحادثات جديدة.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

جويل الحج موسى أعدت تحقيقا لبرنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة.   

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟