عندما فجر انتحاري نفسه في مسجد داخل مجمع للشرطة في مدينة بيشاور الشمالية الغربية الاثنين، ما أسفر عن مقتل عشرات المصلين، حامت الشكوك فورا حول حركة طالبان الباكستانية، المعروفة أيضا باسم تحريك طالبان باكستان، أو (TTP)، وما أكد ضلوع الجماعة في التفجير، هو إعلان القيادي فيها "سريكف مهمند" المسؤولية عن الهجمة التي اعتبرت واحدة من أكثر الهجمات دموية على قوات الأمن في الأشهر الأخيرة.
ولكن بعد أكثر من عشر ساعات، نأى المتحدث باسم الحركة محمد خراساني بالجماعة عن تبني الهجوم، وزعم أنه ليس من سياستها استهداف المساجد أو المواقع الدينية الأخرى، مضيفا أن أولئك الذين يشاركون في مثل هذه الأعمال قد يواجهون إجراءات عقابية بموجب سياسة حركة طالبان باكستان. ولم يتطرق بيانه إلى سبب إعلان قائد حركة طالبان باكستان المسؤولية عن التفجير.
وجاء نفي حركة طالبان باكستان أيضا بعد أن أدانت وزارة الخارجية الأفغانية، التابعة لطالبان أفغانستان، الهجمات على المصلين باعتبارها مخالفة لتعاليم الإسلام.
وتقول أسوشيتد برس إن العلاقات متوترة بالفعل بين باكستان وطالبان أفغانستان الذين يؤوون قيادة حركة طالبان الباكستانية ومقاتليها.
ما هي العلاقة بين حركة طالبان باكستان وطالبان الأفغانية؟
حركة طالبان الباكستانية منفصلة عن حركة طالبان الأفغانية، ولكنها حليف وثيق لها، وقد شجع استيلاء تلك الجماعة على أفغانستان في أغسطس 2021 حركة طالبان باكستان، التي تشارك أيديولوجية الجماعة.
واعتاد مقاتلو حركة طالبان باكستان على الاختباء في شمال غرب باكستان وكان لديهم أيضا ملاذ في أفغانستان، لكنهم عاشوا في الغالب حياة هروب.
ومع ذلك، بدأت حركة طالبان الأفغانية في إيواء حركة طالبان الباكستانية علنا عندما وصلت إلى السلطة، بعد أن أفرجت قادة الحركة الباكستانية ومقاتليها الذين اعتقلتهم الإدارات السابقة في كابول.
وقالت طالبان مرارا إنها لن تسمح لأي شخص، بما في ذلك حركة طالبان باكستان، باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد أي دولة، بما في ذلك باكستان.
لكن مسؤولين باكستانيين يقولون إن هناك انفصالا بين أقوال وأفعال حركة طالبان الأفغانية التي بإمكانها أن تمنع حركة طالبان الباكستانية من شن هجمات داخل البلاد لكنها تفشل في القيام بذلك.
باكستان تدفع الثمن
لكن الحركتين، على الرغم من التقارب في الأصل والمعتقدات وحتى مناطق النفوذ، تتصرفان بشكل مختلف أحيانا، ولهما قيادتان مختلفتان.
وحتى ديسمبر الماضي، أدى إطلاق نار على الحدود بين باكستان وأفغانستان إلى زيادة التوتر بين البلدين.
ومنذ أن استولت طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021، زادت وتيرة مثل هذه الاشتباكات، كما يقول موقع Middle East Eye.
وحتى وقت قريب، قللت باكستان من أهمية الاشتباكات الحدودية، داعية إلى حل دبلوماسي للمشكلة، لكن قضية الاضطرابات في حزام البشتون الباكستاني أصبحت أكبر من أن يتم تجاهلها، وفقا للموقع.
وقد يؤدي تفجير الجمعة إلى تصاعد الخلاف، خاصة وأن إسلام آباد تتهم كابل بإيواء طالبان باكستان.
ويقول الموقع إن "الانتصار العسكري" الذي حققته حركة طالبان الأفغانية في أفغانستان كان له تأثير ملهم على أولئك الذين يسعون إلى فرض الشريعة الإسلامية في باكستان.
والآن تتذرع القوى المتطرفة بالإسلام ليس في معارضة الهند، كما فعلت تقليديا، بل أكثر للضغط على الحكومة الباكستانية لحملها على تأكيد الطابع الإسلامي للبلاد.
وبعد ساعات من تفجير المسجدين يوم الاثنين، قال وزير الداخلية رنا صنع الله خان لقناة جيو الإخبارية المستقلة إن حكام طالبان الأفغان يجب أن يلتزموا بالتزامهم تجاه المجتمع الدولي بعدم السماح لأي شخص باستخدام أراضيهم لشن هجمات ضد دولة أخرى.
وقال: "يجب أن يحترموا وعودهم".
لماذا تقاتل حركة طالبان باكستان؟
أعلنت الحركة غضبها بشكل متكرر من تعاون باكستان مع واشنطن خلال الحرب على الإرهاب.
وأسس متشددون باكستانيون حركة طالبان الباكستانية رسميا في عام 2007 عندما اتفقت جماعات مختلفة خارجة عن القانون على العمل معا ضد باكستان ودعم حركة طالبان الأفغانية التي كانت تقاتل القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي.
وتسعى حركة طالبان باكستان إلى تطبيق أكثر صرامة للقوانين الإسلامية، والإفراج عن أعضائها المحتجزين لدى الحكومة، والحد من الوجود العسكري الباكستاني في أجزاء من خيبر بختونخوا، الإقليم المتاخم لأفغانستان الذي استخدمته لفترة طويلة كقاعدة.
وصعدت حركة طالبان باكستان هجماتها على الجنود والشرطة الباكستانية منذ نوفمبر عندما أنهت من جانب واحد وقفا لإطلاق النار مع الحكومة بعد فشل أشهر من المحادثات التي استضافتها حركة طالبان في كابول.
وحذرت حركة طالبان باكستان الشرطة مرارا من المشاركة في عمليات ضد مقاتليها في بيشاور عاصمة إقليم خيبر بختونخوا.
عمليات باكستان ضد طالبان
ويقول موقع مركز Council on foreign affairs إن مقاتلي طالبان الباكستانية ركزوا على شن حملة عنيفة ضد الدولة الباكستانية وكل من يعتبرونهم منافسين.
وبفضل علاقاتها بتنظيم القاعدة، فإن حركة طالبان باكستان متورطة في تصاعد العنف ضد الشيعة الباكستانيين، الذين تعتبرهم معتقداتهم هرطقة، كما يقول الموقع.
وتحت ضغط الولايات المتحدة لتخليص المناطق القبلية من تنظيم القاعدة، نفذ الجيش الباكستاني عمليات في الإقليم لأول مرة في يوليو 2002.
ويقول الموقع إن هذه التوغلات أسهمت بزيادة التمرد والعداء، وتتهم جماعات حقوق الإنسان الدولية والصحفيون قوات الأمن الباكستانية بالتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.
في المقابل، يقوم المقاتلون الطالبانيون بتفجير المدنيين وتنفيذ عمليات إعدام وابتزاز وفرض حماية في تلك المناطق.
لكن الموقع يقول إن حادثتين حفزتا طالبان الباكستانية على توحيد قواها ضد حكومة بلادها، الأولى في في عام 2006، حيث أفادت التقارير أن غارة في منطقة قبلية أسفرت عن مقتل ثلاثة وثمانين طالبا.
وبعد ذلك بعام، استولت القوات الخاصة الباكستانية على المسجد الأحمر في إسلام أباد، مما أسفر عن مقتل عشرات من مسلحي طالبان الذين احتلوه.
وبحلول أواخر عام 2007، أعلنت حوالي ثلاثين جماعة مسلحة تشكيل حركة طالبان باكستان. وعلى الرغم من ولائهم اسميا للملا عمر قائد طالبان أفغانستان آنذاك، إلا أنهم تجاهلوا طلباته بتهدئة قتالهم مع باكستان.
ولسنوات عديدة، سعت باكستان إلى احتواء التمرد من خلال التفاوض على هدنة مع بعض الجماعات المسلحة بينما تقاتل جماعات أخرى.
وانتقدت الولايات المتحدة، من بين دول أخرى، هذه الصفقات، قائلة إنها سمحت لفصائل طالبان بتعزيز سيطرتها. كما أنها رفعت من مكانة المسلحين كمحاورين بينما قوضت الوكلاء السياسيين والوسطاء القبليين الذين كانوا لفترة طويلة محوريين في حوكمة المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وفقا لبعض المحللين الإقليميين. وأدت حملات الاغتيال التي شنتها طالبان والتي استهدفت شيوخ القبائل إلى زيادة تقويض الحكم هناك، كما يشير الموقع.
هل ازداد العنف في الآونة الأخيرة؟
وشهدت باكستان عددا لا يحصى من هجمات المتشددين في العقدين الماضيين لكن هناك زيادة منذ نوفمبر عندما أنهت حركة طالبان باكستان لإطلاق النار مع الحكومة استمر لشهور.
وتقوم حركة طالبان الباكستانية بانتظام بعمليات إطلاق نار أو تفجيرات، خاصة في شمال غرب باكستان الوعرة والنائية، وهي معقل سابق لحركة طالبان باكستان.
وأثار العنف مخاوف بين السكان من عملية عسكرية محتملة في المناطق القبلية السابقة في شمال وجنوب وزيرستان، وهما منطقتان في خيبر بختونخوا.