حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، من أن "ارتفاع مستوى سطح البحار يغرق المستقبل"، مبينا أنه "لا يمثل فقط تهديدا في حد ذاته، وإنما عاملا مضاعفا للأخطار الأخرى".
وجاءت تصريحات غوتيريش خلال نقاش مفتوح في مجلس الأمن على المستوى الوزاري بشأن ارتفاع مستوى سطح البحار وتداعيات ذلك على السلم والأمن الدوليين، وفقا للأمم المتحدة.
وقال غوتيريش إن "لمجلس الأمن دورا حاسما في بناء الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية المدمرة الناشئة عن ارتفاع منسوب مياه البحار". وشدد على "ضرورة العمل المشترك بشأن هذه القضية الحاسمة، ودعم حياة وسبل عيش المجتمعات والأشخاص الذين يعيشون في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة".
وقد يسبب ارتفاع مستوى سطح البحار عدة مشاكل بالنسبة لمئات ملايين الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من المناطق الساحلية المنخفضة حول العالم. ويهدد ارتفاع منسوب مياه البحار الأرواح والوصول إلى المياه والغذاء والرعاية الصحية.
ونبّه الأمين العام إلى أن تسرب المياه المالحة يمكن أن يتسبب في تدمير الوظائف والاقتصادات بأكملها في صناعات رئيسية مثل الزراعة ومصايد الأسماك والسياحة. ويمكن أن يتسبب هذا التسرب في تلف أو تدمير البنية التحتية الحيوية - بما في ذلك أنظمة النقل والمستشفيات والمدارس، خاصة عندما تقترن بظواهر الطقس المتطرفة المرتبطة بأزمة المناخ. ويهدد ارتفاع منسوب مياه البحار وجود بعض المجتمعات في الأماكن المنخفضة وحتى الدول.
وأصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مجموعة جديدة من البيانات التي توضح الخطر الجسيم لارتفاع مستوى البحار، وفقا للأمين العام.
فقد ارتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحار منذ عام 1900 بشكل أسرع من أي قرن سابق، وارتفعت درجة حرارة المحيطات العالمية خلال القرن الماضي بشكل أسرع من أي وقت مضى.
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه "حتى وإن اقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية، فسيظل هناك ارتفاع كبير في مستوى سطح البحار. وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجتين، فسيتضاعف ارتفاع مستوى سطح البحار، ومع زيادة درجات الحرارة بشكل أكبر سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى سطح البحار بشكل هائل".
وحذر الأمين العام من أن دولا مثل بنغلاديش والصين والهند وهولندا كلها في خطر في ظل أي من هذه السيناريوهات.
وقال "ستواجه المدن الكبرى في كل قارة تداعيات خطيرة، بما في ذلك لاغوس ومابوتو وبانكوك ودكا وجاكرتا ومومباي وشنغهاي وكوبنهاغن ولندن ولوس أنجلوس ونيويورك وبوينس آيريس وسانتياغو".
وأشار غوتيريش إلى أن الخطر سيكون حادا بشكل خاص بالنسبة لما يقرب من 900 مليون شخص يعيشون في المناطق الساحلية على ارتفاعات منخفضة.
الدول الجزرية الصغيرة وأفريقيا
وشهدت بعض المناطق الساحلية بالفعل ارتفاعا في مستوى سطح البحر بمعدل ثلاثة أضعاف.
وقال غوتيريش "لقد رأيت بعيني كيف يواجه الناس في الدول الجزرية الصغيرة النامية في غرب المحيط الهادئ مستويات ارتفاع سطح البحر التي تصل إلى أربعة أضعاف المتوسط العالمي".
وأوضح "في منطقة البحر الكاريبي، ساهم ارتفاع مستوى البحار في تدمير سبل العيش المحلية في قطاعي السياحة والزراعة. وقد أدى ارتفاع منسوب مياه البحار والتأثيرات المناخية الأخرى إلى بعض عمليات الانتقال الاضطرارية من مكان إلى آخر في فيجي وفانواتو وجزر سليمان وأماكن أخرى".
وتتسبب الفيضانات وتآكل السواحل في غرب أفريقيا في إتلاف البنية التحتية والإضرار بالمجتمعات، وتقويض الزراعة وغالبا ما تؤدي إلى خسارة في الأرواح. في شمال أفريقيا، يؤدي تسرب المياه المالحة إلى تلويث الأرض وموارد المياه العذبة، ويدمر المحاصيل وسبل العيش على حد سواء. ويعاني الصومال أيضا من تسرب المياه المالحة، مما يساهم في التنافس على موارد المياه العذبة النادرة.
وفي جميع أنحاء العالم، يؤدي ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى ذوبان الأنهار والصفائح الجليدية.
ووفقا لوكالة ناسا للفضاء، تفقد القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) ما معدله 150 مليار طن من كتلة الجليد سنويا. يذوب الغطاء الجليدي في غرينلاند بشكل أسرع – مما يؤدي إلى فقدان 270 مليار طن سنويا.
وتطرق الأمين العام إلى الكيفية التي يسبب بها ذوبان الجليد في جبال الهيمالايا، تفاقم الفيضانات في باكستان. ولكن مع انحسار هذه الأنهار الجليدية خلال العقود المقبلة، ستتقلص أنهار السند والغانج وبراهمابوترا بمرور الوقت.
كما أن ارتفاع منسوب مياه البحر المقترن بالتسرب العميق للمياه المالحة سيجعل أجزاء كبيرة من دلتا هذه الأنهار غير صالحة للسكن.
وقال "نرى تهديدات مماثلة في دلتا نهر ميكونغ وخارجها. ستؤدي هذه التهديدات إلى عواقب لا يمكن تصورها. يمكن أن تختفي المجتمعات في الأماكن المنخفضة والبلدان بأكملها إلى الأبد. سنشهد هجرة جماعية لسكان مناطق بأكملها على نطاق هائل. وسنرى منافسة شرسة على المياه العذبة والأراضي والموارد الأخرى".
ثلاثة مجالات رئيسية للعمل
وحذر الأمين العام من أن تداعيات ارتفاع منسوب مياه البحار بدأت بالفعل في خلق مصادر جديدة لعدم الاستقرار والصراع، داعيا إلى ضرورة العمل عبر ثلاثة مجالات في سبيل مواجهة هذا المد المتزايد من انعدام الأمن:
أولا، "يجب أن نعالج السبب الجذري لارتفاع مستوى البحار، وهو أزمة المناخ".
وقال "نحن بحاجة ماسة إلى مزيد من العمل المتضافر للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وضمان العدالة المناخية. يجب أن تمتلك البلدان النامية الموارد اللازمة للتكيف والمرونة في مواجهة الكوارث المناخية".
ثانيا، "يجب أن نوسع فهمنا للأسباب الجذرية لانعدام الأمن، وهناك عوامل تقوض الأمن، مثل الفقر والتمييز وعدم المساواة، والكوارث البيئية مثل ارتفاع مستويات سطح البحر".
ثالثا، "يجب علينا معالجة آثار ارتفاع مستوى البحار عبر الأطر القانونية وأطر حقوق الإنسان. ارتفاع مستويات سطح البحر يؤدي إلى تقلص مساحات اليابسة، وهو مدعاة للنزاعات المحتملة المتعلقة بالسلامة الإقليمية والمساحات البحرية. يجب أن يتطلع النظام القانوني الحالي إلى المستقبل ويعالج أي ثغرات في الأطر القائمة".