وضع تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي، الهجرة القسرية واسعة النطاق، ضمن أبرز المخاطر والتحديات التي ستواجه البشرية خلال السنوات المقبلة.
وصنّف تقرير "المخاطر العالمية" الهجرة القسرية الواسعة النطاق، في الرتبة العاشرة لأكثر المخاطر التي تهدد الإنسانية على المدى القريب (بعد سنتين)، وفي المرتبة الخامسة على مستوى التهديدات بعيدة المدى (عشر سنوات).
ويشير التقرير إلى الهجرة القسرية، على أنها الحالات المرتبطة بالهجرة والنزوح بسبب التمييز والاضطهاد المستمرين، ونقص فرص التقدم الاقتصادي، بالإضافة إلى الكوارث، سواء الطبيعية الناتجة عن تدخل بشري، بالإضافة إلى النزاعات السياسية الداخلية أو بين الدول.
فيما تذهب تعريفات القانون الدولي إلى تعريف الهجرة القسرية، على أنها إجبار السكان، أفرادا أو جماعات، على الهجرة من أماكن إقامتهم المعتادة إلى أمكنة أخرى بشكل إجباري وبدون إرادتهم، من أجل تجنب الحروب والأزمات السياسية أو القمع أو الاضطهاد العرقي ومختلف الانتهاكات الحقوقية الأخرى، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية.
ويُعرف "المهاجرون قسرا" بكونهم الأشخاص الفارين أو المضطرين لترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة بسبب أحداث تهدد حياتهم أو سلامتهم، وتشمل كذاك حالات إبعاد الأشخاص أو طردهم إلى مكان آخر، سواء من قبل جهات حكومية أو غير حكومية.
ويحظر القانون الدولي الإنساني كل أشكال التهجير القسري، كما تنص المواثيق والاتفاقيات الدولية على وجوب توفير الحماية للمهجّرين وعدم إعادتهم أو طردهم من أماكن اللجوء أو النزوح إلى أقاليم تكون حياتهم أو حريتهم مهددتين فيها.
وإلى حدود شهر مايو من عام 2022، تعرض أكثر من 100 مليون شخص للنزوح قسرا في جميع أنحاء العالم بسبب الاضطهاد أو الصراعات أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الأحداث التي تؤدي إلى حدوث إخلال جسيم بالنظام العام، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
بالمنطقة العربية، أرغمت الصراعات الطويلة الأمد عشرات الملايين من السكان على الهجرة القسرية أو النزوح بعدد من الدول التي عاشت أو تعيش حروبا أو أزمات إنسانية، مما فرض تحديات اجتماعية واقتصادية عديدة، سواء على النازحين أو على المجتمعات والدول المضيفة.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "منطقة منشأ وعبور رئيسية"، للمهاجرين الدوليين والأشخاص المهجرين قسرا، بحسب تقرير "حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2021".
واستضافت الدول العربية، في عام 2020، حوالي 15 في المائة من المهاجرين واللاجئين في العالم (41.4 مليون مهاجر ولاجئ)، كما هاجر منها أو أجبر على النزوح ما يصل إلى 32.8 مليون شخص، بحسب التقرير ذاته.
فيما يلي أرقام ومعطيات تهم أكثر البلدان العربية معاناة مع مشاكل النزوح والهجرة القسرية:
سوريا
تسبب الصراع الدامي بسوريا في تسجيل موجات ضخمة للنزوح والهجرة القسرية من سوريا، واضطر ملايين السوريين للفرار من بيوتهم منذ عام 2011، كلاجئين أو نازحين داخل البلاد.
ومثلت هذه الأزمة الإنسانية أحد أكبر أزمات اللجوء في العالم منذ عقود؛ وإلى حدود شهر ماي من العام الماضي، تم تسجيل أكثر من 6.8 مليون لاجئ سوري في دول الجوار والعالم، خصوصا الأردن ولبنان وتركيا والعراق وألمانيا، فيما يتجاوز عدد النازحين داخليا 6 ملايين، وتذكر تقارير أن أكثر من نصف سكان سوريا تقريبا قد نزحوا هربا من الحرب.
وتعيش الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في دول الجوار في المناطق الحضرية، بينما يعيش 1 من بين كل 20 منهم في مخيمات للاجئين، بحسب المفوضية السامية للاجئين.
وفي كافة الدول المجاورة، "تعد الحياة صراعا يوميا" لملايين اللاجئين السوريين من ذوي الموارد المالية الضئيلة أو المعدومة، وفق المصدر ذاته.
اليمن
بعد أكثر من ست سنوات من الصراع، تبقى الأزمة في اليمن "أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع وجود الملايين من اليمنيين النازحين الذين يعيشون على شفير المجاعة، بحسب المفوضية السامية للاجئين.
وأجبر الصراع القائم أربعة ملايين يمني على النزوح من ديارهم، بعد تعرض أجزاء واسعة من البلاد للدمار، إضافة إلى ضعف خدماتها الصحية وإمداداتها الغذائية، مما ترك 66 بالمائة من السكان متكلين على المساعدات الإنسانية، بحسب المصدر ذاته.
وتسبب القتال في هذا البلد الفقير، في تفاقم الاحتياجات الناجمة عن أعوام طويلة من الفقر وانعدام الأمن. كما عطل العنف المستشري حياة الملايين، وأدى لوقوع خسائر ونزوح جماعي، وفق معطيات المفوضية.
العراق
وبالعراق أيضا، اضطرت سنوات العنف والصراع الدموي، ملايين العراقيين على مغادرة منازلهم بحثا عن الأمن والحماية.
ومنذ عام 2014 إلى حدود شهر فبراير من عام 2021، نزح أكثر من 3 ملايين عراقي داخل البلاد، فيما لجأ حوالي 220 ألفا آخرين إلى البلدان المجاورة.
وبحسب مفوضية اللاجئين، ارتبطت عمليات الهجرة القسرية خلال السنوات الماضية، بـ"الانتشار الواسع النطاق، لعمليات الإعدام الجماعية وعمليات الاغتصاب الممنهجة وأعمال العنف".
السودان
عرفت الأوضاع الإنسانية بالسودان "تدهورا كبيرا" خلال السنوات الأخيرة مع اشتداد الخلافات العنيفة بين المجتمعات المحلية مما أدى إلى ارتفاع عدد النازحين إلى 3.2 مليون.
وتكشف أرقام مرصد النزوح الداخلي لعام 2021، تسجيل حوالي 442 ألف حالة نزوح، بارتفاع يفوق الخمسة أضعاف مقارنة بالعام الذي سبق، وفي نسبة هي الأعلى منذ عام 2014.
وترجع هذه الزيادة بشكل أساسي إلى تصاعد العنف في مناطق البلاد المختلفة، ولا سيما في إقليم دارفور.
وأدت الكوارث الإنسانية وانتشار فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية الشديدة وتفاقم مشاكل الأمن الغذائي إلى اشتداد المنافسة على الموارد في عام 2021، مما ساهم في ارتفاع حاد للعنف وبالتالي النزوح.
ليبيا
أدت النزاعات المسلحة في ليبيا إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص من ديارهم خلال العقد الأخير، وفي ظل غياب الاستقرار السياسي وانعدام الأمن، لا يزال العديد من النازحين غير قادرين على العودة إلى مناطق سكنهم ومجتمعاتهم الأصلية .
وعلى الرغم من تحسن الوضع الأمني بشكل كبير منذ أكتوبر 2020، لا يزال ما يقدر بنحو 160 ألف شخص نازحا في ليبيا، وفقا لأرقام للمنظمة الدولية للهجرة.
ومنذ عام 2016، عاد ما مجموعه 673.554 فردا إلى مدنهم الأصلية، حيث أفاد 98 في المائة من المخبرين الرئيسيين بأنهم عادوا بسبب تحسن الوضع الأمني.
بيد أن وتيرة عودة السكان آخذة في التباطؤ، بحسب المفوضية السامية للاجئين، حيث يواجه النازحون المزيد من العوائق المنهجية التي تحول دون عودتهم، مثل تضرر المنازل بسبب النزاع المسلح وافتقارهم إلى إمكانية الحصول على الخدمات العامة عند العودة، فضلا عن الأمن الشخصي والتماسك الاجتماعي.