البرلمان الأوروبي
البرلمان الأوروبي

بالنسبة لعضو في البرلمان الأوروبي، عاشت إيفا كايلي حياة أشبه بنجمة سينمائية، حيث كانت السياسية اليونانية تقضي أوقات فراغها وعطلها على اليخوت الفاخرة وبالنوادي الليلية لشواطئ بحر إيجة، مع عارضات الأزياء ومشاهير الفن والسياسة. 

اليوم، تقبع مذيعة الأخبار التلفزيونية السابقة، 44 عاما، في سجن بضواحي العاصمة البلجيكية بروكسيل، بعد اتهامها من المدعين البلجيكيين بـ"قبول أموال وهدايا من قطر والمغرب مقابل التأثير على قرارات البرلمان الأوروبي".

وتنفي الدوحة والرباط محاولة رشوة مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وحذر البلدان من أثر هذه الاتهامات على علاقاتهما بالاتحاد الأوروبي. 

ولم يثبت بعد، ما إن كانت كايلي بريئة وضحية خداع صديقها فرانشسكو جيورجي الذي كان معاونا برلمانيا، كما يدّعي محاميها، أم أنها استفادت حقا من تراخي رقابة البرلمان الأوروبي لملء جيوبها.

مهما تكن الإجابة، لا شك أن قضية الفساد هزت الاتحاد الأوروبي وأجبرته على مواجهة حقائق غير مريحة حول كيفية إدارته لضغوط الدول  الأجنبية، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز".

وبرز اسم إيفا كايلي وصديقها جيورجي في "شبكة" عضو البرلماني السابق، بيير أنطونيو بانزيري الشخصية المركزية في تحقيق الفساد، في أعقاب مداهمات نفذتها الشرطة البلجيكية لمنازل نواب حاليين وسابقين، ومعاونين برلمانيين ورؤساء منظمات غير حكومية عملت مع النواب.

ويعتقد المدعون أن "قطر استخدمت بانزيري وشبكته لتحسين صورتها في بروكسل قبل كأس العالم لكرة القدم"، كما يشتبه المحققون في أن الإيطالي، البالغ من العمر 67 عاما، "تلقى أيضا رشاوى وهدايا من المسؤولين المغاربة لأكثر من عقد، مقابل التأثير على سياسات الاتحاد التي تهم المغرب"، بحسب الصحيفة.

البرلماني الأوروبي السابق بيير أنطونيو بانريزي
اتهامات ولا تعليق.. تفاصيل قضية "رجل المغرب" في البرلمان الأوروبي
كان عضو البرلمان الأوروبي السابق، بيير أنطونيو بانزيري وعائلته، يخططون لاستقبال العام الجديد في أحد الفنادق الفاخرة بمدينة مراكش بالمغرب، حيث يُزعم أن الحكومة المغربية حجزته لهم، غير أنه بدلا من ذلك، يقضي البرلماني الإيطالي السابق، وزوجته وابنته، أيام 2023 الأولى، رهن الاعتقال.

وبدأ البرلمان الأوروبي، بداية الشهر الجاري، إجراء يستمر لمدة شهر للنظر في طلب رفع الحصانة  عن مشتبهين فيهما آخرين، هما الإيطالي أندريا كوزولينو والبلجيكي مارك تارابيلا وكلاهما ينتمي للتيار الديمقراطي الاشتراكي بالبرلمان.

زعيم مجموعة التجديد الليبرالي في البرلمان، ستيفان سيجورني، يؤكد ضرورة إجراء إصلاحات سريعة، وإلا ستزيد الفضيحة من الشكوك حول المؤسسات الأوروبية، مضيفا: "إذا لم نحل هذه القضية قبل الصيف، فسوف تغذي النقاشات المتطرفة الانتخابات الأوروبية المقبلة (في مايو 2024)"، مبرزا أن "البرلمان الأوروبي تخلف عن العديد من البرلمانات المحلية فيما يتعلق بقواعد الشفافية ومكافحة الفساد."

من جهتها، تقول وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة والمستشارة السابقة للمفوضية الأوروبية، أرانشا غونزاليس، إن "الفضيحة تقوض شرعية المشروع الأوروبي بأكمله"، مضيفة أن على الاتحاد الأوروبي "أن يرسل رسالة بعدم التسامح مطلقا مع الفساد والتدخل الأجنبي".

"خيوط القضية"

وفي 9 ديسمبر الماضي، أوقف بانزيري عضو البرلمان الأوروبي السابق والمشتبه به الرئيسي في فضيحة الفساد، بالتزامن مع توقيف إيفا كايلي ورفيقها المساعد البرلماني الإيطالي الجنسية فرانشيسكو جورجي.

كما تم اعتقال كل من المدير العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال، الإيطالي لوكا فيسينتيني، ونيكولو فيجا تالامانكا، الذي كان يدير مجموعة حملات حقوقية.

وأُطلق سراح فيسينتيني دون توجيه تهم إليه ، لكن وُجهت إلى كايلي وبانزيري وجورجي وفيجا تالامانكا، تهم بالفساد وغسيل الأموال والانتماء إلى منظمة إجرامية. 

وصادرت السلطات البلجيكية، حوالي 1.5 مليون يورو نقدا إجمالا، بينها 300 ألف من منزل كايلي.

وبدأ التحقيق في مزاعم الفساد في البداية، من خلال عملية استخباراتية لجهاز المخابرات البلجيكي في عام 2021، بالتعاون مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية الأخرى، للتحقيق في علاقات المغرب وقطر مع الاتحاد الأوروبي.

وفي يوليو 2022، زرع ضباط المخابرات البلجيكية كاميرات فيديو في منزل بانزيري في بروكسل، بعد عثورهم على 700 ألف يورو نقدا مخبأة هناك، ليبلغوا الشرطة البلجيكية والمدعي العام ببروكسيل، وفقا للمسؤولين المطلعين على التحقيق.

ويزعم ممثلو الادعاء أن البرلماني الإيطالي "تسلم أموالا من قطر والمغرب لخدمة مصالحهما داخل ردهات المؤسسة الأوروبية"، فيما كانت كايلي بمثابة "ذراعه الأيمن"، بحسب الوثائق القانونية التي اطلعت عليها فاينانشيال تايمز،

والتقت البرلمانية الأوروبية بوزراء قطريين في بروكسل، وزارت الدوحة مرتين، كما ظهرت بشكل غير متوقع للتصويت لصالح إلغاء التأشيرات للقطريين الراغبين في زيارة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لجنة برلمانية لم تكن عضوا فيها.

وحضر صديقها جيورجي التصويت أيضا، برفقة مسؤول قطري، بحسبما أكده عدد من البرلمانيين الحاضرين، موضحين أنهم وقفزوا وهتفوا بعد المصادقة على هذا القرار الذي تم تأجيل النظر فيه بعد تفجر "قضية الفساد".

وفي نوفمبر الماضي، صوت البرلمان على قرار ينتقد أوضاع حقوق الإنسان بقطر، وبتدخل من كايلي، تم تخفيف نص القرار، بعد إدخال تعديلات اقترحها نواب من المجموعات الاشتراكية ويمين الوسط، وفقا للسجلات العامة.

ويبرز بعض أعضاء البرلمان الأوروبي أن تحركات البرلمانيين المذكورين، لم يكن لها "تأثير فعلي على قرارات البرلمان".

في هذا السياق،  يقول براندو بينيفي، رئيس الوفد الاشتراكي للحزب الديمقراطي الإيطالي: "انطباعي هو أن مجموعة [بانزيري] كانت تحاول أن تُظهر للقطريين أنهم يعملون بجد نيابة عنهم، وهذا هو السبب في أنهم صنعوا كل هذه المشاهد". "لكنهم لم يكتسبوا حقا أي نتائج جوهرية."

وأبرزت الصحيفة، أن الجهود الدبلوماسية التقليدية لقطر والمغرب أثمرت عوائد أكبر للبلدين، بعد إعلان مفوضية ومجلس الاتحاد الأوروبي دعمهما إلغاء التأشيرة على القطريين، وحرص الدول الأعضاء على الحصول على إمدادات الغاز القطرية.

وبالمثل، أبرم الاتحاد الأوروبي في عام 2019، اتفاقية الصيد البحري مع المغرب. وفي مارس الماضي، أيدت إسبانيا خطة الرباط المقترحة للحكم الذاتي للصحراء الغربية، منهية بذلك نزاعا دبلوماسيا استمر عاما.

"شبكة بانزيري"

وإلى جانب إيفا كايلي وفرانسيشكو جيورجي، تضم شبكة أنطونيو بانزيري، المشتبه تورطها في قضية الفساد، كل من نيكولو فيجا تالامانكا، وهو الأمين العام لمنظمة "لا سلام بدون عدالة"، وهي مجموعة إيطالية لحقوق الإنسان، يتهمه القضاء البلجيكي بالتورط في الفضيحة لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفات.

بالإضافة إلى لوكا فيسينتيني، نقابي إيطالي، اعتقل وأفرج عنه، اعترف بتلقيه مبلغ 50 ألف يورو من بانزيري لتمويل حملته الانتخابية لرئاسة الاتحاد الدولي لنقابات العمال، ويعتبر الاتهامات الموجهة له "غير صحيحة على الإطلاق".

إلى جانب مارك تارابيلا، 59 عاما، عضو البرلمان الأوروبي والحزب الاشتراكي البلجيكي الذي حضر العديد من اللقاءات مع بانزيري وزار قطر مرتين، والذي ينفي ينفي ارتكاب أي مخالفات، بعد أن داهمت الشرطة منزله وطالب الادعاء برفع حصانته البرلمانية.

ومن ضمن المشتبه بهم الإيطالي الآخر، أندريا كوزولينو، 62 عاما،  عضو البرلمان الأوروبي، الذي طالب المدعون أيضا برفع الحصانة عنه، كان نائب رئيس لجنة العلاقات المغاربية الأوربية، وينفي بدوره ارتكاب أي مخالفات.

وأعلنت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، يناير الجاري، عن سلسلة إجراءات إصلاحية، تهدف إلى معالجة تبعات فضيحة فساد مدوية، فيما حذر نواب وخبراء أنها ستبقى ما دون المطلوب لإعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية.

ومن المنتظر أن تتكشف جميع خيوط فضيحة الفساد المفترضة، بعد أن أعلن محامي بانزيزي، عن عقد صفقة للتعاون مع القضاء البلجيكي.

ويعتزم العضو السابق في البرلمان الأوروبي إطلاع المحققين على نظام الفساد الذي يعترف بالمشاركة فيه، بما في ذلك كشف هويات شركائه، مقابل إصدار عقوبة مخففة بحقه، بحسب فرانس برس.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

 برنامج "الحرة تتحرى" فتح ملف الأزياء الصينية ووجد حقائق صادمة. البرنامج الذي أعدته نسرين عجب كشف عن ثمن صحي باهظ لتلك المنتجات. 

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟