برحيل الرئيس الباكستاني الأسبق، برويز مشرف، الأحد، تنتهي حقبة آخر رئيس عسكري لبلده ذي الأغلبية المسلمة، بعد مسيرة شهدت ثلاث محاولات اغتيال ومعارك ضارية مع معارضيه، قبل أن يذهب إلى منفاه الاختياري، ويسدل الستار على فصل مهم من تاريخ باكستان.
وأعلنت متحدثة باسم السفارة الباكستانية في الإمارات أن مشرف توفي، الأحد، في مستشفى بدبي بعد معاناة طويلة مع مرض "الداء النشواني"، وهي حالة غير قابلة للشفاء تؤدي إلى تراكم البروتينات في أعضاء الجسم، وفق أسوشيتد برس.
وانضم مشرف، المولود في دلهي في الحادي عشر من أغسطس عام 1943، أي قبل أربع سنوات من تقسيم شبه القارة الهندية، إلى الجيش الباكستاني في سن 18 عاما وعمل في القوات الخاصة.
من الجيش إلى الرئاسة
وكان رئيسا للأركان عندما أطاح بحكومة نواز شريف المدنية في أكتوبر 1999، دون إراقة دماء، ونصب نفسه رئيسا لباكستان في يونيو عام 2001، وغير الدستور ليمنح نفسه سلطات كاسحة لإقالة رئيس الوزراء والبرلمان.
وأشرف مشرف، الذي كان يؤكد أن مثله الأعلى في القيادة هو نابليون وريتشارد نيكسون، على النمو الاقتصادي السريع للبلاد، وشهدت باكستان في عهده ازدهارا اقتصاديا ونموا للطبقة الوسطى، وحرية وسائل الإعلام، ولجأ الجيش إلى التهدئة أمام الهند.
التحالف مع الولايات المتحدة
وجعل بلاده حليفة مهمة للولايات المتحدة في إطار حربها على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، وفق فرانس برس، وبعد شهر من تلك الأحداث، وقف إلى جانب الرئيس آنذاك، جورج دبليو بوش، في نيويورك، ليعلن دعم باكستان الثابت للحرب ضد "الإرهاب بجميع أشكاله أينما وجد".
وأصبحت باكستان نقطة عبور مهمة لإمدادات "الناتو" المتجهة إلى أفغانستان، وحلقت طائرات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في باكستان بمباركة مشرف.
وبسبب تأييده للحرب، تعرض لثلاث محاولات اغتيال قام بها تنظيم "القاعدة". وكتب مشرف في مذكراته: "لقد واجهت الموت وتحديه عدة مرات في الماضي لأن القدر كان دائما يبتسم لي... أصلي فقط من أجل أن يكون لديّ أكثر من تسعة أرواح يضرب بها المثل لقط"، وفق أسوشيتد برس
وتآكل الدعم الشعبي تدريجيا لمشرف، فرغم الازدهار الذي شهده الاقتصاد في عهده، ندد معارضوه على الدوام بإحكام قبضته على السلطة، وإقالة قضاة المحكمة العليا "بشكل غير قانوني" وفرض حالة الطوارئ، والهجوم الدامي على الإسلاميين المدججين بالسلاح الذين لجأوا إلى المسجد الأحمر في إسلام أباد في صيف عام 2007.
وكان هذا المسجد ملاذا للمسلحين المعارضين لدعم باكستان للحرب في أفغانستان، وأدت العملية التي استمرت أسبوعا إلى مقتل أكثر من 100 شخص.
وألحقت تلك الأحداث ضررا شديدا بسمعة مشرف بين المواطنين العاديين، وأكسبته كراهية بين المسلحين الذين أطلقوا عمليات انتقامية.
وفي عهده، هرت فضيحة كبرى أخرى حكمه عندما تبين أن العالم النووي الباكستاني الشهير عبد القدير خان، كان يبيع أسرارا نووية لدول مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية، وجني ثروة هائلة بسبب ذلك.
ولم يواجه مشرف أي تحديات خطيرة إلا عندما حاول إقالة كبير القضاة في مارس 2007، خوفا من أن يعرقل القضاء استمرار حكمه، وهو ما أدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات حاشدة، قادت إلى أشهر من الاضطرابات.
وبعد اغتيال بوتو في ديسمبر 2007، تدهور الجو العام، وأصبح مشرف معزولا بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرض لها حلفاؤه في انتخابات فبراير 2008.
وفي أغسطس 2008 تنحى مشرف عن الرئاسة وفر إلى لندن، بعد أن بدأ الائتلاف الجديد الحاكم في تنفيذ إجراءات إقالته من السلطة، وهدد بمقاضاته لفرضه حالة الطوارئ وإقالة القضاة.
وقال مشرف، في خطاب متلفز استمر لمدة ساعة: "آمل أن يغفر الأمة والشعب أخطائي".
وعاش مشرف في منفاه الاختياري بين دبي ولندن، قبل أن يحاول العودة إلى الحياة السياسية من باكستان، في عام 2012، وفي ذلك الوقت، اعتقلته السلطات فور وصوله، ووضعته تحت الإقامة الجبرية، وهناك واجه اتهامات بالخيانة بسبب إقالة القضاة وعملية المسجد الأحمر واغتيال بوتو.
وتقول أسوشيتد برس إن الرأي العام صدم لمشاهدة صورة مشرف وهو يُعامل معاملة المجرمين في بلد لطالما اعتُبر الجنرالات العسكريون فوق القانون.
وسمحت له باكستان بمغادرة البلاد بكفالة إلى دبي عام 2016، لتلقي العلاج الطبي وبقي هناك.
وفي ديسمبر من عام 2019، قضت محكمة باكستانية بإعدامه بعد إدانته بـ"الخيانة العظمى"، لكن الحكم أُلغي بعد فترة وجيزة. وتمحورت القضية حول قرار مشرف تعليق العمل بالدستور وفرض حالة الطوارئ في 2007.