رغم أن الشمال الغربي لسوريا اعتاد على "الكوارث" على مدى سنوات، إلا أن تلك التي حّلت عليه فجر الاثنين كان لها وقع خاص، وبينما كانت "المأساوية والفواجع" حالة ترتبط سابقا بمن كان يقيم في الخيام تحت جدران قماشية ممزقة توسّعت دائرتها لتشمل الجميع. أولئك القاطنين بين جدران اسمنتية، سرعان ما حولها زلزال إلى مدفن.
وخلال الساعات الماضية بعد الزلزال الذي ضرب جانبي الحدود السورية-التركية لم تنقطع النعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسوريين مقيمين داخل البلاد وعلى أطلالها في الطرف الآخر (ولاية هاتاي)، وبينما أعلنت السلطات التركية وفاة قرابة 1500 شخص وإصابة أكثر من 8500 آخرين سجّلت فرق "الدفاع المدني السوري" أكثر من 390 وفاة في مناطق إدلب وريف حلب.
ولا تزال الأرقام المذكورة الخاصة بالضحايا أولية وحصيلة غير نهائية، وما بين الساعة والأخرى تحدّث السلطات الصحية والرسمية بياناتها، وسط توقعات من تضاعف الوفيات في الساعات المقبلة، ولاسيما أن أعمال الإنقاذ وإخلاء الضحايا والجرحى لم تنه بعد اليوم الأول من الكارثة، التي ضربت بتداعياتها أيضا مناطق سيطرة النظام السوري في سوريا.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام في آخر إحصائياتها ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال إلى 461 وفاة و1623 إصابة، في حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، في حصيلة غير نهائية أيضا.
وتحدث شهود عيان من مدينة إدلب وعمال إغاثة وإنسانيون لموقع "الحرة" عن أوضاع مأساوية في شمال غرب سوريا "لا يمكن وصفها"، مشيرين إلى حارات بأكملها في محافظة إدلب باتت على الأرض. "عوائل مشردة في الشوارع لا تعرف إلى أين تتجه". "أطفال بعمر الورد مازالوا تحت الأنقاض بينما يصرخ ذويهم على أسرّة المشافي مكسري الأيدي والأرجل".
وفي حين ضرب الزلزال المدمر، الذي قالت هيئة "الكوارث والطوارئ التركية" (آفاد)، إن قوته بلغت 7.7 درجة وسط وجنوب تركيا بالإضافة إلى مدن وبلدات الشريط الحدودي مع البلاد من الطرف السوري، إلا أن النصيب الأكبر من الضرر تركز في مناطق بعينها، مما خلّف حصيلة ضحايا ودمار على نحو أكبر.
وذكر "الدفاع المدني السوري"، وهو منظمة إنسانية تعمل في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة إدلب وريف حلب أن حصيلة الضحايا ارتفعت، مساء الاثنين، إلى أكثر من 390 حالة وفاة وأكثر من 1000 مصاب.
وقال الفريق الإنساني في بيان: "فرقنا تعمل بأقصى الطاقة لانتشال العالقين تحت الأنقاض والعدد مرشح للارتفاع لوجود مئات العوائل تحت الأنقاض، وسط صعوبات كبيرة والحاجة لمعدات ثقيلة للإنقاذ والتوزع سوريا".
وأضاف: "هناك صعوبات كبيرة والحاجة لمعدات ثقيلة للإنقاذ والتوزع الجغرافي الواسع للأبنية المنهارة التي يزيد عددها عن 133 مبنى منهار بشكل كامل و 272 بشكل جزئي وآلاف المباني التي تصدعت في كامل شمال غربي سوريا".
"بين كارثتين"
والزلزال المدّمر ليس الكارثة الوحيدة التي حلّت فجر الاثنين على تركيا وسوريا، بل جاء بالتوازي مع كارثة أخرى كانت قد سبقته بساعات. وبينما كان المدنيون يترقبون تداعيات العاصفة الثلجية في كلا البلدين، التي صدرت الكثير من التحذيرات بشأنها سرعان ما وجدوا أنفسهم في مواجهة الموت داخل المنازل.
وشهدت مدينة غازي عنتاب وباقي المدن الجنوبية الأخرى التي ضربها في تركيا خلال الأيام الماضية عاصفة ثلجية أسفرت عن قطع الكثير من الطرقات، ودفعت السلطات لإصدار قرارات بتعطيل دوام المدارس، فيما نبّهت على المواطنين بعدم الخروج من المنزل.
وكذلك الأمر بالنسبة للمناطق الشمالية من سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، والتي كان الملايين من النازحين فيها يترقبون تداعيات العاصفة القادمة، لينضم إليهم فئات السكان الأخرى، بعدما قضى قسم منهم تحت الأنقاض، وأجبر آخرون على ترك مسكنهم، خوفا من الموت تحت الأسقف والجدران.
ويقول المتطوع في "الدفاع المدني السوري"، بناء بحري لموقع "الحرة" إن الأضرار التي خلفها الزلزال المدمر تشمل معظم مناطق شمال غربي سوريا، لكن درجتها تفاوتت بين منطقة وأخرى.
ويضيف المتطوع: "العديد من المباني سويت بالأرض في حارم بريف إدلب الشمالي، وهناك عدد كبير من العوائل تحت الأنقاض".
"في منطقة عزمارين توجد عدة أبنية متضررة وفي أرياف جسر الشغور أيضا، إضافة إلى انهيار مبان في جنديرس وعفرين بريف حلب"، وفق المتحدث.
ويتابع: "هناك أعداد كبيرة من المتوفين والمصابين. في الثانية نقوم بانتشال شخص على قيد الحياة أو شخص متوفي".
ويوضح محمد عقيل قناص مدير مكتب "المنتدى السوري" في مدينة سرمدا أن الضرر الأكبر الذي خلفه الزلزال تركّز في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، إضافة إلى المناطق الواقعة على طول الشريط الحدودي مع تركيا.
ويقول قناص لموقع "الحرة": "الأتارب من أكثر المدن التي تضررت، وبعدها ترمانين التي انهارت فيها حارة كاملة على الأرض. سرمدا وحارم والدانا كذلك الأمر، وفي منطقة تل الكرامة تم تسجيل انهيار أكثر من 10 مبانٍ حديثة وقديمة".
وأصدر "المنتدى السوري" الذي يضم مؤسسات من بينها إغاثية وإنسانية بيانا جاء فيه إن "الشمال السوري منكوب منذ سنوات، وعقب الزلزال تضاعف حجم الكارثة بعد سقوط عشرات الأبنية في لحظة واحدة، والناس نيام".
وقال البيان: "الآن جميع المشافي غير قادرة على استيعاب أعداد الجرحى، وفرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها الاستيعابية، دون الوصول إلى جميع الضحايا والعالقين تحت الأنقاض".
ويعيش أكثر من 4.8 مليون شخص في شمال غرب سوريا في الوقت الحالي وسط البرد والخوف، إزاء العواصف الثلجية والزلازل، بينما "الاستجابة لهم تحتاج للدعم الدولي وتكاتف المنظمات الإنسانية في أسرع وقت ممكن".
"أسر مشردة في الشوارع"
وحتى الآن لم تعلن أي دولة دعما للمناطق المنكوبة في شمال غربي سوريا، وسط مناشدات أطلقتها منظمات إنسانية خلال الساعات الماضية بضرورة التدخل السريع، ولاسيما أن آلاف العائلات "ستبيت في الشوارع"، بسبب انهيار مسكنها أو خوفا من العودة إلى الأبنية المتصدعة.
وتأتي هذه الكارثة الكبرى في وقت يتفاقم فيه الوضع الإنساني بالفعل في شمال غربي سوريا، حيث باتت آلاف العائلات بلا مأوى وتكافح من أجل البقاء في درجات حرارة الشتاء المنخفضة، والعواصف الثلجية والمطرية التي تشهدها المنطقة منذ أيام ولا تزال مستمرة.
ووفق "الدفاع المدني السوري" هناك عراقيل تشوب عمل فرقه، من بينها التوزيع الجغرافي الواسع للزلزال وما نتج عنه من أضرار في جميع أنحاء شمال غربي سوريا، وتركز أكبر عدد من الأضرار في إدلب وسرمدا وجسر الشغور وحارم وسلقين والدانا والأتارب وترمانين وأطمة وجندريس واعزاز وعفرين في ريف حلب.
كما لحقت أضرار مادية بمبانٍ ومخازن ومعدات الفريق الإنساني، مشيرا إلى "حاجة ماسة إلى معدات بحث وإنقاذ إضافية ومعدات ثقيلة وقطع غيار ووقود".
"المشافي ممتلئة"
في غضون ذلك وصف مدير الصحة في إدلب، الدكتور زهير القراط، الأوضاع الحاصلة بـ"الكارثية والصعبة"، ويقول إن عدد كبير من الإصابات ما تزال تحت الأنقاض، ومعظم المشافي امتلأت في مناطق سلقين وأطمة وحارم بريف إدلب وجنديرس التابعة لعفرين شمال غربي حلب، بينما يتم نقل الإصابات الجديدة إلى مشافي المناطق المجاورة.
ويضيف القراط أنه من الممكن أن تتضاعف أعداد الإصابات في الساعات المقبلة.
ويشير عبد الرزاق زقزوق، الإعلامي في منظمة "سامز" الطبية، إلى أن "الوضع كارثي بشكل كبير في القطاع الطبي"، وأن عدد الإصابات الحاصلة "يفوق قدرة الكادر" في المنشآت الطبيعة التابعة للمنظمة.
ويقول لموقع "الحرة": "جميع الكوادر الطبية مستنفرة لكن عدد الإصابات كبير. الكوادر تعمل لكي تستوعب، وتعمل على تحويل الإصابات ضمن مشافي المنطقة، حسب الضغط الحاصل بكل مشفى على حدى".
"نحاول السيطرة على الوضع وتقديم أقصى ما لدينا لمساعدة المصابين"، ويضيف: "الضرر الأكبر حصل في مدينة الأتارب بالإضافة إلى قرية بسينا بين حارم وسلقين وسرمدا أيضا. هذه المناطق الأكثر تضررا، إضافة إلى المناطق الأخرى في شمال غرب سوريا".