مدنيون يساعدون في إنقاذ ضحايا الزلزال في شمال سوريا
مدنيون يساعدون في إنقاذ ضحايا الزلزال في شمال سوريا

تعيش مئات العائلات في الجانبين التركي والسوري، في قلق وخوف وترقب، فضلا عن الأمل في صمود أحبائهم الذين يقبعون تحت الأنقاض، فيما يسابق عمال الإنقاذ الزمن لانتشال العالقين من بين حطام المباني المدمرة، بعد يومين من زلزال مدمر أودى بحياة ما يربو على 11 ألف شخص.

ويعثر عمال الإنقاذ، حتى الأربعاء، على مزيد من الناجين تحت الأنقاض رغم تضاؤل الأمل.

وأوضح مسؤولون وأطباء أن أكثر من 9 آلاف شخص قضوا في تركيا وأكثر من 2600 في سوريا. وأصيب 50 ألف شخص بجروح في تركيا، و5 آلاف في سوريا.

وشعر محمد فوزي الخطيب من قرية بابيص، وهو من النازحين، بالزلزال في الساعة الرابعة و20 دقيقة تقريبا فجر الاثنين، "كنت أنا بالبيت ولم يحصل لنا شيء بفضل الله".

محمد فوزي الخطيب يساعد في أعمال الإغاثة بعد الزلزال المدمر

في الساعة الخامسة والنصف صباحا تقريبا تلقى اتصالا يفيد بأن متجره والمحلات المجاررة سويت بالأرض بفعل الزلزال، "الحمد لله أن الأمور توقفت عند الأضرار المادية، فآخرين أعرفهم ماتوا في الزلزال"، بحسب ما يحكيه لموقع "الحرة" وهو يقف وسط الآليات التي تزيل الركام. 

أما عبد القادر قرمو، من مدينة حارب التي تضررت بشدة من الزلزال: "عشنا لحظات مؤثرة للغاية في اليومين الماضيين وربما أصعب من ظروف الحرب وطيران النظام الذي يقصفنا"، مشيرا إلى أن "كل المناطق المحررة تضررت".  

وأضاف قرمو الذي تحدث مع موقع "الحرة"، من وسط مباني مدمرة: "لا زلنا نخرج الكثير من الجثث من تحت الأنقاض وأحيانا يخرج ناس أحياء، ليس لدينا إلا الدفاع المدني وليس لديه الإمكانات الكافية". 

ورغم أن حسن الأطرش، وهو مهجر من ريف إدلب الجنوبي، أحد المتضررين من الزلزال، فقد قدم من أقطون بمناطق الكموني شرق سرمدا، إلى حارم ليساعد بإمكاناته البسيطة ويديه العاريتين في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض. 

وقال لموقع "الحرة": "أساعد الناس بإمكاناتي البسيطة مع فرق الدفاع المدني التي تعمل بشكل متواصل منذ 48 ساعة ودون أن يغمض لها جفن"، معتبا أن "المصاب كبير، وكارثة لا توصف". 

وأضاف بعد يومين من عمليات الإنقاذ: "لا يزال هناك الكثير جدا من الناس تحت الأنقاض ونعاني من شح كل شيء سواء المعدات الثقيلة أو الأدوات الطبية أو أي شيء يمكن أن يساعدنا، ليس هناك إلا الدفاع المدني والمدنيين يحاولون بكل إمكاناتهم إخراج العالقين". 

مناطق واسعة في شمال سوريا تضررت بسبب الزلزال

وفيما يتعلق بعمليات الإنقاذ، قال: "منذ قليل أخرجنا شخصين من تحت أنقاض مبنيين مختلفين كانا عالقين لأكثر من 30 ساعة". 

"نحن بشر مثلهم"

وطالب الأطرش الدول العربية بإرسال مساعدات وفرق إنقاذ كما فعلت مع تركيا ومناطق النظام، "فنحن هنا بشر مثلهم". 

وتلقت الحكومة السورية دعما من دول عربية، منها مصر والعراق، وكذلك من حليفتها الرئيسية روسيا التي أرسلت فرق إنقاذ ونشرت قوات بالفعل للمشاركة في أعمال الإغاثة، بما في ذلك في حلب. لكن لم يصل إلا القليل، إن وجد، من هذه المساعدات إلى الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، بحسب وكالة "رويترز".

وقال الأطرش لموقع "الحرة": "نحن في مناطق شمال غرب سوريا أو مثلما يطلقون عليها "المعارضة" نحن لا نخوف أحدا ولسنا وحوشا كما يصوروننا ولكننا بشر مثل بقية العالم، حجم الدمار والناس الذين يخرجون من تحت الأنقاض والذين لا يزالون تحتها يعبرون عن قصتنا وأزماتنا". 

وخلال قيامه بعمليات الإنقاذ في حارم، قال أحد عناصر الدفاع المدني، إن "مئات العائلات الآن بين الأنقاض، ونعاني من صعوبة كبيرة لقلة الآليات الثقيلة مع كبر المساحة الجغرافية التي تضررت بشكل كبير". 

الدفاع المدني السوري يعاني من قلة الإمكانات

وأوضح أن "أكثر من 400 موقع تدمر بشكل كامل وحوالي 250 تضررت بشكل جزئي". 

وناشد المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية "ألا تتوانى عن مساندة المدنيين المنكوبين". 

وعبر مسؤولو الإغاثة عن قلق خاص بشأن الوضع في سوريا حيث كانت الاحتياجات الإنسانية بالفعل أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع الصراع الذي أدى إلى تقسيم البلاد وتعقيد جهود الإغاثة.

"الكل خائف" 

وفي الجانب الآخر على الحدود، تنتظر امرأة تركية في الخمسينيات من عمرها، أن يتم إنقاذ زوجها الذي لا يزال تحت أنقاض مبنى غير قديم نسبيا. 

وقالت المرأة لموقع "الحرة": "عمر البناء 20 عاما فقط وبه 28 شقة، جميعها سويت بالأرض، هناك الكثير من العائلات تحت الأنقاض". 

ونام الكثيرون في سياراتهم أو في الشوارع متلحفين بالأغطية خشية العودة إلى المباني التي هزها زلزال بقوة 7.8 درجة يوم الاثنين هو الأسوأ في تركيا منذ عام 1999.
 
وقال أحد الأشخاص في أضنة لموقع "الحرة": "لا يستطيع أحد الدخول إلى المنازل، الناس يتملكهم الخوف وكلهم في العراء"، مشيدا بمبادرات الناس العاديين "الذين يساعدون بعضهم بعضا" 

وفيما يتعلق بعمليات البحث عن ناجين، قال إن "فرق الإنقاذ وصلت إلى أضنة باكرا، وتمكنت من انتشال أشخاص أحياء"، لكنه أشار إلى أن "فرق الإنقاذ لن تستطيع الوصول إلى بعض المدن بسبب تصدع الطرق"، معتبرا أن مدينته "محظوظة". 
 
وواجه عمال الإنقاذ صعوبة في الوصول إلى بعض من أكثر المناطق تضررا بسبب الطرق المدمرة وسوء الأحوال الجوية ونقص الموارد والمعدات الثقيلة. وبعض المناطق ليس فيها وقود ولا كهرباء.

وقال آخر في أضنة لموقع "الحرة": "ننتظر منذ يومين، في ترقب وخوف وأمل في أن يخرج أقرباؤنا أحياء من تحت الأنقاض". 

وأضاف "معظم الذين يخرجونهم أموات، ولكننا نأمل بخروج أحياء". 

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حالة الطوارئ في 10 أقاليم. لكن السكان في العديد من المدن التركية المتضررة عبروا عن غضبهم مما وصفوها بأنها استجابة بطيئة وغير كافية من قبل السلطات.

مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز
مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز

يعيش اللبنانيون حالة من القلق المتزايد مع تصاعد التوترات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، إذ بات شبح الحرب يخيم على حياتهم اليومية، متسللاً إلى تفاصيلها مع كل انفجار أو تحذير من تصعيد جديد.

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت الحدود الجنوبية تصعيداً خطيراً مع إطلاق ثلاثة صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل، التي ردّت بسلسلة غارات جوية استهدفت مناطق في الجنوب والبقاع.

هذا التطور أعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأخيرة، في وقت لم تتعافَ فيه البلاد بعد من تداعياتها، ولم يتم البدء حتى في إعادة إعمار ما دمرته.

لا تزال المنازل المدمرة شاهدة على حرب لم تُطوَ صفحتها بعد، فيما يجد اللبنانيون أنفسهم مجدداً في مواجهة واقع مجهول، حيث لا ضمانات بأن الأيام المقبلة لن تحمل تصعيداً أشد، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة تزيد من معاناتهم.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تتجه الأنظار إلى المسؤولين اللبنانيين وإلى مدى قدرتهم على احتواء الأزمة ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة. فهل تستطيع السلطات اللبنانية تجنيب البلاد سيناريو كارثياً آخر، أم أن لبنان يقترب من مواجهة جديدة قد تفاقم مآسيه؟

يأس وجمود

في جنوب لبنان، يعيش بعض الأهالي حالة من اليأس وسط تصاعد التوترات الأمنية، حيث تجد سهام، وهي من سكان مدينة صور (فقدت منزلها في الحرب الأخيرة واضطرت إلى استئجار منزل آخر)، نفسها غارقة في الإحباط. تقول بأسى: "للأسف، وكأنّه كُتب علينا أن نعيش في حروب متواصلة، حتى أصبحت أفضّل الموت".

تعكس كلمات سهام مشاعر العجز التي تخيم على كثير من اللبنانيين، وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "نحن وُلدنا في الحروب، اللبنانيون يعانون نفسياً"، مؤكدة أن الناس لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من النزوح والمعاناة.

ورغم أن الحرب الأخيرة كانت مكلفة على مختلف الفئات، ترى سهام أن اللبنانيين المقيمين في مناطق محسوبة على حزب الله تحملوا العبء الأكبر، مشيرة إلى أن "هناك قرى دُمّرت بالكامل. المواطنون باتوا في حاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة إعمار منازلهم ومستقبلهم، وليس إلى المزيد من الحروب".

ورغم مخاوفها، تؤكد سهام أنها لن تغادر منزلها إذا اندلعت مواجهة جديدة>

وتحذر من أن العائلات النازحة هذه المرة قد تواجه صعوبات أكبر في إيجاد ملاذ آمن، خاصة مع تصاعد الخطاب الاستفزازي لبعض مسؤولي حزب الله، إلى جانب الحملات الإلكترونية الواسعة التي انطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث شملت تهديدات صريحة لمعارضي الحزب ومنتقديه، متوعدةً إياهم بـ"التأديب"، وذلك بدلاً من أن يُسلّم الحزب سلاحه للجيش اللبناني، كي ينعم اللبنانيون بالسلام".

وفي ظل التصعيد المتزايد، لا يقتصر القلق على لبنان وحده، بل يمتد إلى الجوار أيضاً لاسيما غزة وسوريا، كما يوضح الباحث في الشأن السياسي نضال السبع لموقع "الحرة".

وشهد لبنان في الأيام الأخيرة ضربات إسرائيلية "عنيفة"، وفق وصف السبع، "استهدفت مناطق عدة رداً على إطلاق صواريخ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها".

ويرى السبع أن هذا التصعيد "يعكس مدى هشاشة الوضع الأمني، وسط تحذيرات من إمكانية تفاقم الأمور". 

وفي هذا السياق، يُجري المسؤولون اللبنانيون اتصالات مكثفة مع المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لاحتواء التوترات ومنع انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة.

وفي هذا الإطار، دعا رئيس لبنان، العماد جوزاف عون، القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، ولاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش الى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين.

في مهب المجهول

تعيش مروى، وهي من سكان بلدة معركة جنوب لبنان، حالة من القلق المستمر، تخشى أن يكون القادم أسوأ. تقول بأسى "في الحرب الأخيرة، اضطررت للنزوح مع عائلتي إلى شمال البلاد، قبل أن نعود بعد إعلان اتفاق وقف النار، لكن لا أشعر بأي أمان. أنا لا أخاف فقط من اندلاع حرب جديدة، فالحرب قائمة أساساً، لكن الخوف هو أن تتوسع وتصبح أشمل".

وترى مروى في حديث لموقع "الحرة" أن القلق يعمّ جميع اللبنانيين، "خصوصاً أهالي الجنوب، الذين يدركون أن أي تصعيد جديد قد يكون أكثر عنفاً وتدميراً". 

هذا الشعور بالخوف المستمر دفعها إلى التردد في المضي قدماً في مشروعها العملي، موضحة "التهديدات مستمرة، وكل يوم نسمع تحذيرات من أن التصعيد قد يعود في أي لحظة. لذلك، نقوم بتأجيل مخططاتنا".

وتضيف: "لبنان لم يعد يشجّع على الاستثمار. نحن نعيش في حالة من العجز، نترقب المصير المجهول واحتمال أن نجد أنفسنا مجدداً في حرب لا نريدها، حرب لا تجلب سوى المزيد من الموت والدمار".

في المقابل، تسعى الحكومة اللبنانية إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل، وفق ما يشير السبع.

ويشدد: "لبنان غير معني حالياً بأي تصعيد عسكري. بالتوازي، تتحدث تقارير عن زيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلى بيروت خلال الأيام المقبلة، في محاولة لفتح قناة تفاوضية مباشرة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذا التوجه يواجه رفضاً واضحاً، خاصة من رئيس مجلس النواب نبيه بري".

ويحذر السبع من أن "المخاوف تتزايد في الأوساط الدبلوماسية والسياسية من احتمال أن تستغل إسرائيل أي حادث أمني لشن هجمات عسكرية موسعة وإنشاء حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية بعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات. خطوة كهذه قد تفتح الباب أمام توترات جديدة، في وقت لم يتعافَ فيه لبنان بعد من تداعيات المواجهات السابقة".

معادلات جديدة؟

في العاصمة اللبنانية بيروت، يعيش منير، مثل كثير من اللبنانيين، في حالة من القلق المستمر وسط ضبابية المشهد الأمني والسياسي. ويقول "نحن في حالة رعب دائمة، لا نعرف إذا كانت الحرب قد انتهت أم لا. هل سيتوقف إطلاق النار؟ هل ستُطلق صواريخ جديدة على إسرائيل؟ وكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟".

ويشير منير إلى غياب أي شعور بالأمان في ظل الوضع الراهن، مضيفاً "نحن في بلد بلا ملاجئ، أي مكان قد يكون مستهدفاً، وأي شخص قد يكون في خطر"، ورغم ذلك، يؤكد "لا خيار أمامنا سوى البقاء، ننتظر ما سيحمله الغد".

أما هناء، التي تقيم بالقرب من الضاحية الجنوبية لبيروت، فتعيش في حالة من التوتر الدائم. تقول "كلما سمعت صوت دراجة نارية أو فرقعة، أعتقد أنه صاروخ"، وتضيف "أعيش على أعصابي، خصوصاً منذ أن عاد القصف الإسرائيلي على غزة. وأنا الآن أنتظر في كل لحظة أن يتصاعد التوتر في لبنان".

في ظل هذه المخاوف، تُتابع قيادة الجيش التطورات بالتنسيق مع اليونيفيل والجهات المعنية لاحتواء الوضع المستجد على الحدود الجنوبية، كما جاء في بيان رسمي، بينما دعا وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده.

وبموجب الاتفاق المبرم في نوفمبر، كان من المفترض إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة تابعة لحزب الله، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، مع نشر الجيش اللبناني لضمان الاستقرار. 

كما نص الاتفاق على أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في الجنوب ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها.

ويراقب حزب الله الوضع بحذر، محاولاً تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، كما يرى السبع، ويقول "الحزب يواجه تحديات معقدة، خصوصاً بعد قطع خطوط إمداده إثر سقوط نظام الأسد، ما يجعله غير مستعد لمغامرة عسكرية جديدة في هذه المرحلة".

من جهتها، ترى إسرائيل، وفق السبع أن "الحزب يمرّ بمرحلة ضعف، وهو ما قد يدفعها إلى محاولة فرض معادلات جديدة على الأرض، من خلال شن حرب تهدف إلى القضاء على ما تبقى من قوة لدى الحزب".