وسط أزمة سياسية واقتصادية تمر بها تونس، أجرى الرئيس التونسي، قيس سعيد، تعديلا وزاريا، أثار الكثير من الجدل، بعد اختيار قيادة عسكرية في منصب وزاري، ما يطرح تساؤلات حول أهداف هذا التعديل، ومدى إمكانية حله للمشكلات التي تمر بها البلاد.
وأجرى قيس سعيد تعديلا وزاريا على الحكومة شمل وزارتي التربية، والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، وفقا لبيان لـ"رئاسة الجمهورية التونسية".
وفي 30 يناير، أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية إجراء "تحوير جزئي على الحكومة"، بتعيين محمد علي البوغديري، وزيرا للتربية خلفا لفتحي السلاوتي، وتم تعيين عبد المنعم بلعاتي، وزيرا للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، خلفا لمحمود إلياس حمزة.
ولم تذكر رئاسة الجمهورية التونسية أسباب "إقالة وزيري الزراعة والتربية"، لكن ذلك جاء في سياق توتر سياسي وأزمة اقتصادية تمر بها تونس.
وأثار التعديل الوزاري ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تونس،في ظل انتماء وزير الفلاحة "الزراعة" الجديد للمؤسسة العسكرية، وانتماء وزير الصحة الحالي، لنفس المؤسسة.
ووزير الزراعة الجديد حاصل على "شهادة عسكرية من المدرسة الحربية العليا للطيران"، وشغل عدة مناصب بالجيش التونسي، وفقا لما نشرته صحيفة "الشروق" التونسية.
أما علي المرابط، الذي تولي وزارة الصحة في 11 أكتوبر 2021، فقد شغل عدة مناصب عسكرية، قبل توليه مهامه الوزارية، وفقا للسيرة الذاتية المنشورة على "البوابة الوطنية للصحة في تونس".
واتهم نشطاء الرئيس التونسي بـ"عسكرة الدولة"، بينما أشار آخرون إلى امتلاك المؤسسة العسكرية "كفاءات تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها".
عسكرة للدولة؟
رئيس تحرير صحيفة "الشروق" التونسية، نجم الدين العكاري، لا يرى في التعديلات الحكومية أي محاولة لـ"عسكرة الدولة".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن "المؤسسة العسكرية التونسية تضم كفاءات في عدة مجالات، واستطاعت تنفيذ مشروعات مدنية استفادت منها البلاد خلال الفترة الماضية".
ويقول "ليس غريبا أن يتم الاستعانة بكفاءات من العسكر لقيادة البلاد وأعتقد أن ذلك أفضل من الاعتماد على وزراء هواة أوصلوا البلاد إلى الهاوية".
على جانب آخر، يؤكد المتحدث باسم حزب نهضة تونس، عماد الخميري، أن "تونس لم تعتاد طوال تاريخها المعاصر على وجود رجال مازالوا يحملون الصفة العسكرية داخل الحكومة".
ويقول لموقع "الحرة"، " إذا أراد قيس سعيد بتلك التعديلات الحكومية الاستقواء بأجهزة الدولة فهذا سيكون خطأ جسيم لم تتعود عليه الحياة السياسية في تونس".
ويتابع "نحن نقدر أن المؤسسة العسكرية تحت ظل النظام الجمهوري، لكن نعتقد أنه لن يتم استدراجها لذلك".
هل التعديلات كافية لحل أزمة البلاد؟
تشهد تونس انقسامات سياسية عميقة منذ قرر سعيد الاستئثار بالسلطات في 25 يوليو ٢٠٢١، ووقتها جمد الرئيس التونسي أعمال البرلمان ثم حله وأقال الحكومة، وأقر دستورا جديدا إثر استفتاء نظّم في الصيف الفائت وأنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.
وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية من مظاهرها تباطؤ النمو إلى أقل من 3 بالمئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 بالمئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحرا نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.
وأدت الأزمتان السياسية والمالية في الأشهر الأخيرة إلى نقص في بعض المنتجات الأساسية، كالحليب والسكر والأرز والبن، وإلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب التضخم المتسارع.
ويبلغ معدل التضخم في تونس، عشرة بالمئة، بينما يشير بعض الاقتصاديين إلى أنه قد يكون 20 بالمئة في المواد الغذائية، ما يعني تراجع القوة الشرائية لدى كثيرين من التونسيين، وفقا لـ"رويترز".
وخفضت وكالة التصنيف موديز تصنيف الديون السيادية التونسية قائلة إن "هناك احتمالا بالتخلف عن السداد".
ويشير النقص في بعض المواد الغذائية والأدوية المدعومة إلى مشكلات اقتصادية للحكومة بالفعل، ويؤدي التخلف عن السداد على الأرجح إلى تفاقم الأمور من خلال زيادة تكلفة الاقتراض وإضعاف الدينار وهذا سيفاقم التضخم، حسب "رويترز".
وفاقم الأزمة الاقتصادية، تعثر المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار.
ووسط تلك الأزمات، أقال سعيد في مطلع يناير، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات، فضيلة الرابحي بن حمزة، وفاخر الفخفاخ، والي صفاقس، ثاني مدن البلاد، وفقا لـ"فرانس برس".
وكانت وزيرة التجارة أول عضو في حكومة نجلاء بودن التي تشكلت في نوفمبر 2021، يقيلها الرئيس سعيد.
ويتحدث الخميري عن "تزايد الصعوبات التي تواجهها تونس"، ويقول إن الحكومة غير قادرة على معالجة الأوضاع التي تعيشها البلاد في ظل انهيار على كافة المستويات.
ويرى أن "حكومة الحالية ضعيفة ولن تستطيع حل أوضاع البلاد"، مضيفا أن "التعديلات التي إجراءها سعيد لن تحسن أدائها".
ويصف الحكومة الحالية بأنها "غير شرعية جاءت على خلفية الاعتداء على دستور عام 2014"، وتسببت بـ"مشكلات كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في تونس".
لكن على جانب آخر، يقول العكاري إن "تعيين كفاءات من المؤسسة العسكرية بالحكومة قد يؤدي إلى حل الأزمة التي تمر بها تونس"، مرجعا ذلك إلى "انضباطهم وحسهم الوطني واندماجهم مع زملائهم المدنيين لخدمة البلاد"، على حد تعبيره.
ويشير إلى أن "الحكومة الحالية تشكلت في ظرف استثنائي"، متحدثا عن "ضعف قد ظهر على بعض وزراء الحكومة، وعدم قدرة على تجاوز الإشكالات المطروحة".
حكومة جديدة؟
في 30 يناير، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في تونس، أن نسبة الإقبال على التصويت في الدورة الثانية للانتخابات النيابية التي جرت الأحد بلغت 11.4 بالمئة، وفقا لـ"فرانس برس".
وبذلك يكون حوالي 90 بالمئة من الناخبين قد عزفوا عن المشاركة في هذا الاستحقاق، في أعلى نسبة امتناع عن التصويت منذ ثورة 2011.
ومثلت الانتخابات المرحلة الأخيرة من خارطة طريق فرضها قيس سعيد وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزز على غرار ما كان عليه الوضع قبل ثورة 2011.
ويرى العكاري أن السبيل الأمثل لخروج تونس من أزمتها يكون عبر "تشكيل حكومة جديدة".
ويقول "بعد انتخاب برلمان جديد لا بد من تشكيل حكومة جديدة تتكون من التيارات أو الأحزاب التي فازت في الانتخابات الأخيرة".
وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جدا من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس ولا مساءلته، حسب "فرانس برس".
ويتمتع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين.
ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يُعينها الرئيس ثقة البرلمان.
ولذلك يرى الخميري أن "تشكيل حكومة جديدة لن يحل الأزمة التي تمر بها البلاد".
ويقول إن "قيس سعيد قاد البلاد إلى خارطة طريق أثبتت فشلها في كل الاستحقاقات".
ويعتبر الخميري أن الحل الأمثل للأزمة التي تمر بها تونس هو "رحيل قيس سعيد وتنظيم انتخابات مبكرة".