جانب من العاصمة تايبيه
جانب من العاصمة تايبيه

خلال زلزال هانشين الذي ضرب اليابان عام 1995، قتل نحو 6000 آلاف شخص في المدينة الصناعية الساحلية وما حولها، لكن مبنى واحدا في المدينة لم يتأثر بالزلزال العنيف.

مالك المبنى، شركة إنشاءات هندسية يابانية، جعلت أساساته من المطاط الخاص، في نسخة، تجريبية وقتها، من تقنية بناء تسمى "تقنية عزل القاعدة".

اليوم، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، تستخدم هذه التقنية في نحو 9 آلاف مبنى في اليابان، ارتفاعا من 20 مبنى فقط وقت زلزال هانشين، بينما زُودت آلاف المباني الأخرى بأجهزة امتصاص الصدمات، التي يمكن أن تقلل بشكل كبير من الأضرار وتمنع الانهيار.

تقول الصحيفة إن دولا أخرى، مثل تشيلي والصين وإيطاليا والمكسيك وبيرو وتركيا ودول أخرى معرضة للزلازل، تبنت هذه التقنيات بدرجات متفاوتة.

مع ذلك، تشير الصحيفة إلى أن هذه الابتكارات تُستخدم إلا بشكل محدود في الولايات المتحدة، مثل المقر الرئيسي الجديد لشركة آبل في وادي السيليكون.

هي هي مجدية؟

وتنقل عن خبراء قولهم إن عدم اعتماد هذه التقنيات ضيع فرصة لتوفير مليارات الدولارات من تكاليف إعادة الإعمار بعد الزلازل الكبيرة التي لا مفر منها.

وخلصت دراسة فيدرالية أميركية إلى أن إصلاح المباني بعد الزلزال يكلف أربعة أضعاف تكلفة بنائها بقوة أكبر في المقام الأول، وتخسر الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 4 مليارات دولار عن كل عام تؤخر فيه قانون بناء أقوى للزلازل، حسب الدراسة.

وتسبب الزلازل خسائر بشرية كبيرة، كما أن خسائرها المادية هائلة أيضا، ويمكن أن يؤدي تعزيز المباني إلى تقليل كلا النوعين من الخسائر.

وقالت شركة النمذجة Verisk  إن زلزال بقوة 6 درجات على مقياس ريختر ضرب الساحل الشمالي الشرقي لليابان عام 2022 تسبب في خسائر في الممتلكات المؤمن عليها تتراوح بين ملياري دولار وأربعة مليارات دولار.

وقالت فيريسك إن الخسائر التي تتراوح بين 400 و 820 مليون دولار نجمت عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات التجارية والصناعية، مستشهدة بتقارير تفيد بأن أكثر من 1000 مبنى تأثر في محافظتي فوكوشيما ومياجي.

وتؤثر خسائر الزلازل على البنى التحتية وعلى التنمية الاقتصادية بشكل كبير.

تقنية الأساسات المعزولة

تهتز المباني التقليدية مع الأرض أثناء حدوث زلزال، ما يعني أنها قد تتعرض لأضرار هيكلية، ولكنها مصممة للبقاء واقفة وعدم الانهيار، وكلما كان الزلزال أقوى كلما تحرك المبنى استجابة لذلك.

وإذا اهتز المبنى بشكل كبير، قد تتلف العوارض والأعمدة والجدران والأقواس ما قد يؤدي في النهاية إلى الحاجة لإصلاح المبنى أو إعادة بنائه لكن الخسائر البشرية خلال الزلزال لا يمكن تقليلها أو حتى منعها.

وتنقل الصحيفة عن الخبراء، أن من المرجح أن تنجو المباني التي تستخدم عزل الأساس من زلزال قوي وتبقى آمنة للاستخدام.

ومن المباني الشهيرة حول العالم المبنية بهذه الطريقة مبنى الكابيتول في ولاية يوتاه، حيث صُمم لتحمل ما يصل إلى زلزال بقوة  7.3 درجة على مقياس ريختر.

تقنية المثبط الكتلي TMD

تستخدم هذه التقنية كتلة ثقيلة متأرجحة (مصنوعة عادة من الصلب) تعمل كبندول مركزي مصمم للتأرجح عكس الانحناء الذي يسببه الزلزال في المباني لمعادلة تأثير الهزة الأرضية.

وفي بعض الأحيان تكون الكتلة مصممة من خلال سائل يتحرك بنفس طريقة البندول (يميل في الاتجاه المعاكس للانحناء) لعكس التأثير الذي يسببه الزلزال.

وبحسب موقع Re thinking the future فإن مبنى تايبيه 101 في تايوان مصمم وفق هذه الطريقة، بالإضافة إلى مبنى برج خليفة في الإمارات.

بندول في مبنى تايبيه 101 يستخدم لمعادلة زخم الزلزال

تقنية الجسر المركزي

يربط جسر منزلق مصمم لامتصاص الصدمات مبنيين عاليي الطول عادة.

وصمم برج بتروناس التوأم في ماليزيا الذي أنجز عام 1999 بهذه الطريقة، وهو أطول برج توأم في العالم على ارتفاع يبلغ 452 مترا.

ويرتبط البرجان الزجاجيان بجسر مركزي تم تصميمه للانزلاق داخل وخارج المبنى في كل مرة يبدو أن هناك أحمال جانبية كبيرة تؤثر على المبنى، كما يقول الموقع.

الجسر الرابط بين بنايتي مبنى بتروناس يعمل على امتصاص زخم الزلازل

التهدم المحسوب

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إنه في حالة حدوث زلزال شديد، تم تصميم معظم المباني الأميركية لتنهار بشكل محسوب مما يؤدي إلى تبديد طاقة الزلزال من خلال الأضرار.

والهدف هو الحفاظ على الأرواح، لكن المبنى - مثل السيارة بعد وقوع حادث - سيكون عديم الفائدة.

وتدرس بعض المدن مثل سان فرانسيسكو قواعد تتطلب أن تكون المباني أكثر صلابة، على غرار تلك الموجودة في اليابان.

تعزيز الأساسات

ويقول موقع CS engineers  إن هناك خمس معايير رئيسية يجب مراعاتها لتصميم مباني تقاوم الزلازل.

أهم تلك العوامل بحسب الموقع هو الأساس المناسب، حيث يمكن أن يساعد إنشاء أساس مرن للمبنى على البقاء واقفا أثناء الزلزال.

وأورد الموقع اقتراحا يقضي ببناء أساس مصنوع من الخرسانة المسلحة وشرائط متقاطعة فوق وسادة وسيطة من الرمل.

صرف المياه

ويقول الموقع إن المياه المتجمعة يمكن أن تخلق مضاعفات هيكلية، ويقترح بناء آليات تصريف للمياه المتجمعة لمساعدة الهياكل على تحمل الزلازل.

التعزيز الهيكلي

لدى المهندسين والمصممين طرق مختلفة لتقوية هيكل المبنى ضد الزلازل المحتملة، مما يؤدي إلى تصريف القوى الزلزالية وإعادة توجيهها.

 البناء بمواد لينة

يمكن للمواد ذات الليونة العالية امتصاص كميات كبيرة من الطاقة دون أن تتحطم.

ويعتبر البناء بالطوب والخرسانة من المواد منخفضة الليونة، لكن مواد مثل الفولاذ المعدل والخرسانة المسلحة بشكل مبتكر بالألياف يمكن أن توفر ليونة مشابهة.

وبحسب الموقع أظهرت شركة هندسة مدنية كيف يمكن للناس في إندونيسيا بناء منازل مقاومة للزلازل بالكامل تقريبا من الخيزران.

ويكيبيديا
النسخة الروسية من ويكيبيديا أصبحت محل بجدل بسبب نشرها لدعاية الكرملين

منذ نشأتها في عام 2001، عايشت موسوعة "ويكيبيديا" سلسلة من القضايا الجدلية حول تفاصيل ثقافية وتاريخية متنوعة، قبل أن تتجه نحو مواضيع أكثر حساسية وخطورة، مثل الانتخابات، الاحتجاجات، والحروب.      

ومن أبرز الأمثلة الحديثة، الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تحولت ويكيبيديا إلى ساحة معركة للروايات المتنافسة والمتغيرة باستمرار، وفق تقرير جديد لمجلة "فورين بوليسي" بعنوان "كيف غزت روسيا ويكيبيديا". 

تُعتبر النسخة الروسية من ويكيبيديا واحدة من أكبر ستة مواقع ويكيبيديا في العالم، وكانت حتى وقت قريب مصدرا رئيسيا للمعلومات في روسيا.

ولكن، خلال العقدين الماضيين، أصبحت تلك النسخة محاطة بالجدل بسبب تورطها في نشر الدعاية الموجهة من قبل الكرملين الذي استغل المنصة للترويج لرواياته السياسية.

تعتمد العديد من المقالات في النسخة الروسية من ويكيبيديا على المصادر الحكومية ويتم تحريرها بواسطة محررين روس يتبنون الروايات الرسمية للكرملين، وفق المجلة. 

وتشير "فورين بوليسي" إلى أن هذا التحيز برز بشكل واضح في تغطية النسخة الروسية للحرب على أوكرانيا.

على سبيل المثال، بينما تؤكد النسخة الإنكليزية من ويكيبيديا على الطبيعة غير القانونية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، تشير المقالات الروسية إلى هذا الحدث بشكلٍ يبرّر التدخل الروسي.

كما تقلل النسخة الروسية من دور الجيش الروسي في الصراع وتصور منطقة دونيتسك كجمهورية منفصلة عن أوكرانيا.

في قضية أخرى مثيرة للجدل، تتباين النسختان الإنكليزية والروسية حول حادثة إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 عام 2014، فبينما تُقر النسخة الإنكليزية بأن الطائرة أُسقطت بواسطة صاروخ أطلقه الجيش الروسي، تُشير النسخة الروسية إلى الحادثة بأنها "كارثة" دون الإشارة إلى المسؤولية الروسية، مما يعكس التأثير الكبير للروايات الحكومية الروسية على المحتوى، وفق تعبير المجلة.

وكانت رحلة الخطوط الجوية الماليزية "إم إتش17" في طريقها من أمستردام إلى كوالالمبور عندما كانت تحلق يوم 17 يوليو 2014 فوق المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون شرق أوكرانيا، حيث تعرضت لصاروخ أرض جو روسي الصنع انطلق من قاعدة عسكرية روسية يديرها المتمردون المدعومون من موسكو، وفق فريق تحقيق دولي.

تحديات قانونية

واجهت مؤسسة "ويكيميديا"، التي تدير ويكيبيديا، تحديات قانونية في روسيا، حيث تم تغريمها عدة مرات بسبب المحتوى المتعلق بالحرب على أوكرانيا.

وتشير تقارير إلى أن مجموعات من الحسابات المنسقة، تُعرف بـ"حسابات دمى الجوارب" (Sock puppet) قامت بتنسيق جهود لتحرير الصفحات المتعلقة بالعلاقات الروسية الأوكرانية لصالح الرواية الرسمية الروسية.

هذه المجموعات تعمل على تقويض المصادر الأوكرانية والغربية، وتدعم بدلاً من ذلك الروايات المدعومة من وسائل الإعلام الحكومية الروسية.

وفي خطوة أخرى لتعزيز السيطرة على الفضاء الرقمي، أطلقت روسيا في وقت سابق هذا العام منصة بديلة لويكيبيديا تُسمى "روويكي" (Ruwiki)، بقيادة فلاديمير ميدييكو، المدير السابق لمؤسسة ويكيميديا الروسية.

بدأت هذه المنصة كنسخة طبق الأصل من النسخة الروسية من ويكيبيديا، مستفيدة من طبيعة اتفاقية المصادر المفتوحة لويكيبيديا.

تحتوي "روويكي" الآن على ما يصل إلى مليوني مقال باللغة الروسية، بالإضافة إلى 12 لغة إقليمية أخرى تُستخدم في روسيا، وهي تعمل خارج نطاق سيطرة مؤسسة ويكيميديا.

منصة بديلة

تختلف "روويكي" عن نموذج ويكيبيديا الأصلي الذي يسمح لأي مستخدم بإنشاء وتحرير المقالات، حيث يخضع  المحتوى المضاف لمراجعة مجموعة ضيقة من الخبراء المعتمدين من قبل الحكومة.

هذه الآلية تسمح للحكومة الروسية بفرض رقابة صارمة على المحتوى المقدم وضمان توافقه مع الروايات الرسمية، خصوصا في القضايا المعقدة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا.

أدى إنشاء "روويكي" إلى خلق نسخة رقمية منعزلة تعكس رؤية الكرملين للأحداث. ففي هذه النسخة، يتم إنكار أحداث تاريخية كبرى مثل مجاعة "هولودومور" التي أودت بحياة ملايين الأوكرانيين في عهد الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين، ويتم الترويج لفكرة أن حلف "الناتو" هو المسؤول عن استفزاز روسيا لشن غزوها لأوكرانيا.

وهذه المحاولات لعزل الفضاء الرقمي الروسي عن بقية العالم تندرج ضمن مفهوم "تجزئة الإنترنت" أو "السبلينترنت"، وفق "فورين بوليسي" وهي ظاهرة تتجسد في قيام الدول بتقييد وصول مواطنيها إلى الإنترنت العالمي وتوجيههم نحو منصات رقمية محلية تخضع لرقابة الدولة، مما يحد من حريتهم في الوصول إلى معلومات غير محكومة بالروايات الرسمية.