قالت منظمة الشفافية الدولية، في تقرير حديث نشرته، الثلاثاء، على موقعها الرسمي إن "الفساد يغذي الصراع المستمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
وأوضحت أنه "بحسب مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2022 فإنه منذ عام 2017 لم يحرز أي بلد تقدما ملحوظا في مكافحة الفساد".
ويظهر المؤشر الذي أصدرته المنظمة، الثلاثاء، "انتشارا للفساد في جميع أنحاء العالم - ولا يستثنى من ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حتى الدول العربية الثلاث التي سجلت أعلى من 50 نقطة على المؤشر - الإمارات (67) وقطر (58) والسعودية (51) – أظهرت بوادر تراجع في مؤشر مدركات الفساد لهذا العام".
ولفتت المنظمة إلى أن "تحركات الربيع العربي فشلت في تفكيك هياكل السلطة التي تسمح لمن هم في القمة بالاحتفاظ بالهيمنة. بدوره، يتسبب الفساد السياسي المستشري في استمرار الاضطرابات المدنية والعنف في منطقة تعد موطنا للعديد من النزاعات الأكثر دموية في العالم".
وأشارت إلى أنه "حتى في البلدان الأكثر استقرارا، تخصص الحكومات ميزانيات كبيرة للأمن والدفاع وخصوصا لتمويل النزاعات في بلدان أخرى مع قلة وجود الرقابة العامة - ولا سيما إنفاق دول الخليج في اليمن (...) ويشكل هذا النوع من عدم الاستقرار والاستحواذ على السلطة بوابة ترسخ الفساد وتغذي الاستبداد والعنف".
وتقول كندة حتر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة "أصبح الفساد السياسي مستشريا في المنطقة العربية، بحيث تسعى الحكومات للاستحواذ على السلطة وتقييد الحقوق والحريات العامة، وإثارة الاضطرابات المدنية وتوجيه الموارد بعيدا عن آليات مكافحة الفساد وأطر النزاهة السياسية. وإلى أن يعزز القادة الجهود لحماية حقوق الناس واحترام صوتهم في جميع أنحاء المنطقة، فإن دوامة الفساد والعنف المميتة ستستمر في التصاعد".
نتائج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ويصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستويات فساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (نظيف جدا).
وانخفض متوسط درجات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لهذا العام إلى 38، وحصلت 80% من بلدان المنطقة على درجة أقل من 50.
وتقود الإمارات (67) وقطر (58) الدول العربية في مجموع النقاط، غير أن كليهما آخذ في التراجع، حيث "تحولت عدة دول خليجية إلى القومية المفرطة والمزيد من التضييق لمساحة المجتمع المدني".
وسجلت البلدان التي مزقتها الحروب أسوأ الدرجات، ليبيا (17) واليمن (16) وسوريا (13)، وسجلت قطر (58) ومصر (30) أدنى درجات لهما منذ أصبح مؤشر مدركات الفساد قابلا للمقارنة في عام 2012.
الفساد والصراع والأمن
وبصفتها المنطقة الأقل سلاما في العالم، تجسد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كيفية الارتباط الوثيق بين الفساد والعنف، بحسب المنظمة.
في ليبيا (17)، أدت عقود من عدم المساواة والفقر والفساد إلى تأجيج التوترات أثناء الربيع العربي، ما أدى إلى وضع أمني هش واستمرار الاضطرابات. والآن أصبحت الدولة عاجزة، ما يسمح لتفاقم درجة عدم المساواة واستشراء الفساد وتمكنه. لقد حرم الغياب المستمر للاستقرار البلاد من إجراء الانتخابات، ولم يترك مسارا واضحا للمضي قدما.
وفي تونس (40) ركزت السلطة التنفيذية السلطات في يدها، فسيطرت على القضاء، وأغلقت مؤسسات مكافحة الفساد، واعتقلت المتظاهرين. شارك 11.2 في المئة فقط من الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ما أظهر عدم ثقة السكان في الحكومة مع استمرار تزايد التوترات والاضطرابات المدنية.
الشكوى من الفساد كانت أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية في اليمن (16) قبل ثماني سنوات. والآن، انهارت الدولة تاركة ثلثي السكان بدون طعام كاف - ما يشكل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ولا تزال معظم دول العالم غير قادرة على محاربة الفساد، ولم تحرز 95 في المائة من الدول أي تقدم يذكر منذ عام 2017، وفقا لما ذكرته دراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية، المتخصصة في مكافحة الكسب غير المشروع، الثلاثاء.
وخلص مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، إلى أن "الحكومات الفاسدة تفتقر إلى القدرة على حماية الشعوب، بينما من المرجح أن يتحول السخط العام هناك إلى أعمال عنف".
وقالت ديليا فيريرا روبيو، رئيسة منظمة الشفافية الدولية "جعل الفساد عالمنا مكانا أكثر خطورة".
وأضافت "بما أن الحكومات فشلت بشكل جماعي في إحراز تقدم في محاربة الفساد، فإنها تغذي الارتفاع الحالي في العنف والصراع وتعرض الشعوب للخطر في كل مكان".
ويذكر أن الدنمارك هي أقل دول العالم في حجم الفساد هذا العام بحصولها على 90 نقطة، وتليها فنلندا ونيوزيلندا.
وذكر التقرير أن احترام حقوق الإنسان يجعل هذه الدول "من أكثر الدول سلمية في العالم".
كما جاء في التقرير أن "السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو بذل الدول لجهد شاق، واستئصال جذور الفساد على جميع المستويات لضمان عمل الحكومات من أجل مصلحة جميع الأفراد، وليس النخبة القليلة فقط".
وتدعو منظمة الشفافية الدولية الحكومات إلى إعطاء الأولوية لالتزامات مكافحة الفساد، وتعزيز الضوابط والتوازنات، ودعم حق الوصول إلى المعلومات، والحد من النفوذ، من أجل تخليص العالم أخيرا من الفساد ومن العنف الذي يجلبه.
وقال دانييل إريكسون، الرئيس التنفيذي للمنظمة إن "القادة يمكنهم محاربة الفساد وتعزيز السلام. ويجب على الحكومات إتاحة مساحة كافية للشعب في صنع القرار، ومنهم النشطاء وأصحاب الأعمال لغاية الوصول إلى المجتمعات المهمشة والشباب. يمكن للناس في المجتمعات الديمقراطية رفع أصواتهم للمساعدة في استئصال الفساد والمطالبة بعالم أكثر أمانا لنا جميعا".
ومنذ إنشائه في عام 1995، أصبح مؤشر مدركات الفساد المؤشر العالمي الرائد لرصد فساد القطاع العام. يسجل المؤشر النتائج لـ 180 بلدا وإقليما حول العالم وفق مدركات الفساد في القطاع العام، باستخدام بيانات من 13 مصدرا خارجيا، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والشركات الخاصة للاستشارات وحساب المخاطر، والمجمعات الفكرية وغيرها. وتمثل درجات المؤشر آراء الخبراء ورجال الأعمال، وفقا للمنظمة.