على مدار الأشهر الأخيرة، تبادلت أطراف من الجزائر والمغرب، اتهامات بتنفيذ "هجمات إلكترونية" لاختراق، والوصول إلى المواقع الحكومية والبوابات الرقمية للمؤسسات الإعلامية والاقتصادية بالبلدين، وذلك بالتزامن مع التوترات السياسية التي تمر بها العلاقات بين الرباط والجزائر.
وفي أحدث هذه الهجمات، تحدثت تقارير إعلامية مغربية، الشهر الماضي، عن تعرض موقع المكتبة الوطنية لمحاولات اختراق، من طرف مجموعة هاكرز جزائريين.
وبعدها بأسابيع قليلة، أعلن التلفزيون الجزائري الحكومي، أمس الأحد، تعرض موقع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إلى سلسلة من الهجمات السيبرانية الحادة، متهمة "مصادر بالمغرب" وأطراف أخرى بالوقوف وراءها.
وفيما لا تتبنى الجهات الرسمية بالبلدين عادة هذه الهجمات المعلوماتية، يبقى من غير الواضح تحديد إن كانت صادرة عن أجهزتهما ما يعني انتقال الصراع بينهما إلى من جبهات الدبلوماسية والخارجية إلى الفضاءات الرقمية، أو أنها هجمات معزولة ضمن "حروب الظل" بين كتائب هاكرز مستقلة في سياق التشنجات الأخيرة بين فئات من شعبي البلدين.
"استهداف البنية الحيوية"
الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الجزائرية، رشيد علوش، يقول إن "حربا معلوماتية ورقمية، تُشن على الجزائر لاستهداف البنية التحتية الحيوية ومصالح الشركات والمؤسسات بالبلاد".
ويبرز الباحث الجزائري في تصريح لموقع "الحرة"، أنه خلال السنوات الأخيرة، كانت الجزائر من بين" أكثر بلدان العالم" تعرضا للهجمات السيبرانية والمعلوماتية بحسب مجموعة من التقارير والبيانات، معتبرا أن الأمر "ليس عفويا واعتباطيا، بل موجّه وممنهج".
ويضيف المتحدث، أن تكرار هذه الحوادث واستدامتها، "يوحي بأنها ليست صادرة عن أشخاص معزولين، بل تبقى موجهة ضد المصالح والمؤسسات الحيوية الجزائرية"، وذلك في إطار حروب "الجيل الرابع" التي تستهدف تعطيلها واختراقها.
بالمقابل، يصف الخبير في العلاقات الدولية، عبد الفتاح الفاتحي، الاتهامات الجزائرية للمغرب بالوقوف وراء محاولات الاختراق الأخيرة، بـ"المجانية"، مشيرا إلى أن الجزائر "لا تفوت أي فرصة لإثارة أسباب التصعيد والتوتر على المنطقة، من خلال إذكاء الحقد والكراهية وكيل الاتهامات للمملكة".
ويضيف الخبير المغربي في حديثه لموقع "الحرة" أن المزاعم الجزائرية الجديدة، تأتي في سياق "ارتباك شديد عقب نكستها الدبلوماسية مع فرنسا"، وبالتالي "تعمد لترويج خطاب المظلومية، بادعاء استهدافها من قبل جهات رسمية معادية لها، بهدف إلهاء الشعب الجزائري عن واقع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولحرية الرأي والتعبير، وآخرها قضية الناشطة أميرة بوراوي وقضية مدير موقعي "راديو إم" و"مغرب إيمرجان" إحسان القاضي وغيرها".
وتشهد علاقات الجارين توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو، وتصاعدت حدة الخلافات الدبلوماسية بين الرباط الجزائر بعد إعلان الأخيرة في أغسطس 2021، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة إياها "بالعداء تجاهها منذ استقلالها في 1962"، وتواترت منذ ذلك مجموعة من الأحداث التي ساهمت في تعميق الهوة بينهما.
"ضرب من الخيال"
ويوضح الباحث الجزائري، أن الهجمات الأخيرة على موقع وكالة الأنباء الجزائرية، استمرت لأزيد من أسبوع، الأمر الذي دفع المشرفين إلى إغلاقه، مما يشير إلى "الحرب" الممارسة على الجزائر، خاصة مع تكرر هجمات سيبرانية من هذا النوع على مؤسسات البلاد.
ويضيف المتحدث أن الربط بين محاولات الاختراق التي يقول إن الجزائر تتعرض لها والمغرب، مردّه "تاريخ الرباط في التجسس، خاصة بعد اتهامها باستعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، للتجسس على نشطاء وصحفيين مغاربة بل وقادة سياسيين أوروبيين بإسبانيا وفرنسا".
ويعتبر الباحث الجزائري أن التنسيق المعلوماتي المعلن بين المغرب وإسرائيل "موجه أساسا لاستهداف الجزائر"، مشيرا إلى أنه سبق للرئيس الجزائري الإشارة في هذا الإطار إلى أن البلاد تتعرض لـ"حرب سيبرانية".
وفي هذا السياق، يقول الخبير المغربي عبد الفتاح الفاتحي، إن "الجزائر ومن خلال ادعاءاتها بتعرضها لمحاولات اختراق مغربية، تحاول استغلال ما تعتبره الجزائر أزمة بين الرباط وباريس بخصوص موضوع بيغاسوس"، لافتا إلى أنها (الادعاءات)، "ضرب من الخيال".
ويتابع الفاتحي حديثه بالقول إنه إن صدق حقا ما تدعيه الجزائر بشأن تعرضها لمحاولات اختراق، فإن الأمر "لا يعدو أن يكون نوعا من التضامن لأفراد هواة من هاكرز جزائريين في بلدان المهجر وأفراد آخرين ضد التردي الحقوقي غير المسبوق بالجزائر، التي يعبث نظامها بحقوق الإنسان عبر تشجيع أساليب بوليسية لترويع نشطاء الحراك الجزائري"، على حد تعبيره.