في توجه لفت انتباه الكثيرين، أعلنت "كنيسة إنكلترا"، وهي واحدة من أقدم الكنائس في العالم، أنها تدرس الإشارة إلى الإله God دون تحديد جنسه اللغوي، مثل الضمير "هو"، بعد أن طالب كهنة باستخدام ألفاظ محايدة جنسيا.
وأثارت الخطوة تساؤلات بشأن السبب وراء هذا التوجه، وكيفية تطبيقه، وعما إذا كان من الممكن أن يحدث الأمر ذاته عند الإشارة إلى الإله في اللغة العربية، حيث يتم استخدام أيضا الضمائر المذكرة للإشارة إلى "الله" في المسيحية و الإسلام.
ولفت الإعلان الأخير للكنيسة، التي تتبع الطائفة الأنغليكانية، انتباه الصحف وكتاب الرأي حول العالم، باعتبارها مؤسسة هامة تمتلك ملايين الأتباع، وتعتبر من أقدم المؤسسات المسيحية في العالم، وأي تعديلات محتملة بهذا الأمر من شأنها أن تمثل خروجا عن التعاليم التقليدية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
وفضلا عن ذلك، فإن الإعلان جاء بالتزامن مع خطوة أخرى للكنيسة تظهر قدرا من التسامح إزاء زواج المثليين، مما أثار رفضا من قبل جماعيات دينية محافظة.
وقالت الكنيسة في التعليقات الأخيرة إنها ستطلق لجنة جديدة تنظر في المسألة خلال الربيع، لكنها أكدت أن أي تعديلات يجب أن توافق عليها "السينودس"، هيئة صنع القرار في الكنيسة.
وكانت القضية طرحت في اجتماع السينودس، حيث طرحت القس جوانا ستوبارت، سؤالا على القيادة بشأن "أين تقف الأمور في التحرك لتبني لغة أكثر شمولا لتقديم المزيد من الخيارات لأولئك الذين يرغبون في التحدث عن الله بطريقة غير جندرية.. حيث تشير العديد من الصلوات إلى الله باستخدام ضمائر الذكور".
ورد على السؤال، قال القس مايكل إيبفريف، أسقف ليتشفيلد ونائب رئيس اللجنة المسؤولة عن هذه المسألة بالقول إن الكنيسة كانت "تستكشف استخدام اللغة الجندرية فيما يتعلق بالله منذ عدة سنوات".
وأوضح أن الكنيسة تخطط لإطلاق مشروع جديد خلال الأشهر المقبلة للنظر في كيفية استخدام اللغة في إشارة إلى الله".
وقال متحدث باسم كنيسة إنكلترا: "هذا ليس شيئا جديدا. لقد أدرك المسيحيون منذ العصور القديمة أن الله ليس ذكرا ولا أنثى، ومع ذلك فإن الطرق المتنوعة لمخاطبة الله ووصفه، الموجودة في الكتاب المقدس، لم تنعكس دائما في عبادتنا".
لكن الكنيسة أكدت أنه لم يحدث أي تغيير على الصوات، وقالت في بيان نقلته أسوشيتد برس: "لا توجد أي خطط على الإطلاق لإلغاء أو مراجعة الشعائر الدينية المصرح بها بشكل كبير، ولا يمكن إجراء مثل هذه التغييرات دون تشريعات واسعة النطاق".
وكانت القضية أثارت ضجة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الجدل بشأن المسألة. وتظهر إحدى المشاركات المنتشرة على إنستغرام لقطة شاشة لعنوان: "كنيسة إنكلترا تتبنى إلها محايدا جندريا"، مشيرة إلى أنها ستتوقف عن استخدام ضمائر الذكور والإشارة إلى الله في الصلاة، وستسقط عبارة "أبانا" من الصلاة الربانية.
وتوضح شبكة البث المسيحية الأميركية إنه لأكثر من 2000 عام ، أشار المسيحيون إلى الله ويسوع باستخدام المصطلحات الذكورية الموجودة في الكتاب المقدس، مثل الملك، الأب، المعلم، والله وأب ربنا يسوع".
وتقول صحيفة واشنطن بوست إنه يتم الإشارة إلى "الله" بضمائر المذكر في النصوص والصلوات الدينية للطوائف المسيحية، ومع ذلك فإن العديد من علماء اللاهوت والقادة الدينيين يجادلون بأن الله يتجاوز مسألة النوع. ويقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية "إنه ليس رجلا ولا امرأة: إنه الله".
ستيفن تومبكينز كتب في مقال سابق نشرته "بي بي سي" إنه "لطالما واجهت الكنيسة المسيحية مشكلة في الإشارة إلى جنس الله. هو ليس له جنس، لكن من الصعب التحدث عن الله دون إعطائه جنسا. للحديث عن الله، علينا أن نسمي الله شيئا، وتجنب الضمائر تماما أمر مرهق".
تغيير في زمن التغيير
وتقول شبكة "سي أن بي سي" الأميركية إن هذه القضية "تعكس الوعي العالمي المتزايد بشأن الاستخدام المفترض للضمائر التي تسبب الإساءة أو الانزعاج لأولئك الذين لا يرغبون في الاعتراف بالجنس الذي تم تحديده لهم عند الولادة".
وهذه النقاشات هي "أحدث محاولة من قبل الكنيسة لمواكبة المفاهيم سريعة التطور بشأن الجنس والنوع في العقود الأخيرة"، حسب وصف نيويورك تايمز.
وكانت كنيسة إنكلترا قد أعلنت، الشهر الماضي، أيضا أنها ستسمح بمباركة زواج المثليين لكنها لن تقوم بتزويجهم.
وصوت المجمع العام للكنيسة لصالح السماح للقساوسة بمباركة الأزواج من نفس الجنس، واعتذرت في الوقت ذاته عن معاملة الكنيسة في السابق لأفراد "مجتمع الميم".
وجاء القرار بعد ست سنوات من المشاورات حول زواج المثليين داخل الكنيسة.
وتستعد محكمة كنسية إنكلترا لإصدار حكم هام، بشأن قيام كنيسة القديس نيكولاس في ليستر، التي تعد من بين أقدم 10 كنائس في بريطانيا، برفع "علم الفخر" على مذبحها في سبتمبر الماضي، مما فتح الطريق لمعركة قضائية.
ومن المقرر أن تحسم محكمة كنيسة إنكلترا القضية التي يقول نشطاء إنها "ستفتح الأبواب على مصراعيها" للشارات السياسية على المذابح في جميع أنحاء البلاد، إذا صدر حكم لصالح "علم الفخر".
ونقلت واشنطن بوست عن القس ديارميد ماكولوتش، المتخصص في تاريخ الكنيسة في جامعة أكسفورد القول إن "إسناد نوع إلى الله كان دائما مسألة مجازية، لأننا غير قادرين على قول أي شيء يلخص الألوهية بشكل فعال في اللغة البشرية".
وأضاف: "لذلك من الطبيعي أن نستكشف المزيد عن كيفية الحديث عن الله، بالنظر إلى التحولات الهائلة في فهم النوع في المجتمع".
فرانسيس نايت، الأستاذ في تاريخ المسيحية الحديثة في جامعة نوتنغهام قال للصحيفة: "حتى 50 عاما مضت، كان هناك قدر ضئيل نسبيا من المرونة المسموح بها مع اللغة في الكنائس الأنغليكانية، الأمر الذي يعطي انطباعا بوجود رؤية ثابتة لإله ذكر.. لكن كل هذا الوضع تغير الآن، مع التركيز على أن تكون لغة العبادة واضحة وحديثة وذات مغزى وكريمة".
وتقول الصحيفة إن كنيسة إنكلترا تسمح لرجال الدين ببعض الحرية لتفسير النصوص الرسمية وتكييفها، وبالفعل يتبنى البعض لغة محايدة بين الجنسين بمبادرتهم الخاصة.
الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بجامعة ألبرتا الكندية، هيذر كولمان، قالت في تصريحات عبر البريد الإلكتروني لموقع الحرة إنها باعتبارها أنغليكانية فقد اعتادت "رؤية الكهنة لمدة 20 عاما يتجنبون استخدام الضمائر عند التحدث عن الله على وجه التحديد من أجل التأكيد على أن الله يتجاوز الجنس. لكني أعتقد أن فكرة أن الله كأب لها قيمة كبيرة".
القس أندرسون إرميا، كاهن أنغليكاني معين وعميد مشارك للمساواة والتنوع والشمول والناس في جامعة لانكستر، وهو أيضا عضو لجنة الإيمان والنظام في الكنيسة قال لواشنطن بوست: "عندما أشير إلى يسوع فإن يسوع هو رجل، وسوف أشير إليه بهذه الطريقة" بينما يفضل "استخدام استعارات محايدة عند الإشارة إلى الله".
لكن نقاد محافظين استبعدوا إمكانية حدوث تغييرات. من بينهم القس القس إيان بول، الذي صرح لصحيفة التليغراف بأن هذا الأمر يمثل تخليا عن عقيدة الكنيسة. وأضاف: "حقيقة أن الله يُدعى" أب "لا يمكن استبدالها بـ" الأم "دون تغيير المعنى، ولا يمكن تحييدها بين الجنسين إلى "الوالد" Parent دون فقدان المعنى.
وأضاف: "الآباء والأمهات ليسوا قابلين للتبادل ولكن يرتبطون بأبنائهم بطرق مختلفة."
وتقول الغارديان إنه ليس من الواضح "المصطلح الذي يمكن أن يحل محل مصطلح "أبانا" Our Father.
ومن جانبها، أكدت الكنيسة أنها لم تتخذ قرارا بعد، وستنظر لجنة الإيمان والنظام التي تقدم المشورة في" كيفية وصف الله ومخاطبته في الصلوات. ولا يوجد جدول زمني لهذه العملية "ولا توجد أي خطط على الإطلاق لإلغاء أو مراجعة الصلوات المسموح بها حاليا ولا يمكن إجراء مثل هذه التغييرات دون تشريعات واسعة النطاق".
ويعتقد ديفيد طومسون، الأستاذ الفخري لتاريخ الكنيسة الحديث في جامعة كامبريدج في رسالة لواشنطن بوست أن السؤال الرئيسي ليس ما إذا كانت لغة الكنيسة عن الله يجب أن تكون أكثر شمولا، بل بالأحرى كيف.
وقال: "مثل كل الأشياء، قد يتم عرض اللغة الشاملة بشكل جيد أو سيئ.. عادة ما يكون من السهل اكتشاف الأمثلة السيئة وتجنبها.. من الأسهل بكثير القيام بذلك بمجرد اكتشافه، والتوقف عن الجدل بشأن ما إذا كان يجب القيام بذلك أم لا".
هل يمكن أن يحدث في المنطقة العربية؟
وعما إذا كان بالإمكان حدوث هذا التوجه في المنطقة العربية، قال منصور الحاج، مدير "مشروع الإصلاح في العالم العربي والإسلامي"، التابع لمؤسسة (ميمري)، في تصريحات لموقع الحرة إن "من المبكر للغاية حتى التفكير في إعطاء "الإله" تصنيفا محايدا جندريا، ومن غير الواضح كيفية استخدام لفظ محايد باللغة العربية".
ويقول إن الإسلاميين سيرفضون هذا التوجه، وكذلك بعض الكنائس المتحفظة، "ومن المستبعد أن تتم مناقشته حاليا، وحتى الكتابات التي ستتطرق لهذا الموضوع سينظر إليه نظرة تغريبية وتكفيرية".
ويوضح أن التوجه الذكوري في اللغة العربية مرده الثقافة العربية القديمة، حيث سادت فكرة التفوق الذكوري، بسبب وضع المرأة في هذه البيئة، حيث لم يكن لها تأثير كبير في مسائل القتال في المجتمعات القبلية في ذلك الوقت، لذلك كان ينظر إلى الرجل باعتباره الأقوى والأفضل.
ويشير إلى أنه لا يعتقد بوجود ضمائر محايدة في اللغة العربية، وفي الإسلام يستخدم لغة الضمير المفرد الغائب "هو" وضمير الجماعة "نحن" في الإشارة إلى "الله" ويمكن الإشارة للنسوة والرجال بلفظ "نحن" على غرار they لكن لا يوجد ضمير محايد.
ويلفت إلى التوجه نحو استخدام جمع الأنثى وعدم الاقتصار على استخدام جمع المذكر للإشارة إلى الجنسين، مثل الحديث عن "السادة والسيدات"، ويشير إلى أنه في بعض المخاطبات الكتابية أصبح يتم إضافة "ات" التأنيث لإبراز هذا الأمر مثل الأعزاء/ات وإخوتي/اتي.