إسبانيا تركز على الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب والجزائر
إسبانيا تركز على الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب والجزائر

تغيرت علاقات إسبانيا مع المغرب بشكل كبير، ما حول الرباط إلى أهم شريك اقتصادي لمدريد، لكن بالمقابل وصلت علاقات مدريد بالجزائر إلى مرحلة القطيعة بعد توقف التبادل التجاري والتواصل الدبلوماسي.

وتواجه مدريد ضغطا كبيرا للحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين معا في وقت واحد، وفق خبراء تحدثوا لموقع "الحرة".

وبعد توتر غير مسبوق، تحسنت العلاقات بين إسبانيا والمغرب بشكل كبير، وتوج ذلك بتوقيع اتفاقيات كبيرة خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، للمغرب لحضور الاجتماع الرفيع بين البلدين.

وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "إلبيريدكو" بأنه يمكن القول إن سانشيز انتقل من الجزائر وغازها إلى المغرب والهيدروجين المتجدد في المستقبل.

وأثناء تواجده بالمغرب، أبرز سانشيز، "الفرصة الكبرى" التي تمثلها إسبانيا لجعل المغرب شريكا في تطوير الهيدروجين الأخضر، مع التأكيد على الروابط التي توحد البلدين.

جاء ذلك خلال كلمته في منتدى الأعمال الإسباني المغربي، المنعقد في إطار الاجتماع الثاني عشر رفيع المستوى بين البلدين بالرباط.

بالمقابل، لم تتحسن العلاقات الإسبانية الجزائرية ويشتكي الإسبان من توقف التبادل التجاري، فيما بات الغاز الجزائري يصل إلى مدريد عبر أنبوب وحيد بعد إيقاف الأنبوب المغاربي الذي يمر عبر المغرب العام الماضي.

وبعد ستة أشهر من تعليق الجزائر العمل بمعاهدة الصداقة مع إسبانيا بسبب موقف مدريد الجديد بشأن النزاع في الصحراء الغربية، ما زالت المبادلات الاقتصادية بين البلدين مشلولة، الأمر الذي يثير استياء الشركات المتضررة بشدة

الأمن والهجرة مقابل الغاز

يقول الأكاديمي المحلل الإسباني، بيرنابي لوبيز، في حديث لموقع "الحرة" إن الوضع الحالي يشير إلى أنه بدون شك هناك موقف إسباني لصالح المغرب عكس الجزائر.

وبالنسبة للمحلل فمدريد تسعى إلى علاقات جيدة مع المغرب لأنه الجار الأقرب، ولكن ليس بهدف توتير العلاقات مع الجزائر.

ووقع المغرب وإسبانيا، الخميس، مذكرات تفاهم ثنائي في عدة مجالات تعزيزا "لشراكتهما الاستراتيجية" في اجتماع وزاري رفيع المستوى، بعدما طوى البلدان أزمة دبلوماسية حادة بسبب قضية الصحراء الغربية وعلى الرغم من انتقادات في مدريد "لتنازلات" رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز.

وأعلن سانشيز التوقيع على بروتوكول اتفاق "مالي هام بقيمة 800 مليون يورو لتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتجية بالمغرب" مثل الصناعات الغذائية والسكك الحديد والسياحة وتدبير المياه، مؤكدا رغبة بلاده في أن تصبح "مستثمرا مرجعيا بالمغرب".

لكن ذلك يأتي على حساب العلاقات المتوترة مع الجزائر، ويقول المحلل لوبيز، إن الجزائر هي الغاضبة من إسبانيا وليس العكس.

كيف تنظم إسبانيا علاقاتها بالبلدين؟

"من المستحيل الحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين معا"، وفق الأكاديمي، لوبيز، في حديثه لموقع "الحرة"، ويشير إلى أن المغرب والجزائر يتنافسان ويتنازعان، والأكثر من ذلك فكلاهما يجبر باقي الشركاء على اختيار صفه، بمعنى "معي أو مع غيري".

ويقول المحلل السياسي الإسباني إن الهجرة غير الشرعية والأمن مرتبطان بالمغرب، ما يمنحان الرباط القدرة على "ابتزاز" مدريد، إضافة إلى قدرة الرباط على "خنق" الجيبين الإسبانيين، سبتة ومليلية.

في المقابل، يقول لوبيز، إن الجزائر تمتلك ورقة الغاز، وهو ما يمكنها استغلاله لـ"ابتزاز" إسبانيا، إضافة إلى قدرتها على منع الوارادات الإسبانية، ولكن مع ذلك فهي بخلاف المغرب، لا يمكنها الضغط على سبتة ومليلية.

بدروه يقول المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة، في حديث لموقع "الحرة" إن الجزائر هي من اتخذت إجراءات ضد إسبانيا لإخلالها بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار، من خلال قرارات كان يجب التشاور حولها خاصة فيما تعلق بالصحراء الغربية.

وغيرت إسبانيا العام الماضي موقفها التاريخي من قضية الصحراء الغربية وأعلنت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط لحل النزاع.

الهيدروجين الأخضر بدل الغاز

ورغم اعتماد إسبانيا على الغاز الجزائري، قال رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز من الرباط "سنعزز شراكة اقتصادية متقدمة جديدة بين إسبانيا والمغرب ستسمح لنا بتوليد الثروة والازدهار للعائلات والشركات في كلا البلدين".

وأكد سانشيز أن حكومة المغرب استجابت "بعزم" للتحديات التي تواجه اقتصادها، وعززت "تنشيط اقتصادها من خلال جذب الاستثمار الخاص، المحلي والدولي على حد سواء".

أما بالنسبة للجانب الجزائري، فإن عام 2022 سيذكر بلا شك بقطع العلاقات مع هذا البلد بعد أن قررت الحكومة دعم المغرب في مسألة الصحراء الغربية. ما جعل الجزائر توقف التواصل الدبلوماسي مع السلطة التنفيذية الإسبانية.

وأدى ذلك إلى توتر العلاقات التجارية، بما في ذلك انخفاض الغاز الطبيعي، وتنتظر الجزائر وصول حكومة إسبانية جديدة لتحسين العلاقات.

ويرى المحلل السياسي الجزائري، حكيم بوغرارة، في حديثه لموقع "الحرة" أن "حكومة سانتشيز توجد في موقع ضعف قبل الانتخابات التشريعية نهاية السنة الجارية، وسترحل لا محالة نتيجة لأدائه السيء".

ويشير بوغرارة إلى أن الأزمة بين إسبانيا والجزائر أكيد ستحل مستقبلا من تغيير حكومي بعد الانتخابات التشريعية لتجديد الكونغرس، أما الأمن الطاقوي الإسباني فقد ضمنته الجزائر والحديث عن الطاقات الخضراء والمتجددة سابق لآوانه لأن تعويض الطاقات الأحفورية سيكون بعد 2035" بحسب تعبيره.

لكن أستاذ العلوم الدستورية المغربي، رشيد لزرق، يرى أن "رهان الغاز و البترول هو رهان ظرفي بحكم الحرب الأوكرانية الروسية"، مشيرا أن "إسبانيا استطاعت تجاوز المنطق التكتيكي الظرفي وعدم الخضوع دبلوماسية الغاز و اختيار المنطق الاستراتيجي وهذا بداية التحول في التعطي مع قضية "الصحراء المغربية"، بحسب تعبيره.

ويكرس الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية المصالحة التي توصلتا إليها في مارس الماضي، عندما أعلن سانشيز تأييد إسبانيا لاقتراح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع في الصحراء الغربية.

تحولات دولية

لكن هذا الود لا يحظى بالإجماع في اسبانيا إذ فضلت وزيرة العمل، يولاندا دياز، من حزب بوديموس اليساري، عدم المشاركة في الزيارة إذ إن حزبها يعارض بشدة التحول "من جانب واحد" لسانشيز من نزاع الصحراء الغربية.

من جهته اعتبر الحزب الشعبي اليميني المعارض أن سانشيز قدم "صورة ضعيفة" عن إسبانيا، فيما يرجع محلل ذلك إلى التطورات الدولية.

وتعليقا على تحركات سانشيز تجاه المغرب، يقول لزرق، لموقع "الحرة" إن "تحاولات دولية تفرض على الدول الاستعمارية السابقة الوضوح و تجاوز منطق الإمبريالي باللعب على تناقضات، و هذا ما استوعبته إسبانيا و التي غيرت  عقلها السياسي" بحسب تعبيره.

فيما يشير، حكيم بوغرارة، إلى أن المحرك وراء الزيارة هو الاقتصاد، ويوضح أن المؤسسات الإسبانية تعيش وضعا صعبا ويشهد البلد ارتفاع التضخم، وذلك لن يتوقف بزيارة سانشيز للمغرب.

وتجد إسبانيا نفسها في موقف صعب لخلق توازن في العلاقات بين البلدين، ويجمعها مع الرباط التعاون في الملف الشائك لمكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تبرز مدريد تراجع تدفق المهاجرين غير النظاميين على إسبانيا بنسبة 25 بالمئة في العام 2022، بفضل استئناف التعاون الأمني بين البلدين في هذا المجال.

لكن بالمقابل، تدهور العلاقات مع الجزائر يجعل مدريد تتكبد إسبانيا خسائر متنامية، فبحسب وزارة التجارة بلغت الصادرات إلى الجزائر ذروتها عند 138 مليون يورو بين يونيو وسبتمبر، مقارنة بـ625 مليونا خلال نفس الفترة من عام 2021، ما يعني عجزا قدره 487 مليون يورو في أربعة أشهر فقط.

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".