تغيرت علاقات إسبانيا مع المغرب بشكل كبير، ما حول الرباط إلى أهم شريك اقتصادي لمدريد، لكن بالمقابل وصلت علاقات مدريد بالجزائر إلى مرحلة القطيعة بعد توقف التبادل التجاري والتواصل الدبلوماسي.
وتواجه مدريد ضغطا كبيرا للحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين معا في وقت واحد، وفق خبراء تحدثوا لموقع "الحرة".
وبعد توتر غير مسبوق، تحسنت العلاقات بين إسبانيا والمغرب بشكل كبير، وتوج ذلك بتوقيع اتفاقيات كبيرة خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، للمغرب لحضور الاجتماع الرفيع بين البلدين.
وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "إلبيريدكو" بأنه يمكن القول إن سانشيز انتقل من الجزائر وغازها إلى المغرب والهيدروجين المتجدد في المستقبل.
وأثناء تواجده بالمغرب، أبرز سانشيز، "الفرصة الكبرى" التي تمثلها إسبانيا لجعل المغرب شريكا في تطوير الهيدروجين الأخضر، مع التأكيد على الروابط التي توحد البلدين.
جاء ذلك خلال كلمته في منتدى الأعمال الإسباني المغربي، المنعقد في إطار الاجتماع الثاني عشر رفيع المستوى بين البلدين بالرباط.
بالمقابل، لم تتحسن العلاقات الإسبانية الجزائرية ويشتكي الإسبان من توقف التبادل التجاري، فيما بات الغاز الجزائري يصل إلى مدريد عبر أنبوب وحيد بعد إيقاف الأنبوب المغاربي الذي يمر عبر المغرب العام الماضي.
وبعد ستة أشهر من تعليق الجزائر العمل بمعاهدة الصداقة مع إسبانيا بسبب موقف مدريد الجديد بشأن النزاع في الصحراء الغربية، ما زالت المبادلات الاقتصادية بين البلدين مشلولة، الأمر الذي يثير استياء الشركات المتضررة بشدة
الأمن والهجرة مقابل الغاز
يقول الأكاديمي المحلل الإسباني، بيرنابي لوبيز، في حديث لموقع "الحرة" إن الوضع الحالي يشير إلى أنه بدون شك هناك موقف إسباني لصالح المغرب عكس الجزائر.
وبالنسبة للمحلل فمدريد تسعى إلى علاقات جيدة مع المغرب لأنه الجار الأقرب، ولكن ليس بهدف توتير العلاقات مع الجزائر.
ووقع المغرب وإسبانيا، الخميس، مذكرات تفاهم ثنائي في عدة مجالات تعزيزا "لشراكتهما الاستراتيجية" في اجتماع وزاري رفيع المستوى، بعدما طوى البلدان أزمة دبلوماسية حادة بسبب قضية الصحراء الغربية وعلى الرغم من انتقادات في مدريد "لتنازلات" رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز.
وأعلن سانشيز التوقيع على بروتوكول اتفاق "مالي هام بقيمة 800 مليون يورو لتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتجية بالمغرب" مثل الصناعات الغذائية والسكك الحديد والسياحة وتدبير المياه، مؤكدا رغبة بلاده في أن تصبح "مستثمرا مرجعيا بالمغرب".
لكن ذلك يأتي على حساب العلاقات المتوترة مع الجزائر، ويقول المحلل لوبيز، إن الجزائر هي الغاضبة من إسبانيا وليس العكس.
كيف تنظم إسبانيا علاقاتها بالبلدين؟
"من المستحيل الحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين معا"، وفق الأكاديمي، لوبيز، في حديثه لموقع "الحرة"، ويشير إلى أن المغرب والجزائر يتنافسان ويتنازعان، والأكثر من ذلك فكلاهما يجبر باقي الشركاء على اختيار صفه، بمعنى "معي أو مع غيري".
ويقول المحلل السياسي الإسباني إن الهجرة غير الشرعية والأمن مرتبطان بالمغرب، ما يمنحان الرباط القدرة على "ابتزاز" مدريد، إضافة إلى قدرة الرباط على "خنق" الجيبين الإسبانيين، سبتة ومليلية.
في المقابل، يقول لوبيز، إن الجزائر تمتلك ورقة الغاز، وهو ما يمكنها استغلاله لـ"ابتزاز" إسبانيا، إضافة إلى قدرتها على منع الوارادات الإسبانية، ولكن مع ذلك فهي بخلاف المغرب، لا يمكنها الضغط على سبتة ومليلية.
بدروه يقول المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة، في حديث لموقع "الحرة" إن الجزائر هي من اتخذت إجراءات ضد إسبانيا لإخلالها بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار، من خلال قرارات كان يجب التشاور حولها خاصة فيما تعلق بالصحراء الغربية.
وغيرت إسبانيا العام الماضي موقفها التاريخي من قضية الصحراء الغربية وأعلنت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط لحل النزاع.
الهيدروجين الأخضر بدل الغاز
ورغم اعتماد إسبانيا على الغاز الجزائري، قال رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز من الرباط "سنعزز شراكة اقتصادية متقدمة جديدة بين إسبانيا والمغرب ستسمح لنا بتوليد الثروة والازدهار للعائلات والشركات في كلا البلدين".
وأكد سانشيز أن حكومة المغرب استجابت "بعزم" للتحديات التي تواجه اقتصادها، وعززت "تنشيط اقتصادها من خلال جذب الاستثمار الخاص، المحلي والدولي على حد سواء".
أما بالنسبة للجانب الجزائري، فإن عام 2022 سيذكر بلا شك بقطع العلاقات مع هذا البلد بعد أن قررت الحكومة دعم المغرب في مسألة الصحراء الغربية. ما جعل الجزائر توقف التواصل الدبلوماسي مع السلطة التنفيذية الإسبانية.
وأدى ذلك إلى توتر العلاقات التجارية، بما في ذلك انخفاض الغاز الطبيعي، وتنتظر الجزائر وصول حكومة إسبانية جديدة لتحسين العلاقات.
ويرى المحلل السياسي الجزائري، حكيم بوغرارة، في حديثه لموقع "الحرة" أن "حكومة سانتشيز توجد في موقع ضعف قبل الانتخابات التشريعية نهاية السنة الجارية، وسترحل لا محالة نتيجة لأدائه السيء".
ويشير بوغرارة إلى أن الأزمة بين إسبانيا والجزائر أكيد ستحل مستقبلا من تغيير حكومي بعد الانتخابات التشريعية لتجديد الكونغرس، أما الأمن الطاقوي الإسباني فقد ضمنته الجزائر والحديث عن الطاقات الخضراء والمتجددة سابق لآوانه لأن تعويض الطاقات الأحفورية سيكون بعد 2035" بحسب تعبيره.
لكن أستاذ العلوم الدستورية المغربي، رشيد لزرق، يرى أن "رهان الغاز و البترول هو رهان ظرفي بحكم الحرب الأوكرانية الروسية"، مشيرا أن "إسبانيا استطاعت تجاوز المنطق التكتيكي الظرفي وعدم الخضوع دبلوماسية الغاز و اختيار المنطق الاستراتيجي وهذا بداية التحول في التعطي مع قضية "الصحراء المغربية"، بحسب تعبيره.
ويكرس الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية المصالحة التي توصلتا إليها في مارس الماضي، عندما أعلن سانشيز تأييد إسبانيا لاقتراح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع في الصحراء الغربية.
تحولات دولية
لكن هذا الود لا يحظى بالإجماع في اسبانيا إذ فضلت وزيرة العمل، يولاندا دياز، من حزب بوديموس اليساري، عدم المشاركة في الزيارة إذ إن حزبها يعارض بشدة التحول "من جانب واحد" لسانشيز من نزاع الصحراء الغربية.
El rey Mohamed VI de #Marruecos ofreció el jueves a @sanchezcastejon, presidente del Gobierno de #España, un almuerzo en Rabat al que no asistió porque sigue de vacaciones en Gabón. Un retrato del soberano presidió el comedor del almuerzo. https://t.co/caw0njYgoy
— Ignacio Cembrero (@icembrero) February 2, 2023
من جهته اعتبر الحزب الشعبي اليميني المعارض أن سانشيز قدم "صورة ضعيفة" عن إسبانيا، فيما يرجع محلل ذلك إلى التطورات الدولية.
وتعليقا على تحركات سانشيز تجاه المغرب، يقول لزرق، لموقع "الحرة" إن "تحاولات دولية تفرض على الدول الاستعمارية السابقة الوضوح و تجاوز منطق الإمبريالي باللعب على تناقضات، و هذا ما استوعبته إسبانيا و التي غيرت عقلها السياسي" بحسب تعبيره.
فيما يشير، حكيم بوغرارة، إلى أن المحرك وراء الزيارة هو الاقتصاد، ويوضح أن المؤسسات الإسبانية تعيش وضعا صعبا ويشهد البلد ارتفاع التضخم، وذلك لن يتوقف بزيارة سانشيز للمغرب.
وتجد إسبانيا نفسها في موقف صعب لخلق توازن في العلاقات بين البلدين، ويجمعها مع الرباط التعاون في الملف الشائك لمكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تبرز مدريد تراجع تدفق المهاجرين غير النظاميين على إسبانيا بنسبة 25 بالمئة في العام 2022، بفضل استئناف التعاون الأمني بين البلدين في هذا المجال.
لكن بالمقابل، تدهور العلاقات مع الجزائر يجعل مدريد تتكبد إسبانيا خسائر متنامية، فبحسب وزارة التجارة بلغت الصادرات إلى الجزائر ذروتها عند 138 مليون يورو بين يونيو وسبتمبر، مقارنة بـ625 مليونا خلال نفس الفترة من عام 2021، ما يعني عجزا قدره 487 مليون يورو في أربعة أشهر فقط.